الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التصعيد الدرامي ،تجليات الأسلوب السردي وإخراج المسكوت عنه من شرنقة الخطيئة-في قصة -توأم الرّوح- للشاعر والقاص التونسي د-طاهر مشي

محمد المحسن
كاتب

2021 / 2 / 15
الادب والفن


الولوج إلى عالم د-طاهر مشي القصصي دخول ممتع وشيق،و تزداد المتعة إذا كان الدخول عبر بوابة الربط بين القصة القصيرة و الدراما.وسوف نتوقّف هنا عند قصة "توأم الروح" التي اعتمد القاص د-طاهر مشي في كتابتها بناء دراميا.
من المعروف أن السيطرة الفنية على أبعاد الشكل فى الفن مسألة فى غاية الأهمية والصعوبة لايستطيعها غير فنان قادر على السيطرة على أدوات فنه خاصة فى فن مرهف مراوغ كفن القصة القصيرة،ومن الطبيعى أن ثمة أعمالا قصصية يحتل فيها الشكل البنائى حيزا يخل بالعلاقة بين الشكل والمضمون أوـ بتعبير أدق يخل بالنسب الدلالية لمكونات الشكل الفنى غير أن هذا الخلل لايجعل العمل الفنى شكليا فقط،وإنما يخل بأحد مقومات بنية الشكل،وهو الانسجام الجمالى لمكونات الشكل،وهذا الخلل هو دليل حسى على اضطراب المضمون لدى القاص أو قل اضطراب التجربة لديه فهى مشوشة لم تتبلور وضبابية لم تتحدد،وهذا يؤكد أن (شكل القصة أو القصيدة مرتبط أصلا بالوظيفة التى تشكل من أجلها مادام قد كتب لقارىء فى مجتمع قائم الآن أو سيقوم فى المستقبل،وهذا التواشج بين الشكل والوظيفة يؤكد على أن الاهتمام بالشكل ليس مجانيا وإنما هو تعبير عن مدى الاهتمام بمدى قدرة المبدع على تحقيق أغراضه) ( 1)
هنا أريد أن أشير إلى أن مفهوم الشكل ليس على معنى الوعاء المجرد الذى ينصب فيه المضمون بل الشكل هو التعبير والبناء معا والقدرة على ـ توتير الجدل ـإن صح التعبير بين العناصر الجمالية الشكلية لخلق الدلالات الإنسانية للقصة وذلك من خلال الاستجابة سواء ـ لدى الكاتب أو القارئ ـ لمفاهيم التوازن والوحدة والاستمرار فى بنية الشكل نفسه بمعنى أن يتحقق فى النص هذا التوازن بين العناصر الجمالية التى تتفاعل من خلال وحدة انطباع إنسانى ما فى كافة مكونات الشكل القصصى،وعندما يتجادل الرمز وما له من محددات فنية مع الشكل القصصى وما له من محددات جمالية،يصير الشكل الرمزى للقصة ذا دلالة خاصة (فالشكل ليس الرموز وإنما هو التعبير الكلى بالرموز.. فليس المخطط الهندسى للقصيدة ـ أو القصة ـ هو شكل القصيدة أو القصة ـ بل الشكل فى العمل الأدبى التعبير البنائى وليس المخطط الهندسى) (2)
فإذا انتقلنا إلى قصة (توأم الرّوح) للشاعر والقاص التونسي د-طاهر مشي وجدنا القاص يدخلنا إلى عالم الشباب العذب الذى يظل أفق عنفوان على مدى عمرنا كله،والكاتب يبنى قصته من ومضات ارتدادية اختزنتها الذاكرة وهجعت في ثناياها لتطل علينا فجأة من نافذة الحياة المفتوحة دوما على مفاجآت عديدة قد تسعدنا أو تزيد من مواجعنا وفق مسار الحياة..
تجليات السرد وثراء اللغة:
ثقافة القاص وتمكنه جعلته يقترب كثيرا من نفسية المتلقي،فرغم استخدام القاص للغة الشعرية، التي تكثر فيها الصور الشعرية والبيانية،من استعارة وتشبيه وغيرهما من المحسنات،إلا أنها قريبة جدا من المتلقي وتحث المتلقي على المتابعة،وقد تخلل العمل أنواع من السرد، فاستخدم القاص ضمير الغائب،والحوار أحياناً،والمنولوج الداخلي،فقد تنوعت أساليب السرد القصصي لتخدم العمل.
يشير القاص إلى أن الهروب لا يجدي في الكثير من الأحيان،وأن على المرء مواجهة واقعه بكل ما فيه من مآس ومعاناة،وألا يتعامى عنه بالهروب إلى الأمام،على أمل أن تتبدد غيوم المآسي التي تغرقه وتحاصره من تلقاء نفسها،وأن المواجهة فعل بطولي رغم ما قد يترتب عليه من نتائج مؤلمة،لكنها تكون أقلّ إيلاماً وإيذاء من الهروب والتعامي.
خلاصة القول: نجح الكاتب د-طاهر مشي في إخراج مارد النفس البشرية غير المرئي من غوره البعيد،وكشف لنا "زلاته"أملاً في مواجهة القيود المجتمعية التي كبلته والخلاص منها.
وإلى القارئات الفضليات والقراء الكرام هذه القصة القصيرة ولهم حق التفاعل والتعليق:
توأم الرّوح
ما يزال احمد كعادته، يثابر ويعمل ويشقى وراء لقمة العيش،فقد دأب منذ سنوات عديدة،على العمل وتوفير لقمة العيش الكريم،لقد غادر مقاعد المدرسة في سن مبكرة إذ لم ينهي دراسته بسبب تردي الأوضاع وانتشار الفقر الذي هدم كل أحلامه..
لطالما أراد أن يواصل مسيرته الدراسية والالتحاق بالجامعة ليتخرج كبقية زملائه فقد كان ذكيا ومتميزا في الدراسة سيما انه اختار شعبة الرياضيات وتميز فيها.
كان أحمد يسافر من بلدته الصغيرة إلى الولايات الداخلية للبلاد بحثا على رزقه ومساعدة أهله..
صادف أن وجد عملا في إحدى الولايات،حيث أقام هناك مدة شهر تقريبا لينهي العمل الموكل إليه،وخلال تلك الأيام البسيطة تعرّف على أحد الفتيات،وقد كان زمنئذ فتيّ شابا مراهقا في سن العشرين،وكان خلقه جميلا، ذا شعر غث منسدل على الأكتاف،كما أنه متوسط القامة ويتمتع ببنية جسدية جيدة..
نشأت بينهما علاقة ليتهورا في أحد اللقاءات ويقع المحظور بينهما..
مرت الأيام وانهي أحمد عمله في تلك الولاية وما كان منه إلا آن ينتقل إلى ولاية أخرى ناشدا رزقه وتوفير لقمة العيش،
كانت لقاءاته قليلة مع تلك الفتاة،حيث لم يقابلها إلا مرات معدودة،حاول أن يودعها قبل رحيله من تلك البلدة،ويعلمها بمغادرته،لكن الأقدار حالت دون لقياها،إذ تفطنت والدتها لهذه العلاقة-المسترابة-مع الشاب الغريب الذي لا يعرفونه ومنعت عنها الخروج من المنزل،
غادر أحمد آملا أن يلتقيها ذات يوم،عل وضعه يتحسن وتتطور علاقتهما لأكثر من مجرد لقاء أو نزوة عابرة،
واصل أحمد عمله في مدينة أخرى لعدة سنوات وكان يساعد إخوته وأهله،وانشغل في متاهات الحياة المتشعبة..وتقدّم به العمر..
اشتغل أحمد في إحدى الشركات الكبيرة للمناولة،وماهي إلا سنة أو سنتين حتى تم نقله إلى العاصمة،هناك حيث قرر أن يتزوج ويستقر بعد رحلة عمل امتدت عبر سنين طوال..
تزوج أحمد إبنة عمه التي يعرفها منذ الصغر وغادرت معه للعاصمة حيث أنجبت له بنتين وولدين،وهاهي العائلة تكبر شيئا فشيئا.
تجاوز أحمد الأربعين من عمره،وقد كبر أبناؤه، وبات ابنه البكر شابا تجاوز العشر سنوات، وكانت زوجته تساعده في شؤون البيت حيث تشتغل في إحدى المعامل هناك،ويسر الله الطريق أمامه وعائلته الكريمة.
انتقلت إلى المعمل الذي تشتغل فيه زوجته بنتا اسمها سامية في مقتبل العمر من جهة الجنوب، كانت شابة دافئة وجميلة،أنيقة ومتخلقة،وقد نشأت بينها وبين زوجة أحمد علاقة ود ومحبة وكانت تعتبرها بمثابة ابنتها،وكانت دائما تحكي على خصالها وجمالها لزوجها أحمد،
وصادف أن قدمت لها دعوة في أحد الأسابيع لتزورهم في البيت وتتعرف على أبنائها وزوجها، حيث كانت تقطن منزل صحبة بنات أخريات،قضت سامية صحبتهم آخر الأسبوع وقد استأنس وجودها الصغار وزوجها أحمد لجمال خلقها وطيبتها،وقد أحست بدورها بالدفء الأسري الذي تعيشه العائلة الكريمة..
كانت الطباع متشابهة،ولم تجد البنت مشكلا في التأقلم مع العائلة،حيث كان أحمد بدوره من جنوب البلاد وكانوا يقتسمون العادات والتقاليد مع بعضهم البعض،
تتالت زيارة سامية كلما كانت نهاية عطلة،وباتت فردا من عائلة أحمد،وكان يعتبرها كإبنته الكبرى،وقد تعلق بها صغاره،وباتت جزءا من العائلة.
لاحظ أحمد تعلق صغاره بها..
أسابيع عدة وهي تزورهم كل آخر أسبوع،لكن لإختلاف الطبائع وكذا العادات تراكمت المشاكل بينها وبين صاحباتها في السكن،ومن ثم قررت البحث عن مكان آخريمكن أن يؤويها،صحبة إحدى صديقاتها،ولكن زوجة أحمد اقترحت عليها أن تقيم عندهم لفترة،وهي التي تعتبرها كإبنتها،وفردا من العائلة ريثما تتغير الأحوال..
بصعوبة كبيرة وافقت أن تقيم في منزل احمد وقد وجدت الرعاية،العناية والحضن الدافئ والمعاملة الجيدة لما تكنه لها زوجة أحمد من ود..
زاد تعلقها بعائلة أحمد كما هو شانهم معها،وباتت فردا منهم..
كان لها وجه شبه كبير من أحمد،ففي إحدى الأيام حيث كان أحمد يتبادل الحديث مع زوجته ويضحكان دخلت سامية بجوارهما،فقالت زوجتة:
إنها تشبهك يا أحمد،لكما نفس العينين ونفس تقاسيم الوجه وهي تضحك،
أجابها حينهامبتسما : نعم إنها ابنتي الكبرى..
لكن التشابه بينهما جد كبير،ومن هنا بدأت الشكوك تساور أحمد وتسافر به بعيدا الأمر الذي دفعه كي يسألها عن موطنها،وعنعائلتها ونمط حياتهم..
أخبرته سامية أنها تنحدر من إحدى ولايات الجنوب،وهي تعيش صحبة جدتها،حيث أن أمها قد فارقت الحياة وهي صغيرة لا تعي في الحياة شيئا، أما والدها فهي لا تعرفه أيضا فقد أخبرتها جدتها أن والديها توفيا في حادث سير معا في المدينة التي يقطنوها وقد تكفلت هي بتربيتها إلى أن درست الخياطة وتحصلت على شهادة كفاءة وهاهي تعمل منذ سنين في هذه الشركة بإحدى ضواحي العاصمة..
جلس أحمد يحدّث نفسه،ويتفحص الأمر،يستنفر الذاكرة وقد عادت به الذكرى لأيام الشباب، وتذكّر أنه عمل بتلك المدينة مدة من الزمن وانه تعرّف على بنت هناك وانقطعت علاقته بها حالما غادر المدينة،
لم يتجرأ على البوح ما يجول في مكنونه ولكنه عزم على استجلاء الحقيقة حالما تسنح له الظروف. لأن البنت سامية صارت كإبنته ولا سيما الإحساس الذي يراوده منذ أن قابلها أول مرة،...
(د-طاهر مشي)
هوامش:
1) فؤاد دوّارة: نجيب محفوظ من القومية إلى العالمية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1989، ص 243
2) فاضل السباعي: حزن حتى الموت، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1975.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا


.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه




.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة