الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سحر الأمكنة وجماليات الابداع في (أنامل الأمكنة ) للشاعر عادل الياسري مقاربة قرائية

طالب عمران المعموري

2021 / 2 / 21
الادب والفن


أسعى في هذه القراءة الوقوف على التشظي الساحر في اللغة الشعرية لشاعر يبحث عن الجمال بلغة عاطفية شفيفة مجموعة (انامل الأمكنة) للشاعر عادل الياسري صادرة عن منشورات الأتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ط1 لسنة 2020 .
زين غلاف المجموعة بلوحة فنية لرأس بشري يتخلله مقطع عرضي تكتنزه الذاكرة من مخيلة ابداعية لشخوص وأمكنة وأشجار وطيور وفراشات وغيوم بيضاء ، فكان اختياره موفقا ومنسجما مع عنونة المجموعة.
توج ذلك الرأس بعنوان (أنامل الأمكنة ) الذي يحمل بعدا رمزيا دلالياً والذي وظفه الناص ، يحتل موقع البؤرة كمفتاح للنصوص وموحيا لها ، يعبر فيه عن ذاكرة وفيوضات الأمكنة تكاد أناملها تحرك الهاجس السردي بجمالية شعرية أحاطت معمارية نصوصه الشعرية والذي يعد عتبة مهمة ومناصا موازيا ملمحاً ومكثفاً لمحتوى نصوصه الشعرية ..
وقبل الدخول الى عوالم المجموعة أقف عند( الاستهلال) الجميل الذي جاء في الاهداء المتوج لنصوصه وللدور الذي يلعبه الاستهلال لكل نص إبداعي بما يضطلع به من وظائف تتعدد بتعدد أبعاد النص الشعري (المبدع/ النص / المتلقي)1 والذي يعد الإهداء العتبة الثانية بعد العنوان ومن المناصات المهمة للمجموعة ومفتاحا لها والذي تجلى بعبارته :
( الى كل الذين سلكوا الجمال دربا)
من خلال تلك الكلمات ببراعة الاستهلال قدم الشاعر ديباجته ورؤيته الفلسفية في مجموعته الشعرية ( سلك ، جمال ، درب) او السلوك في دروب الجمال على النهج الصوفي للسالكين في دروب العشق والاستغراق في سحر الجمال2
يظل المكان مرتبطاً بالشعر والشاعر، ويظل ارتباط الشاعر بالمكان شيئاً هاماً في كتابة النص الشعري .
الشعراء القدامى هم من أبدع في تصوير الأمكنة التي بها ذكرياتهم لتلامس وجداننا وتسكن في داخلنا، لا لشيء ولكن لكونها حقيقة يبثها أولئك الشعراء الذين استطاعوا وبكل قوتهم الشعرية أن يصلوا إلينا ويتغلغلوا في خيالهم العذب الذي يجسد روعة حياتهم ومعاناتهم العاطفية والوجدانية .
تضمنت الاضمامة للشاعر عادل الياسري على سبعة عشر نصا الذي يحاول الشاعر أن ينقل لنا ذكرياته في تلك الامكنة في قصائد نستشعر فيها الهمسات والمساءات الجميلة والطبيعة الخلابة ، أمكنة يسكنها الحب في أعذب القصائد وما تضمنه من النصوص الشعرية عن رحلاته وجوالاته في بلدان العالم، والتي ينجذب القارئ لها ومن خلال وصفه يحاول تشكيل صورة المكان. نرى ذلك جليا في نصه:
أغنية فرنسية 3
خطوتك الاولى غادرها الليل ..،
الآسيوية التي لم تكن أمس رأيتها ، ولا من قبل
كانت صفحة بالدفتر اليومي
أشجارها الصيف وواحة نخل ينز بها الماء
الثلاث القادمون من بلد السواد
ظللتهم غمامة في ليل باريس توضأ الليل بها
الهاربون من الشرطة في أنفاق المترو
في المحطات لهم جلبة
لكنها:
البوليس..،
تلفظها ألسنة شتى
ضمن هذه النصوص التي تستدرج القارئ وتأسره للبحث عن خصوصياتها الجمالية والدلالية، خاصة وأنها تعكس مرحلة متميزة في تجربة صاحبها، جاعلا الأمكنة آليات اشتغاله حيث العلاقة الجدلية بينه والامكنة.
حيث جسد قصائده ، الهيام والعشق والحب والغرام ، العصافير، الفراشات، والحزن والفرح ..وبلغة انزياحية شعرية نرى ذلك جليا في المفردات التي وظفها: من صحاري الغربة/ الزمان تميمة زرقاء/ على المرآة جنازتها/ وفي كفّ الصباح لها وشما/ حمام تدلى هديله/ قلادات من الماء حباتها/ قيثارة اوتارها النيل/أصابع الرغبة/ خناجر الرمل/ الاشجار جذلى/ احتسى الريح شرابا/
والمكان وهو يرتبط بالشاعر، نجده يمثل تلك الذاكرة التي يرى من خلالها الشاعر على وجه الخصوص نفسه فيها ليعيد ذكرياته، ويصور معاناته، بل أنه يبقى عالقا بذهنه وملازماً له دائماً ومن هنا نجد ذلك الارتباط الوثيق بين الشاعر والقصيدة والمكان،
فإن هذه الإضمامة كلماتها غاية في الرقة والشفافية كأنها حبات عقد منظوم، موقعة توقيعاً رائقاً تتناغم فيها الحروف تناغمًا يضفي عليها من ألوان الموسيقى الشعرية ما يجعلها محببة لدى القارئ المتذوق، الباحث عن جمال الكلمة وعذوبتها وسحرها وانسجامها تجلى ذلك في نصه:
( الطائر والكأس) 4
ناولتك الكأس..،
بيروت
امسحي دمعة النار
خمر ببابل..،
صخرة تفترش الزمان
انتهى عندها اللون
العناكب،
استرحت على الظلّ
مسطبة أنا،
غمر الماء أشجارها
جسدي،
سرق الحارس النار
من طينه
.
.
الكأس..،
ليل الصبايا
نداماي،
هل لامست خمرتي شفتيك؟
هل وجعي الذي ضيّعته
جنّ من موقد
موجة البحر ناره؟
اغسلي البحر بيروت
أشربي خمرتي
ارقصي..،
في رأس غانية
قص الزمان ضفيرتها
ترابك الحبر سيدتي
كثيرة هي الصور الفنية التي يتجلى التشكيل الجمالي للصورة الشعرية 5 والتي تعمق رؤية الشاعر، وتضفي عليها جمالاً ورونقاً نابعاً من صدق التجربة واضطرام المعاناة، كما في نصه:
مرايا السوق القديم
تغازلني المداخل
سوق قديم..،
وفاتنة يضحك الصبح بعينيها
أوزيس..،
ما لون عينيه
فارسك
ما به منك؟
ما بي؟
فتشني حارس النار
اذ جئته
خوف أن يسكن الماء جبهتي
أو يكون في طينتي منه
لم تصافحني الآلهة
لا بذرت قمحا
عدا حبّة رمل
صولجان..
له الكفّ
في المدى،
لفّت الركن
سيّدة...،
خبّأت المرآة
عن شاعر
لم يشرب الماء
من غيمة،
.
.
وفي نصه:
له في هدوة الليل
أسئلة
فضّتها
الماء..،
يجمله الرعد
خلف المرايا
اشتكى نومه الرفّ
السنونو
أودعت عشّ هجرتها
سماوات
ما كان للموت فيها حجرا
لها الودّ من طائر
آب يبسط الكفّ
في أفيائها
يباهي نجمة الصبح
أن التراب
احتسى الريح شرابا
لم يذق طعمه السادرون
كما أن مصادر الصورة الشعرية المستمدة من واقع الامكنة ومظاهر الطبيعة مستخدما أدوات رسم الصورة المتمثلة في التشخيص، والتجسيد، والرمز، والميثولوجيا ، كما تتواشج مع لغة مضمخة بعبير التراث؛ ، فضلاً عن تكثيفها بإشارات تتلبس الألفاظ والجمل في لغة انزياحية شعرية أخاذة نرى ذلك جليا في نصه:
"القلب الاقدس" يتهادى الحمام بساحتها
ويرسم العاشقون الأهلة بالقبل
ساحتها الخضراء حمام تدلى هديله
قلادات من الماء حباتها
- نشرب القهوة الآن
هذه المقهى منذ متى؟
لست أدري..،
لكنها بنت باريس التي أضاءت الأسماء صورتها
ثم نأتي الكنيسة
منها يدخل السائحون المدينة
يرون لها جسدا،
لم تهدّ الكهولة منه
ف"داليدا" التي نصفها يتوسط الشارع
قيثارة أوتارها النيل
وهاجسها الحلم بفردوس في الكنانة
وبالسلامة
"سلمة يا سلامة" رحنا وجينا بالسلامة
أرى ان الشاعر يتحرك جيئةً وذهبا بين (وطنه) وبين (الأماكن التي تجوله فيها)، هي ثنائية تشكل جدلية الحضور والغياب بالتماهي مع جمالية المكان:
فهو عنصر وجود النّاص داخل نصه، ويمثل ثقل انتمائه للأرض التي أنجبته، لذلك يشكل المكان جزءً من شخصيته ،
ففي المقطع من نصه (كرسي النار):
والزائر المرتدي خجل الفرات قميصا
آلهة العشق بعينيها
نظرتها دونما حروف
سألت المعموريّ الذي فكّ رمز عشتار
وأنكيدو
كيف ترى الأسطورة بعينيها
وما تركته النار على وجه الرغيف؟
استدار لسيدة تركب الكرسيّ
حصانا لرغبتها
دومك الكأس
إن مجموعته في مجملها تجربة غنية بالسمات الجمالية التي تعبر عن تجربة ابداعية، تأسر وتجذب المتلقي.. ، كان موفقاً بموهبته اللغوية الرصينة فصاغها بلغة راقية وموفّقة.
ارى فيها الكثير من المتعة الفنية والإبداعية ، لذلك سأترك للمتلقي له المجال ليكتشف بنفسه ما اكتشفته.
المصادر
1- الاستهلال في شعر غازي القصيبي، رسالة ماجستير، البندري، معيض عبد الكريم ،جامعة ام القرى،2004 .
2- جمالية الرمز في الشعر الصوفي، هدّي فاطمة الزهراء، تلمسان،2006.
3- أنامل الأمكنة، عادل الياسري، منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، بغداد ، 2020 .
4- التشكيل الجمالي في شعر علي فودة، مصطفى يحيى مصطفى سرور، غزة، 2017.
5- نفس المصدر السابق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن