الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البداية من القمة ( 24 )

آدم الحسن

2021 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


قبل تناول العوامل المستجدة و الجذور التاريخية لتشكيل الأمة الصينية و التناقضات و الصراعات التي رافقت و سترافق تشكيل هذه الأمة لحين انصهار جميع مكوناتها في كيان منسجم اسمه الأمة الصينية التي لها اطار و حدود سياسية محددة لابد من تناول الأمور التالية ضمن اطارها العام :

اولا : كيف تتشكل الأمم ... ؟

للإجابة على هذا السؤال الذي ترافقه تعقيدات عديدة لابد من الإجابة على الأسئلة التالية :

هل ان الأمة مرتبطة بدين معين مثلما يتحدث الإسلاميون عن وجود كيان اسمه الأمة الإسلامية ...؟

أم أن الأمة مرتبطة بشكل وثيق بالقومية و عنصرها الأساسي هو اللغة .. ؟ كما يتحدث القوميون العرب عن كيان اسمه الأمة العربية و هنالك القوميون الأكراد يتحدثون عن كيان اسمه الأمة الكردية و اشباههم من قوميين من قوميات اخرى يتحدثون عن اممهم القومية التي لا وجود لها على ارض الواقع و انما هي هدف يسعون لتحقيقه .

قبل أن ننتقل الى الأساس الأخر لمفهوم الأمة لابد من الإشارة الى الحقيقة التي تؤكد أن الذين يعتقدون أن الأمة ممكن أن تبنى على اساس ديني أو الذين يعتقدون بأن الأمة ممكن أن تبنى على اساس قومي ما هم الا اصحاب ايديولوجية تريد رسم الواقع بما يتوافق مع المنظومة الفكرية التي هم جزء منها و ليس كما هو موجود و كأن الفكر هو الذي يصنع الواقع , لذلك جعلوا من افكارهم و كأنها حقائق موجود على ارض الواقع ... و هكذا كان الفشل رفيقا دائما لمشاريعهم الأيديولوجية ....!!

ليس هنالك ادنى شك بأن الأمة تتشكل بطريقتين لا ثالث لهما :

الطريق او المسار الأول هو الذي يتم من خلال اتحاد طوعي بين شعوب لدول مختلفة في كيان مشترك بأسلوب الاتحاد الفدرالي او الكونفدرالي او اتحاد مجموعة من الدول المستقلة ذات سيادة , هذا الطريق او المسار يعتمد بالأساس على المنافع و المصالح الاقتصادي و رغم انه يسير ببطيء نحو تشكيل امة جديدة لها حدود سياسية محددة الا انه اتحاد متين و ليس هنالك مثال للاتحاد الطوعي افضل من تجربة الاتحاد الأوربي الذي بدأت مسيرته في تكوين امة اوربية في منتصف القرن الماضي و لا يمكن ايضا ان نجد هكذا اتحاد طوعي قد تشكل قبل هذا التاريخ .

شعوب الدول الأوربية الداخلة في اتحاد طوعي اسمه الاتحاد الأوربي اختارت هذا الطريق مؤمنين بأن المنافع و المصالح الاقتصادية هي الأداة التي توحدهم , و من الشروط الرئيسية للاتحاد الطوعي هو اعطاء الحق لأي دولة منضوية ضمنه من الخروج منه اذا وجدت أن في بقائها منافع و مصالح اقتصادية اقل من المنافع و المصالح الاقتصادية و هم خارج الاتحاد كما فعلت بريطانيا بخروجها من الاتحاد الأوربي خروجا منظما و متفقا عليه مع باقي اعضاء الاتحاد الأوربي .

الطريق او المسار الثاني هو الطريق القسري الذي تتحد بموجبه دول او دويلات في اتحاد لا يستند بوضوح على المنافع و المصالح الاقتصادية و لا يعطي الحق في الخروج الطوعي من الاتحاد لأي طرف من اطراف الاتحاد , و هكذا كان حال جميع الإمبراطوريات و الدول التي تشكلت عبر التاريخ بحد السيف و من ثم بقوة نار البنادق لكنها في النهاية انهارت لكونها لم تستند على المنافع و المصالح الاقتصادية بين مكوناتها حيث تفككت جميع هذه الإمبراطوريات التي تشكلت عبر التاريخ القديم و الحديث بمجرد توفر الشروط الموضوعية و امكانيات الانفلات للتخلص من سطوة المركز المستبد .

و لكي تكون الصورة اوضح يمكن تناول التجارب التالية :

اولا : تشكلت الولايات المتحدة الأمريكية كنتيجة لانتصار الفدراليين عسكريا على الكونفدراليين في الحرب الأهلية الأمريكية و بالاعتماد على القوات الفدرالية الأمريكية تشكلت الأمة الأمريكية كأمة جديدة لتأخذ مسارها في النشوء و التطور الذي رافقه الظلم و الاستبداد و العبودية و الإبادة للسكان الأصليين لأمريكا .

ثانيا : الاتحاد السوفيتي مثال آخر على الاتحاد القسري لكنه فشل في تكوين امة جديدة فقد انهار الاتحاد السوفيتي و تشرذم الى جمهوريات مستقلة و كادت روسيا الاتحادية أن تتشرذم ايضا الى دويلات لولا اللجوء الى الأسلوب القسري , كما حصل مع الشيشان , في ابقاء الاتحاد الروسي قائما .

الاتحاد القسري و قوانين الحتمية لا تقود بالضرورة الى الانهيار و التفكك فقد يكون منشأ امة ما قد تم تاريخيا بشكل قسري لكن مجريات الأحداث قد تقود الى اجراءات اصلاحية مع تعديلات كبيرة و مهمة في العقد الاجتماعي ( الدستور ) بما ينهي التهميش و الأقصاء و سيادة كيان معين في الأمة على حساب الكيانات الأخرى و على تحقيق العدالة الاجتماعية بين مكونات الأمة الناشئة و على تعزيز المنافع و المصالح الاقتصادية المشتركة عندها تصبح اواصر و عوامل تماسك الأمة اقوى من عوامل تفككها و افضل مثال على ذلك هو تطور و نشوء الأمة الأمريكية التي تشكلت و لازالت تتشكل من اصول عرقية و ثقافية و حضارية و اديان بقدر هائل من التنوع حتى تكاد لا تخلو الأمة الأمريكية من اي نوع من الديانات و المذاهب و الأعراق و الثقافات و الحضارات الموجودة في باقي دول العالم الأخرى الحديثة منها و القديمة حتى اصبح من الممكن القول أن امريكا هي الوعاء الذي اختلطت فيه المكونات البشرية بكل تنوعها لتنتج امة جديدة صاعدة .

فرغم أن الأمة الأمريكية مرت عبر مراحل تاريخها المتعاقبة بمراحل عسيرة و دموية من حملات الإبادة للسكان الأصليين الى نظام عبودية قاسي الى تسلط مفرط للعرق الأبيض على الأعراق الأخرى حتى وصلنا اليوم الى امة امريكية تمتلك دستورا معدلا يحقق قدرا كبيرا من المساوات و العدل بين مكونات الأمة الأمريكية حتى بات من الممكن القول ان الأمة الأمريكية اصبحت في مرحلة تجاوزت فيها معظم مخاطر التفكك .

اما بالنسبة للتجربة الصينية فقد عمل الحزب الشيوعي الصيني و منذ انتصار الثورة التي قادها في 1949 و لحد الأن على اعادة السيطرة على كل اجزاء الإمبراطورية الصينية القديمة بطرق سلمية او بطرق قسرية و عسكرية و لم يبقى سوى تايوان خارج اطار الدولة الصينية , و لولا اعتماد الحزب الشيوعي الصيني لهذا النهج لكانت مساحة الصين اقل من نصف المساحة التي هي عليها الأن .

لكن المتتبع لتطور كيان الأمة الصينية يجد أن الأواصر الذاتية لتماسك هذا الكيان تقوى بشكل تدريجي مع اتساع نطاق الإصلاحات , هذه الإصلاحات المتنوعة التي بدأت في سبعينيات القرن الماضي على يد مهندس الإصلاح للنظام الصيني تنغ شياو بنغ و ذلك من خلال الإصلاحات الاقتصادية و تشجيع القطاع الخاص بشكل واسع النطاق و اشراكه في بناء صين جديدة متطورة يشعر ابنائها بكل مكوناتهم و طبقاتهم انهم امة توحدهم المنفعة و المصالح الاقتصادية و كذلك اتباع سياسة الأنظمة المتعددة في دولة واحدة كالطريقة التي تم اعتمادها لضم هونكونك للدولة الصينية و التي يريد قادة الحزب الشيوعي الصيني اعتمادها ايضا لضم تايوان للدولة الصينية مستقبلا .

لقد كان للأسلوب التدريجي في تحقيق الإصلاحات الذي اتبعته القيادة الصينية و ابتعادها عن اسلوب الصدمة الأثر الكبير و الأساسي لأبعاد الدولة الصينية عن خطر التفكك و الانهيار كالذي حصل في الألحاد السوفيتي السابق مع عدم اهمال الفارق الكبير بين الحالتين .

من المؤكد أن قادة الدولة الصينية يدركون أن ما تحتاجه الأمة الصينية في طريق نشوئها و تطورها التدريجي المستمر للصعود للقمة هو المزيد من الإصلاحات في مجال الحريات الشخصية و الدينية و المعتقداتية و حرية التعبير عن الرأي وفق برنامج مدروس بمنهجية علمية اي أن عليهم زيادة متانة لسكة الحديد قبل زيادة سرعة القطار , فقطار الإصلاح الصيني يحمل معه حوالي مليار و نصف المليار من البشر , ليس هنالك ادنى شك من أن قادة الصين يدركون عظمة و ثقل المسؤولية المكلفين بإدارة مسيرتها .


(( يتبع ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس