الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمة ورد غطاها

سعيد لحدو

2021 / 2 / 21
كتابات ساخرة


عندما أعادت تلك المرأة الفقيرة غطاء قِدْرَها الفارغ إلا من الماء، وهي تضعه على نار الموقد، كانت تحاول إلهاء أطفالها الجياع، ريثما يغلبهم النعاس وينسون ألام الجوع إلى حين. ويمكننا في هذه الحال أن نعذر تلك المرأة المسكينة لأنه لم يكن لديها حيلة. لكن المعارضة الرسمية السورية وضعت قدرها على الموقد، بعد أن أضافت إلى الماء حفنة من البحص الخشن، وطلبت من الشعب السوري أن ينتظر نضوج طبختها. لكنها نسيت، أو تغافلت أن تشعل الموقد أو أن تضع غطاء القِدْرِ، على الأقل، لِسَتْرِ ذلك الوهم بوجبة لذيذة لأطفال سوريا وجياعها المنتظرين لمعجزة الحل الموعود على النار الخامدة منذ زمن.
أقول هذا الكلام بعد أن طفح الكيل بلا جدوى استمرار هذا العبث الشيطاني، وبخاصة بعد إصرار بعض من تصدروا لعبة الدائرة المغلقة بين (جنيف - أستانة – سوتشي) في دوران لا نهائي، دون النظر حتى إلى ذلك الغبار الذي يتركه أولئك المهرولون خلفهم، والذي لم يجنِ المتطلعون إليه سوى رماد العيون.
من أكبر المهازل التي لم نجد لها مثيلاً في التاريخ القديم أو الحديث أن تصل حصيلة هذا الدوران العبثي إلى أرقام خارج المنطق في أية مفاوضات لأعقد المشاكل الدولية. وهنا وقبل أيام ختمت اجتماعات أستانا الـ 15، وقبلها ملهاة جنيف المتعددة الأوجه، وفوقها لن ننسى سوتشي المنتزه الجميل لبوتين وضيوفه الكرام، بينما إنهاء الحرب العالمية الثانية لم يستغرق من الدول المتحاربة من أقصى مشارق الأرض لأقصى مغاربها، لم يستغرق منهم سوى بضع ساعات في قاعة متواضعة لفندق متواضع في قرية صغيرة في وسط هولندا.
الحقيقة، لمن لايعرفها بعد، ولا أظن بأن هناك من لا يعرفها، هي أن هذه الطبخة الوهم التي لم تعد تنطلي حتى على أولئك الأطفال الجياع، ماهي إلا إخراج مسرحي سيء وفاشل لقوى لم ولا تكترث إلا لمصالحها على حساب مأساة الشعب السوري ودمه النازف بعد تدمير كل ما تبقى من روابط تشد السوريين إلى بعضهم في وطن حر كريم. وبنظرة سريعة إلى أطراف (الحوار) الذي لم يحدث قط حول القضية والحل السوري، لأنه في الحقيقة لم يجرِ ولو للحظة حول هذا الموضوع بين الأطراف المعنية، أي (المعارضة والنظام). وإنما كان وما زال بين روسيا وإيران وتركيا لترتيب أمور تواجدهم على الأرض السورية لتلافي أي تصادم لا تحمد عقباه. وتوزيع مناطق النفوذ بينهم. أما وفد (المعارضة) المُساق بعصا أردوغان الغليظة، ووفد النظام المأمور من بوتين وإيران، فهم مجرد شهود زور على طبخة البحص هذه التي يُراد للمجتمع الدولي الغارق في سباته، وللشعب السوري المستجير من الرمضاء بالنار، أن يصدقوها ويكملوا غفوتهم إلى أن تستوي.
من نظرة سريعة إلى بنود البيان الختامي لاجتماع أستانا الـ 15 يدرك المرء إلى أي حد وصل الاستخفاف من الموقعين على ذلك البيان، بالقوانين الدولية (الحريصة على السيادة الوطنية للدول) عندما تؤكد روسيا وإيران وتركيا، وبدون أي خجل، (على التزامهم الثابت بسيادة واستقلال ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية)، وكذلك بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتضيف هذه الدول على أن هذه المبادئ تخضع لمراعاة والتزام الجميع بها. في حين كل طرف منها يحتل مساحات واسعة من الأرض السورية، ويبيع ويشتري بالسيادة الوطنية السورية. وفي الوقت ذاته يبدون رغبتهم أو إصرارهم على محاربة الإرهاب، ذلك الإرهاب والإرهابيون ذاتهم الذين تربوا وعاشوا وكبروا وما زالوا في أحضانهم. وليست جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام المثال الوحيد. أما داعش فكانت الخاسرة الوحيدة من بين جميع الأطراف المستفيدة منها.
أما تأكيدهم على أهمية ودور اللجنة الدستورية (دون أي تدخل أجنبي) هي المهزلة الأكبر في مجمل مسيرة الحل السوري منذ البداية وحتى اللحظة الراهنة، وكأن الذي وضع أساس هذه اللجنة هو المرحوم فارس الخوري. والآن ما على السوريين سوى متابعة المسيرة من النقطة التي توقف عندها المرحوم. وكأن لا وجود لجنيف واحد والنقاط الستة التي وضعها كوفي أنان كأساس للحل، حيث بات القفز على المبادئ الأساسية لأي عمل جاد هو السمة البارزة للقوى المتحكمة بالقضية السورية، وكأن 15 فيتو روسي غير كافٍ لإقناع المتعنتين بأن الروس جادون في إيجاد الحل في الوقت الذي يستهتر النظام بالطبع بكل العملية من أساسها، بتوجيهاتهم ودعمهم، وليس مستعداً لأي تنازل مهما صغر مادام ظهره يستند إلى الفيتو الروسي المتربص لأي قرار جاد من مجلس الأمن الدولي يجبره على القبول بالحد الأدنى.
إزاء هذه الحالة الميؤوسة، وفي ظروف الاستخدام المفرط للمعارضة الرسمية من قبل القوى الأخرى لأهدافها الخاصة، لم يعد أمامنا، نحن السوريون، سوى التصريح العلني بـ (كلمة ورد غطاها)، أن على المعارضة الرسمية في ظروف العطالة الشاملة على كل الأصعدة، بتقديم استقالتها الجماعية وإعفاء نفسها من أي دور وطني وهمي، لوضع المجتمع الدولي عامة أمام مسؤولياته المبدأية والأخلاقية، واتخاذ ما يجب من إجراءات، لإجبار النظام وكل الأطراف الأخرى على القبول بحل دولي يحفظ للسوريين ما تبقى لهم من أمل في الحياة والكرامة الإنسانية. وإلا سنبقى جميعاً وطويلاً ننتظر طبخة البحص تلك التي لن تنضج قط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا


.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه




.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة