الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول لقاء -رغد صدّام حسين- على قناة العربيّة.

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2021 / 2 / 20
السياسة والعلاقات الدولية


إنّ اعتبار مجرد قرابة الدم أو النسب مع شخص الحاكم على أنّها منصب في الدولة ومنبع صلاحيات دبلوماسيّة وتسهيلات اقتصادية هو ليس بالأمر المستحدث من عند حكام العرب ما بعد الاستقلال وإلى اليوم، وليس حكراً على المنطقة العربية لا جغرافيّاً ولا تاريخيّاً. لكن مع فارق بسيط، هو أنّ هذا التكريم بالوراثة كان مرتهناً تاريخيّاً بنظام معيّن في الحكم سواء ملكي، امبراطوري، كنسي، قيصري، اقطاعي أي نظام هو في الأصل قائم على مبدأ الفوقيّة الأنطولوجيّة لشخص الحاكم أو الأمير، وبالتالي فإن هذا التفوق لا يستند لا على أهليّة الحاكم ولا حصافته بل على الدماء التي تجري في عروقه، والتي ورثها بحكم النسب عن أبيه، وهي ذاتها الفوقية التي يتمتع بها أولاده وأحفاده منذ لحظة ولادتهم كونهم يحملون دماء أبيهم في عروقهم.
بادئ ذي بدء دعونا نتفق على أمر واضح لا يستدل عليه بغير ذاته، ألا وهو أنّ وظيفة الإعلام بالدرجة الأولى هي الاستقطاب السياسي في الشارع لصالح الأجندة التي تقوم الجهات الممولة لهذا الإعلام بتنفيذها، وهذا بالطبع ليس قدحاً ولا ذمّاً في المؤسسة الإعلاميّة بقدر ما هو توصيف للدور الذي من أجله تقوم الجهات الممولة لهذا الإعلام برصد الميزانيات لدعمه، سواء أكانت جهات حكوميّة أم خاصة، فالإعلام ليس مؤسسة خيرية على أيّة حال.
واحدة من أولى المهام التي تناط بالإعلام في مسألة استقطاب الشارع هي الاستقطاب العقائدي, وهو العمل على خلق أو الترويج لانتماء معيّن بين المجموعة المستهدفة, بحيث يؤدي هذا الانتماء في النهاية لخلق فئة في المجتمع ذات حضور في الشارع وتحمل هذا الانتماء في مجموعها, بحيث يخدم هذا الحضور المؤدلج لهذه المجموعة مصلحة الدولة في مسألة تقبّل الشارع لمشاريع حكوميّة معيّنة سواء اقتصاديّة أو عسكرية أو جيواستراتيجية. بالتالي فالحوارات التي يجريها الإعلام بكافة أشكاله مع ضيوفه ليست دردشة صحاب على القهوة, إنّما هي دعاية محضة إمّا لشخص الضيف ومنصبه أو للفكرة والذاكرة التي يجسّدها حضور هذا الضيف. مثلاً: من منّا لا يعرف من هي "إيفانكا ترمب" ؟ بالطبع كلنا يعرف هذه الشخصيّة. ولكن هل سأل أحد ما نفسه لماذا ارتبط اسمها في أذهاننا بالسياسة الأميركيّة أكثر من اسم وزير الدفاع أو الخارجية مع أنّ هذه المرأة لا منصب سياسي ولا عسكري لها في طول الولايات المتّحدة وعرضها؟ ببساطة لأنّها "دلولة البابا"! ولكن السبب الأهم هو الضخ الإعلامي الرسمي والغير رسمي حول العالم لصورتها واسمها طوال الوقت استرضاءً لأبيها الذي كان رئيساً للولايات المتحدة.
وأيضاً منعت ألمانيا كما دول كثيرة حول العالم أي نشر لرموز الحقبة النّازية أو الدّولة الإسلاميّة, كما منعت تداول صور قادتها وكتاباتهم, لأنّ الاستمرار بنشر هذه الرموز قد يفضي لإيجاد ذريعة عند أنصارهم للعمل على إبقاء أيديولوجيا هذه الرموز قيد التداول والانتشار. حيث تساءل البعض هل يحق بيع سيارة "آدولف هتلر" في المزاد العلني؟ إذ من الممكن أن يقتني السيارة اليوم أحد من النازيين الجدد لتمجيدها كقطعة فنية. (1)
وفي السياق: بتاريخ 26 من شهر تموز عام 2020 وبمناسبة تحويل متحف "آيا صوفيا" في تركيا لمسجد بقرار من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استضافت قناة الجزيرة القطريّة على الهواء السيّدة "نلهان عثمان أوغلو" وهي حفيدة السلطان عبد الحميد الثاني من الجيل الخامس, وذلك من أجل التعليق على زيارة الأخيرة لمسجد آيا صوفيا والتقاط صور لها فيه. هذه الاستضافة ليست مجرّد تسليط ضوء على رأي الشارع التركي في قضيّة "آيا صوفيا" وإلّا لوجب استضافة الكاتب التركي "أورهان باموق" الحاصل على جائزة نوبل, والذي كان له رأي آخر في هذه المسألة. وبالمناسبة يمكنكم الاطلاع على رأي أورهان باموق من خلال اللقاء الذي أجرته معه قناة دويتشة فيلة الألمانيّة وقام بنشر ترجمة اللقاء في موقع الحوار المتمدّن الكاتب "زاهر رفاعية" (2). المهم, فاستضافة السيدة "نلهان" على قناة الجزيرة هي بروباغاندا (دعاية) عثمانيّة محضة, تهدف من خلالها قناة الجزيرة والحكومة القطرية التقارب مع التيار الأردوغاني في تركيا, والذي لم يعد يخفي انحيازه لمشروع "العثمانيّة الجديدة" ووقوفه في وجه مكتسبات تركيا العلمانيّة الأتاتوركيّة. فالسؤال المطروح هو: ما قيمة استضافة السيدة نلهان من الناحية السياسيّة في قناة مموّلة من حكومة عربيّة قد تختلف هذه الحكومة مع كل العرب حول كل القضايا ولكنّها لا تختلف مع الحكومة التركيّة الأردوغانيّة في وجوب الحشد الديني الإخواني للشارع المسلم؟ الجواب هو أن لا قيمة البتّة لرأي السيدة "نلهان" تعلو فوق قيمة رأي أي مواطن تركي عادي, سوى أنّ دماء أحد السلاطين العثمانيين من أجدادها تجري في عروقها, وهذه الدماء هي التي ترتكز عليها قنوات الإخوان الدعائيّة سواء في تركيا أو في قطر من أجل الإبقاء على المشروع العثماني حيّاً في أذهان المسلمين اليوم.
إن كنت تتفق معي أيّها القارئ الكريم من خلال هذه المقدّمة على أنّ الاستضافة في الإعلام هو أمر موجّه, فيجب أن نتّفق هنا على أنّ استضافة قناتي "العربيّة" و "الحدث" للسيّدة "رغد صدّام حسين" كريمة الرئيس العراقي السابق "صدّام حسين" بتاريخ 15 فبراير 2021 هو أيضاً موجّه, فهاتين القناتين الإعلاميتين هما الناطق الرسمي باسم المحور السعودي الإماراتي اليوم في المنطقة العربيّة. لذلك فالسؤال المطروح الذي سأحاول الإجابة عنه هو حول دلالات التسويق لهذه الشخصيّة العراقيّة اليوم على السّاحة العربيّة من قبل السعوديّة والإمارات, أي, ما هي دلالات الاستثمار السعودي في التيار الصدّامي اليوم في العراق؟. كما سأحاول في هذا المقال أيضاً التعقيب حول بعض مما أدلت به السيدة "رغد" في تلك اللقاءات حتى الآن. فحتّى لحظة كتابة هذه الكلمات كانت قناة العربيّة والحدث قد نشرتا أربعة أجزاء من المقابلة ولحديثهم تتمّة كما ختم بذلك الجزء الرابع من الحوار مدير اللقاء المذيع "صهيب شراير" . وقد لاقت تلك المقابلات تفاعلاً ملحوظاً بلغ ملايين المشاهدات بعد ساعات فقط من نشر الجزء الأول. الذي تجدونه تحت الرّابط (3)
أوّلاً: لماذا الآن؟
باعتقادي فالعلاقة بين البيت الأبيض والرياض ستشهد فتوراً طويل الأمد لاسيّما بعد إعلان أميركا عزمها الغاء صفقات للأسلحة كانت أبرمتها السعوديّة مع الرئيس الأسبق للولايات المتحدة "دونالد ترمب" (4) وأيضاً عزم إدارة "جو بايدن" الرئيس الحالي للولايات المتحدة سحب تصنيف جماعة الحوثي في اليمن من قائمة الإرهاب, هذه الجماعة التي تعتبرها السعودية وحلفاؤها تهديداً قوميّاً زرعته إيران على حدودها.(5) وعليه فالمطلوب الآن من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن يقوم بتعديل موازين القوى في المنطقة لاستنزاف إيران لوجستيّاً وسياسيّاً قبل أن تستثمر إيران في هذا الغزل الغربي وتقوم بضخ الإمدادات العسكريّة واللوجستيّة لجماعتها في اليمن. ومن هنا أستنتج أنّ الأمير محمّد ومن خلفه حاكم دولة الإمارات بالإضافة للكويت والبحرين سيقومون بتشكيل جبهة سياسيّة جديدة في الشارع العراقي ذات طابع قومي, سواء عربي أم محلّي, وهذا سيحقق للمحور عدة مزايا, فمن جهة سيتشتت انتباه ايران عن الجبهة الحوثية فتزيد إيران تمركزها الإيراني في العراق, الذي يعتبر بالنسبة لإيران تاريخيّاً ولوجستيّاً أهم بكثير من اليمن. ومن جهة أخرى سيتم فرض مكوّن سياسي قومي قوي مدعوم بالبترودولار على الحدود التركيّة السوريّة لدولة العراق, مما سيكسب السعودية وحلفاؤها ورقة ضغط على النظام التركي من أجل تفاوض أكثر عدالة مع العرب كون مصالح تركيا تتقاطع دائماً مع أي مكوّن يريح رأسها من التمدد العسكري الكردي في المنطقة. كما سيكسب هذا الوجود السعوديّة فرصة قطع الإمدادات الإيرانيّة عن جماعتها في لبنان, وأقصد "حزب الله" وذلك بمباركة روسيّة وربّما إسرائيليّة أيضاً. وأخيراً ستكسب السعوديّة ورقة في الشارع العربي ترتكز على الاستقطاب القومي العلماني في مواجهة الاستقطاب الديني المهيمن حاليّاً بشقيه الشيعي والسني. وهذا المكسب الأخير مهم جدّاً, لأنّ الاستقطاب الديني السنّي في العالم العربي غالباً ما يكون إخوانيّاً ويصب في المصلحة الدوليّة والإقليمية لتركيا, بينما الاستقطاب الشيعي فلا داع لأن نطيل الحديث قبل أن نقول بأنّه لا يصبّ سوى في ميزان إيران الدولي والإقليمي. وفي هاتين الحالين نجد أن مصلحة الشارع العربي غائبة تماماً لمصلحة الخارج, فهل يسعى المحور السعودي الإماراتي لخلق تيار علماني حداثي في العراق يساهم في إعادة بناء الوطن وفق تعريفات جديدة بعيداً عن إخوان الدّوحة وملالي طهران, وبالتالي يكون محوراً مرتبطاً بالسعودية والإمارات عربيّاً؟ إن كان الأمر كذلك فسيكون المحور المذكور بحاجة لشخصية ذات حضور في ذاكرة العراق ولكن بالطبع ليس في ذاكرته السياسيّة بشكل مباشر, لأنّ العراق اليوم بكافة مكوّناته فقد الثقة بكل السياسيين الذين مرّوا عليه منذ الحجاج وحتى لحظة كتابة هذا السطور. كما لا يمكن الاعتماد كثيراً على المكوّن العشائري مهما بلغ ثقله لأنّ ذلك لن يزيد العراق إلّا تفتتاً. أمّا بالنسبة للمكوّن الديني فلن أقول بأنّه هو المسؤول بالأصل عمّا آل إليه العراق اليوم, بل سأنقل ذلك عن لسان الثوّار في شوارع العراق, وبالتالي فهو الخيار الذي يجب إزاحته وليس الاستثمار فيه.
يبدو لي أنّ الخيار قد وقع على السيّدة "رغد صدّام حسين" هذا فيما لو كانت السعوديّة بالفعل تنتوي الاستثمار بعيد المدى في العراق, وليس مجرّد إرسال تهديد ناعم لكلّ من أميركا وإيران باستحضار اسم "صدّام حسين" مرّة أخرى في أروقة السياسة العراقيّة! فالسيّدة "رغد" صرّحت بأن عودتها للعراق أمر "مؤكّد" وانخراطها في المستقبل السياسي للعراق أمر "وارد ومطروح".
ثانياً: هل وفّقت السعوديّة والإمارات بهذا الخيار؟
لو أنّنا انطلقنا من مسلّمة أنّ "المرء لا يؤخذ بذنب أبيه" وأنّه "لا تزر وازرة وزر أخرى" فالنتيجة هي أننا سنعتبر أبوّة "صدّام جسين" للسيّدة "رغد" هي ميزة لا نقيصة. فالقاعدة الشعبية في النهاية هي أمّ الركائز في العمل السياسي. ولأنّه في الحقيقة لازال أبوها يتمتّع بمكانة كبيرة في قلوب شريحة عريضة من المجتمع العراقي لاسيّما المكوّن العربي-السنّي. ولكن الاقتصار على هذا الجانب وأقصد أبوّة "صدام حسين" للمرشّحة المذكورة لهو اقتصار لن يفضي إلى أكثر من قراءة الفاتحة لروح والدها من عند محبّيه. فكما أنّ الفنان لا يلد بالضرورة فنّاناً, كذلك لا يلد القادة قادة بالضرورة. والسؤال هنا, هل تمتلك السيّدة رغد من المؤهلات السياسيّة ما يجعلها كفؤاً لأن تخلق توازنات حقيقة في الشارع العراقي اليوم؟
كل من يعرف الشارع العراقي عن قرب يعرف حساسيّة مسألة موقع المرأة ودورها في الحياة العامّة, ولأننا لا نريد تجميل الواقع سأقول أنّها مهمّشة إلى حد كبير, على الأقل في الإقليم العربي, لذلك فإنّ اختيار سيّدة لتولّي مهام تشريعيّة أوتنفيذيّة حسّاسة في دولة مثل العراق لهو مراهنة كبيرة, فمن جهة لم يعتد المجتمع العراقي ولا المجتمعات العربيّة بشكل عام تولية النساء أمورهم, وفي ذات الوقت لن يكون من السهل عند المؤمنين بالدور البطولي لأبيها أن ينتقصوا من قدرها لكونها "امرأة" فهي في النهاية "بنت أبيها"! وأيضاً فالسيّدة رغد كما أطلّت في المقابلة تبدو امرأة بألف رجل من حيث قوّة الحضور وانتقاء الكلمات بشكل يستبعد أن يمتلك معه الكثير من الراديكاليين حجّة ناقصة العقل والدين.
ثالثاً: وقفات مع اللقاء.
عالج اللقاء مواضيع سياسيّة حساسة وأخرى عموميات ومذكّرات بالإضافة للتطرق لمواضيع وجدانيّة. بالنسبة للوجدانيّات والمذكّرات العائلية وخفايا الصراع على القصر الرئاسي التي تشبه موسم جديد من صراع العروش بين "صدّام حسين" و صهره "حسين كامل" الذي هو طليق "رغد" فلن أدخل في تفاصيلها. أمّا النقاط التي استرعت انتباهي حقيقة فسأعالجها بوضوح واختصار قد ما أمكن.
الحريّة والديمقراطيّة:
حين سأل المذيع ضيفته حول ما إذا كانت ترى بأنّ العراق في عهد أبيها "صدّام" كان أفضل حالاً, أجابت السيّدة "رغد" بالكليشة البعثيّة الخشبيّة التي تستند إلى مبدأ "بالخبز وحده يحيا الإنسان" بأن النّاس آنذاك كانت تعيش في بحبوحة. ابنة الرّجل الذي يصنّفه البعض بأنّه حجّاج العراق الثاني اختزلت العيش بالوضع المادي على مقولة "كنّا عايشين" ولم تنكر أنّ من كان يسيء لرموز السلطة كان يلقى ما أسمته "القسوة" . وهنا سألها المذيع إن كانت بالفعل تبرر قمع الحريّات باسم الحفاظ على الأمن والرّخاء؟ التفّت الضيفة على السؤال وعرّفت الحريّة والديمقراطيّة على أنّهما رديفين للمشروع الأميركي في العراق, وبذلك خلصت إلى نتيجة مفادها أنّ خراب العراق هو حصيلة السعي للتحرر من قبضة نظام صدّام حسين القمعي. هذه إجابة مرفوضة يا سيّدة رغد, لأنّ الحرية تعرّف بذاتها, والديمقراطيّة عمليّة تفاعليّة بين مكوّنات الشعب, وليست رفاهيّة استيراد منتجات معلّبة من بلدان أخرى!
وللتأكيد على أنّ ابنة "صدّام حسين" لم تخرج في هذه النقطة من عباءة أبيها, فقد أجابت المذيع حين سألها ألا يستوي الأمران في عالمنا العربي أن نعيش رخاء العيش والحريّة معاً, هل علينا دائماً أن نختار بينهما؟ أجابت "رغد" بعبارة مطاطة سأقتبس منها بالحرف : (لما يكون رئيسك الرئيس صدّام عليك أن تختار) انتهى الاقتباس.
خلاصة القضيّة: لا أعتقد أن نموذج "الديكتاتور العادل" الذي تشيد به السيدة "رغد" قد يفلح في تجميع الشارع العربي مرّة أخرى, فالشعب العربي أدرك أنّه ليس في حظيرة, حيث يقوم الرّاعي بالعناية بقطيعه شريطة تقديمهم فروض الطاعة له كل آن وحين. وعلى السيدة رغد أن تدرك أن صون الدولة يعتمد على إخلاص الشعب للوطن, وليس على عبادة رجل حتى لو قدّم نفسه على أنّه بحجم وطن. فلا شكر لمسؤول على حسن عمله وحرصه على أمّته وشعبه, بل هو واجب ما إن يفرّط فيه مقدار حبّة من خردل حتى يصبح مستحقّاً للعزل والمحاسبة شأنه شأن أي أجير أهمل واجباته. وإن كانت المواجهة بطولة وشجاعة حين يستلزم الأمر فالاستقالة وترك المناصب قد تحتاج لشجاعة أكبر حين يستدعي الحال ذلك. وعليه فيجب على السيدة رغد أن تخفف من نبرة القداسة حين الكلام عن بطولات أبيها العسكريّة في الداخل والخارج, وتكفّ عن إبرازه على أنّه كان هو بذاته الــ"عراق" . فالرجل في نهاية المطاف وكما يراه البعض هو قائد زجّ بشعبه في حربين خارجيتين والثالثة على أمّ رؤوسهم وفي عقر دارهم. وفي العرف التاريخي يستبعد أن نسمّي من جلب كل هذه الويلات على أمّته وشعبه اسم "البطل". وحتى لو أسميته وأسماه محبّوه بالأسد والنمر فهذا ما يزيد الطين بلّة ويبرزه في غير مكانه, لأن السياسة ميدان الثعالب لا الأسود! وفي المقطع الثالث من المقابلات حين سألها المذيع حول من ينعت أباها بالديكتاتور, أجابت بأن العالم كله ديكتاتوريّة ولكن على درجات! (انتهي) وفي الحقيقة فردّها هذا هو أشبه بتمييع لمسألة كرامة المواطن العربي أكثر من أن يكون ردّاً صادراً عن امرأة تقدّم نفسها على أنها مرشّحة محتملة للعمل في مركب السياسة.



دولة المؤسسات:
في الجزء الثاني من سلسلة اللقاءات وفي معرض الكلام حول "حسين كامل" زوج السيّدة "رغد صدّام حسين" أتت زوجته على مسألة أن زوجها بحكم قرابته من رئيس الجمهورية وكفاءته فقد لمع نجمه. وفي الحقيقة فهذه العبارة تثبت الطريقة التي كانت تدار بها الأمور في عهد والدها "صدّام حسين" . فالأمر مناصب وقرابة وعلاقات وعشائر. وللتأكيد على ذلك نتابع في ذات المقطع كيف سردت الضيفة ما قاله "عزّت الدوري" نائب الرئيس العراقي الأسبق "صدّام حسين" في اجتماع القيادة الذي كان مقرراً أن يتخذ فيه القرار بحق "حسين كامل" الذي أعلن انقلاباً على عمّه "صدام حسين" عام 1995 من الأردن, أنّ عزّت الدوري أسقط حقّ الدولة في الإعدام عن المتّهم المذكور بحكم مصاهرته للزعيم "صدّام حسين" وكرمى لهذا الأخير, ولكن الأخير رفض التنازل عن الإعدام وأمر ابنه قصيّ بإعدام زوج "رغد" . هذه الحادثة تشير بوضوح لا لبس فيه إلى أنّ الأمور آنذاك كانت تدور بعقليّة المحاباة والتفريط بحق القضاء والدولة كرمى لقرابة ونسب مع رئيس الدولة وفلان وعلّان. هذه الطريقة في إدارة المسائل تشير لعقلية قبليّة عشائريّة سلطويّة وليس لدولة مؤسسات بالمرّة.
العلاقة مع الماضي:
مع أنّ السيدة رغد لا يحقّ لها أن تتكلّم لا باسم الشعب العراقي ولا باسم حكومته إلّا أنها ولنقل باسمها شخصيّاً قدّمت اعتذاراً للكويت وشعبها واعترفت بأنّ اجتياح الكويت كان خطأ. وفي الحقيقة فهذه بادرة طيبة للغاية وربّما تكون فاتحة خير, ذلك أنّ ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ في العقل السياسي العربي غير واردة البتّة. وأيضاً هذا مما يشير إلى أنّ السعوديّة قد تريد بالفعل الاستثمار في العراق وتشكيل جبهة عربيّة تمتدّ حتّى شمال العراق مروراً بالكويت, ولكن ذلك بالطبع لن يتمّ دون المصالحة الكويتيّة العراقية. أمّا بالنسبة لاجتياح إيران, فموقف السيّدة "رغد" واضح لا لبس فيه: أباها كان على حق في صدّ العدوان الإيراني عن العراق, ويجب وضع حد للتدخلات الإيرانيّة بالشأن العراقي.
خاتمة:
لم يكن هذا المقال إجابة بقدر ما هو طرح للتساؤلات. فهل تنتوي السعوديّة بالفعل الاستثمار بعيد المدى في السياسة العراقيّة؟ وهل سنشهد في المستقبل القريب بروز تيار قومي عراقي بقيادة نسائيّة وعلى رأسه ابنة الرئيس السابق "صدّام حسين" ؟ أم أنّ الأمر مجرّد فقاعة إعلاميّة تهدف لخلق البلبلة والتشويش على مسار العلاقات الإيرانيّة الأميركيّة؟

[email protected]
روابط خارجيّة:
1- https://www.dw.com/ar/a-42101916
2- https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=686137
3- https://www.youtube.com/watch?v=KSaaa9wXOa8&t=526s
4- https://www.dw.com/ar/a-56365097
5- https://www.dw.com/ar/a-56478331








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى