الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين الأنبياء والأمناء في مصر، ”مشِّي حالك!“

ياسين المصري

2021 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


كيف خضعت دولة بحجم مصر لحكم ”أمين شرطة“، لا يعرف الأمانة؟
***
إقتصر عنوان المقال على كلمة انبياء فقط دون إلحاقها بصفة ”الكذَّابين“، حتى لا يتطرق للذهن أن هناك بالمقابل أنبياء ”حقيقيين“!
***
نشر أستاذ الفلسفة بجامعة نيو إنجلاند ديفيد ليفينجستون سميث مقالًا في موقع «أيون»، حاول فيه تفسير ترحيب الناس، بين حين وآخر، بالزعماء الطغاة المستبدين، قائلًا : «منذ ألف سنة، والفلاسفة والمنظرون يحاولون شرح الأسباب التي تجعلنا نشارك طواعية في اضطهاد أنفسنا، من خلال الخضوع للزعماء السلطويين. وقد زادت أهمية هذا السؤال في عصرنا الحالي عن أي وقت مضى؛ مع الصعود المشؤوم للأنظمة السلطوية».
وقال سميث: «إننا لو تأملنا عمل عالم الاجتماع الألماني ماكس ڤيبر، في أوائل القرن العشرين، والذي كان من مؤسسي علم الاجتماع، نجده طور مفهوم ”السلطة الكاريزمية“، وهي صفة معينة للشخصية الفردية، والتي يتميز بفضلها القائد عن الرجال العاديين ويعامل بصفته خارق للطبيعة، أو أن طاقته فوق طاقة البشر، أو على أقل تقدير يحظى بإمكانيات أو صفات استثنائية بوجه خاص، فإن أولئك القادة المتسلطين - أصحاب الكاريزما - يعتبرون أنبياء من قِبَل أتباعهم الذين يعتقدون أنهم يستطيعون عمل المعجزات وتغيير حياتهم».
https://aeon.co/essays/the-omnipotent-victim-how-tyrants-work-up-a-crowds-devotion
منطقة العربان والمستعربين موبوءة بكثرة الأنبياء الذين يختص القليلون منهم بجاذبية مقنَّعة غير عادية (كاريزما)، مثل البكباشي عبد الناصر، وكل منهم، سواء كان من أصحاب الكاريزما أو غيرها، يفرض نفسه علينا، ويزعم أننا ”اخترناه ونمشي وراه“. جميعهم يتسلطون علينا دون إذن مِنَّا، ويتمتعون بخضوعنا وإذعاننا لهم، دون أن نسمع بهم من قبل أو نتعرف على كفاءتهم أو نسأل عن خصالهم وأفعالهم وتوجهاتهم. يفرضون أنفسهم علينا، بما فيها من جهل وعجز وانعدام المقدرة، حتى أننا أصبحنا نحبهم ونحب كل جاهل أو عاجز أو عديم الكفاءة ونكافئه على ذلك!، إنهم أنبياء لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم. الأموات منهم يواصلون حكمنا من قبورهم والأحياء يحكموننا من قصورهم. المياه الآسنة التي نعيش فيها يجب أن تبقى في مكانها، ليتمكنوا من ترسيخ واستمرار منظومة الفساد وتدمير البلاد وإذلال العباد. لذلك يبتكرون الإيديولوجيات السياسية والدينية، فنخلع عليهم الألقاب والرتب مثل الصادق الأمين … أمير المؤمنين … خليفة المسلمين … خادم الحرمين (الشريفين) … الإمام الأكبر … الزعيم الخالد … الرئيس المؤمن … سيد القوم … صقر قريش … ملك الملوك … المجاهد الأكبر … الجنرال … الباشا… إلخ. وهُم جميعًا - وبلا استثناء - أنبياء من قش في أيديهم سيوف من نار، تجمَّعَت خصالهم وتبلورت تصرفاتهم في شخص ”أمين الشرطة“، الذي تفتقت عنه القريحة الناصرية في ستينات القرن الماضي، ليكون ”غير أمين“ بالمطلق.
إذا اتفقنا على صحة مقولة: إن العبرة دائمًا بالنتائج، فإن أي عمل منهجي لا يمكن التنبؤ بنتائجه من البداية كالسياسة، يحتاج دائمًا إلى رؤية واضحة للأهداف، وتقييم آدائه باستمرار وضبط مساره من وقت لآخر، مثلما يحدث مع مهنة التدريس في مراحله المختلفة. العمل السياسي لا يمكن ممارسته بحسن النوايا أو بالشعارات والأماني والأغاني، ولكن بناء على دراسات ميدانية وأبحاث علمية، وإدراك لمدي التوازن الموجود بين القوى الفاعلة داخل المجتمع وخارجه، إضافة إلى حساب المكاسب والخسائر، مع وضع العواقب المتربة عليه وكيفية مواجهتها في الحسبان، بعيدًا عن ردود الفعل العاطفية والعشوائية.
إن العمل المنهجي يقوم حصريًا على الحقائق الفعلية والملاحظات العملية والتفكير العلمي، ويتسم بالترابط والتسلسل عند تنفيذه، ويلتزم بالموضوعية والحيادية، أي يبتعد تمامًا عن الأماني أو التحيُّز والخصوصية والآراء والأهواء الشخصية، بالإضافة إلى القدرة على التصور والتنبؤ بما ستكون عليه الأحداث، والإسراع في معالجة الخلل والظواهر الشاذة التي تظهر أثناء التنفيذ. وبذلك تكون المنهجية باختصار هي علم الوصول إلى الحقائق العلمية التي تفضي إلى نتائج ضرورية بخطوات منتظمة، إنها الطريق أو الأسلوب السديد والمقنن والمنظَّم والمثمر الذي يُلتزَم به للانتقال من المشكلة إلى حلِّها، ومن المقدمات إلى غايات وأهداف معلومة ومطلوبة.
السياسة الممنهجة، يمارسها أشخاص تنفيذيون، مهيئون لممارستها، وقد قطعوا شوطًا ما وبصورة ما في كيفية القيام بها. ويكون قد ترسخ لديهم شيء من العلوم السياسية ومن عبر الأحداث والتجارب التاريخية القديمة والحديثة، بحيث تقوم بدور فعال في تحديد الطريق السليم لممارساتهم السياسية. يتم كل ذلك في وجود مؤسسات رقابية قوية وفاعلة كالأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان المحايدة وغيرها.
رأينا جميعًا كيف سحب الزعماء أمناء الشرطة بلادهم إلى الدمار وخراب الديار في العراق وليبيا وسوريا واليمن وأوصلوها إلى نقطة فارقة في تاريخها، أمَّا في مصر وبعد 69 عام من حكمهم، فمازالت البلاد تعاني من نتائج كارثية على كافة المستويات، ولا يدري أحد متى وكيف تتخلص منها وتعود إلى المسار السياسي الحكيم والرشيد.
منظومة التردي والفساد والانحطاط بدأت تدريجيًا مع بداية عهد البكباشي عبد الناصر وعلى يديه، واستمرت في تزايد حتى اليوم، ولذلك، وكما يقول أتباعه، إن عصره كان أفضل من العصور التالية له، وهم بلا شك على حق، ولكنهم لا يكلفون أنفسهم مشقة البحث عن أسباب هذا التردي المستمر والمتزايد منذ ذلك الوقت وحتى اليوم!، لا يعترفون - وقد لا يعرفون - أنَّ قفزاته البهلوانية وخطواته العشوائية أربكت ومازالت تربك المساري السياسي في مصر وفي الكثير من الدول المجاورة لمصر، تارة بما زعم أنه اشتراكية أو عروبة أو عدم انحياز أو غير ذلك من الخرافات، وتارة أخرى بالدخول في مغامرات عسكرية أو كلامية لا طائل من ورائها مع أعداء مصطنعين، ومساعداته للانقلابات العسكرية في أي مكان تنقلب فيه، ممَّا أدخل البلاد في حالة - لم تنتهي بعد - من التخبط والتحلل والتسيب!
ماذا استفادت مصر من إضفاء الصفات النبوية عليه، وأنه عاش نزيهًا، ومات فقيرًا، وكان شريفًا، إلى آخر هذا الاسطوانة المتواصلة؟، بينما الحقيقة أنه قلب المجتمع رأسًا على عقب، ممَّا أفرز طبقة من السادة الجدد الذين خرجوا من قاع المجتمع وهم مجردين تمامًا من العلم والثقافة، وتركهم يعبثون في الأرض فسادًا وانحطاطًا.
لم يتمكن من وضع البلاد على بداية الطريق الصحيح لتحقيق الحرية والرفاهية والكرامة الإنسانية؛ بدلا من رفع الشعارات وتجنيد الأغاني والفن والإعلام ورجال الدين والكثير من المثقفين المزيفين وغيرهم لخدمة حماقاته دون فحص لمضمونها، أو معرفة لآثارها المستقبلية وما ستؤول إليه البلاد بسببها في يوم ما!
وعندما هوت جاذبيته المقنعة إلى الأرض بعد هزيمته الساحقة في عام 1967، أدرك الجميع أنه حقيقة مجرد ”طبل أجوف“، ومع ذلك مازالت تقدمه لنا المناهج الدراسية المضللة وتطرحه علينا وسائل الإعلام المزيَّف، بصورة مغلوطة برعاية خلفائه أمناء الشرطة وأتباعهم المغرضين والموتورين، ليصنعوا منه هالة مقدسة، وهو في الحقيقة وبعد تنكره لمهنته واغتصابه للسلطة تبنى الفكر الديكتاتوري الممزوج بعنف الفاشية العسكرية المتحالفة مع الفاشية الإسلاموية، فهو يعرف كغيره من حكام المنطقة أن الإسلاموية ديانة متخلّفة، لا تعتمد على أفكار وثوابت إنسانية، وأن المصدر الوحيد لقوَّتها، والعامل الأهم في بقائها، هو اعتمادها حصريًا عبر تاريخها على تبنيها ورعايتها وحمايتها بعنفوان سلطة الحكام الجهلة والعجزة.
لا أحد ينكر أن الفساد موجود دائمًا وبنسب متفاوته، في جميع دول العالم، وأنه كان موجودًا بالمثل في مصر، ولكنه في زمنه الكارثي زاد وتوحَّش وأصبح ممنهجًا ومنسقًا، حتى أصبح جائحة كبرى تجتاح البلاد بسرعة متوقعة، خاصة في أجواء سياسية تسود فيها كافة أساليب الكذب والخداع والتضليل الشعبي، ممَّا أسس بدوره لمنظومة مستدامة من تشويه وتغييب الوعي لدي المصريين.
كانت مصر في عصر الملكية، كأي دولة محترمة، يتحكم في مفاصلها ”الميري“ الذي كانت له ”شنة ورنة“ في نفوس المصريين، حتى أنهم قالوا: ”إنْ فاتك الميري اتمرَّغ في ترابه“ من فرط إحكامه وضبطه وربطه وثبات وضعه وضوح عمله، وحياديته وبعده عن التحزبات والصراعات السياسي، لا يلتزم سوى بالقوانين الواضحه والمحددة. صحيح، وكما هو حال البشر في كل مكان وزمان، كان هناك محاولات تكلل بالنجاح حينًا أو بالفشل أحيانًا للتحايل على القوانين وحمل ”الميري“ على الانحراف والفساد، ولكن كان من النادر أن يفلت الموظف الميري المنحرف أو الفاسد من العقاب، فالقانون هو الذي يحكم مسار العمل العام داخل الدولة وليست الأهواء الشخصية.
عادة ما يهدر الحكام الجهلة والعجزة وعديمي الكفاءة والشرعية أوقاتهم وطاقاتهم، ويركزون كل اهتماماهم على شيء واحد فقط هو الحفاظ على حياتهم وبقائهم على قمة السلطة، حتى يغيِّبهم الموت أو الإزاحة الجبرية أو الاغتيال، ويتركون أعمال السياسة لأهل الثقة من الصبيان التافهين الذين يحيطونهم بالولاء والطاعة العمياء، ليعبثوا بها تبعًا لأهوائهم في تغييب متعمَّد للقوانين ”الميري“، واعتبارها حبر على الورق ليس إلَّا.
تخلت مصر عن الميري ودخلت في منظومة التخبط والتحلل والتسيب مع بزوغ عصر الفاشية العسكرية في عام 52، فأصبحت القوانين تتكاثر وتتكاثف كالضباب، و”الميري“ يتآكل ويتفكك ويتهاوى تحت ضربات الأهواء والأمزجة الشخصية للحكام الجدد، وسمعنا لأول مرة عن قرارات سيادية أو رئاسية تتخطى الدستور والقوانين المنظمة للعمل السياسي، فتحولت البلاد تدريجيًّا إلى مزرعة دواجن، يديرها رئيس عسكري، هو الواحدٌ الأحدٌ، الذي لا شريك له في الملك وله الحمد والشكر، وهو على كل شيء قدير!
من الطبيعي أن يفضي التحالف الفاشي بين العسكر الجهلة ورجال الدين المناكيد (أصحاب نكد) بالبلاد إلى أن أمين الشرطة وحده هو الذي يسيطر على مفاصل الدولة من أعلى قمة الهرم إلى أسفله، ويقبض بنواجزه على جميع مؤسساتها، ويتحكم في كل شاردة وواردة لمواطنيها الضعفاء!.
ارتبطت فئة أمناء الشرطة في مصر بالكثير من اللغط منذ نشأتها على يد وزير الداخلية شعراوي جمعة في عهد البكباشي عبد الناصر، وكان الغرض المعلن من إنشائها هو إلغاء نظام الكنسطبلات، وتوفير رجال شرطة متعلمين، ولكن تشكيلها في الحقيقة كان خطوة غبية ضمن خطوات البكباشي الغبيه في إطار جهوده لاحتواء الجيش، وتشكيل قوة ثانية تستطيع حماية نظامه من تقلبات القيادات العسكرية، ومواجهة تغوُّل نفوذ صديقه المشير عامر، من خلال شرطته العسكرية، صاحبة الأمر والنهي في المسائل الأمنية آنذاك.
في مقال بعنوان: ”الباشا أمين الشرطة“ كتب الصحفي فريد نبوي في موقع البوابة نيوز الإلكترونية بتاريخ 29.8.2017 يصف أمين الشرطة في مصر قائلا: « هو خلطة مثيرة للجدل، هو المتن والهامش فى آنٍ، البطل والخارج على القانون أحياناً، الجانى والمجني عليه أحياناً أخرى.. الصامت والصاخب.. لا تجتمع فيه صفة إلا وتحمل فى طياتها النقيض، هو «حاتم» صارخاً: «اللى مالوش خير فى (حاتم) مالوش خير فى مصر»…لا تجد مصرياً واحداً لا يعرفه، فهو بوجوهه المختلفة «الحازم» و«الهادى» و«اللين» و«الخشن».. هو سيد قسم الشرطة وحلال العُقد ومسيّر الأمور.. »
و”حاتم“ هذا، لمن لا يعرفه، هو أمين الشرطة في فيلم "هي فوضى"، الذي جسد شخصيته المخرج العالمي يوسف شاهين، وقام بدَوْرِه الممثل الراحل خالد صالح، على أنه مرتشٍ.. فارض إتاوات.. ظالم.. فاسد.. منبع الفوضى والفساد.. ولكن إذا نظرنا إلى الواقع تصدمنا الأخبار الواردة يوميًا بأن الفيلم، بما فيه، أقل قتامة بكثير من الواقع.
الواقع هو أن البلاد بكاملها خضعت ورضخت لهيمنة أمناء الشرطة من قمة الهرم حتى قاعدته، أصبح أمين الشرطة هو الرئيس والوزير والسفير والمدير والغفير، هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يفتح فمه في طول البلاد وعرضها دون أن يلومه أحد، ويفعل ما يريد دون اعتراض من أحد، ويرتكب الحماقات والجرائم دون لوم أو محاسبة. لذلك امتلأت البلاد بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، وخرجت سلوكيات المجتمع عن السيطرة، وتحوَّل (الميري) في المؤسسات الحكومية إلى ساحات للغناء والمديح والرقص الشعبي، ومرتعًا للبشوات والسوبر بشوات، لا أحد يمكنه العيش بسلام ويمارس حياته باطمئنان مالم يسمحوا له بذلك.
تمركز الطغيان في شخص أمناء الشرطة، يملكون البلاد ويزلون العباد ويضربون بالبناء القيمي والأخلاقي عرض الحائط، ويتمادون في طغيانهم على أصحاب المهن الأكثر احترامًا، مستعينين في ذلك برهط من البلطجية وأصحاب العاهات النفسية ..
أمين الشرطة على كافة المستويات والمناصب، يجسم التفاهة في كل شيء، فهو تافه في فكره وتافه في عمله وتافه عندما يتكلم وتافهة عندما يسكت، يرقص على حافة الهاوية، بمنطق: ”يا أرض انهدي ما عليكي أدِّي“ … يدغدغ مشاعر البسطاء تارة، ويجرم المجتمع بكامله تارة أخرى، يرفع القيِّم الدينية الإجرامية المتخلفة والمختلف عليها على القيِّم الإنسانية الراقية والمتفق عليها من قبل المجتمع الدولي، يملأ العالم بأفعل التفضيل والمبالغة والتعميم ويعرقل الفهم العام، ولا أحد يستطيع أن يسأله، لأن أحدًا لم يفهم شيئًا!
وهو دائمًا وحشٌ مفترسٌ مع الصغار أو من هم دونه، وعبدًا ذليلا مع الكبار أو من هم قوق رقبته، يكذب على الجميع ويكذب على نفسه ويكذب على غيره ويكذب ليلا ونارًا. لم يقرأ كتابًا واحدًا في حياته، ولم يخرُج فكرَةُ عن كيفية إشباع غرائزه ورذائله!
سياسة أمين الشرطة قائمة على جنون العظمة والقناعة الشخصية بأنه أسمى من الآخرين، لأن أهم ما يميزه خصال التفاهة والابتذال والسخافة وانحطاط المستوى الفكري والسلوكي، فالإنسان يصاب بهذه الأوبئة عندما تنهار منظومة القيم من حوله، ويتم إبعاد الأكفاء عن العمل!، عندئذ يغيب الذوق الرفيع عن حياة المواطنين، وتستفحل وتسود أعمالهم المنحطة، ويحاصرهم الفشل والهزائم، فلا يصل لمواقع السلطة والنفوذ سوى التافهين والمنحطين وأصحاب العاهات النفسية والخلقية. فلا يجد المواطن العادي وسيلة يمشِّي بها أحواله المعيشية سوى الخنوع والخضوع وقلة الأدب والنفاق والرياء والخداع والكذب والهروب والرقص على أنغام أمناء الشرطة المبجلين، والسادة السوبر بشوات التافهين!
أستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية، والأكاديمي الناشط ضد الرأسمالية المتوحشة آلان دونو، قدَّم لنا في كتابه «نظام التفاهة»؛ الصادر بالفرنسية في عام 2015، وترجمته السيدة مشاعل عبد العزيز الهاجري، لدار سؤال للنشر بيروت لبنان 2019، وصفًا دقيقًا لمرحلة غير مسبوقة يعيشها العالم؛ يتسيَّد فيها التافهون ويسيطرون على كل مفاصل الدولة الحديثة، فيما يسمَّى بـ«الميديوقراطية»، وهو مصطلح ظهر عام 1825، لوصف النظام الاجتماعي الذي يشكل التافهون طبقته المسيطرة الحاكمة، أو يُكافأ فيه التافه ويُكرم الرديء. وفيه ذهب الكاتب إلى أن العمل التافه هو الذي قيمتة لا تساوي تكلفته، والعامل التافه هو الذين لا يبالي بالعمل ذاته، وقال إنه في نظام التفاهة يتم تحقير الطبقة الوسطى والقضاء عليها تدريجيًا، ويتم تصعيد نماذج تافهة، شديدة السطحية والغباء باعتبارها هي الأمثل طالما في استطاعتها تقديم فروض الولاء والطاعة لأولي الأمر والنهي، ولديها استعداد لدهس أي قيم في مقابل الحفاظ على مكاسبها. وهكذا يصبح العمل وسيلة لإنتاج الثروة بشكل عام، محض آلية لتأمين الوجود، ومحض وسيلة للسيطرة وبسط النفوذ.
وحدَّد دونو جوهر كفاءة الشخص التافه في قدرته على التعرف إلى الأشخاص التافهين الآخرين؛ فالتوافه يدعمون بعضهم بعضًا، ليرفع كل منهم الآخر. والتافه الصغير منهم يقبل بالفتات، لأنه يحلم بثروة مستقبلية، لن تتحقق مالم يصبح زعيمًا وقائدًا وكبير البشوات.
أمين الشرطة في مصر هو النبي التافه الجديد والزعيم والقائد الفاشل المفدَّى، يهرب من المشاكل ولا يعمل على حلها وقد يعمد إلى خلقها لأنه لا يستطيع حكم البلاد وتسييس العباد إلاَّ في عكارة المياه الآسنة. يتملكه الإحساس الدائم بالنقص والجهل والعجز وهوى الانتقام، فيتجاهل الدستور والقوانين والأعراف الإنسانية، ويحشد السلطة لقمع خصومه من أي اتجاه، وتدمير أي شخص يشكك في كفاءته بوحشية وأريحية، لأنه أوصل الجميع - كما قال سميث - إلى أن يشاركونه طواعية في اضطهاد أنفسهم بالخضوع له!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في