الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شروق الشمس في النرويج

طارق حربي

2021 / 2 / 15
الادب والفن


يوميات مضيق الرمال
(18)
شروق الشمس في النرويج
أشرقت الشمس صباح اليوم على الموجودات في مضيق الرمال.
ووقفتُ أتشَمَّسُ جوار مقهى في وسط المدينة بَكَّرَ إلى ارتيادها عشرة نرويجيين. جلسوا إلى طاولات متباعدة حسب تعليمات الوقاية من كورونا يتحدثون ويضحكون. والقومُ هنا يكثرون من الكلام في المحمول والمقاهي ومواقع العمل! ولهم الحق في ذلك فهم سجناء منازلهم أباً عن جد يقضون فيها معظم أوقاتهم. ولا شك أن شروق الشمس في سماء خالية من الغيوم في البلد البارد النائي فرصة طيبة للقاء الأصدقاء في المقهى، حتى إذا ما انتهوا من الكلام عن الطقس والعمل والطعام والحب والخيانة، وكورونا ولقاحها الذي أخطأ القطاع الصحي في الطريقة الصحيحة لفتح عبواته وتطعيم الناس، فالتقطتها الصحافة في فضيحة مدوية قبل شهرين، قد يتناول البعض منهم سيرة المارّة ممن يعرفون أو يجهلون! ومما أعجبني من كتاب الإنسان العاقل (ليوفال نوح هراري) أنه قال (هل تعتقدون أن الاساتذة الجامعيين حينما يجلسون في غرفة الأساتذة يتحدثون عن الفيزياء والرياضيات والفلسفة واللغات وغيرها .. لا أبداً، إنهم يتداولون النميمة فلانة صاحبتْ فلاناً وعِلّانٌ خان زوجته مع علّانة وهكذا!)

لم يبدأ ذوبان الثلوج في النرويج بعد وعادة ما يحدث في بداية شهر مايو. لكن بدأ الطقس بالتحسن منذ أيام. من ناقص 14 درجة مئوية ليلاً إلى ثلاث درجات نهاراً ليعود إلى الناقص 14 ليلاً! وبدتِ المدينة بعد الشروق وكأنما نهضت مخلوقاتها من سبات عميق وبدأت دورة حياة جديدة. حول شجرة أغدراسيل (Yggdrasill) التي تربط العوالم التسعة في علم الكونيات النورسية! وها هي إحدى أشجار الحديقة العامة المقابلة لشقتي المواجهة للشمس، لاذت بها العصافير وأخذت تزقزق على أغصانها اليابسة وتُشَنِّفُ الأسماع. مقرورة تحت أشعة الشمس تنفش ريشها وتعجب المارّة ولا سيما الأطفال والنساء. فصورها البعض منهم بالهاتف المحمول مع ابتسام ملء الوجوه الجميلة المعافاة.

بعد ذلك سرتُ في الشوارع المثلجة، المرشوشة بمُكَسَّرِ الحجر الناعم كيلا تنزلق الأرجل وتنكسر العظام وخاصة عظام الأطفال وكبار السن الهشَّة، ولاحظتُ لأول مرة في المدينة النظيفة كمّامات مستعملة مرمية هنا وهناك في الشوارع فتعجبتُ لذلك أشد العَجَبْ! وكانت السلطات الصحية فرضتِ ارتداءها بعد انتشار الفيروس المتحور في الفترة الأخيرة في المدينة. فلا يدخل الناس إلى أسواق الحوت إلّا بعد وضع الكمامات على أنوفهم. ومسح أيديهم بسوائل مطهرة وُضِعَتْ على عتبات السوق ومتاجره ومقاهيه ومطاعمه. النرويجيون والأجانب متقيّدون كأشد ما يكون عليه التقيّد بالأوامر. تبضعوا منذ وقت مبكر من الصيديليات ما يكفي من الكمامات. كما كنا في العراق نهرع إلى الأسواق لشراء الطعام وخزنه، بعد إطلاق إشاعات عن أزمات سياسية أو اقتصادية ستعصف بالبلاد. وما أن مررتُ قرب متجر (Narvesen) حتى حسبتُ أن أشعة الشمس المنعكسة على نثار الثلج أمام واجهته، ما هو إلّا نثار زجاجها حطمه سكران في الليلة الماضية! وما لبثتُ أن مررتُ بالمقبرتين المحيطتين بشقتي، كأنني كبير موظفي المفتشية العامة لوزارة الأوقاف العراقية! ألفيتُ شواهد القبور من سوداء ورمادية تحت انعكاس أشعة الشمس على أرض المقبرة المغطاة بالثلوج البيضاء الناصعة أكثر وضوحاً! أكثر من ذلك خُيِّلَ إليَّ أن عدد الشواهد تضاعف بعدما أضيف إليها في الآونة الأخيرة عشرات القبور لضحايا كوفيد-19! رغم أن العدد ثابت في عموم النرويج حتى اليوم وهو 592.
مع شروق الشمس بدت الطيور المحلقة في السماء والحاطّة على ساحل البحر، في انتظار من يطعمها من ذوي القلوب الرحيمة من النرويجيين والأجانب، أكثر من الماشين في شوارع المدينة وأسواق الحوت. عصافير ونوارس وغربان. الغراب طير ذكي ولا تدهسه السيارات مثل بقية الطيور في شوارع العالم، له قدرة عجيبة على مقاومة البرد القارس في النرويج ووجوده هنا قبل وجود الإنسان. ويوجد منه حسب إحصاء عام 2013 حوالي 300 ألف زوج يتكاثر. تُغري الإمدادات الغذائية في السواحل الكثير منها للبقاء والتكاثر. وفيما يبقى البعض منها في داخل المدن تغادر أفواج أخرى إلى السواحل حيث تُغريها الإمدادات الغذائية. أو إلى الدنمارك وألمانيا والجزر البريطانية. لتعود مع تحسن الطقس في شهري مارس وأبريل. تعود لتخبر إله الحكمة أودن، بما له من سيطرة عليها، بأخبار العالم، فهم أحفاد هوجن وموجن اللذان يقيمان على كتفيه في الأساطير النرويجية!

ويبدو أن زوجاً من الغربان يحطان على سقف المبنى المقابل لشقتي ليسا من ضمن قائمة المهاجرين لهذا العام رغم البرد القارس هذا العام!
أما كيف تحصل الغربان على طعامها فقد لا حظتُ أنها تنبش في صناديق النفايات الموجودة في خلف المبنى، إذا ما تأخر عمال البلدية في حملها إلى مناطق الطمر الصحي ولا سيما في عطلة نهاية الأسبوع! تنقر في الأكياس وتمزقها بمناقيرها القوية وتنثرها نثراً على الأرض وتستخرج منها فتات الطعام، لتقتات عليها طوال الأشهر قارسة البرودة!
15/2/2021
Sandefjord








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي