الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آخرُ صورةٍ للأصدقاءِ في دمشق

حازم شحادة
كاتب سوري

2021 / 2 / 21
الادب والفن


يستطيعُ أن يحدّدَ بدقةٍ متى كانت آخر ضحكةٍ له من القلب.
هو ليسَ عبقرياً أو صاحبَ ذاكرةٍ فولاذية. الأمرُ وما فيه أن التاريخَ مكتوبٌ بتفاصيلهِ على ظهرِ تلكَ الصورة.

صورةٌ مأخوذة بكاميرا قديمة توضعُ الأفلامُ فيها وتحتاجُ صورها إلى تحميضٍ وطباعة.

عن يمينها، ندى المشاغبة.. بشعرها الأشقرِ ونقاط النمشِ فوقَ أنفها الصغير. يكادُ ضرسُ العقل يبدو جرّاء ضحكتها الساحرة.

ندى التي لطالما قالت عنها (الشلة)..طاقةٌ تمشي على قدمين.

بقربها حسان الطويل.

لم تكن كنيته الطويل بل لقبه.

حانياً ظهره ومفتعلاً بحاجبيهِ حركة ساخرة وعلى الأرض قربهُ غسان المغرور.

شاغل قلوبِ الصبايا في جامعة دمشق.
يظهرُ في الصورةِ مستلقياً على العشب وفي يدهِ سيجارته التي لا تنطفئ وبكوعِ اليدِ الأخرى يسندُ جسده.

ما زال قادراً على استرجاعِ تلك اللحظة التي جلست ديالا خلفه القرفصاء وصنعت بإصبعيها فوق رأسه (إشارة النصر).

أما هو.. فعن أقصى اليسار..
بقميصهِ الأخضر وبنطال الجينز القديم يضربُ يداً بيد وصوتُ ضحكته على وشك أن يصدح من الصورة.

كان هذا قبل خمسة عشر عاماً وتسعة أشهر وأربعة وعشرين يوماً في كلية الآداب.. دمشق العاصمة.

العام الثاني من الحرب.

قرأ في إحدى صفحاتِ الفيسبوك أن قذيفة هاون أطلقها المسلحونُ سقطت فوق غرفة ندى وحولت جسدها إلى كتلة متفحمة.

الأخبارُ عن حسان انقطعت منذ انضمامه لما عُرف بالجيش الحر.
هناكَ من يقول إنه قتل في إحدى الاشتباكات مع الجيش السوري على تخوم حمص.
البعضُ الآخر ينقل أخباراً عن انضمامهِ لجبهة النصرة متخذاً اسماً حركياً شبيهاً بأبي قتادة أو ما شابهَ ذلك وهناكَ من يقول إنهُ مقيمٌ في اسطنبول ويعمل نادلاً في أحد المقاهي.

زير النساء غسان هاجر إلى كندا.
منذ عامين انقطعت كل اتصالاته معه.

ديالا تزوجت من رجلٍ يكبرها بعشرين عاماً وهناك من يطلق الشائعات أنها أصبحت عاهرة من ذوات النجوم الخمس.

اقتربت الساعة من الثالثة بعد منتصف الليل..

الكهرباءُ في جرمانا مقطوعة
وعلى ضوءِ الشمعة المُتعبة كانَ ما زالَ جالساً في غرفته المستأجرة يدخنُ بينما تمتد أصابع الهواء المتسرب من شقوق في خشب النافذة لتداعب لهب الشمعة وهناك..
فوق الجدارِ المقابل لسريره..
تتراقصُ أخيلة داكنة لأشباحٍ كانت تضحك ذات يوم.

من كتابي (اختلافٌ عميقٌ في وجهاتِ النظر)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا