الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو صناعة ايدولوجيا حداثية

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2021 / 2 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


هل يستطيع العرب انتاج ايدولوجيا تشكل ارتقاء في تفكيرهم السياسي والاستراتيجي تستوعب واقعهم المجتمعي كما هو بتشكله التاريخي ومتغيراته الراهنة مع ادراكهم للمتغيرات العالمية بتعدد وتنوع مجالاتها وسرعتها كما وكيفا ..لأن وجود هكذا تفكير يعني تغيرا كبيرا في العقل السياسي والثقافي العربي ،، الامر الذي يعزز التوجهات العقلانية والبراجماتية في آن واحد ..والقصد هنا ليس اعادة انتاج لفكر سابق وان حقق بعض الانجازات لكنه خلق هزائم ونكسات كبيرة .
بل القصد بناء فكري من منظور استراتيجي يعيد صياغة العقل السياسي العربي ومعه العقل الثقافي وفق ادراك نوعي لمتغيرات الواقع محليا وعالميا وكيفية الاستفادة من ذلك التغير على نحو يرتقي بالمجتمع -الدولة- ويعزز من الحضور الثقافي والسياسي دونما ارتهان لأوهام تم صناعتها تاريخيا وفق عنتريات لا اساس لها من منطق او واقع تاريخي داعم لسردياتها .تفكير يستوعب مدلولات الجغرافيا السياسية وابعادها الاستراتيجية كما تتم في موازين القوى والعلاقات الدولية ..
واذا كانت واحدة من سلبيات الفكر السياسي العربي انه لا ينطلق من منظور استراتيجي فيرجع ذلك الى طبيعة النظم السياسية التي لم تهتم لأمر التفكير الاستراتيجي قدر اهتماماتها بالايدولوجيات الشعبوية ومن هنا الحاجة الى ايدولوجيا جديدة تعبر عن واقع عربي في مرحلة العولمة بكل متغيراتها الواقعية والفوضوية .. أي انه لا مناص من انتاج فكر استراتيجي يرفع من وعي الافراد بمجتمعاتهم وهوياتهم المتجددة بصورتها عن الذات الفردية والجمعية ويرسم صورة للهوية بواقعيتها وبقدرتها على الانفتاح والتجدد وليس باعتبارها ايقونة سرمدية لا تقبل التغيير والتجديد ..
واذا كانت الايدولوجيات قد تكسرت حدودها في العام 90 مع انهيار القطبية الثنائية فتلك الرؤية صحيحة للايدولوجيات المتخشبة ايأ كانت طبيعتها .. ولكن المؤكد لا مرحلة زمنية تخلو من منظور ايدولوجي - وفي أي مجتمع او دولة - كتعبير عن صياغة عقل سياسي يبلور وعيا وادراكا عميقا للمتغيرات الراهنة وما تحدثه من اهتزازات كبيرة في الوعي العام ،، من هنا وجب انتاج ايدولوجيا لا تعيد كراسات الجيب من زمن النكسات بل تؤسس لوعي مغاير ومتجدد في ادراكه للمرجعيات الحضارية باعتبارها واحدة من مكونات الرؤية الاستراتيجية –الايدولوجيا - نحو المستقبل باعتباره المحطة الرئيسة لهذه الايدولوجيا .. هذه الفكرة اراها تحد لمراكز الابحاث والدراسات وللنخب السياسية والثقافية أيضا .
الجدير بالذكر ان صناعة الايدولوجيا باعتبارها موجها فكريا وسياسيا لأي دولة او تجمع دول من اجل تحديد المسار القادم وتحديد طبيعة النظام السياسي وتوجهاته تجاه المجتمع وتجاه الخارج المحيط اقليميا ودوليا ..وهذا الامر ليس ترفا ولا مستحيلا .. وهنا تتداخل الادوار للسياسي والمثقف .. من يصنع القرار ومن يصنع الافكار ..والسؤااال هل يوجد هذا الثنائي في بلادنا العربية لصناعة الافكار والقرارات ..ام اننا امام مشهد سياسي لا نجد فيه صانع قرار يتصف بسعة الأفق والمعرفة والجراءة في صناعة المواقف والقرارات وهذا الامر يغيب حتى داخل قيادات الأحزاب التي أصبحت في غالبيتها ذات حضور بروتوكولي وفاعلية محدودة ..
فقيادات الاحزاب العربية خاصة ذات المسار التاريخي في تشكلها أصبحت متكلسة وبائسة أيضا ولم نرى لها اي دور حتى على مستوى منظمة حزبية في حارة وليس في مدينة او عموم البلد او البلدان ..ومثلها قيادات سياسية متعددة لا تجيد سوى مزاولة اعمال روتينية بأسلوب بليد لامجال معه للتفكير الإبداعي ولا الاستراتيجي .
السياسة - كما الثقافة أيضا - في زمن العولمة تحركها مصالح وفق رؤية Vision تحدد مسارات السياسة اقتصاديا ومجتمعيا وتحدد طبيعة التحالفات داخليا وخارجيا ..وتحدد القضايا والافكار التي تكون محل ذلك التحالف .. ومن هنا نتساءل ما طبيعة التحالفات داخليا لأي نظام عربي ..هل تصب التحالفات في دعم المواطن البسيط ، في دعم السياسات الاقتصادية الموجهة للغالبية من افراد المجتمع ، ام انها تحالفات نخب سياسية مع نخب تجارية ووكلاء الشركات وكبار الموظفين ضمن علاقات زواج مصالح بينهم على حساب الغالبية من افراد المجتمع ..
السؤااال هنا ما دور الاحزاب ومعها مختلف مؤسسات المجتمع المدني وبجانب من تقف ومع من يكون اصطفافها وخطابها ..في هذا السياق يكون السؤال حول المنطقة العربية بشكل عام التي فقدت بوصلتها ومنظواتها وتقدم جيرانها -غير العرب- خطوات داخل الفضاء العربي واكتسبوا فيه مواقع متقدمة بل وصكوا تحالفات خادمة لمشروعاتهم التي هي مغايرة لمشروعات العرب ..
لم تنتهي الايدولوجيا مع انهيار القطبية الثنائية بل تجددت في منطوقها ودلالاتها ومرونتها .. فلا تستطيع اي دولة في عالم اليوم ان تتفاعل مع متغيرات المشهد العالمي دون رؤية او موجهات فكرية وسياسية بل حتى الشركات التجارية الكبيرة والمؤسسات المالية الدولية لها رؤى ومنظورات فكرية وفلسفية ومنها البنك والصندوق الدوليين ودوما تستفيد من علماء متخصصين في مجالاتها لصناعة تلك الرؤى والافكار .
لننظر بعين ثاقبة وفاحصة للواقع العربي المعاش ونرى ان ما يفعله العرب في مجتمعاتهم واقتصاداتهم لا يدخل في باب السياسة لا من قريب ولا من بعيد بل -صناعة -الفوضى والعبث السياسي.. لأن السياسة فن ادارة الشأن العام والارتقاء بموضوعاته تعزيزا لممكنات التنمية والتطور .. والمتابع لبلدان الربيع ..لا شيئ يتم تنميته او الارتقاء به بل هدر للأمكانات العامة والخاصة ، وهدم للمؤسسات العمومية وتفريط بالسيادة ..انظروا الى سوريا وليبيا والعراق واليمن والسودان ولبنان ...وهذا الاخير تحديدا لا يستطيع تشكيل حكومة خلال عام كامل في حين تتشكل ثلاث حكومات في ايطاليا لنفس الفترة وتبقى الحياة العامة مستقرة ..ليبيا مساحتها اكثر من حجم السكان عشرين ضعف وثرواتها كبيرة فما المبرر للصراع العسكري وتعميم الفوضى. والامر ذاته ينطبق على الدول الاخرى ..
هل تتنظر هذه المجتمعات مُخلَص يهبط من السماء او هرقل عظيم تنبته الارض كاستعادة لهرقل القديم ، ام تنتظر الخارج الاوربي والامريكي بخبراته الكولنيالية وهو لن يقدم لهم اي نصيحة ايجابية ناهيك عن فرض حلول سياسية ....اذا .. المسار السياسي يتطلب وعي وطني -الحكمة- من خلال ارتفاع النخب الى مستوى الوطن وتعظيم قيمته الجغرافية والحضارية والتاريخية ومن ثم تعظيم مصالح المجتمع بحقه على ارض تتعدد فيها ممكنات الحياة لكنها تتطلب ادارة سياسية تتصف بالعقلانية والحوكمة وتبتعد كثيرا وكثيرا عن المحاصصة والغنيمة ..
وللعلم لن تتمكن هذه الدول من الاستقرار الا ببديل سياسي ليقود مرحلة جديدة تتجاوز نفق الأحتراب والفوضى اما استمرار نفس القيادات والنخب في مرحلة جديدة لن يتحقق معها شيء لصالح المجتمع والشعب لأن قيادات الحرب والفساد والفوضى سيتم موضعتهم في مؤسسات القرار مرة اخرى ليمارسوا ادوارهم السابقة بأساليب جديدة وهنا تتحول الدولة الى اداة جباية وفيد بيد هؤلاء المناهضون للشعب وللمجتمع وللاستقرار ....الواقع يؤكد انه لابديل سياسي جديد في الافق المنظور وان امراء الحروب الاهلية هم ذاتهم قيادات التحول السياسي في مرحلة المصالحة ..
لكنهم كي يكونوا قيادات جديدة لابد ان تتطهر من رجسها القديم كما فعلت قيادات مدنية وعسكرية وحزبية في تشيلي وجنوب افريقيا واسبانيا بعد فرانكوا واليونان بعد حرب اهلية نهاية الخمسينات او مثل نخب وقادة راوندا التي اخرجت من بلادها من اسواء حرب قذرة في التاريخ لتحقق لها ولشعبها افضل ممكنات التطور والتنمية بعقلية تؤمن بالشعب والمجتمع والاستقرار ،قادة ونخب نزيهة ومخلصة في ممارساتها تتزايد معها معدلات النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي ..!

ان غياب الرؤى الفكرية والسياسية المعبرة عن واقع المجتمع وتطلعاته المستقبلية هو احد أسباب إطالة امد الفوضى في دول الربيع العربي بل وتحول الربيع فيها الى خريف لان الحراك الاجتماعي الشعبي لابد له من اجندة محددة الأهداف تتضمن بشكل واضح البديل السياسي والا تم السيطرة على مسارات الحراك الشعبي بل والانحراف بها لصالح نخب تقليدية لا ترغب في التغيير السياسي .. وهكذا نرى ان من وصل الى السلطة في اطار تلك المسارات الشعبية لم يكن له فكرة بديلة لما قبل ذلك الربيع .. كما كان الثوار ايضا دون فكرة موجهة ولا حتى مشروع موجز في تعبيراته ..
صفوة القول .ان تكون هناك احزاب وحكومات ودول دون رؤى ومنظورات –ايدولوجية - موجهة لصناعة السياسات العامة والتحالفات فهذا هو البؤس السياسي بذاته وبدلالاته . خاصة ونحن نعيش زمن عولمي تتسع فيه مجالات المعرفة بل و الدعوة عالمية لجعل المعرفة نمطا انتاجيا وفق تطورات نوعية في مجال التواصل الاجتماعي ووسائل المعرفة المتعددة .
.من ينظر الى صفحات وكتيبات صادرة عن شركات سيارات ومصانع متنوعة يجد رؤية واهداف ومسارات تعمل لتحققها في السنوات العشرين او الثلاثين القادمة ..فكيف الحال مع الدول التي لا تصنع لها اجندات وفق رؤى بعيدة المدى تتأسس من اللحظة الراهنة .لأنه بدون هكذا تصورات كيف ستكون صورة المستقبل ان لم نحدد ملامحها وقسماتها من اللحظة الراهنة التي هي بداية التأسيس لذلك المستقبل ..
وفي دول الخريف السياسي التي تعيش في دوامة العنف والفوضى والعبث السياسي غياب الرؤى الفكرية لاتخلق وضوحا للعامة والخاصة حول مشاريع المصالحة السياسية وابعادها ودلالاتها وما تتضمنه من معاني لمفاهيم الدولة ومظاهرها وميكانزمات عمل مؤسساتها . ووفقا لذلك دول الربيع في مسيس الحاجة الى كشاف فكري وايدولوجي لتحديد المسار القادم حتى تتأكد انها تتجاوز ماض فاسد ، وماضي قامت ضده ثورات، والا فان اتباع نفس ممارسات وافكار وعلاقات النظام السابق يعني اعادة انتاج ذلك الماضي الاكثر بؤسا في تاريخ هذه الدول والمجتمعات ..
فالنظم الجمهورية مرة اخرى تحتاج الى اعادة تأسيس للفكر الجمهوري ودلالاته السياسية والثقافية في وعي المجتمع خاصته وعامته ، واعادة ترسيخ الوعي بالدولة الحديثة ومرتكزاتها في المواطنة والمساواة والحرية والسيادة الوطنية حتى لا تتكرر دورات العنف والفوضى مرة أخرى ...!
ان بلدان الربيع العربي او الخريف السياسي كما اسميها لم تتغير الاوضاع كثيرا رغم مرو عشر سنوات.. ففي اليمن وسوريا وليبيا والعراق والسودان ولبنان وحتى تونس ومصر جميعها تزداد سوءا في مجمل مكونات الحياة اقتصاديا وسياسيا وزاد الطين له ازمة كورونا .. وفيها تم تعميم الفوضى السياسية الى فوضى امنية مع انهيار العملات المحلية وفق قيمتها الشرائية ووفق قيمتها مقابل العملات الاجنبية ..وهنا ظهرت مجموعات كبيرة من القوى ذات التنظيمات المتعددة مستفيدة من هذه الاوضاع تكسب من كل انشطتها حتى الاغاثية
..ومعنى ذلك ان واقع الفوضى خلق جماعات امر واقع سياسيا واقتصاديا ضمن اقتصاد حرب شكلت السلطة والثروة مفتاح التحشيد السياسي وفق تكتلات ما قبل وطنية .. اضافة الى ما تشكل سابقا من مجموعات مالية واقتصادية ارتبطت بالنخب الحاكمة وتقاسمتا معا ثروات المجتمعات المحلية والمعونات والقروض الخارجية .. ولا مجال هنا للتغيير من داخل هذه المجموعات لان ما سيأتي لن يكون الا تحسين لواقع هذه الزمر والمجموعات وهو ما تدعمه الجهود الخارجية ..وهذا امر واضح في البلدان المذكورة انفا (بل ويتم التعبير عنه من خلال تقارير المنظمة الأممية والمؤسسات المالية الدولية ) وحتى في روسيا حيث الغرب الداعم للمعارض نافيلني ليس لأنه سيغير اوضاع روسيا لمصلحة الشعب بل لمصلحة البرجوازية الروسية التي تتقاسم الغنائم مع مثيلاتها الاوربية والامريكية تحديدا .
في دول الربيع لا تشير الاصابع الى رموز معارضة كأفراد ولا احزاب ولا تجمعات مهنية ونقابية قادرة على إعادة النهوض بالشعب او دفعه للانتفاضة مرات عدة .. فعامة الشعب يعاني من القهر المادي والمعنوي ..وكأننا ازاء استسلام لأمر واقع قد يستمر لسنوات اذا لم تتمكن هذه المجتمعات من التغيير السياسي عبر نخب سياسية جديدة لها مشروع وطني ..ولا انتظار لمخلٌص يأتي من الخارج ولا لحزب من الداخل.. فالأحزاب شريك في صناعة الازمات الراهنة ولا احد من قياداتها مؤهل حتى لتغيير حزبه اولا ..في هذا السياق تتزايد الازمات والمعاناة لملايين البشر .. واذا ما ارتفع معدل الانتشار للجائحة كورونا نكون ازاء كارثة غير مسبوقة في تاريخ هذه البلدان ..
واقع مجتمعي وسياسي يعكس قيادات حزبية تبحث عن مصلحتها اولا واخيرا ،، ومعها نفر من قيادات العمل الجمعوي وقطاع خاص ديدنه الرئيسي هو الربح حتى من بيع المعونات الاغاثية،، وحكومات تعلن الامم المتحدة جهارا نهارا في تقاريرها انها محل شبهة فساد ولا تتصف بالنزاهة ..
وبدلا من البحث عن مخرج يستمر الجميع ممن هم في دوائر صنع القرار باللامبالاة لان واقع الازمات يخدم مصالحهم التي تشكلت حديثا .والمعروف ان الحروب الاهليىة والازمات السياسية تتشكل معها قياداتها العسكرية والاقتصادية ومن هنا يشكل الاقتصاد السياسي مدخلا مهما لتحليل واقع الازمات وفشل ثورات الربيع والانحراف بمسار التغيير وصولا الى ما نحن فيه ..ووفق موروث تاريخي عربي تشكل الامارة بالتغلب منهجا في استملاك السلطة ضدا من مطالب الشعب بالديمقراطية وجعل الانتخابات اداة لاختيار الحاكم والبرلمان والمحليات ..
وهكذا تترابط مدخلات التغلب مع اقتصاد ظل .. لتتشكل معهما نخب جديدة لن تستسلم سريعا ولا بسهولة .. الا اذا تم مواجهتها شعبيا وبنخب وطنية جديدة مع كشف كل ممارساتها وهذا دور مهم لنشطاء المجتمع المدني وهم قلة ممن يعول عليهم في اداء ادوار ايجابية لصالح بلدانهم ..الخارج الاقليمي والاوربي يصنع نخب موالية له لتعمل سياسيا وفق منطق البيزنس دون ثوابت الوطن ومحددات السيادة كما في الاصول السياسية الكلاسيكية .... صفوة القول .. مأساة وملهاة في واقعنا العربي ..نعم ..لكنها مضاعفة عشر مرات مما ذهب اليه صاحب هذه المقولة في زمانه ..وان كان يجد ضوء يلوح من نهاية نفق رأسمالية احتكارية لاتزال في طور نموها الاول .. اما اليوم وفي بلدان الربيع فان وميض ضوء يكاد يكون غائبا ربما تحجبه سحب سوداء او ظلام ليل طويل لا يأتي معه لبلداننا الا بفجر كاذب .. ومن هنا دعوتنا لتأسيس ايدولوجيا جديدة تبلور تؤسس في عامة المجتمع وعيا وادراكا جديدين لطبيعة الواقع الاجتماعي وديناميات الصراع السياسي بمسمياتها الحقيقية دون تزييف للواقع ودونما مثالية او عنتريات لا اساس لها .
هذه الايدولوجيا كما قلت في البداية تعزز من الوعي الحداثي بأفقه المدني والديمقراطي لتتجاوز معه محاولات تطييف النظم السياسية في المنطقة من خلال اعتماد المحاصصة كنهج في التشكيلات الحكومية بين اطراف الصراع (نهج قائم في لبنان واصبح حاضرا في اليمن والسودان وليبيا والعراق ...) الامر الذي تغيب معه عملية بناء الدولة الحديثة كمؤسسة جامعة للعمل الوطني ، تمثل المجتمع وتعبر عنه من خلال تأسيس الهوية السياسية الوطنية المتجاوزة للهويات الفرعية بكل مظاهرها العصبوية .
ايدولوجيا وطنية منفتحة على مجمل المتغيرات تعزز من مدنية الدولة عبر نصوص واضحة حول المواطنة والمساواة وحقوق الانسان واعتماد الانتخابات الية لتشكل السلطة التنفيذية بفرعيها الرئاسي والحكومة مع انتخاب السلطة التشريعية والمحلية ..ودون هذه الاجراءات الاخيرة تتجه الوساطات الغربية والامريكية خصوصا الى اقرار – بل فرض- المحاصصة كتعبير عن تطييف العمل السياسي وجعله مرتكز ومرجعية دون المرجعية الشعبية والدستورية ..فالتطييف السياسي نهج يشكل انتكاسة عن مشروع حداثي ارتبطت الشعوب به و معه منذ اكثر من نصف قرن وكان شعارا للانتفاضات والحركات الشعبية ..
والاصل ان الدولة الحديثة تعتبر مرتكز رئيسي للمجتمع والشعب وفق نظام ديمقراطي لامجال معه للغنيمة والمحاصصة بل تعددية وانتخابات ومواطنة هنا يستقر المجتمع ويقل فيه معدل تكرار العنف والصراعات وربما تختفي لوقت طويل يكون الصراع السياسي والفكري والاعلامي يمارس وفق نصوص القانون من خلال الفضاء العام كتعبير سياسي متعدد في مظاهره ومكوناته .
اخيرا .. لابد من رؤى فكرية وسياسية مناهضة للماضي وبؤسه ، كاشفة للحظة الراهنة واتجاهها نحو المستقبل ..من هنا يكون الفكر أداة تغيير كما الفعل السياسي والاقتصادي وهنا تكون الايدولوجيا كمنظور فكري متجدد عقلاني دليلا استرشاديا للممارسات السياسية وتأسيسا لوعي حداثي في الدولة والمجتمع ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جعفر الميرغني : -الجيش حامي للوطن وللمواطن السوداني-


.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟




.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟


.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل




.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي