الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كما رواه شاهد عيان: الباب الثاني

دلور ميقري

2021 / 2 / 16
الادب والفن


1
كنتُ أفكّر، أنّ من سخرية القدَر أن أنجو بجلدي من أولئك الثوار في باريس، المجدّفين في أمور الدين، لكي أقع في مدينةٍ إسلامية محافظة، تَصِمُ النصارى بكونهم كفاراً. وها أنا ذا أعيشُ بين ظهراني هؤلاء المحافظين، بشرائي منزلاً في حي القيمرية داخل دمشق القديمة. حتى تكتمل المفارقة، سأعلمُ سلفاً أن صاحبَ البيت الأصليّ كان دَعيّ نبوّة أو ربما عُرف بقدرته على التنبؤ.
بدا البيتُ كما لو أنّ أصحابه غادروه قبل ساعة، وليسَ مهجوراً منذ عقود طويلة. إذ أهتم الجيرانُ بنظافة المنزل، وكانوا يسقون بانتظام حديقته. فعلوا ذلك، إيماناً منهم بالرجل المبارك، المدفون تحت ظلال الأشجار المثمرة؛ وكان قد اشتهر بالمعجزات والكرامات في حياته ومماته على حدّ سواء. كان البيت صغيراً، مكّوناً من حجرة نوم واحدة على شكل القنطرة، فيما حجرة أخرى استعملت كمطبخ. وكان يفصل بين الحجرتين رواق، يُشبه أيضاً القنطرة. لقد خضع المنزل لعملية ترميم شاملة، تعهّدها المشتري الأخير أو سلفه. كان هذا بالضبط ما رغبتُ فيه، أنا مَن كنتُ مصاباً برهاب الحجرات الكثيرة ذات الممرات المذكّرة بالمتاهة، التي كانت تشكّل قصرَ الأسرة الباريسيّ.
هنا في هذا البيت الصغير، فكّرتُ في نفسي، لو كان ثمة شبحٌ فإن مجال حركته تبقى محدودة. مع أن إيمانيّ المسيحيّ بعيدٌ عما يُبشّر به الخوارنة، إلا أنني أعتقدتُ دوماً بالسحر والقوى الخفيّة، وبالتقمّص. لم تكن عبثية، إشارتي إلى الشبح، طالما أنّ الجيران أكّدوا رؤيته وهوَ يتنقل بين الحجرات والحديقة. بالطبع، معلوماتي استقيتها من السيّد خليل لا من البائع، الذي كان يود التخلّص من المنزل ولو عن طريق بيعه بثمن زهيد.
" كون المنزل مهجوراً منذ ثلاثة عقود تقريباً، فلا بد أن الشبحَ أصحى مُسنّاً "، قلتُ لخليل بنبرة تهكّم بعدما تمت عملية البيع. كنت قد رغبتُ بجعل عقد البيع باسمه، لكنه لم يوافق. وكانت حجته أن البائع ليسَ من سكان القيمرية، وبالتالي ليسَ مهماً لو عرف حقيقة شخصي. هذا الأخير، تخلّى لي بكرم عن أثاث المنزل وكان ما يفتأ جيداً وسليماً. لم يمكث السيّد خليل طويلاً عقبَ الانتهاء من عملية نقل الملكية، لكنه أبلغني بعودته إليّ في مساء الخميس القادم مع بقية الأصدقاء: " وعلى فكرة، سيبدأ صيام رمضان في يوم الجمعة "، أضافَ مبتسماً مع شيء من الحَرَج. خرجتُ معه على الأثر، وكان في نيّتي أن أتناول الغداء في المطعم ومن ثم شراء بعض الحاجيات من السوق. توادعتُ معه عند باب الدار، ثم مضى كلّ منا في طريقه. إذاك تذكّرتُ كيسَ أغراضي، وكان ما يفتأ في حجرتي بالخان، ما جعلني أقصد ذلك المكان أولاً. برجوعي إلى المنزل، أخرجتُ من الكيس كتبي الأثيرة، ووضعتها في خزانة جميلة كانت مركونة عند حائط حجرة النوم. عندئذٍ انتبهتُ لوجود أوراق، حال لونها إلى الاصفرار، وكان عليها رموزٌ فلكية غريبة. فكّرتُ أنها لا بدّ وتعود للرجل المبارك، ولعلها لم تمسّ مذ فترة رحيله عن العالم. عندما حلّ الليل، عمدتُ إلى توزيع عدد من الشموع المشتعلة في الرواق، بينما أنيرت حجرة النوم بقنديل كبير: هكذا سأواجه الشبحَ، قلتُ في نفسي، لو جازفَ بالخروج من القبر أو من الكثافة!

أعتقد أنّ نومي كان هادئاً لحين مجيء الفجر، حيث أفقتُ على حركة غريبة. أصختُ السمعَ وأنا بين اليقظة والمنام، إلى أن تيقنتُ بأنه عصفورٌ يتنقل بين الرواق والمطبخ المفتوح على الحديقة. بقيتُ أتقلّب في فراشي ساعة أخرى، لأتيقن هذه المرة باستحالة عودتي إلى النوم. نهضتُ على الأثر لأغتسل في الحمّام، لأفاجأ عندما لم أجد ماءً في البرميل الصغير، الموضوع هناك. كنتُ واثقاً من امتلاء البرميل، أنا من نقل إليه الماء بالأمس من البئر، الكائنة على طرف الحديقة. ظللتُ حائراً للحظات طويلة، وكانت فكرةٌ وحيدة تتأرجح في ذهني: ثمة تفسير وحيد للأمر، وهوَ أن " أحدهم " يبتغي العبث معي.
عدتُ إلى الحجرة عن طريق الرواق، وكان معتماً بالنظر إلى أن الشموعَ قد ذوت. رفعتُ درجةَ نور القنديل، وكان في نيّتي أن أتلهى عن هواجسي بقراءة أحد الكتب. لكن عينيّ كانتا تمران بين الأسطر عبثاً، بينما فكري في مكان آخر. مكثت على هذه الحالة، غائباً عما حولي، إلى أن تسللت أشعة الشمس إلى جانبٍ من الرواق. نهضتُ عندئذٍ وأطفأت ضوء القنديل، ثم وليتُ وجهتي إلى ناحية الحديقة، أين توجد البئر. اكتفيت هناك بغسل وجهي، كما لو أنني أردت التأكّد من وجودي على أرض الواقع لا على أرض الحلم. شلال الشمس، المنهمر على الحديقة، كان قد أيقظ الطيور والهوام، لتشدوا معاً بسمفونية النهار الجديد. عند ذلك، انتشرت روائحُ أزهار الربيع ولاحقتني إلى داخل الدار. ولا مِراء أنها أزهارٌ خالدة، ما لو تشبثت بعنادٍ في التربة طوال ثلاثة عقود؛ متحولةً إلى بذور في كل مرة.
بعد تناولي فطوراً دسماً، مكوّناً من البيض المسلوق والزيتون والجبنة، آثرتُ النهوضَ على الفور لبدء جولة في المدينة القديمة، وذلك قبل أن تسخن الشمس. في أوان الظهيرة، شعرتُ بالجوع، فتناولت الغداء في مطعم الأمس. أذان الظهر، المرتفع بصوتٍ جميل من مكان ما، حثّني على التفكير بزيارة المسجد الأمويّ. غبَّ فراغي من الأكل، وشرب قدح منعش من الشاي المخلوط بأوراق النعنع الطرية، قمتُ لأتجه إلى ناحية ذلك المسجد العريق.

2
" طريقُ دمشق "؛ إنه عنوانٌ يعرفه كل مسيحيّ مؤمن، بما أنه يرمز إلى رحلة هداية الحواريّ، المنتهية بروما، وكان من نتيجتها انتهاء مرحلة الوثنية في القارة العجوز. ليتَ أننا نستعيدُ وحدةَ الإيمان، المجسَّدة في الرحلة تلك، بعدما أصبحنا على مذاهب ثلاثة، متخالفة متناحرة، علاوة على مئات الفرق الهرطوقية وكلها تكفّر بعضها البعض. ناهيك عن فساد الكنيسة؛ حتى لقد انتشرَ قولٌ ساخرٌ منذ القرن الرابع عشر، بأنه بدلاً عن تبعية البابا للقيصر فإن القيصر باتَ هوَ التابع للبابا. لعل ابتلاونا بالثورة مؤخراً، التي تزعمها علمانيون ملحدون، كان من واردات الحالة المزرية، الموصوفة، للإيمان المسيحيّ.
لكن دمشق كانت مدينة مقدسة بنظر الوثنيين أيضاً، تعهّدت الآلهة " مينرفا " حمايتها على مر القرون. بدَورهم، أعتقد اليهود أنها مدينة سبعمائة نبيّ، كان أولهم إبراهيم، فنسبوا مغارة إليه تقع في قرية برزة على بعد فرسخ من دمشق. ومضوا أبعد من ذلك، ليأكدوا أن مغارة أخرى، كائنة بسفح قاسيون فوق ضاحية الصالحية، ما زال على إحدى صخورها دم هابيل لا يُحال على مر الأزمان. المسلمون، تبنّوا المغارتين، فبنوا مسجداً على كلتيهما. هذا كان أيضاً حال البقعة المقدسة، المشكّلة مركز دمشق القديمة، التي تعاقبَ عليها عبدة الأوثان والإله الواحد: أرتفع فيها، أولاً، معبدُ " جوبيتر " الرومانيّ، ثم كنيسٌ يهوديّ، فكاتدرائية عظيمة باسم يوحنا المعمدان، وانتهاءً بالمسجد الأمويّ.
وهيَ ذي بقايا المعبد، تتراءى لعينيّ وقد شمخت بأعمدتها وأفريزها نحو المجمع السماويّ للآلهة الوثنية. كذلك يُمكن رؤية مدخل المسجد الكبير، بمجرد الخروج من السوق، المعَّرف باسم السلطان العثمانيّ الحاليّ. يُعظّم المسلمون من شأن هذا المسجد، حدّ القول بأن العنكبوت لا يمكنه نسج شباكه في جدرانه، كذلك لا تقربه الطيور المعروفة بالخطّاف [ أي السنونو ]. في الحقيقة، لم يتسنّ لي التأكّد من كلتا الحالتين!
إلى ذلك، يزعمون أن الخليفة الأمويّ أجبرَ قيصرَ الروم على أرسال اثني عشر ألفاً من صنّاع بلاده كي يقوموا بإشادة المسجد. لكنني أعتقدُ، أنّ أولئك الصنّاع كانوا موجودين أصلاً في مدينة بيزنطية عريقة كدمشق؛ مثلما وجدهم بعد عدة قرون الفاتح العثماني " سليم الأول "، فعمد إلى ترحيلهم لعاصمته كي يفيد من خبرتهم. ولأن الشيء بالشيء يّذكر، فإنني أعتقد أيضاً بأنّ المسجد الأمويّ أعظم شاناً من مسجد أيا صوفيا عاصمة السلاطين العثمانيين، وكان كنيسةً بدَوره.
تشديدي على المفردة الأخيرة آنفاً، توحي للقارئ باعتقادي أنّ المسجد الأمويّ تقمّصَ عمارة كاتدرائية يوحنا المعمدان. هذا الاعتقاد، يُخالف مزاعم المؤرخين المسلمين، ومنهم " ابن عساكر "، الذي وضع تأريخاً عن دمشق بمئة مجلّد. فإنهم يروون أن الخليفة الأمويّ، " الوليد "، أنتزع الكاتدرائية من النصارى وهدمها لكي يبني على أنقاضها مسجده. وهذا أراه مخالفاً للمنطق ولا يتقبله العقل السليم: فلِمَ سيُهدم هكذا صرحٌ عظيم، بينما يُمكن تحويله بسهولة إلى مسجد عن طريق إزالة الرموز المسيحية؛ وبذلك يُوفَّر الجهدُ والمال؟ وهذا، كما أسلفنا، فعله الفاتحون العثمانيون مع كاتدرائية أيا صوفيا.
يُمكن إثبات بطلان مزاعم أولئك المؤرخين، بدلالة احتفاظ المسجد الأمويّ بمشهد يوحنا المعمدان [ أي النبي يحيى بن زكريا ]، كذلك بإبقاء برج الكنيسة على حاله مع إضافة مئذنة إليه. كما أنّ أشغال الفسيفساء والترصيع والنقش والزخرفة ـ كما نراها بالأخص في لوحة الفردوس في صدر المسجد ـ من المحال أن يتعلمها الأعرابُ في خلال فترة قصيرة من الزمن. إن مجرد الإعتراف بجلب الخليفة المسلم لآلاف الصنّاع من القسطنطينية، يكفي للدلالة على أن المسجد من آثار العمارة البيزنطية. وعلى أيّ حال، لم يترك الأمويون في دمشق أيَّ أثرٍ آخر، معماريّ، ليكون في الوسع مقارنته بالمسجد الكبير.
باحة المسجد واسعة للغاية، يتخللها عشرات الأعمدة، المشكّلة الرواق والصحن؛ أرضيتها من الرخام، بينما سقف الصرح من مادة الرصاص. الجدران، مرصعة بفصوص الفسيفساء والذهب مع أصبغة مختلفة لتصوير العروق النباتية والأشكال الهندسية. ذلك أنه محرّمٌ في الفن الإسلاميّ، تصوير البشر والكائنات؛ فأفترضُ أن صورَ الرب والعذراء والقديسين قد أزيلت كلها أو أختفت تحت الأصبغة الجديدة. أما أعظم ما في المسجد، فإنها قبة النسر، المتصلة بالمحراب مع استدارة عظيمة. وقد شبهت بالنسر، لأن القبة رأس الصرح، وجناحاه هما جدار على اليمين وآخر على اليسار. هذه القبة المنيفة، ترى من أي مكان في دمشق القديمة وكذلك في الوسع تمييزها لو وقف المرء على سفح جبل الصالحية.
للمسجد ثلاث مقصورات، يتخللها نوافذ على شكل شمسيات ربما قارب عددها المائة، منها مقصورة تنسب لمؤسس الدولة الأموية، ويقال أنها متصلة مع قصره. لكن قيل أنّ العباسيين، الذين قضوا على دولة بني أمية، هدموا القصر وسووه بالأرض، ومكانه اليوم سوق النحّاسين. المقصورة الوسطى، تضم منبر الخطبة ومحراب الصلاة، يقال أنها من آثار الكنيسة السابقة. بإزاء الجدار الغربي مقصورة أخرى، هي برسم أصحاب المذهب الحنفي، مخصصة للصلاة والتدريس. الجدار المتصل بالصحن، ينفتح منه عشرون بابا وقد علتها قسيٌ من الجص لها تخاريم على شكل الشمسيات. هذا الصحن، يُشكّل مجتمع أهالي المدينة القديمة، فتراهم يذرعونه ذهاباً وإياباً تحت القبة السماوية إلى أن يؤدون صلاة العشاء ثم يعودون إلى دورهم. للصحن ثلاث قباب، أكبرها قائمة على ثمانية أعمدة من الرخام، شبيهة بالبرج وعليها قبة من الرصاص. يقال أنها كانت بيت مال المسلمين، لكنها أضحت اليوم مسرة الناظرين بحُسن زخارفها ونقوشها، التي أعطتها شكل روضة كثيرة الأشجار والنباتات. وثمة قبة أصغر، يجري فيها معين الماء كاللجين، يستقي منها العطاشُ ويلهو بها الأطفال.
مثلما ذكرتُ في مبتدأ حديثي عن الشقاق في عقيدتنا المسيحية، فإنّ وضعاً مماثلاً وُجد عند المسلمين؛ ربما جسّده هذا المسجد الكبير: فعلاوة على مشهد، يُقال أنه احتوى على رأس الحسين قبل نقله إلى القاهرة، ثمة مشهد يُنسب لأبيه، علي، بنى عليه الشيعة مسجداً. المسلمون السنّة، وهم الغالبية العظمى في الولاية السورية، لاحَ أنهم تحدوا كلا المشهدين بمشهد ثالث، نسبوه لعائشة امرأة النبيّ. هذا، مع أن المصادر التاريخية الإسلامية، تجمع على أن كلاهما، علي وعائشة، لم يتواجدا مرةً أبداً في دمشق!

3
عليّ كان أن أستعيد إحدى مشاهداتي في المسجد الكبير، وذلك عقبَ عودتي إلى الدار. كان الوقتُ على شفا الغروب، والعتمة ملأت مبكراً حجرةَ النوم بسبب عدم وجود نافذة فيها تطل على الخارج أو على الحديقة. هكذا أنرتُ المكانَ بالقنديل الكبير، وعكفتُ من ثم على الخزانة كي أنتقي كتاباً لأمضي السهرة بقراءته. عند ذلك لفتَ نظري مجموعة الأوراق، التي أفترضتُ أنها تخصّ دعيّ النبوّة، فما كان مني إلا تصفّحها مجدداً. كأنما قوّة خفيّة، دفعتني لفعل ذلك. إذ ظهرَ رسمٌ باليد لتلك القبّة الصغيرة، الموجودة في المسجد الأمويّ، وكانت ذاكرتي ما تفتأ طريّة لتتمثّل شكلها كما رأتها عينيّ. وأعني بها القبّة، المشبَّهة بالروضة، وقيل أنها كانت مخزناً لمال المسلمين: الرسم، كان يُشير بسهم إلى أرضية القبّة، المظللة بالأعمدة القصيرة الساق. وثمة كتابة من كلمتين على طرف الإشارة، " كنز النبوّة "، سُجّلت بخط صغير. سهمٌ آخر، كان يتطاول إلى أعلى الورقة، ثمة أين تقاطع مع رسم الصليب علاوة على رسم نجمة تتوّج المشهد.
" ماذا يعني كل ذلك..؟ "، تساءلتُ في نفسي بحيرة وأنا أدقق النظرَ بالرسم. لم أعُد قادراً من بعد على الشعور بالسكينة، كما وتبخّرت حماستي للقراءة في أحد الكتب. عدتُ بذهني إلى معنى " كنز النبوّة " في تعبيرنا الدينيّ، وذلك عندما تم الاهتداء إلى خشبة الصليب، الذي سُمّر عليه المسيح. إنها والدة القديس " قسطنطين "، مَن اهتدت إلى الخشبة في خلال حجّها إلى الأراضي المقدسة. لكن للمسلمين مفهوماً عاماً عن النبوّة، يشمل الرسل جميعاً؛ ما يُصعّب حل هذه الأحجية. كذلك تساءلتُ، عن مغزى ظهور هذه الورقة، تحديداً، وقت عودتي من المسجد الكبير، أينَ وقفتُ هناك ملياً أمام القبّة نفسها، المصوَّرة في الرسم؟
كوني في ذلك العُمر الناضج قليلَ الإيمان بالمعجزات، فإنني عزوتُ ظهورَ الرسم في آونة عودتي من الجولة، كمصادفة أكثر منها علامة من القدَر. عندئذٍ شعرتُ بالحاجة إلى كأس نبيذ، وكان السيّد جان قد أمدّني بدمجانة في أوان زيارتي لمنزله. لكنني فضّلتُ، أولاً، أن أتناول عشاءً خفيفاً. فتركت ما بيدي من ألغاز، لأتجه إلى المطبخ. على الأثر، وبصحبة النبيذ، صار في وسعي القراءة حتى ساعة منتصف الليل.

صباحاً، أفقتُ كالعادة على سمفونية زقزقة عصافير الحديقة. وإنها أصواتُ العمل، تحثّ المرءَ على النهوض مبكراً. كأني سأكون على موعدٍ آخر مع الألغاز، وذلك لما أجتزتُ الرواقَ في طريقي إلى المطبخ: نصف دزينة الشمع، وكنتُ قد تركتها مشتعلة حينَ أويت إلى فراشي عند منتصف الليل، رأيتها الآن تكاد تكون سليمة؛ وكما لو أنّ " أحدهم " تعمّد إطفاءها، عقبَ هجوعي للنوم. مثلما كان حالي، حينَ فوجئت في اليوم السابق بخلو برميل الحمّام من الماء، كذلك رأيتني الآنَ لا أجد تفسيراً منطقياً لانطفاء الشمع؛ اللهم إلا لو أن عاصفة هبّت ليلاً. لكنني كنتُ واثقاً، بأنه تفسيرٌ مجانبٌ للصواب. هذا تأكّدت منه، كون باب الحديقة ما فتأ موصداً والرواق يخلو من أيّ نافذة.
لبثتُ مبلبلَ الفكر، لدرجة أنني كنتُ أتناول فطوري بطريقة آلية. بعدئذٍ لم أجد لديّ رغبة بالخروج إلى المدينة، لمتابعة جولتي في أوابدها. رأيتُ قدميّ تتجهان تلقائياً إلى ناحية الحديقة، إلى ناحية قبر دعيّ النبوّة. فطنتُ ثمة إلى جفاف تربة النبات والأشجار، ما جعلني أعمد لسقيها من ماء البئر. ولم أنسَ إرواء الحشائش، النامية على القبر، ولعل جذورها متصلة مع روح الميت بعدما أضحى جسده رميماً. معلومة أخرى، كنتُ قد استقيتها من بائع البيت، وهيَ أن أهالي الحي تخلوا عن فكرة ترخيم القبر على أثر ما أصابه من مكروه لما حاول إزالته. فكرة أخرى، داعبت ذهني؛ أن أزرع أزهاراً على القمة الترابية للقبر. فقمت على الفور بانتزاع بعض الأزهار من الأحواض، وغرسها في ذلك المكان. كانت فكرة ساذجة، لو أنها هدفت حقاً إلى تقديم " رشوة " لشبح الرجل، المبلبل فكري!
إذاً، ظللتُ معتكفاً في الدار لحين موعد الغداء. الجوع، دفعني إلى ارتداء ملابس التمويه كي أذهب إلى السوق لتناول الطعام في نفس المطعم، الذي ألفته مذ وصولي إلى دمشق. غبَّ فراغي من الأكل، آثرتُ الجلوسَ في مقهى يقع بمقابل ذلك المطعم. مثلما عاينته في مقاهي أسطنبول، رأيتُ المرتادين هنا أيضاً يدخنون الناركيلة. هيَ أداة من قطعتين، إحداهما زجاجية تحفظ الماء والأخرى معدنية يوضع في أعلاها الجمر وفوقه التبغ. أنبوب دقيق من مادة مطاطية، يخرج من الجسم المعدني ليتصل بفم المدخّن، ليصدر من ثم قرقرة لطيفة من ماء القارورة مع كل سحبة دخان. قيل لي، أن الناركيلة أصلها فارسيّ؛ وتعني " ثمرة الرمان "، لأنهم فيما مضى كانوا يضعون الجمر والتبغ في الثمرة الجافة، قبل أن تستبدل بالفخار في يومنا الحاضر. مَن أمدّني بالمعلومة، كان تاجراً خمسينياً، وقد تكّرم أيضاً بتقديم الناركيلة إليّ كي أجرّبها. بقيَ القولُ، أنني وجدتُ لذة في التدخين وسماع صوت الماء. ما جعلني في الأيام التالية أطلب لنفسي ناركيلة، وفي كل مرة كان النادلُ يصرخ لمَن يخدم في الداخل بلهجته الدمشقية الجميلة: " ظبّط أركيلة للآغا، يا ولد..! ".

4
عدتُ إلى الدار عند الأصيل، وكان مزاجي رائقاً عقبَ جلسة المقهى. في حقيقة الحال، أنّ المرءَ الغريبَ يشعر بالسعادة لمجرد المرور في دروب دمشق القديمة، أين تتعانق جدران المنازل وأسطحها ومشربياتها، تتخللها عرائش البونافيا، المعروفة في اللسان المحليّ باسم طريف؛ " المجنونة ". كوني بلا خادم، جعلَ الوقتَ يفرّ سريعاً وأنا أقوم بمشاغل التنظيف والترتيب وإاعداد العشاء. مع حلول العتمة، كان حرياً بشخصٍ مثلي أن ينقبض قلبه، طالما أنّ شبحاً يُشاركه في السكنى بالمنزل. لكنه شبحٌ تميّز باللطف واللباقة ( حتى الآنَ! )، يجول في المكان بلا إزعاج أثناء استسلامي للنوم، مكتفياً بعلامة يتركها لي عن زيارته.
في المعتقد الشرقيّ، فكّرتُ، أنّ روحَ القتيل تبقى هائمة لو لم يؤخذ بالثأر من القاتل. ولكن بحَسَب ما علمته عن دعيّ النبوّة، أنه توفيَ بشكل طبيعيّ على أثر إصابته بوباء الطاعون. لكي أحاول حل المعضلة، رأيتني أعبث ثانيةً في أوراق الرجل الراحل: " بالأمس، لدى عودتي من زيارة المسجد الأمويّ، خرج من بين الأوراق رسمٌ متواشجٌ مع تلك الزيارة "، قلتُ في نفسي. بقيتُ أقلّب بما بين يديّ، مؤملاً باهتدائي إلى ورقة أخرى ذات معنى. فلم ألبثَ أن هتفتُ في ظفر: " آه، هذا رسمٌ آخر ". ينبغي التنويه أولاً، إلى أنّ معظم الأوراق كانت تحوي في حواشيها رسومٌ على شكل رموز إن كانت مبهمة أو مألوفة. بيد أن هذا الرسم المعنيّ، كان يصوّر وجهَ طفلةٍ صغيرة بالكاد أكملت عاماً من عُمرها. لم يكن " البورتريه " متقناً، لكنه أيضاً ما كان سيئاً: لاحَ أنّ الفتاة تميّزت بملامح هجينة، بشعر أسود وأنف أقنى قليلاً؛ ما يَشي بالدم العربيّ.. فيما شكل العينين والفم واستدارة الوجه، يُعبّر عن الإنتماء للقسم الغربيّ من البحر المتوسط.
قبل أن أكرّسَ السهرة للقراءة في أحد الكتب، تناولت العشاءَ الخفيف مع قليل من النبيذ. كأس الخمر، على زهده، عجّل فيما بعد خضوعي لسلطان النوم. لكنني قبل ذلك، تأكدت من اقفال باب المطبخ، المفتوح على الحديقة. هذا مع علمي بسذاجة حرصي، كون روح الميت لا تلازم جسده المسجّى في القبر. لعلها بلبلة أفكاري، مَن جعلتني أميّز بين روح دعيّ النبوّة وشبحه: " لكنه يستحضر روحَهُ بنفسه، دونما معونة من أحد؛ لا بل ويفرضها أيضاً على الآخرين! "، خاطبتُ نفسي كمن يهوّم قبل النوم.

عليّ كان أن أستيقظ في صباح اليوم التالي على صياح الديك، وكان الصوتُ يتردد بقوة ما جعلني أهجس باحتمال أن يكونَ بابُ المطبخ قد فتحَ مجدداً من لدُن القوّة الخفيّة، المجهولة. كي أتيقّن من ظنّي، بادرتُ للنهوض والتوجّه إلى تلك الناحية. في طريقي إلى المطبخ، انتبهتُ إلى أن كل شيء على ما يرام في الرواق. لكن باب المطبخ، مثلما توقعتُ، كان مفتوحاً يتلاعبَ به نسيمُ الصباح الربيعيّ. تنفستُ عندئذٍ بعمق، وما لبثتُ أن ألقيت نظرة عابسة على القبر. كان منظره قد أضحى جميلاً، بفضل ما زرعته من أزهار غطت جانباً كبيراً منه. عدتُ إلى باب الحديقة، أدققُ في قفله ورتاجه. كانا سليمين، ولا شك. بيدَ أنني شغلتُ نفسي على الأثر بتأمل مشهد الحديقة، وكان مبهراً بفضل أشعة الشمس. روائح الورود وأصوات الطيور، انسجما بشكل عذب مع المشهد قبل أن يتلاشى هذا مع رجوعي إلى داخل الدار. إذ طرأت لذهني فكرةٌ، وذلك على خلفية عبث الشبح معي؛ وهيَ أن أتفقد صورة الطفلة الصغيرة، وكنتُ قد أعدتها بالأمس إلى باقي الأوراق. هنالك تخفف ما بي من هواجس، لما رأيت الرسمَ في مكانه بين الأوراق. مع ذلك، استوقفتني عينا الصغيرة وكانتا تتطلعان ببراءة وحب استطلاع، يُميّزان من هم في سنّها.
حال ما فعلته في الصباحين المنصرمين، عمدتُ إلى مسح وجهي بالماء البارد كي أتأكد بأنني لا أحلم. رأيتني على أرض الواقع حقاً، سوى أن الشبحَ عاد لكي يلعب معي لعبته، الشبيهة بمقالب الطفولة. على الأثر، خطر لي هذا الاحتمال؛ ولو أنني استبعدته بسرعة: هل يعاقبني صاحبُ القبر، كوني نصرانياً ( صليبياً بالأحرى! )، وكذلك لأنني موّهت شخصيتي لأبدو من مواطني المدينة المسلمين؟ إنكاري لهذه الفكرة، مردّه لكون الرجل في حياته دعيّ نبوّة، وفي التالي، يخالف عقيدةَ قومه المشددة على أن " محمد " هوَ خاتم الأنبياء. وأعجبُ من تركه حياً، فلم تعمد السلطات لإعدامه بتهمة الزندقة. بل على العكس، علمتُ أن أولي الأمر كانوا يحابونه ويتمنون الحصول على نبوءاته فيما يخص رحلة الحج السلطانية أو أشياء من هذا القبيل. لقد حصلتُ على هذه المعلومات من السيّد خليل، وربما أستزيده أكثر لدى مجيئه إليّ في سهرة الخميس مع بقية الأصدقاء.
" وهذا الرسمُ، ألا يُخالف عقيدةَ المسلمين في الفن، القائمة على تحريم تجسيد الإنسان بالخطوط والألوان أو بالنقش والنحت؟ "، خاطبتُ نفسي وأنا أتأملُ من جديد صورةَ الطفلة. إنها حقيقة، جعلت الرجلَ الراحل يكبر في عينيّ فضلاً عن تثميني لاهتمامه بعلم الفلك. ثم استدركتُ في نفسي: " ولكن، مَن هيَ هذه الطفلة؟ فالرجل لم يتزوج، وقيل أنه لم يعرف امرأة قط؟ ". هكذا أسئلة، شئتُ معرفة جوابها من ذلك الصديق. لذا نحيتُ أفكاري جانباً، لأهرع إلى المطبخ كي أحضّر طعامَ الفطور. عقبَ فراغي من الأكل، عدتُ إلى الحديقة كي أجلس على كرسيّ مجدول بالقش، موضوع تحت ظلال الأشجار. موضوع المرأة، نكأ جرحاً في روحي؛ كان مندملاً بفعل ما شهدته من أحداث في خلال عام الثورة الأول ومن ثم ارتحالي عن موطني وتنقلي بين مدن عدّة.

5
سرعان ما نفضتُ عن روحي ما تراكم عليها من غبار ذكريات، لأنهض لتبديل ملابسي استعداداً للخروج من المنزل. تركتُ نفسي على الأثر دونَ وجهة محددة، لتهيم بالدروب والساحات في ضياعٍ ممتع. لعلني أشرتُ فيما مضى إلى الحجم المعتدل للمدينة القديمة، بمقابل الاتساع الوافر للضواحي. هذه الأخيرة، لطالما أغرتني بالتجول فيها؛ أنا مَن أنتمي للريف الباريسيّ وفيه قضيتُ أجمل أيام العُمر. لكن من إشارات الأصدقاء، فهمتُ أنّ الذهاب إلى الأماكن النائية محفوفٌ بالخطر، بالنظر لانتشار قطّاع الطرق وأيضاً العسكر المنفلت من الانضباط. لذا فضّلتُ التعرّفَ أكثر على المدينة القديمة، وذلك عن طريق شخصٍ مرافق. قلتُ في نفسي: " ومن أفضل لهذه المهمة من حوذية العربات المشدودة بالخيل؟ ". في دمشق، يَدعون هذه العربة بالكرّوسة. ومكان إنطلاق هذه العربات وتجمّعها، يقعُ في ساحةٍ صغيرة بالقرب من باب الفراديس، بإزاء أسوار القلعة.
خاطبتُ الحوذيّ، وذلك فور إنطلاقه بالعربة: " علمتُ أن للمدينة ثمانية أبواب، وأنا أرغبُ برؤيتها عن قرب ". التفت إليّ ليقول: " حباً وكرامة ". لكنه ما لبثَ أن أوقف العربة، ليستدرك بالقول: " أرى يا سيّدي أن تتفضّل بالجلوس بقربي، لنتبادل الحديث بشكل أفضل ". عملتُ بنصيحته، وما أسرع أن تحركت العربة من جديد. لاحَ الحوذيّ فخوراً ومختالاً وهوَ يقدّم المعلومات لرجل، يظنّ أنه من الوجهاء الأتراك الأغراب؛ بالنظر لهيئتي ورطانتي. ابتدأ القول، وكنا نسير من تحت المدخل المقوّس لباب الفراديس: " إنه أحد أبواب المدينة الثمانية، ويقع في جهتها الشمالية، وذلك بباب السلامة. ثم سنمرّ بباب الفرج وباب النصر، وهما إلى الغرب. ثم باب الجابية كذلك، وصولاً إلى باب الصغير، وهو بين الغرب والقبلة "
" لقد سبقَ لي الوقوف أمام كلّ من باب شرقي وباب توما، أثناء زيارتي لأحد الأصدقاء في حي النصارى "، علّقتُ على كلام الرجل على سبيل المجاملة. رمقني بنظرة سريعة، قبل أن يتساءل: " ولعلك رأيت هناك المنارة البيضاء؟ ". ثم استطردَ، بعدما أومأتُ برأسي: " حسنٌ. إنها موضعٌ، يقال أن عيسى عليه السلام سينزل فيه آخر الزمان "
" ولكن يقال أيضاً، أنّ السيّدة مريم كانت مع ابنها الرضيع في مكان ما بدمشق؟ "
" بلى، ذُكر ذلك المكان بالقرآن الكريم؛ وهوَ الربوة في ظاهر البلد "
" وهل لنصارى المدينة ذات الاعتقاد، فيما يخص الربوة؟ "
" لا أدري، أيها السيّد "، قالها فيما يرمقني بنظرة مختلسة. ثم أضاف وقد عاد إلى نبرته الفخورة: " لكن أهم أثر للمسيحية موجودٌ في دمشق، وهي كنيسة العذراء. كذلك الأمر، يُقال عن الكنيس اليهودي في قرية جوبر. ومن كثرة مشاهد الأنبياء والأولياء، عُرفت مدينتنا بالشام الشريف "
" جميلٌ أن تتعايش الديانات السماوية في هذه المدينة، الأشبه بالفردوس السماويّ "، قلتها ملاحظاً. تجاهل الرجلُ ملاحظتي، أو لم ينتبه لمغزاها، عندما عقّب بالقول: " لم يكن عبثاً، ما جاء في الحديث الشريف بأن خلق الله سيُجتبى يومَ القيامة في الشام ".
كنّا الآنَ قد دخلنا في زقاق ضيّق، بالكاد يتسع لمرور العربة، ما جعل الحوذيّ يهدئ من اندفاع خيلها. وقد أضطر أكثر من مرة للوقوف، عندما أعترضنا منعطفٌ أو راكبٌ على الخيل. إلى أن تريثنا بإزاء قنطرة، يهيمن عليها منزلٌ من دورَين، وكانت وراء نافذته تجلس امرأة شابة. بينما كان الحوذيّ مشغولاً بانتظار خروج عربة أخرى من تحت القنطرة، رحتُ أتملّى من حُسن تلك المرأة، وكان مبهراً حقاً. سألتُ الحوذيّ، حالما أجتزنا المكانَ: " أين نحنُ الآنَ؟ ". فرد بالقول: " إننا في حي القنوات، ولن نلبث أن نخرج منه باتجاه مدخل المدينة القديمة ".

في إبّان إيابي مشياً باتجاه السوق، بقيت صورةُ امرأة النافذة مرتسمة في خيالي. وميضٌ من الذاكرة ( أو أنه وهمٌ من الأوهام )، جعلني أظنّ بانني سبقَ وعرفتُ المرأة. ولكن أين؟ وفي أي مكان؟.. هذا ما استحال عليّ تذكّره. ثم ما عتمتُ أن نحّيتُ هذه الفكرة جانباً، فورَ وصولي إلى المطعم. كدأبي يوم أمس، مضيتُ بعد تناولي الغداء إلى المقهى، لأطلب لنفسي نارجيلة مع قدح من القهوة. جلستُ هنالك في الترّاس، فيما أتسلى بمراقبة حركة السوق. على الأثر، تناهى إلى سمعي جلبة من تلك الناحية، تبعه تجمهُر الخلق. من مكاني، رأيتُ رجلاً يكتسي بملابس آمري العسكر وهوَ يغادر الكرّوسة ليندفع باتجاه شاب عتّال، كان يجر عربة يد عليها بضاعة ما. ما لبث الامرُ أن انهال بالشاب ضرباً وركلاً، مردداً الشتائم باللغة العثمانية. سقط الشاب على الأرض والدم ييقع فمه، دونَ أن يبدي أي مقاومة. بعدئذٍ عاد المعتدي إلى عربته، لتنطلق من جديد وتمر بإزاء موقفي. فانتبهت إلى امرأة كانت تجلس بالقرب من ذلك الامر، كان على النصف السفليّ من وجهها نقابٌ شفاف، وقد نظرت باتجاهي.
" يا الله، إنها امرأةُ النافذة! "، هتفتُ في نفسي بينما نظري يُتابع سيرَ العربة. في حقيقة الحال، لم أكن متأكداً هذه المرة مما رأيته، كون المرأة منقّبة. لكن عينيها، وأنفى الأقنى قليلاً، كانا..
" آه، الآنَ عرفتُ أينَ رأيتها من قبل "، خاطبتُ داخلي مقاطعاً فكرتي. بلى، لقد ارتسمت في ذهني صورةُ الطفلة، التي رسمها دعيّ النبوّة. بلغ فيّ الاضطراب عندئذٍ، أنني ناديتُ النادل لأنقده ثمن ما طلبته، ومن ثم لأسراع بالعودة إلى الدار.

* الكتاب الثالث من العمل الروائيّ، " الأولى والآخرة "..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/