الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلوم أيضًا في مرمى الأحكام المسبقة والتحامل

كلكامش نبيل

2021 / 2 / 19
الطب , والعلوم


عند الحديث عن الإنجازات العلمية وهوية الكفاءات وكيفية تصنيف الإنجاز، نجد أن التحامل والأحكام المسبقة تفسّر كثيرًا أسباب التناقضات في مواقف الناس. يجب أن يحدد الشخص معياره بصورة ثابتة لنفهم طريقة حكمه على الموضوع: فهل يُعتبر الشخص الباحث نتيجة للظروف التي توفرت له في مركزه البحثي والدولة التي يعمل فيها أو أنه يعزوه لجنسية الباحث وعرقه. مع ذلك، وبينما نجد مبالغة القوميين والإسلاميين في نسبة كل الباحثين لهم - حتى لو كانوا باحثين ملحدين أو من أقليات دينية في الشرق الأوسط، نجد أن بعض العلمانيين في الشرق الأوسط متحاملين على المنطقة ويكرهون كل شيء يخرج منها بسبب موقفهم من الإسلام، وفي كلتا الحالتين إختزال فظيع للمنطقة وربط غير دقيق بين ثقافة بأكملها وهذا الدين.

مثال ذلك: دور الزوجان الألمانيان-التركيان من شركة بيونتيك وشريكتها الأميركية فايزر في اختراع أحد اللقاحات ضد فيروس كورونا. عند تحليل المواقف سنجدها كما يلي:

- الإسلاميين: افتخار كبير بأن الباحثين من بلد ذو خلفية مسلمة ومحاولة نسبة الاختراع للمسلمين - وأنهم من هزموا فيروس كورونا (الذي لم يهزم بعد)-، في حين أن الباحثين لادينيين في الغالب ونشأوا في ألمانيا وذكرت صحيفة ألمانية أن الزوجة كانت ترغب في أن تصبح راهبة في طفولتها، وربما يكون الزوجان بالأصل من العلويين - وهي طائفة تختلف تمامًا عن الإسلام بشكله الرسمي. ويتوافق هذا مع التركيز الدائم على وصف الكثير من الباحثين في العصور الوسطى وربطهم بالدين، مع أن الكثير منهم قد تعرض للتكفير في وقتها.

- القوميين: بالتأكيد سيركز القوميون الأتراك على الأصل التركي للباحثين، في حين تحاول القوميات الأخرى التركيز على أصل الزوج من منطقة الإسكندرونة وأصوله المختلطة. ومثل هذا الصراع موجود في كل مكان، حيث يفتخر البولنديون بماري كوري - رغم نبوغها في فرنسا - وبالموسيقار فريدريك شوبان - المولود لأب فرنسي وأم بولندية.

- العلمانيين المتحاملين على المنطقة: لا دور لخلفية الشخص في ذلك لأنه ألماني النشأة والتربية والبيئة التي وفرت له كل هذا ألمانية ولا دخل لأصل الشخص في هذا الإنجاز. لكن ذات الأشخاص سوف يرفضون اعتبار العلماء في العهد العباسي من بغداد مثلا ويصرّون على التركيز على الأصول الفارسية للبعض منهم أو أنهم من ما وراء النهر أو أوزبكستان وهكذا ولا يعترفون بأن بغداد في تلك الفترة قد وفرت مكان وبيئة مناسبة للنبوغ - تماما كما توفر ذلك الآن مراكز في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية - وفي الوقت نفسه سيرفضون الاعتراف بأن إطلاق المسبار الإماراتي إنجاز لتلك الدولة ويركزون على وجود باحثين أجانب فيه - مع أن الطاقم ضم 200 مهندس إماراتي -، ولا يعترفون بأن الإمارات وفرت الدعم والبيئة لهذه العقول. وقد يقولون أن المسبار أطلق في بلد آخر، ولكنهم لا يستخدمون ذات الأمر عند الحديث عن إطلاق إسرائيل مركبتها الفضائية من الولايات المتحدة كذريعة لنفي الإنجاز الإسرائيلي - الكبير بالطبع. ذات الأشخاص أيضًا، قللوا من الإنجاز الإماراتي وذكروا أن ملف حقوق الإنسان للبلاد سيء وأنهم يقصفون اليمن ويسيئون معاملة العمال الأجانب، لكنهم ينشرون بفخر بعد يومين فقط صور المريخ من المسبار الأميركي وكأن الولايات المتحدة لم تتورط في قصف دولة كثيرة كما تساهم الإمارات في قصف اليمن - وبالتأكيد لن يذكروا شيئا عن ملف حقوق الإنسان في الصين أو روسيا - ويتناسون أيضًا أن الكثير من الدول والإمبراطوريات حول العالم أنجزت الكثير وبنت عظمة بلادها على حساب دول أخرى وهذا شأن الإنسان منذ القدم. ذات الأشخاص ينفون عراقية زها حديد - مع أنها درست وعاشت في العراق حتى سن الالتحاق بالكلية - وينسبون نبوغها لبريطانيا، مع أنها لم تنفي أصلها العراقي أبدا، لكنهم يركزون على أن الخوارزمي من خوارزم ولا دور لبغداد في رعايته ونبوغه. باختصار يعاني هؤلاء من عقد الخواجة وكراهية الذات وهم مضرين بذات القدر الذي يضر به الإسلاميين المتزمتين المنطقة.

- اليساريين: التركيز على فكرة كون الباحثين من أصول مهاجرة لدعم رؤيتهم في دعم الهجرة واللجوء - وإن كانوا في الحقيقة يبحثون عن أصوات انتخابية لا أكثر وشعارات الإنسانية وغيرها غطاء ليس إلاّ. في ذات الوقت، يحاولون التركيز على هذا اللقاح وشخصية المهاجر ويغيبون الحقيقة الكاملة المتمثلة في أن هذين الزوجين مالكي شركة وقد لا يكونا ضمن الطاقم البحثي المباشر، ويغيّبان حقيقة وجود بحوث كثيرة لإنتاج لقاح في دول كثيرة حول العالم منها الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل والصين وروسيا وغيرها، وبالتالي فإن هذا اللقاح واحد من بين لقاحات أخرى وليس الوحيد الذي هزم المرض.

العلم اليوم ليس كما كان في السابق عندما اكتشف إدوارد جينر لقاح الجدري بمفرده. العلم اليوم أعقد بكثير من اختزاله بشخص واحد وأغلب الإنجازات تخص فرق بحثية متعددة الجنسيات، ولكن الانتقاء في التصنيف والتسويق يخضع لاختيارات المرء النابعة من تحيزاته المسبقة - حبا أو كراهية - ومن المصالح التي يسعى لتحقيقها والبروباغاندا التي يسعى لترويجها من وراء ذلك الاختيار.

بإختصار، الكثير ممّن يكتبون اليوم يعكسون رؤىً متحاملة للتمجيد أو الذم، ومن يكتب بعقلانية وتجرد نادر ندرة المياه على سطح المريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر تستعد لإعادة إحياء نشاط صناعة الهواتف الذكية بعد توق


.. أبو عبيدة: فاتورة الدماء التي دفعها شعبنا لن يكون مقابلها سو




.. صور الأقمار الاصطناعية تظهر إقامة عشرات الخيام الجديدة في جن


.. باستخدام الذكاء الاصطناعي.. تقنية جديدة الحمض النووي قد تجنب




.. لماذا شدّد القضاء عقوبة مدوّن مغربي في قضية -إسكوبار الصحراء