الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحرُّش الجنسيّ، وضُعف طُرقه العلاجيّة

ازهر عبدالله طوالبه

2021 / 2 / 21
المجتمع المدني


تنتَشر في كُلّ المُجتمعات العالميّة، ظواهِر مُستهجنَة، تؤرِّق البشرَ، وتقضُّ مضاجِعهم، حيث يرفُض كُلّ واحدٍ منّا، نحنُ البشَر وعلى اختلافِ مُعتقداتنا وتقاليدنا وعاداتنا وحواضننا الإجتماعيّة، وتنوُّع وتعدُّد أطيافنا، أن يتقبّلها أو أن يتعاطى معها بشكلٍ لا يُرضي لا العقل ولا المنطِق . وثمّة ظواهِر تتَفق على دناءتها وانحطاطها كُلّ مُجتمعات العالم أيّما اتفاق، وتتكاتف مِن خلال جهودها الموحدة لعلاجِ هذه الظواهِر والقضاء عليها، كما لو أنّها جائحة أصابَت العالَم أجّمَع، ويسّعى العالم برُمّتهِ كي يتخلَّص/يُشفى منها . ومِن أبرَز هذه الظواهِر التي لا تعرِف لا الحدود المائيّة ولا البريّة، ولا حتى الجويّة، هي ظاهرِة "التحرُّش الجنسيّ"، حيث تنتَشر هذه الظاهِرة بشكلٍ مُرعِب ومُخيف، وما يُميّزها في انتشارها ؛ أنّها لا تُفرِّق بينَ مُجتمعٍ غربيٍّ وعربيّ، بقدرِ ما تُميِّز بينَ ذكرٍ وأُنثى، والأنثى هي الضحيّة في هذه الظاهِرة .

بدايةً، ففي سياقِ البحث لمعرفَة الفترة الزمنيّة التي وُلِد فيها هذا المُصطلَح، أي مُصطلَح التحرُّش الجنسيّ، فإنّهُ يُعتبَر مِن المُصطلحات الحديثة التي لا تتجاوز أعمارها القَرن مِن الزّمن، وأنّ عُمر هذا المُصطلَح على وجّه التحديد، يكاد لا يتجاوز الخمسينَ عاما، حيث أنَّ استخدامهُ الأوّل كان في عامِ 1973، وكان ذلك مِن قبلِ الرّئيس والمُستشار لمعهَد ماساشوستس للتكنلوجيا، ماري رو، في تقريرها الذي عُرِف بإسم "حلقات زُحَل"، والذي كانَ مُهتمًّا، آنذاك، بدراسةِ الأشكال المُختَلفة للقضايا الجنسيّة . أمّا فيما يتعلَّق بالتّعريف المُفصّل والدّقيق لذاتِ المُصطلَح، فلقَد تعدَّدت وكثُرت تعاريفهُ، لكنّني ومِن بينِ كُلّ تلكَ التعاريف التي وقعتُ عليها، فإنّني أجِدُني أميلُ إلى تعريفٍ يعود للباحثة المصريّة، حنان مكّاوي، حيث تعرِّف التحرُّش الجنسيّ بأنَّهُ :

" فعلٌ متجسّدٌ في التعدّي بحركاتٍ ذات إيحاءات جنسيّة، أو لمِس أجزاء مِن الجسد، وقَد يتطوَّر الأمر إلى الإغتصاب، ممّا يتسبَّب في أذى معنوي وجسدي شديد للضحيّة " .

و‏على الرُغم مِن اختلاف الأُسس والمعايير التصنيفيّة لظاهِرة " التحرُّش الجنسيّ"، وعلى الرُغمِ مِن تعدُّدِ الأفعال والأعمال التي تُصنَّف ضمِن الأفعال التي تقود إلى هذه الظاهِرة، أو إلى أن تكون هي الظاهرة بذاتها، لكن، بحالات وأنماطٍ مُختَلِفة، وعلى الرُغم مِن الكثير مِن الأشياء التي يجِب أن ‏يُسلَّط الضّوء عليها، فيما يتعلَّق في هذه الظاهِرة، إلّا أنّني، ومِن خلالِ ما تمكّنتُ من الإطلاعِ عليهِ مِن الطُرُق العلاجيّة المُتّبعة في الكثيرِ مِن دول العالم، لمُعالَجة هذه الظاهِرة، قَد رأيتُ بأنَّ القُصور العلاجيّ لهذه الظاهرة، والذي أعتَبرهُ مِن الأسباب التي تُعطي الظاهِرة عُمرًا طويلا، هُو مِن أهَم ما يجِب أن يُصبَّ تركيزنا عليه، حيث يكمُن ذلكَ القُصور في الإقتصارِ عند الوصفات العلاجيّة التشريعيّة ،فقط، دون أن يمتَدَّ إلى ما هو أبّعَد مِن ذلك، وبالتّحديد، دونَ أن يلجأ إلى الوصفات العلاجيّة القائمة على العلاج التوعويّ، الذي ‏يُساهِم بشكلٍ كبير، في التخلُّص منها، أو لنقُل في التصدّي لها، ومُحاولة وقّفها مِن أفراد الجِنس المُتحرِّش عن وعيٍ كامِلٍ لما يقومونَ بهِ، ويُلاحظ عليهم التغيُّر بعدَ أن يتلقوا العِلاجَ التوعويّ .

وهُنا، لا بُدَّ مِن طرحِ سؤالينِ مُهمّين ألا وهما :

ماذا يعني أن نكّتفي بإتّباعِ طريقة علاجيّة واحدة، ليسَت بذات جدّوى، بحيث تقوم على مُعاقَبَة المُتحرِّش بالسجنِِ لفترةٍ بسيطة ‏وأن يُفرض عليه غرامة ماليّة، ومِن ثمَّ بعد ذلك يخرُج ليُعاودَ ارتكابَ الفعل مُجدَّدًا دونَ أدنى تفكيرٍ بما ارتكبهُ فيما سبَق ؟! أيُعتبَر هذا مِن أحد الحلول الحقيقيّة والمُجدية لمثلِ هذه الظواهِر، حقًّا ؟!

وللجوابِ على هاذين السؤالين، سأُجيب بما يلي:

إنّهُ لا فائدة مِن سنّ القوانين والتشريعات التي تنُص على المُعاقبة، وفرضِ الغرامات، مِن غير أن تكتَرث للعلاج التوعويّ، ومِن غيرِ أن يؤخَذ هذا العِلاج على ما فيه مِن أهميّةٍ جمّة بعينِ الإعتبار، ‏ومِن غير أن تُساهم في تقليلِ حالة الإكتراث -المُبالغ فيها - للكثير مِن الأشياء التقليديّة الموروثة .

واستشهادًا على دور العِلاج التوعويّ وأهميَّته، فسأمرُّ مُرورًل سريعًا على دراسةٍ ألمانيّة -دلتني عليها إحدى المقالات- اهتمَّت بدراسةِ ظاهرة التحرُّش الجنسيّ التي يقوم بها العرَب المُهاجرينَ في ألمانيا، و وقفَت على أُسسٍ تُفرِّق بينَ الغزَل والتحرُّش، إذ خلُصَت هاته الدراسة إلى أنَّ ما يقوم بهِ الشباب العرب، هو في أغلبهِ "غزل" ‏وليسَ تحرُّشًا، لكنّهُ، غزلٌ فاشِل، لا يُجيد لا استقطاب الفتيات ولا يتمكَّن مِن جذبهنَّ، بل يؤدّي إلى ما هو مُناقِض ومُعاكس، ومُخالف للغزَل، حسب ما جاءت بهِ الدراسة .

وترى ذات الدراسة، وهذا ما هو مُهم بالنسبة لنا في هذا المقال، أنّهُ مِن أهم الطُرق العلاجيّة لهذه الظاهرة، هو انتهاج النّهج التوعويّ، ولا شيءَ سواه . حيث يُذكَر موقِف طريف في الدراسة، وهو ‏أنَّ أُستاذًا ألمانيّا مُتخصِّصًا في عُلوم الإجتماع، يُدعى "ستيفان مولر"، وجدَ بأنَّ العقوبة التشريعيّة/القانونيّة التي يُعاقَب بها المُتحرِّش - المقصودُ هُنا المُتحرِّش بشكلٍ عام، والعربيّ بشكلٍ خاص-، لا يُمكن أن تكونَ كافية إطلاقًا للقضاءِ على هذه الظاهرِة المؤرِّقة، ولا حتى لعلاجها، كما يرى بأنّهُ لا حاجةَ لنا لمثلِ هذه الطُرق العلاجيّة، أي التي تقوم على العِقاب والغرامات، يقصُد، ما دُمنا قادرينَ على أن نسّلُك مسلكَ العِلاج التوعويّ لمُعالَجة هذه الظاهِرة . فبناءً على ما وجدهُ مولر، فقد قامَ بفتحِ مدرسةٍ يُعلِّم بها فئة الشّباب مِن العرب المُهاجرين، كيفيّة الغزَل، بعدَ أن اكتشفَ أنّهُم لا يُجيدونَ جلبَ النِّساء لهُم، بسببِ طُرُقِهم العُنفوانيّة، والعدوانيّة في كثيرٍ منها، والتي لا تُعبِّر عمّا في دواخلهم، حقيقةً، وبعدَ أن اكتشفَ أنّ أفعالهم لا تمُتُّ للتحرُّش الجنسيّ، ومَن أقدمَ على مثلِ هذه الأفعال، فيكون هذا الإقدام قد تأتّى نتيجةَ جهلِهم في التّعامُل مع النّساء، ولربّما، السّير وراء القاعدة التي نعرفها في مُجتمعاتنا جيّدًا، والقائلة " كُل ممنوع مرغوب" . ويرى مولر أن الشّبابَ لا يهدِفونَ لأكثر مِن كسبِ استحسانِ بعض الفتياتِ لهُم، ومحاولة نيل ودِّ إحداهُنَّ، ولكنَّ طُرقهم المُتّبعة، مِن قبيل " تصفير، تحديق حاد، صُراخ بصوتٍ عالٍ .. وما إلى ذلك" هي طرقٌ هشّة، تُسقِطَهم في فخاخٍ مُتعدِّدة، وتجّعلهُم تحتَ وطأة تُهمة التحرُّش الجنسيّ .

الخُلاصة : لا شكَّ بأنّ لا أحَد منّا يقبَل انتشار ظاهِرة التحرُّش الجنسيّ، تحتَ أيّ ظرفٍ كان، ولا أعتَقِد أنّ هُناكَ مَن يُبرِّرها بإسقاطِ حجَج واهية عليها، أيًّا كانت هذه الحُجّج. لكن، هذا لا ينفي بأنَّ هُناكَ تشابُك وعدَم رؤية واضِحة قادِرة على التّفريق بينَ التحرُّش الجنسيّ وبينَ أمورٍ كثيرة ترى بها فئة الإناث استحسانًا، ولربّما، يكون قبول مِثل هذه الأُمور عائد إلى الثقافة المُجتمعيّة، وبإمكانكَ - أيُّها القارئ- أن تأخذَ المثال المذكور آنفًا، دليلًا على ذلك . وهُنا، لا بُدَّ مِن الإشارة إلى أنَّ أكثر البيئات التي تحدُث بها هذه الظاهرة، هي تلكَ البيئات الضيّقة، كمثلِ بيئة العمَل وما شابهها .

أمّا فيما يتعلَّق بالطُرق العلاجيّة لهذه الظاهِرة، فإنَّهُ لمِن الواجب على مَن يسعى جاهدًا لعلاجها، أن يُكرِّس جهوده في إطارِ العلاجِ التوعويّ بدايةً، ومِن ثمَّ يلجأ لطُرقٍ علاجيّة أُخرى . فلا فائدة، إطلاقًا، مِن السّيرِ في مضاميرِ الطُرق العلاجيّة بتجاهُل مضمار العلاج التوعويّ، حيث أنّ مُعظَم الدراسات التي كانت هذه الظاهرة مادتها البحثيّة، خلُصَت إلى أنَّ بعض الطُرق العلاجيّة، التي تنحو بعيدًا عن العلاج التوعويّ، لا تقوم إلّا بترحيلِ هذه الظّاهرة لفترة زمنيّة أُخرى، كمَن يأخذَ لُغمًا مِن أرضٍ ليزّرعها باُخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية


.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال




.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال


.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان




.. فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي