الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بندتو كروتشه (1866 – 1952 )

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 2 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



"فيلسوف إيطالي من أتباع المدرسة الهيغلية الجديدة، وقد ظهر كروتشه قرب نهاية القرن التاسع عشر بنقد للنظريات الفلسفية والاقتصادية للماركسية، كما عمل استاذاً جامعياً في نابولي في الفترة 1902 – 1920.

فلسفة كروتشه هي فلسفة المثالية المطلقة. ومذهبه الفلسفي يضع أربع درجات في "هبوط عالم الروح" وهي الدرجة الجمالية (تجسد الروح الفرد)، والدرجة المنطقية (مجال العام)، والدرجة الاقتصادية (مجال المصلحة الخاصة) والدرجة الأخلاقية (مجال المصلحة العامة).

ويسعى مذهب كروتشه الأخلاقي إلى إخفاء الأساس الاجتماعي والطبيعة الطبقية للأخلاقيات، وتروج فلسفته الأخلاقية لمبدأ إخضاع الفرد للـ"كلي" أي إخضاع الفرد للنظام الاستغلالي السائد. وكان كروتشه أيديولوجياً بارزاً، وزعيماً سياسياً للبورجوازية الليبرالية الإيطالية، لكنه كان خصماً للفاشية، أهم مولفاته "فلسفة الروح" (1902-1917).

شرح بندتو كروتشه عبارة فلسفة التاريخ في سياقاتها الزمنيّة التي وردتْ فيها –كما تقول د. خديجة زنتيلي- "ليتولّى لاحقاً، إضفاء مدلولات جديدة على العبارة، فيتنكّر لمضامينها القديمة كما جاءت في كتب فولتير 1694-1778 على سبيل المثال، وتَنتهي تحليلاته في نهاية المطاف إلى وضع مُعادلة بين الفلسفة والتاريخ مُلغيا بذلك كلّ ثنائية ممكنة بشأن موضوعين يُفترضُ أنّهما يختلفان في المضمون وكذلك في المنهج، فيؤسّس كروتشه بذلك لفلسفة جديدة ولتاريخ تنتصر فيه إرادة الإنسان في الواقع بعيداً عن كل تعال أو مفارقة، فالفلسفة في سياق النصّ الكروتشي تُفهم على أنّها هي الفكر في حالته العيانيّة.

فالتاريخ "هو الحاضر الأبديّ، الذي يجعل اهتمام المؤرّخ ينتقل من التاريخ السياقي، إلى التاريخ، كحاضر أبدي يَسْقُط معه التحقيب المعتاد، الذي يُقسّم الزمان إلى الماضي والحاضر والمستقبل، وهذا كلّه سَيُفضي إلى مسألة المعاصرة التاريخيّة التي يؤكّد عليها كروتشه في نصوصه"([1]).

ففي كتابه الموسوم "التاريخ بوصفه فكراً وبوصفه فعلاً" في طبعة جنيف الفرنسية الصادرة عام 1968 يشرح كروتشه موقفه من عبارة فلسفة التاريخ –كما تضيف د. خديجة زنتيلى- "فيذهب إلى القول بأنّها في القرن التاسع عشر، كانت تعني تأمّلات في التاريخ وهو المعنى الذي كان شائعاً آنذاك، فقد سعتْ فلسفة التاريخ لكي تكون، بشكل فعليّ، تاريخاً فكريّا مرتبطاً بتصوّر الإنسانيّة والحضارة، ولكنّ النتيجة التي آل إليها التاريخ من جرّاء هذا التفسير هو طريقة فلسفيّة نأتْ به عن معناه الحقيقي وعن أهدافه الأساسيّة وجعلتهُ تأمّليّاً لا يُلامس الواقع ولا يَهتدي إلى حقيقة البشر، فعبارة فلسفة التاريخ، لو حلّلناها، لنتجَ عنها عدم وضوح، بل وعلى النقيض من ذلك تماماً، لو أخذناها بدقّة المصطلحات التي تَشرحها فإنّ العبارة ستتضمّن مُبالغات ومُخالفات صارخة، الأمر الذي لا يعكسها بشكل واضح للجميع، إنّها تركيبة خاطئة ولا تحمل معنى واضحاً يمكن الرجوع إليهِ، ولذلك فلا وجود لعبارة فلسفة في القاموس الاصطلاحي الكروتشي فالفلسفة تاريخ والتاريخ فلسفة. إنّ التفكير في التاريخ هو بالفعل تفلسف ولا يمكننا أن نتفلسف إلاّ بالرجوع إلى الوقائع أي إلى التاريخ"([2]).

الفلسفة الحقيقيّة، في نظر كروتشه، "هي فلسفة الأشياء الإنسانيّة وفلسفة الروح، ولذلك عليها محاربة التعالي الديني والميتافيزيقي، فهي لا تشكّل شيئاً آخر غير دراسة الوقائع الانسانيّة العيانيّة، ومن هذا المنطلق فإنّه لا مشروعيّة للحديث عن التجريدي والفوقي، وبهذا الإقصاء للميتافيزيقي والمتعالي والتجريدي تتشكّلُ المفاهيم الجديدة للمصطلحات الفلسفيّة في المنظومة المعرفيّة الكروتشيّة ويتحدّد معها تعريف الفلسفة الجديد".

"إنّ فكرة التماثل بين الفلسفة والتاريخ تحيل إلى الإقرار بمحايثة الفكر للواقع لا بمفارقته له، حيث يتماثل الكلّي والفردي وتختفي الثنائيّة التي تطرحها نظريّة المعرفة. فالإنسان عند كروتشه لا يعرف إلاّ ما ينتجه ولا يعرف إلاّ خبرته وما يقدّمه من نشاط في الواقع والتاريخ، فالفكر هو الواقع العياني والفلسفة هي المعرفة العيانيّة. ولقد برهن كروتشه أنّ الفلسفة والتاريخ لا يشكّلان إلاّ أمراً واحداً وأنّ الفصل بين الاثنين لا قيمة له".

والخُلاصة التي تحيل إليها هذه الفكرة–كما تحددها د. خديجة زيتلى-"هي أنّ كلّ قضيّة هي قضيّة تاريخيّة وقضيّة كليّة، فالذي نُفكّر فيه على الدوام هو أفعال البشر، ولذلك فالفكر ليس أبداً في ذاته وبذاته إنّه لم يكن يوماً إلاّ تاريخيّاً".

فحين يتمّ التساؤل عن هدف التاريخ ما هو وهل يمكن تحقيقه وفي أية لحظة يتمّ ذلك وكيف يسير التاريخ وهل ينتصر فيه الخير أم الشرّ وما مقدار التقدّم والانحطاط فيه؟ فكلّ هذه الأسئلة في تقدير كروتشه يُمكن أن تُجمع في نقاط ثلاث هي: مفهوم التطوّر والغاية والقيمة، وهذه المفاهيم تُغطّي كلّ الواقع والتاريخ، وفضلاً عن ذلك فإنّ هذه المفاهيم لا تنتمي إلى علم خاصّ ولا إلى فلسفة التاريخ ولا إلى المنهج التاريخي التجريبي ولا إلى علم الاجتماع ولكن إلى الفلسفة، وهي تنتمي إلى التاريخ بمقدار ما هو فلسفة. إنّ هذه الفلسفة التي تمنح للتاريخ معنى جديداً بتجاوز المفاهيم الكلاسيكيّة له، والتي يتّحدُ فيها التأملي بالعملي والفلسفة بالكتابة التاريخيّة، ويكون فيها الفنّ مدخلاً ضرورياً لفهم التاريخ، وتُصبح فيها الفلسفة لحظة منهجيّة، ويَصير فيها التاريخ هو التجلّي الحقيقي للروح، لهَي جديرة بالاهتمام، فالبدائل المعرفيّة والأطروحات المقترحة في الخطاب الفلسفي الكروتشي هي من الطرافة بمكان في الفلسفة المعاصرة"([3]).

عندما تصدّى كروتشه بالرفض للتعريف الكلاسيكي للفلسفة أظهر بوضوح "أنّه يحمل مضامين خاطئة، ولهذا فهو لا يعترف بهذه الفلسفة التي ابتعدت عن الواقع وانفصلت عن النشاط الإنساني عوض أن تكون واقعاً عيانيّا، وقد قاده البحث في هذه المسألة إلى استحداث مهمّة جديدة للفلسفة، وهي أن تكون لحظة منهجيّة في الكتابة التاريخيّة"([4]).

وفي مقاله مفهوم الفلسفة بوصفها نزعة تاريخيّة مطلقة –كما تستطرد د. خديجة- "يوغل كروتشه في شرح هذه الفكرة بالاعتراف أخيراً أنّ اختصار الفلسفة في المعنى الخاصّ بها في أن تكون منهجيّة في الكتابة التاريخيّة سيسُدّ الطريق أمام كلّ تأويل ميتافيزيقي خاطئ لفلسفة الروح وللروحانيّة المطلقة نفسها، ويَسْمح بمنحها الاسم الذي يُناسبها أكثر: النزعة التاريخيّة المطلقة، فالحياة لا يمكنها أن تُفهم إلاّ بشروط الواقع المعيش، وليس هناك واقع قبليّ ولا آخر بعدي أو مفارق، كما أنّه لا وجود لما يسمى الفكر في ذاته أو بذاته، بل يوجد هذا العالم وحسب، وهو الذي يستغرق حياتنا وفهمنا ويرتبط بشكل وثيق بالذات الانسانيّة".

أخيراً، "تؤكّد الأطروحات الكروتشيّة في مجال المعرفة التاريخيّة على مبدأ الحريّة والصلة الوثيقة بين هذه الأخيرة والنزعة التاريخيّة المطلقة، فالفكر المبدع الخلاّق هو الذي يساهم في ولادة النصّ التاريخي الجديد، واتّساقاً مع هذا الطرح فالفعل في فلسفة كروتشه مرادف للحريّة، بل إنّ التاريخ الذي يُنعتُ بأنّه حيّ أو معاصر لا يكتسب أيّ معنى بدونها وخير من يعبّر عن هذه الحريّة هو عمل المؤرّخ، فالإرادة الحرّة هي ماهيّة البشر. لقد آمن كروتشه بالتاريخ بوصفه فعل حرّية واعترف بأنّنا نتاج الماضي وأنّنا أيضاً نعيش في ماضي يمارس علينا ضغطاً من كلّ الجهات، فكيف نتّجه إلى حياة جديدة حسبه، كيف نبدع بشكل حقيقي نشاطنا الخاصّ إبداعاً جديداً؟ وكيف يمكننا أن نرتفع فوق الماضي ما دمنا نقيم فيه ومادام يتّحد بنا؟ إنّه لا وجود إلاّ لمخرج وحيد هو التفكير فيه"([5]).

لقد "لفتَ فكر كروتشه الأنظار إليه كما تقول د. زنتيلي- وهو يُزحزح اليقينيّات القديمة، ابتداء من النصف الأوّل من القرن العشرين، ومنذ ذلك الحين كانت أطروحاته محلّ جدل ونقاش كبيرين، وقد استمرّ الاهتمام بها إلى ما بعد وفاته، فقد أضفى الرجل أهميّة بالغة على حقل المعرفة التاريخيّة في سياق منظومته الفكريّة، وقد تجاوز هذا المدى إلى إظهار سلطة التاريخ عندما جعله المعرفة الوحيدة الممكنة التي تفوز بالبقاء، وكذلك الاعتراف بأن جميع العلوم لا تُفسّر إلاّ تفسيراً تاريخياً، وحتى الفلسفة هي الأخرى تندرجُ ضمن هذا التفسير"([6])





([1]) د. خديجة زنتيلي – حوار مع فاطمة الفلاحي (بؤرة ضوء) – الحوار المتمدن – 21/10/2017.

([2]) المرجع نفسه .

([3]) المرجع نفسه .

([4]) المرجع نفسه .

([5]) المرجع نفسه .

([6]) المرجع نفسه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد