الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرنيطة … أمّ شريطة صفراء!

فاطمة ناعوت

2021 / 2 / 16
حقوق الانسان


في كل "عيد حب"، يوم 14 فبراير، وزوجي يقدّم لي هدية الڤلانتين، أتذكّر الجملةَ العبقرية التي قالتها صديقتي الجميلة "هالة صدقي" في فيلم "خلطة فوزية". جلست السيدةُ شاردةَ العقل مع شقيقها على حافة النافذة، ينظران إلى بحر الإسكندرية. وفجأة نظرتْ إليه وهتفتْ بفرح طفوليّ: (فاكر البرنيطة اللي جبتهالي واحنا صغيرين؟!!) وحين اكتشفتْ أن شقيقها لا يتذكر، قالت بأسى: (البرنيطة أمّ شريطة صفراء! الرجالة بينسوا الحاجات دي! لسّه شايلاها لغاية دلوقت.) أدهشها أن شقيقها قد نسى تلك الهدية "الهائلة"، التي صارت كنزَها الخاص ونقطة ارتكاز في حياتها! لدرجة أنها انتشلتها من تحت أنقاض العمارة التي انهدمت على رؤوس قاطنيها فقتلت منهم من قُتل! لكن "البرنيطة أمّ شريطة صفراء" كانت عصيةً على الفناء. "البرنيطة" تحمل سرَّ الخلود الذي لم يتعلّمه البشرُ. تلك هي الفكرة المدهشة التي أراد المخرج المثقف "مجدي أحمد علي" أن يكرّس بها مفهوم "الذكريات" التي تغدو كلَّ ميراثِنا حين نكبُر، وقيمة "الهدايا" التي تصيرُ مع الوقت خزائنَ تلك الذكريات. للجمادِ ذاكرةٌ تحفظُ التواريخ والمشاعر، فلا تستخفوا بها.
كلُّ حبيب يعرفُ ما هي "البرنيطة أم شريطة صفراء" التي سوف تُسعد رفيقة العمر. يبذلُ بعض الجهد والتفكير حتى يحصل عليها ليقدمها لحبيبته. ليس مهمًّا أبدًا أن تكون غالية الثمن، أو أن يكون لها ثمنٌ على الإطلاق. يمكنُ لأصيص فخاريّ يحمل أوراقَ نعناع خضراء أو عود ياسمين يشرقُ في الطمي الأسود؛ أن يكون "البرنيطة" المنشودة. المهم أن يقدّمَ الحبيبُ تذكارًا يقول ما لا تقوله الكلماتُ. أتذكرُ الآن "هند صبري"/ الزوجة المطحونة في فيلم "أحلى الأوقات" حين قالت لزوجها بأسى: (عاوزة ورد يا إبراهيم! طول عمري نفسي في ورد! مافكرتش مرة تجيبهولي في عيد جواز، ولا في عيد حب، ولا في 6 أكتوبر حتى!) هذا زوجٌ ظنَّ أن الأولاد ومسؤوليات الحياة، قد تُنسي الزوجةَ "البرنيطة" التي تنتظرها من زوجها. لكن صعابَ الحياة تهونُ حين يتعلم الزوجان كيف يصنعان لحظات البهجة، مهما كانت قليلة وشحيحة، وخارجة عن سياق الكدّ والجدّ والكفاح من أجل لقمة العيش الصعبة.
