الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أقتَرفَ الجريمة في مطار عدن؟ 3/2

منذر علي

2021 / 2 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كنتُ في الحلقة السابقة قد تطرقتُ إلى الجريمة التي اُقْتُرِفَتْ في مطار عدن يوم الأربعاء، في 30 ديسمبر المنصرم. وذكرتُ أنَّ القتلى الأبرياء الذين رُحِّلُوا قسرًا من الحياة إلى عالم الموت قد صمتوا إلى الأبد، وتركوا وراءهم الثكالى والأيتام، وقلة قليلة ممن يدعون لهم بالرحمة والمغفرة، ولم يعد هناك من ينوب عنهم ويعتني بأسرهم ويسعى لإنصافهم من القتلة. ونوهتُ إلى الوضع المأساوي للجرحى الذين ما برحوا يئنون تحت وطأة الآلام، ويعانون من عبث الإهمال، ويوشكون أن يرحلوا من الحياة مثل أشقائهم القتلى. كما تحدثتُ عن القتلة، الذين التزموا الحذر والصمت وإنْ بشكل مؤقت، انتظارًا لمرور العاصفة، لكي يعاودوا ممارسة فعل الجريمة والإمعان في البغاء السياسي لتحقيق أهدافهم الحقيرة على حساب الوطن والشعب.
وكنتُ قد تساءلت عن هوية المجرمين الذين اِقترفوا تلك الجريمة البشعة، وأكدتُ على ضرورة كشفهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم جراء ما اقترفوه من جرائم بحق الشعب. وقلتُ أنَّ كل طرف من الأطراف السياسية المتصارعة منشغل بتبرئة نفسه والصاق التهمة بالطرف الآخر المناهض له. وأخيرًا أكدتُ على تبني مجموعة من المقاربات السياسية، والسوسيولوجية والعسكرية والجنائية من أجل معرفة الجريمة بكل أبعادها؛ بما يضمن معرفة الجهة الفاعلة للجريمة والجهة الموجهة لها والجهة المستفيدة منها. وفي الحلقة السابقة تطرقتُ إلى إحدى المقاربات التي تتصل بالشهود من موقع الجريمة، كالصحفيين ورجال الأمن في المطار، وكذلك بأعضاء الحكومة الذين أدلوا بتصريحات متضاربة ومرتبكة، سواءً من موقع الجريمة مباشرة، أو من موقع آخر في وقت لاحق. واختتمت حديثي بالقول إنَّ هذه المقاربة مهمة وتكشف بعدًا معينًا من الجريمة، ولكنها لا تكشف كل أبعاد الجريمة. وفي هذه الحلقة، اسعى إلى مناقشة بعض المقاربات الموضوعية الأخرى، بغية الاقتراب أكثر من الحقيقة.
***
المقاربة الثانية في الوصول إلى الحقيقة: تتلخص في أنَّنا يمكن أن نتعرف على القتلى والضحايا، من خلال التعرف على هوياتهم؛ وأعني من خلال التعرف على أسمائهم، وأماكن ولادتهم، ومناطقهم، ووظائفهم، وميولهم السياسية. ومن هذه الزاوية، يمكن القول، بحسب المعطيات الأولية المتوفرة لدينا، أنَّ الضحايا ينتمون إلى مناطق يمنية مختلفة من الجنوب والشرق والشمال اليمني، وفي غالبتهم لا تجمعهم ارتباطات سياسية وثيقة بأطراف الصراع؛ فلم يُقتل في هذه الجريمة البشعة أحد من القيادات البارزة للقوى المتصارعة، مثل جماعة الانتقالي، وحزب الإصلاح وحزب المؤتمر وغيرهم، ولم يُقتل أحدٌ من الوزراء، والطاقم الحكومي المرافق لهم، وكان من السهل ضرب الطائرة وقتل كل من فيها، ولكن هذا لم يحدث. لماذا؟ هل لأنَّ ركاب الطائرة كانوا محسوبين على القوى المتصارعة، مثل جماعة الإصلاح والمجلس الانتقالي والشرعية والمؤتمر الشعبي، وبالتالي فأنَّ القتلة لا يريدون الفتك بأعضاء الحكومة المكونة في الأساس منهم؟ هل القتلة الذي أطلقوا الصواريخ من جماعة الحوثي الذين ليس لهم وزراء في الطائرة، وبالتالي كان من مصلحتهم الفتك بأعضاء الحكومة، ولكنهم أخطأوا الهدف؟ هذا احتمال وارد وإنْ بدرجة أقل، ولكن لماذا أخطأ الحوثيون الهدف، وهم نادرًا ما يخطئون الهدف؟ هل لأنَّ الطائرة كانت أصغر حجمًا من الشهيد أبو اليمامة؟ إذن لا بد أنْ يكون هناك تفسير عقلاني لماذا لم تصب الطائرة التي تحمل وزراء السعودية والإمارات وتركيا، ولا أي من القيادات السياسية البارزة التي كانت في المطار، وأُصيب مواطنو اليمن الفقراء؟

وعليه يمكن الاستنتاج دون مشقة أنَّ من أطلق الصواريخ على مطار عند كان محسوبًا على أحد أطراف الصراع المحتدم بضراوة في اليمن سواءً في المناطق المسماة ب“المحررة" وهو الاحتمال الأكبر، أو في المناطق غير المحررة، وأن الهدف من الضربة كان غايته تحقيق مكاسب سياسية؛ يتلخص في تخويف الحكومة وليس قتلها، وبالتالي تم التضحية بمجموعة من المواطنين الأبرياء، الفقراء، الذين كانون في غالبيتهم من المرضى والمسافرين والطلاب والجنود والموظفين من الرجال والنساء، لتحقيق هذه الغاية البائسة. هذه المقاربة التحليلية لا تكشف، بطبعة الحال، القاتل بشكل نهائي، ولكنها تعطي مؤشرات مهمة عن هوية القاتل والموجه وغايته.
***
الطريقة الثالثة في الوصول إلى الحقيقة: يكمن في التعرف على القاتل عبر معرفة هوية المستفيدين من القتل. وفي هذا الإطار، سأتجاهل الأذناب المحليين وسأقفز مباشرة إلى الأسياد، وسأثير إليهم دون وجل أو مواربة. إنَّ المستفيدين من القتل هم إيران والسعودية والإمارات وقطر وتركيا.
إيران ترغب في إضعاف ما يُسمى بالحكومة الشرعية لكي ترسخ مكانة حلفائها في صنعاء. والسعودية ترغب في وجود حكومة ضعيفة في عدن، لكي تبقى مرتهنة لها بشكل مطلق، الأمر الذي يتيح للسعودية أن تعزز من هيمنتها على الحكومة وتحقيق مصالحها التوسعية في “المناطق المحررة"، وبشكل خاص في عدن والمهرة وحضرموت، وكذا تقليص نفوذ الإمارات، ومواجهة نفوذ إيران المتزايد في الشمال، ونقل المعركة من جنوب السعودية إلى اليمن لتكون المعركة بين اليمنيين، الجنوبين والشماليين، وبذلك تنجو السعودية بنفسها، وتتركك اليمنيين يتقاتلون حتى مرحلة الإفناء.
وتركيا، مع حليفتها المشاكسة قطر، ترغب في إضعاف الحكومة اليمنية، التي تجسد في غالبيتها التقاسم بين السعودية والإمارات وتمثل مصالحهما هذا من جانب. ومن جانب آخر فأن تركيا وقطر تأملان في إضعاف الحكومة اليمنية وخلق معارضة للسعودية والإمارات في اليمن، تخدم في المحصلة النهائية مصالح تركيا وقطر، بحيث تؤول الأوضاع في المناطق "المحررة" إلى ما آلت إليه الأوضاع في الصومال، ومن ثم يجري تقاسم اليمن، بجنوبه وشماله، بين إيران الشيعية الصفوية وتركيا العثمانية السنية.
والإمارات ترغب في إضعاف الحكومة اليمنية، وبشكل خاص الجناح السعودي والقطري والتركي فيها، وتعزيز مكانة الجناح التابع لها، وبالتالي تعزز من هيمنتها على سقطرى وعدن والخطوط الساحلية، الممتدة من حضرموت حتى المخاء، وهي تسعى في المحصلة النهائية لتقليص نفوذ السعودية، وكبح الطموح التركي والتعامل، بشكل براجماتي، مع إيران، بسبب الروابط الاقتصادية المتينة بينهما، مستفيدة من تحالفها الوثيق مع الغرب الإمبريالي والكيان الصهيوني.
مرة أخرى، رُبما أنَّ هاتين المقاربتين السياسيتين والسوسيولوجيتين تقرباننا من الحقيقة، ولكنهما لا توصلاننا إلى مرفأ الحقيقة، وبالتالي سيكون علينا، بالإضافة إلى المقاربات الثلاث السابقة التي ناقشناها في هذه الحلقة والحلقة الأولى، أنّ نتبنى المقاربة العلمية الموضوعية، وهو ما اعتزم مناقشتها في الحلقة القادمة.
للحديث بقية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254