الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبعاد تشكيلية للصورة السينمائية فى أفلام طلبه رضوان

محمد احمد الغريب عبدربه

2021 / 2 / 17
الادب والفن


البناء التشكيلي لدى المخرج طلبه رضوان جاء مميزاً عن كثير من المخرجين في تاريخ السينما المصرية، وهو المخرج الذى أخرج خمسة أفلام فقط في تاريخه السينمائي، وتميزت هذه الأفلام بالحس الشعبي، وتفاصيل الحارة وملامح الفتوة، وأخلاقيات الحارة المصرية القديمة، واقتربت مدرسة طلبه رضوان من التيار الواقعي الذي أسسه الكثير من المخرجين، مثل صلاح ابوسيف، وتوفيق صالح وكمال الشيخ، وحلمي حليم ونيازي مصطفي، وقد اشترك مع صلاح ابو سيف في أخراج كثير من الأفلام كمخرج مساعد وذلك في عدد وصل إلي (8) أفلام منها فيلم أنا حرة ولوعة الحب وفيلم مجرم في أجازة وفيلم الطريق المسدود وفيلم الفتوة . وأيضاً اشترك مع ثلاثة مخرجين كمساعد مخرج في عدة افلام وهم فطين عبد الوهاب وحلمي حليم وكمال الشيخ. وتميزت هذه الأفلام التي اشترك فيها رضوان كمساعد مخرج بصورة بصرية سينمائية متميزة يغزوها البعد التشكيلي الجمالي البحت، وتحاول هذه الدراسة إيضاح بعض الملامح والدلالات للبعد التشكيلي في سينما طلبه رضوان.
التوزان التشكيلي
يثار هنا عدة أسئلة حول تشكيلية طلبه رضوان . فهل رضوان الأعلي والأقوي بصريا تشكيلياً في تاريخ السينما المصرية بمعني أنه استطاع أن يعطي بعد تشكيليا بصرياً للصورة السينمائية بشكل متوازن فلا يغلب التشكيل علي البعد السينمائي وذلك مقارنة بالمخرجين الاخرين، لا يمكن الإجابة بنعم أو لا، أنما هناك بعض المحاولات لصبر أغوار هذه المساحة التشكيلية لدي رضوان، فقد استطاع أن يعطي بعداً تشكيليا متوازناً فلا تغلب الصورة الفنية التشكيليه علي الصورة السينمائية . فخطاب الصورة السينمائية حاضراً بقوة ومعبراً عن نفسه، فقد استطاع رضوان أن يصنع توازناً بين الوجود الفيزيائي في التشكيل والسينما. بمعني انه معروف في الأبعاد التشكيلية في اللوحات والفنون الأخري، يأخذ الشكل معني مزدوجا، معني فيزيائيا ومعني بصريا ومعرفيا وحتي خيالياً وهذا ناتج عن علاقة الذات مع العالم الخارجي فمثلا هناك في بعض اللوحات مثل لوحات فان كوخ تكون الاشياء متجاوزه الوجود الفيزيائي، يعني أن أحساس المتلقي بالشئ داخل اللوحة يكون متجاوزاً وجوده الطبيعي في العالم، فدائما هناك تجاوز وذلك يدل علي قوة الأبداع وعظمة العمل الفني، وذلك يعبر عن وفرة تشكيلية للأشياء في اللوحات والفن، ونلاحظ في أفلام طلبة رضوان أنه التفت الي هذه الوفرة وتعامل معها باتزان تشكيلى وليس وفرة، حتي لا يصبح الفيلم تشكيلياً وليس سينمائياً. فحضور الأشياء والشخصيات والعناصر كبعد تشكيلى يكون مناسباً لخطاب الصورة السينمائية وليس التشكيلية البحتة كما هو في الفنون التشكيلية.
ويمكن هنا الأشارة إلى بعض المقارنات بين رضوان وبعض المخرجين الآخرين، اللذين تميزوا بالبعد التشكيلي في السينما، فمثلا هناك المخرج الجورجي باراجانوف والمخرج المصري شادي عبد السلام في فيلمه المومياء، يمكن الإحاطة هنا الي بعض تحليلات البناء التشكيلي في الصورة السينمائية لديهم فخطابهم التشكيلي تجاوز أي مقارنات وتحليلات بالنسبة للخطاب السينمائي، بمعنى أن هناك حالة تشكيلية في الصورة السينمائية غير قابلة للتفسير لديهم، حيث هناك تفسيرات كثيرة للإحاطة بالبعد التشكيلي ولكن النظر بصورة دقيقة نجد أن هناك تجاوز فوق الصورة الفنية للصورة السينمائية بمعني أن الانتقال دائما يكون من التشكيل إلي الصورة الفنية، والتشكيل هنا يكون مختلف عن أساسيات الصورة السينمائية، لأنه تشكيلي خارج السينما في الرسم و النحت وفنون أخري تشكيلية، وحتي البعد التشكيلي الخاص للصورة السينمائية قد تم تجاوزه من قبل هذين المخرجين، ورغم ذلك يمكننا القول أن هذه الجدلية تعني أبداع خالص تشكيلي في المقام الاول ثم سينمائي إلا أنه هناك مساحات إبداعية سينمائية لدي باراجانوف وشادي في البعد التشكيلي للصورة، حيث التكوينات والألوان والإيقاع يكون حاضراً ولكن غلبة البعد التشكيلي وكثافته يشير إلي تساؤل حول حضور الصورة السينمائية، وهو ما استطاع رضوان الإمساك به حيث هناك توازناً دائما للصورة السينمائية والبعد التشكيلي.
نعومة السرد والبعد التشكيلي
أخرج طلبة رضوان خمسة أفلام منها غراميات امرأة والمصيدة وفيلم السفيرة عزيزة، وفيلم شقة الطلبة، وفيلم قصة ممنوعة، وكانت هذه الافلام ذات أبعاد تشكيلية في الصورة . وقد تميز فيلم غراميات أمراة بتكثيف تشكيلي لا يتوقف، فهناك لوحة تشكيلة بصرية سينمائية وراء الأخرى، فالتشكيل البصري ومضامينه من إيقاع وحركة العناصر والألوان وأبعاد الاضاءة والظل والظلام كان حاضراً، فالحكاية والسرد في الفيلم والابعاد التشكيلية جاءت في خدمة عنصر الصورة التي تميزت بالهدوء والنعومة. فقصة الفيلم أمرأة تحاول البحث عن عريس مناسب لها ذو وجاهة مادية وأجتماعية ولكنها لا توفق، وتقع في اخطاء عديدة وتكون ضحية وجلاد في نفس الوقت، وهو ما يحدث مفارقة في الفيلم والحدث هنا يتضح من اول مشهد في الفيلم، وصيرورة الاحداث لم تكثف او تعقد من قبل رضوان ولم يكن هناك ابهاماً، وذلك اعطي مساحات كثيرة لحركة رضوان في تشكيلية الصورة. وفي فيلم المصيدة لرضوان أيضا البعد التشيكلى كان ناعماً وسلساً وهاديء ومعبرا عن معني الحكاية والسرد ففي الفيلم الأنتقال من الصورة التشكيلية إلي الصورة السينمائية جاء موقفا وليس العكس فنجد أن بؤرة الصورة لدي رضوان هي المحور وليس المحور هو البعد التشكيلى. وكان فيلم المصيدة كفيلم غراميات أمرأة تميز بلقطات مليئة بجماليات بصرية متعددة وتم توظيف المجاميع والشخصيات كعناصر تشكيلية في الصورة، وكان الأنتقال من لقطة إلي اخري في منتهي الجمال والنعومة.
وبشكل عام في أفلام طلبة رضوان نجد أن هناك نعومة في السرد والحكاية، وأشراق دائم في كل لقطة، فالصورة جاءت متوازنة مع الحكاية، وهذا الهدوء والنعومة والسرد أتاح مساحات لكي تتمتع الصورة لدي رضوان بالتشكيل والتحرك في الصورة، وهذه الراحة وعدم التكثيف في الأحداث ساعد في مساحات التشكيل، حتي في فيلم المصيدة المليء بالمطادرات وتبادل أطلاق النار، جاءت الأحداث غير مكثفة فأعطت بعداً تشيكلياً متكاملاً، وهكذا الأمر في فيلم السفيرة عزيزة، ففي ذروة الحدث، يكون التفات المشاهد نحو الصورة وأبعادها التشكيلية، فهناك حالة من الخطف التشكيلي السينمائي للمتلقي رغم وجود احداث وتشويق في الفيلم لدي رضوان، هذا الحس التشكيلى الهاديء تميزت به سينما رضوان.
الجماليات البحتة
تميزت الصورة لدي طلبة رضوان بالجماليات البحتة، بمعني الجماليات التي لا تسعي الي ترميزات فلسفية أو فكرية، أو أنها تحتوي المعني المقصود في السرد او الفيلم بشكل كثيف، فالصورة دائما تبحث عن جماليات تتولد من بعضها البعض، وذلك اتاح لدي رضوان كثير من الأبعاد التشكيلية، ويمكن الاشارة الي مثال يوضح ذلك، افلام المخرج المجري بيلاتار تميزت بجماليات مقصودة وترميز يحتوي معني يقصده بيلاتار، وهنا لا تعتبر جماليات بحتة، بعكس تلميذه المخرج اليكس جيرمان في فيلمه من الصعب ان تكون الهاً، حيث كانت الجماليات بحتة، ويلاحظ أن البعد التشكيلي لدي اليكس اعلي واقوي من بيلاتار، ويمكن ملاحظة أفلام رضوان مثلا وفيلم المستحيل للمخرج حسين كمال الذي تضمن ذهنيات ومعانى كثيرة في الصورة، ورغم البعد التشكيلي والجمالي في فيلم المستحيل، إلا أن تشكيلية رضوان في مجمل أفلامه الخمسة كانت أعلي، فالمساحة نحو الجماليات البحتة بخلو المعني المكثف والترميز يعطي مساحات متعددة للتشكيل الجمالي، وينغمس المشاهد في جماليات هادئة ومفرطة في تكويناتها التشكيلية والبصرية. بعكس الافلام التي تحتوي علي رمزيات ومعاني كثيفة في الصورة، حيث يحدث مزاحمة من هذه الرموز والمعاني في الابعاد الجمالية والتشكيلية في الصورة، وهو ما لم يفعله رضوان في سينماه.
مكونات تشكيلية
يعتبر الإيقاع والحركة ضمن الأبعاد التشكيلية وفى أفلام رضوان جاء الإيقاع متزناً وهادئاً، وحاضراً وذات مغزي للتعبير السردي وأبعاد الصورة حيث يكون الانتقال إلي التناقضات في القصة عبر التشكيل والأنتقال من التشكيل المتوتر إلي اللاتشيكل في نفس اللقطة . وأيضا الايقاع وفقا لحركة الأحداث، وليس التناقضات، فالإيقاع التشكيلي لدي رضوان يتميز بالسلالة والنعومة. وبالنسبة للفضاء وتشكيلية الاشخاص يلاحظ أنه هناك حالة من الضيق وعدم الاتساع لدي رضوان فلم يسعي لتوسيع الفضاء التخيلي والمساحات التي يتم رصدها كعنصر للمكان في أفلامه، حيث كانت الحارة والبيوت والشخصيات هي هذا الفضاء المكاني، وكان الملاحظ القدرة علي تصوير الأجساد والشخصيات في أبعاد تشكيلية ممتازة، ولم يمثل ضيق الفضاء عائقا أمام زيادة البعد التشكيلي لدي رضوان فكان الأمر عكس ذلك تماما، كما هو في فيلم السفيرة العزيزة حيث كانت الحارة وشقة الجزار، وفي فيلم شقة الطلبة أيضا. وجاء الديكور والإضاءة والملابس والزخرفة وتفاصيل الأثاث، غير مفتعلة ومرتبة، كانت روح رضوان التشكيلية تسيطر علي الصورة .
بالاضافة إلي أن رضوان استطاع اللعب على رمزية اللونين الأبيض والأسود وما بينهما من درجات صفاء وعتمة، أي اللعب على خاصية الضوء، فكان توظيف ذلك في مستويات عالية لدي رضوان، مما أعطي احساس مميز لدي المشاهد، وأيضا كانت المساحات التشكيلية لما هو يسمي داخل الإطار/خارج الإطار أو من المرئي إلى اللامرئي، متميزة للغاية، ورغم هذه الخصوبة التشكيلية، إلا أن مساحات عمق المجال في سينما رضوان لم تكن حاضرة، وذلك لأن هذه السمة التشكيلية لم تكن موجودة في الفترة التي ظهر فيها رضوان علي مستوي العالم وفي السينما المصرية، ولكنها كانت توجد باستحياء عند عدد من المخرجين وفي بعض الافلام . وكانت معظم التيارات في زمن رضوان لم تتميز بعمق المجال في الصورة، وهناك بعد تشكيلى يتعلق بصفة الجمع بين التركيب والتعقيد في الصورة، ويلاحظ أن رضوان لم يميل إلي التعقيد في الصورة، أنما كانت البساطة والنعومة والسلاسة سمة أساسية في الصورة لديه، لذا جاء اتجاهه نحو رفض التعقيد في البعد التشكيلي مع عدم وجود عنصر عمق المجال اتجاهاً واضحا في سينماه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81