مضى بالأمس عيد فلانتين، كل عامٍ وأنتم مُحبين وقد قدّم كلُّ حبيب وكلُّ حبيبة لرفيق العمر هدية تحملُ رسالة الحبّ. فالحبُّ هو سرُّ الوجود الأعظم وهو اللغزُ الذي منحنا كلَّ هذا الميراث الضخم من الأغنيات والأوبرات، والمسرحيات، والروايات، والقصائد والمقطوعات الموسيقية. الحبُّ هو القوة العجيبة التي دفعت الإنسانَ ليبدع القطع النحتية واللوحات التشكيلية والأساطير. هو الكيمياءُ التي تصنعُ المشاعر وتخطف العقول، وتجلب السعادة مثلما تجلبُ الحَزَن. إنه الحب الذي جَمَّلَ العالمَ وغمر البشرَ بالبهجة والفرح. إنه الحبّ الذي حين يُستخَفُّ به، قد يسبب أشدَّ ألوان العذاب النفسيّ والجسدي والعقلي كذلك. هو لغزٌ اسمه الحبُّ. أحبِّوا، تَصِحّوا، مثل الطفل "كيوبيد" الذي لا يكبر أبدًا. دعونا نقشِّر الكراهيةَ عن أرواحنا، لأنها تؤذينا نحن أكثر مما تؤذي مَن نكره. دعونا نكتشفِ البهجةَ في الأمور البسيطة، مثل شروق الشمس وتفتح زهرة وحفيف أوراق شجرة، وزقزقة عصفور وعيون طفلة. دعونا نتذكّر أن السعادة مثل حصّالة الأطفال؛ نضعُ فيها كلَّ ما بوسعنا أن ندخره لأيامنا القادمة. دعونا نتعلّم أن العالمَ مرآةٌ ننظرُ إليها. إن ابتسمنا سوف يبتسمُ العالمُ في وجوهنا، فلماذا نقطِّبُ الجبينَ في وجه الناس؟! دعونا لا ننسى حديث النبي: “لن تدخلوا الجنّةَ حتى تحابّوا. ألا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلامَ بينكم.” والسلامُ في الحديث الشريف لا يعني أن نقول "السلامُ عليكم"، إنما بالمعنى الواسع الشامل للسلام، الذي يبدأ وينتهي عند ناصية "الحبّ". فأنت لن تسالمَ مَن تكره، بل مَن تحبّ، ولن تأمَن جانبَ، إلا من أحببت، ولن تُؤمّن جانبَ إلا من تُحبّ. دعونا نتأمل فلسفة "الحبّ" بمعناه الأشمل الصحيح. الحبُّ كما أرشدنا إليه أفلاطون في مثلثه المعروف: الحقُّ- الخيرُ- الجمال.
14 فبراير هو يوم إعدام القديس فلانتين الذي كان يُزوّج العشاق سرًّا في كنيسته رغم أنف الإمبراطور الروماني الذي منع زواج الجنود. وهو بداية موسم تزاوج الطيور في إنجلترا وفرنسا. لهذا أصبح سِمةً للرومانسية، يتبادلُ فيه العشاقُ، والأصدقاء، بطاقاتِ التهنئة والهدايا. وترقدُ لليوم، في مكتبة لندن، أقدمُ تهنئة في التاريخ، من عاشق لحبيبته في عيد الحب. وكانت من تشارلز، دوق أورليانز، لزوجته حين كان سجينًا في برج لندن في القرن ال15. طوبى لكل من لديه قلبٌ يُحبُّ، وطوبى لَمن يحبّ الوطن. “الدينَ لله، والوطنَ لمن يزرعُ الحبَّ في الوطن.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - واقع التفكك الأسري جد مؤسف
عبد الله اغونان ( 2021 / 2 / 17 - 12:22 )
لاتنفع معه هذه الذكريات السينيمائية
البعيدة عن واقع المصريين

اخر الافلام

.. اعتقال رئيسة وكالة مكافحة الفساد في الجبل الأسود بتهم تتعلق


.. لازاريني: المجاعة -تحكم قبضتها- على قطاع غزة • فرانس 24




.. مجازر وجرائم مستمرة وتفاقم الوضع الإنساني في غزة


.. «أكسيوس»: عباس يرفض التراجع عن التصويت على عضوية كاملة لفلسط




.. الأمم المتحدة: المجاعة التي يواجهها شمال غزة معقدة جدا