الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إتحاد المغرب العربي

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2021 / 2 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


بحلول السابع عشر من فبراير 2021 ، تكون قد مرت على وثيقة تأسيس " اتحاد المغربي العربي " في السابع عشر من سنة 1989 ، اثنتا وثلاثون سنة بالتمام والكمال .
عندما أسس القادة المغاربيون الاتحاد بمدينة مراكش ، كان الهدف المفترض من ذلك ، بناء قوة اقتصادية ، وسياسية ، واجتماعية ، وخلق سوق مغاربية قوية على غرار السوق الاوربية ، إضافة الى هياكل الاتحاد التنظيمية التي اخذت شكل دولة اتحادية صغيرة ، تمثل كل دول الاتحاد ..
والسؤال . لماذا نجح الاتحاد الأوربي في بناء الوحدة الاوربية ، التي ابان هشاشتها الوحش كورونا ، عندما تقوقعت غالبية الدول الاوربية على نفسها ، هاملة غيرها من دول الاتحاد التي عانت لوحدها نتائج الوحش كورونا ، ولماذا فشل " اتحاد المغرب العربي " رغم وحدة اللغة ، والدين ، والمصير المشترك ؟
وهل دعوة رئيس تونس قيس سعيد التي وجهها الى القادة المغاربيين ، بمناسبة حلول هذه الذكرى التي فشلت منذ انطلاقتها ، كافية لبعث الروح في جسد سقط قبل اتمامه التسعة شهرا اللازمة للولادة ؟
ان دعوة الرئيس التونسي قيس سعيد ، تبقى مجرد صيحة في واد ، لان لا مجيب سيتلقفها للشروع فعلا في بناء الوحدة المغاربية ... فاذا كان الاتحاد قد مات منذ لحظة إعلانه ، وكان الجو مناسبا شيئا ما للشروع في انجاز هذا الحلم الذي تبخر ، فكيف سينجح اليوم في تحقيق امل الشعوب ، والخلافات بين القادة والأنظمة على اشدها ، أي اكثر مما كانت ، لأنه بفضل وسائل التواصل الاجتماعي ، انخرطت في الصراع الشعوب المغفلة ، التي تسيطر على دماغها الشوفينية الوطنية ، وانخرط فيها العيّاشة ، في حين ان اختزال الوطن في شخص الحكام ، لا علاقة له بخيارات الشعوب التي تعيش تحت عتبة الفقر ، بفضل نهب حكامها لثرواتها ، وتهريبها بطرق ماكرة الى خارج الأوطان ...
واذا كانت قد فشلت كل محاولات توحيد العالم العربي ، بسبب الخلافات العميقة بين الأنظمة ، وبسبب دور الاستعمار الغربي ، الذي تخدم مصالحه ، التفرقة ، والتجزئة ، لمنع اية وحدة قد تتحول الى وحدة شعبية هائجة ، ضد مخططات الاستعمار المختلفة ، فكيف تخيُّل نجاح اتحاد لم يبنى على أسس علمية ، ولا على قواسم مشتركة ، وخضع بناءه للمكر والمكر المضاد ، وللمقالب المتبادلة ، بسبب الصراع بين النظام المغربي ، والنظام الجزائري حول نزاع الصحراء ...
وحين تربط الجزائر ايَّ فتح للحدود مع المغرب ، التي اغلقتها مباشرة بعد ان فرض النظام المغربي التأشيرة على الجزائريين ، بعد عملية فندق أسني بمراكش ، فكيف لقيس سعيد من خلال دعوته ، ان ينجح في ما فشل فيه السابقون ، بإعادة احياء جثة فقدت الحياة ، قبل ان تكمل تسعة اشهر اللازمة لميلادها ... فَمَنِ الاسهل والممكن علاجه في الحين . هل فتح الحدود المغربية الجزائرية ، ام الذهاب بعيدا في الدعوة الى إعادة بناء اتحاد لم يكن بالمرة في يوم من الأيام ، وكان ، ولم يظل الآن ، مجرد حلم ...
ورغم البناء الهيكلي للاتحاد . هل سبق لدولة من دوله ان التجأت الى الهيئات المنبثقة عن اتفاقية التأسيس ، لحل مشكل بين دولة ودوله ، او بين دولة من الاتحاد ، ودولة من خارجه كالنزاع الليبي المصري أيام السادات بسبب كامب ديفد ...
واذا كانت الأوضاع التي تأسس على أساسها الاتحاد ، ولو في الأوراق ، غير عادية بين بعض الأنظمة فيما بينها ، خاصة بين النظام المغربي والنظام الجزائري ، وبين النظام الليبي والنظام التونسي ، وبين النظام الليبي ، وبين النظام الجزائري الذي اجهض الوحدة بين تونس وبين ليبيا .... فكيف سيكون لدعوة قيس سعيد من اثر فعال ، والأوضاع اليوم اكثر تعقيدا عن تلك التي سادت قبل سنة 1989 ؟
لقد مات الاتحاد في مهده ، لان الدعوة اليه لم تكن صادقة ، لكن كانت آلية استعملها الملك الحسن الثاني ، لمحاولة خلق التفاف مغاربي ، لتعطيل نزاع الصحراء ، حيث كانت الحرب في الصحراء تهدد عرش الرباط ، وكانت تسبب نزيفا اقتصاديا خطيرا ، تسبب في هبّات جماهيرية وشعبية عرفها المغرب ، كان ابرزها الانتفاضة الجماهيرية في 9 يونيو 1981 ، وانتفاضة يناير 1984 ... ففكرة خلق اتحاد مغاربي الذي سيسمى باتحاد المغربي العربي ، كانت من صنع وابتكار الحسن الثاني ، فأوحى بها للعقيد معمر القدافي حتى يخلخل احاسيسه الداعية الى الوحدة العربية .... وهو الذي فشل ما من مرة لخلق وحدة فوقية مع مصر عبدالناصر ، ومصر السادات .. وقد نجح الملك بعض الوقت ، في تعطيل اية حل ضد مغربية الصحراء ، حين انغمس القادة والمتخصصون يناقشون هيكل واختصاصات الاتحاد ، وتم تناسي قضية الصحراء التي كانت تؤرق النظام كثيرا ..
ومثلما نجح الملك في تعطيل نزاع الصحراء باتفاق 1989 ، نجح كذلك في تخدير البوليساريو والجزائر ، حين طرح من نيروبي حل الاستفتاء في الصحراء ، وحين ذهب بعيدا عندما ابرق الى مجلس الامن ، والى الأمين العام للأمم المتحدة ، يدعو الى وقف الحرب لتنظيم الاستفتاء وتقرير المصير ، وستسفر دعوته هذه على اتفاق 1991 الذي كان مقلبا متقونا جعل البوليساريو تغرق في سباتها حوالي ثلاثين سنة ، تغيرت فيها أشياء ، وتوفرت معطيات جديدة لم تكن في السابق ... في الوقت الذي كانت الاشغال تجري على قدم وساق ، لبناء الجدار ، وتلغيم الأراضي الخارجة عن الجدار ، وهذه الخطة الماكرة ، لان اية حرب تبنى على الخديعة والمكر ، لا لحاق الهزيمة بالعدو ، أعطت نتائجها اليوم ، حيث ان البوليساريو تخوض حربا وهمية لا أساس لها في الواقع الذي يشبه حرب ما قبل 1991 ...
اذن لماذا فشل اتحاد المغربي العربي ؟ هناك عدة أسباب قد نوجزها كالآتي :
1 ) ان دعوة الملك الحسن الثاني لتأسيس ما يسمى باتحاد المغرب العربي ، لم تكن غايته هي بناء الاتحاد الذي ظل حلم الأجيال الذي لن يتحقق ابدا ، بل كانت الغاية من ذلك ، الهاء الأنظمة ، خاصة النظام الليبي ، والنظام الجزائري ، عن موضوع الصحراء .. وقد أدت هذه الحيلة ، إضافة الى الاتحاد بين ليبيا وبين المغرب ، والتي كان وراءها الحسن الثاني ، الى توثير العلاقات بين الجزائر العاصمة التي كانت تعارض الوحدة الليبية المغربية ولو انها وحدة شكلية ، وبين ليبيا التي كان عقيدها معمر القدافي مهووساً بالوحدة العربية ، وبعدها الوحدة مع تشاد أيام حسين هبري ، والوحدة الافريقية ، حيث تم تسميه بملك افريقيا ..
2 ) حصول تناقض وخلاف بين النظام الجزائري ، وبين نظام بورقيبة الذي ساند مغربية الصحراء ، لتكفير الاعتراف التونسي بانفصال موريتانية عن المغرب .. كما ان العلاقات بين النظام المغربي والنظام التونسي ، كانت اعظم واقوى ، وهي نفس العلاقات مع نظام العقيد معمر القدافي الذي يفضل الوحدة ، على اية حل يزيد في التفرقة ، وفي التجزئة بين الأنظمة والدول العربية ، وليس بين الشعوب المغاربية بعضها بعضا ..
3 ) من الأخطاء التي عرقلت وحكمت بإفشال الاتحاد ، ولو انه فشل قبل الولادة ، تسمية المغرب بالعربي ، وربطه كمكمل بالجامعة العربية ، بعلاقات بروتوكولية اكثر منها تقريرية ، في الوقت الذي أصبحت النعرة الاثنية البربرية فارضة نفسها في ساحة الصراع ، سواء في الجزائر ، او في المغرب ، او تونس ، او ليبيا ... فكان اجدر ان يسمى الاتحاد باتحاد شمال افريقيا ، او باتحاد شعوب شمال افريقيا ....
4 ) ظلت هياكل الاتحاد التنظيمية جد معطلة ، ولم تعرف سوى إجراءات وممارسات بروتوكولية تسويقية ، لتزيين وجه الأنظمة الدكتاتورية ، ولا علاقة لها المرة بانتظارات الشعوب التي ظلت معلقة ، وهو ما سهل دخول الاتحاد الى الثلاجة ، وتجميد أنشطة هياكله التي ظلت مشلولة ... فالغاية من تأسيس الاتحاد لم تكن الوحدة ، لكنها كانت المناورة السياسية لحسم معركة الصحراء ..
وكما قلت أعلاه ، فما يسمى باتحاد المغرب العربي ، وبعده الاتحاد العربي الافريقي ، كان الهدف منه خلق آلية جديدة ، لخوض حرب الصحراء المفروضة ، والتي كانت تهدد النظام بالسقوط ، في اوج الحرب الباردة التي كانت الجهة الشرقية ، ومنظمة الوحدة الافريقية ، وحركة عدم الانحياز ،وحتى دول عربية كسورية ، واليمن الجنوبي ، ومنظمة التحرير الفلسطينية ، ومصر كلها مع الجزائر في حرب الصحراء ..
5 ) ان هذا المحور لا علاقة له بما اسلفنا أعلاه ، لكنه يجيب عن أسباب استحالة حلم بناء اتحاد مغرب عربي ، او اتحاد شمال افريقي ، وسيظل مجرد حلم لا أقول صعب التحقيق ، لكنه سيظل حلما لن يتحقق ابدا ... وتكون دعوة قيس سعيد ، بمن يحاول بث الروح ليس في جسد ميت ، بل في جسد سقط قبل اكماله الدورة الطبيعية للولادة التي هي تسعة اشهر بالتمام والكمال ..
اذا عدنا لإلقاء الضوء على الوضعية الحالية ، سنخلص الى قناعة ، وهي حقيقية ، انه يستحيل اليوم مجرد التفكير في بناء اتحاد، ولو شكليا على غرار الاتحاد المشلول ... فالصراع بين الأنظمة لم يبق مجرد صراع ، لكنه اضحى حربا مفتوحة تباشر بأوجه عديدة ومتنوعة ، والمتمعن في ما قد تسفر عنه من نتائج ، قد يكون وخيما على الأنظمة ، وعلى شعوب المنطقة لسنوات طوال .. فكم عدد الدول التي أسست اتخاد المغرب العربي الميّت .. كانت خمسة دول هي المغرب ، موريتانية ، تونس ، ليبيا ، والجزائر الطرف الشارد عن المجموعة ... لكن اليوم كم عدد الدول لا تزال باقية ، او أضيفت الى الدول السابقة ..... والسؤال . اين ليبيا الدولة التي تحكمها المليشيات في غياب الدولة ... اين وصلت العلاقات بين النظام المغربي والنظام الجزائري ، والتي لم تسلم منها حتى شخصية الحكام كما عرضت قناة الشروق أونلاين ... وأين الدول السادسة التي اسستها الجزائر وليبيا في سنة 1976 ، الجمهورية الصحراوية التي اعترف بها النظام المغربي في سنة 2016 ، ونشر اعترافه بالجريدة الرسمية للدولة عدد 6539 ، المنشور بتاريخ يناير 2017 ...
وأين هي الشعوب التي أصبحت تخضع لصراعات العرقية والاثنية بين البرابرة وبين العروبيين ، وأصبحت دعوات تأسيس الجمهورية القبائلية تسمع في الجزائر ، وتلقى الدعم من قبل فرنسا ، وامريكا ، والصهاينة ،وكل الغرب الامبريالي ... وأين الشعب الصحراوي الذي اعترف به النظام المغربي حين اعترف بالجمهورية الصحراوية ...
ولو لم يكن هناك شعب صحراوي . هل كان النظام المغربي ان يعترف بالجمهورية الصحراوية من دون شعب .. ومنذ متى كانت دولة بدون شعب ... ولو لم يكن النظام المغربي يعترف بالشعب الصحراوي ، هل كان له ان يجلس مع جبهة البوليساريو للتفاوض في أمريكا ، وفي سويسرة وهي الجبهة التي اعتبرتها الأمم المتحدة في قراراها 34/37 الصادر في سنة 1979 ، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي ..
ولنفرض جدلا ان الأنظمة وافقت على دعوة رئيس تونس قيس سعيد ، هل سيجتمع الاتحاد بالدول التي حضرت تأسيس الاتحاد في سنة 1989 ام ان هناك امر واقع جديد ، هو حضور الجمهورية الصحراوية كدولة معترف بها ، من قبل خصمين هما النظام الجزائري والنظام المغربي .... وامام التجاذب والمقالب المصنوعة من هذا الطرف او ذاك ، لان المنطقة في حالة حرب غير معلنة ، لكنها تمر من قنوات خطيرة ، خاصة بين النظامين المغربي والجزائري . هل سيقبل النظام المغربي المتناقض مع ممارساته وقراراته ، بحضور الجمهورية الصحراوية التي يجلس معها في الاتحاد الافريقي ، ام انه سيرفض هذا الحضور ، وهو القرار المرتقب ... وهل الجزائر التي أسست وصنعت الجمهورية الصحراوية في سنة 1976 ، ستقبل انعقاد شمل اتحاد كرْتوني ، من دون حضور جمهوريتها التي لا تزال تتمسك بالاستفتاء ، لإنشاء جمهورية ثانية ، قد تكون بديلا عن الجمهورية الحالية ، او قد تكون معوضا لها .. لأنه لا يعقل ان تستمر الجزائر وجبهة البوليساريو متشبثين بالاستفتاء وتقرير المصير ، لإنشاء جمهورية ، في حين ان الجمهورية موجودة ، وتحظى باعترافات العديد من الدول منها النظام المغربي والنظام الجزائري وحتى الموريتاني .. ولو ادرك الصحراويون الطريق الصحيح لإنهاء النزاع ، ومن دون ( حرب ) عبثية غير موجودة كما الآن ، لانتهى باعتراف صريح من الأمم المتحدة ، إمّا بمغربية الصحراء ، وإمّا بالجمهورية الصحراوية ، والاعتراف الصريح للأمم المتحدة ، ولمجلس الامن سيتم حسمه باللجوء الى البند السابع من الميثاق الاممي ...
النظام المغربي لن يقبل حضور الجمهورية الصحراوية ، لمّت او جمع شمل اتحاد المغربي العربي الميت .. والجزائر لن تقبل عدم حضور جمهوريتها في أي لقاء قادم ، باسم اتحاد المغرب العربي .... وليبيا الدولة انتهت ، وتعوضها المليشيات ، خاصة الاخوانية والمتأسلمة .. وتونس بحجمها الصغير لن تستطع فعل شيئ امام التناقض الصارخ بين النظامين المغربي والجزائري ... وهذا يعني ان حلم الوحدة سيظل مجرد حلم ، لكنه لا أقول صعب التحقيق .. بل سيظل حلما لن يتحقق ابدا ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت