الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ين حرية التعبير ومسؤولية التعبير

خالد خالص

2021 / 2 / 15
دراسات وابحاث قانونية


يقول المناطقة نقلا عن أريسطوطاليس بأن "الانسان حيوان ناطق"، بمعنى أن الانسان يتكلم ويتحدث عكس الحيوان. كما يقول مارك فيمارولي في كتابه "سن البلاغة" بأن الشخص إذا أحسن الكلام اقترب أكثر من الانسان. والكلام في جميع الاحوال غريزة بشرية لأن الإنسان كتلة من المشاعر والأحاسيس يبحث على من يصغي اليه ويفهمه ويشعره بوجوده.
ومن تم فالكلام حق طبيعي ومعتاد عند الإنسان الى درجة أن الآباء ينتابهم الهلع عند عدم انطلاق الرضيع في الكلام وهو قد بلغ سنته الثانية ليسرعوا به عند مختص في النطق لأن عدم القدرة على الحديث تعد إعاقة. كما تكمن أهمية التحدث في كونه وسيلة من وسائل التواصل الضرورية للإنسان مع الآخرين الى جانب السمع والقراءة والكتابة والرسم والكاريكاتور والغناء والسينما وحتى الإشارة وغيرها والتي تدخل كلها ضمن وسائل التعبير.
ويعتبر الحق في التعبير من الحقوق المقدسة للإنسان التي تجسد تطلعاته الفطرية، وعن ضرورته اليه للعيش المشترك في المجتمع أو في الجماعة. وقد حظي هذا الحق باهتمام بالغ من قبل الديانات السماوية، ومن قبل الأمم والشعوب، في المواثيق والعهود الدولية وكذا في الإعلانات والدساتير الداخلية للدول، بغض النظر عن الوسيلة المستعملة في التعبير، شريطة عدم تجاوز هذا الحق الى ما هو ممنوع قانونا كالتشهير والتحريض على ارتكاب جريمة أو فاحشة على سبيل المثال لا الحصر.
لذلك سنقسم هذه الدراسة الى فقرتين نهتم في الأولى بحرية التعبير عبر التاريخ وفي الثانية بحدود هذه الحرية.
الفقرة الاولى – بلورة حرية التعبير عبر التاريخ
كثيرا ما يعيب الغرب على الدول الإسلامية بُعدها عن حرية الرأي والتعبير. إلا أنه بالرجوع الى الحضارات الإسلامية فإننا نجد بأن الشرع قد كفل هذه الحرية للمسلم وذهب الى أبعد من ذلك حين جعلها واجبا عليه منذ أن ألزمه بالنصيحة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يمكن للمسلم القيام بهذه الواجبات إن لم يكن يتمتع بحقه في إبداء الرأي. وقد دافع الفاروق رضي الله عنه عن حرية الانسان عندما قال: "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"
كما أن الاجتهاد الذي يحث عليه الإسلام ويجعل المسلم يعتمد على عقله وتفكيره والذي نشأَتْ عنه مذاهب الفقه الإسلامي يجسد حرية التفكير ويعمل على إثراء الدراسات الفقهية، وإيجاد الحلول للمسائل التي لم تكن قائمة عند ظهور الإسلام بحيث يعتمد المسلم على عقله وتفكيره.
وترجع بدايات المفهوم الحديث لحرية الرأي والتعبير في الغرب إلى القرون الوسطى في المملكة المتحدة بعد الثورة التي أطاحت بالملك جيمس الثاني من إنكلترا عام 1688 ونصبت الملك وليام الثالث من إنكلترا والملكة ماري الثانية من إنكلترا على العرش إذ أصدر البرلمان البريطاني بعد سنة قانون "حرية الكلام في البرلمان"
وعرفت فرنسا ثورة ثقافية حقوقية لنقل النظام من الملكية المطلقة الى ملكية دستورية توجت في عهد لويس السادس عشر بالإعلان عن حقوق الانسان والمواطن المؤرخ في 26 غشت 1789 الذي صاغه الماركيز ذي لافاييت وصادقت عليه الجمعية العامة. واعتمد محرر الإعلان العديد من المبادئ الفلسفية والسياسية لجان جاك روسو ومنتيسكيو وربما يكون قد استلهم أيضا من إعلان الاستقلال الأمريكي المؤرخ في 3مايو 1776 وإعلان فرجينيا للحقوق المؤرخ في 12 يونيو 1776 الذي صاغه جورج مايسون.
وتنص المادة 10 من الإعلان الفرنسي على أنه لا يمكن مضايقة أي كان بسبب أفكاره ولو كانت دينية شريطة ألا يزعج ذلك النظام العام الذي يقره القانون . كما ورد بالمادة 11 من هذا الإعلان على أن تبادل الأفكار والآراء تعد من الحقوق الثمينة للإنسان وأي شخص بإمكانه أن يتحدث وأن يكتب وأن يطبع بحرية شريطة تحمله مسؤولية الافراط في هذه الحرية في الحالات التي يحددها القانون . ويجد الباحث هاتين المادتين في تصدير دستور الجمهورية الخامسة لفرنسا لسنة 1958. إلا أن الحرية كما حددتها المادة الرابعة من إعلان حقوق الإنسان الفرنسي هذا هي قدرة الإنسان على إتيان كل عمل لا يضر الآخرين.
وجاءت بعد ذلك المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان ليوم 10 دجنبر 1948 لتنص على أن: "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود". كما ينص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بالمادة 19 على أن لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة وأن لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشتمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها الى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
وينص الفصل 25 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها وأن حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة. كما ينص الفصل 28 منه أن للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة.
إلا أن حرية التعبير لا تعني حرية الفوضى ولا تعني حرية المناداة بخرق القوانين إضرارا بالآخرين وبالمجتمع كما ورد بالدستور لان حرية التعبير لها حدود لا يمكن تجاوزها كما ورد ذلك بالمادة 19 الفقرة الثالثة التي تنص على أن ممارسة الحقوق المرتبطة بحرية الرأي والتعبير تتبعها واجبات ومسؤوليات خاصة ويجوز إخضاعها لبعض القيود شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الاخرين أو سمعتهم ولحماية الامن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
الفقرة الثانية - بين الحرية والمسؤولية
لا أحد يناقش حرية الانسان في تفكيره وتأملاته وحقه في التعبير عنها سواء تعلق الأمر بحياته الخاصة أو العامة وفي أي مجال. وإذا كانت حرية الفكر والتعبير حق مقدس لكل إنسان، فهذه الحرية تقف عند قيود معينة لأنها ليست بحرية مطلقة كما يتصور البعض، لأن ذلك سيكون ضربا من الخيال، وإنما حرية مقيدة بالنظام العام والمصلحة العامة ومرتكزات أخلاق المجتمع أو ما يعرف بالآداب ومعتقداته.
ففي الإسلام لا يحق للإنسان أن يقول أو يكتب أو ينشر ما يشاء إذ من الممكن للإنسان أن يقول أو يكتب أو ينشر كلاما يتهكم من خلاله على الدين أو يسب به الله عز وجل أو يشكك فيه أو يشتم به الرسل والأنبياء فيكفر به وربما يقتل بسببه كما يمكن للإنسان أن يجلد حدا أو تعزيرا عند قوله سوءا في الغير على سبيل المثال لا الحصر.
وقد ورد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب" (رواه مسلم) وفي رواية للترمذي "يهوي بها سبعين خريفا في النار". وقد روى الترمذي أنه لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بأن يكفوا ألسنتهم على كل ما لا ينفع من الكلام قال له معاذ رضي الله عنه: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" وصححه.
وقد ورد في تصدير الدستور المغربي ليوم 29 يوليوز 2011 بأن "الهوية المغربية تتميز بتبوؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء."
وإذا كان الفصل 25 من الدستور ينص على أن "حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكاله" فإن الفصل 21 منه ينص على أن "لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه" كما أن الفصل 22 ينص على أنه "لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. ولا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية" و"لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة" (الفصل 23).
ولا بد من التأكيد على أن هنالك فرق شاسع بين مناقشة الأفكار والمعتقدات التي يضمنها الدستور وكذا المواثيق الدولية والقوانين الوطنية والهجوم على الأشخاص بقصد إيذائهم حيث يتدخل هنا المشرع الجنائي لتحديد هذه الأفعال التي يعدها جرائم بسبب ما قد تحدثه من اضطراب اجتماعي يوجب زجر مرتكبيها بعقوبات وبتدابير وقائية.
ونذكر على سبيل المثال لا الحصر - ودون الدخول في التفاصيل - المساس بالحياة الشخصية للإنسان، والتشهير بأمور تمس بشرفه أو باعتباره الشخصي وبحقه في الصورة، وانتهاج خطاب ممنوع من قبل القانون، كالتحريض على الكراهية، أو على العنصرية القبلية أو الدينية، أو الإشادة بالإرهاب أو بجرائم الحرب، أو السب والقذف وعدم الالتزام بالسر المهني وسرية التحقيق وعدم الالتزام بواجب التحفظ بالنسبة للقضاة والموظفين وكبار المسؤولين في الدولة ناهيك عن جرائم الصحافة الخ.
ويدخل الأمر ضمن الحماية القانونية للإنسان بصفة خاصة وللمجتمع بصفة عامة لأن حرية التعبير لا تعني مطلقا حرية الفوضى. وقد كان المجتمع على هذه الشاكلة حتى قبل حلول وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت تشجع اليوم العديد من مستعمليها على المس بالحياة الخاصة والعامة للإنسان والمس ببعض مؤسسات الدولة وهو ما تطلب تدخل المشرع هنا أيضا لردع كل من يستحق الردع حماية للاشخاص والمؤسسات وحماية حتى لحرية التعبير ولكن في إطارها المتعارف عليه عالميا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ستطبق دول أوروبية نموذج ترحيل طالبي اللجوء؟ | الأخبار


.. تقرير أممي يبرئ -الأونروا- ويدحض ادعاءات حكومة نتنياهو




.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان