الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهمتان التوأمان: حماية كوكب الأرض والمحافظة على صحة الإنسان

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 2 / 21
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في المركز الثقافي في لندن.

في هذه المحاضرة، سنناقش بعض الجوانب الرئيسية الخاصة بالعلاقة المتبادلة بين سلامة كوكب الأرض والمحافظة على صحة البشر الذين يعيشون في إطار النظام البيئي لهذا الكوكب؛ فما من شكٍ حول حقيقة أنك دائماً باعتبارك أحد الأفراد في هذا النظام البيئي، فإنه بإمكانك أن تختار أن تصبح مستهلكاً واعياً فيما يتعلق بالطعام الذي تأكله وذلك عن طريق استبعاد اللحوم الحمراء بشكل أساسي من نظامك الغذائي. كما يمكنك أيضاً اختيار القيام بتنقية المياه الخاصة بك بدلاً من شراء زجاجات المياه البلاستيكية. كما أن هناك أيضاً تغييرات تحدث على مستوى أكبر؛ سواء كان ذلك على الصعيد المؤسسي أو الوطني، ويمكنك المشاركة فيها ودعمها. فعندما تتخذ الخيارات الصحيحة من أجل الحفاظ على صحتك، فإنك بذلك تقوم أيضاً بتحديد الاختيار المناسب لسلامة كوكب الأرض.
هناك العديد من الخطوات التي يمكنك اتخاذها على الفور والتي ليس من شأنها أن تؤثر على صحتك فحسب، بل أيضاً ستلق بظلالها على سلامة هذا الكوكب بأكمله.
وتتمثل أحد أول هذه الأمور التي يمكنك القيام به في شراء الفواكه والخضروات العضوية (وهي الخضروات والفواكه المزروعة باستخدام الأسمدة الطبيعية) كلما كان ذلك ممكناً. لأنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه يُستخدم أكثر من 450 نوعاً من المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب على المنتجات غير العضوية. بالإضافة إلى أنه قد تتعرض المنتجات غير العضوية للإشعاع، وأنها تحتوي على مادة النترات، والتي تعتبر مركبات مسببة لمرض السرطان. وعلاوة على ذلك، فإن بذور المنتجات غير العضوية قد تخضع حتى للتعديل الوراثي. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن بعض المحاصيل المعدلة وراثياً، مثل تلك التي تم تعديلها وراثياً لإنتاج بعض المواد الكيميائية داخلياً والتي من شأنها أن تعمل كمبيدات أعشاب مدمجة داخل المنتجات، لها بالتأكيد آثار جانبية على صحة الإنسان حال إذا ما تناولها بنو البشر.
تواصل أساليب الزراعة الصناعية في استخدام التربة مراراً وتكراراً لاستنزاف العناصر الغذائية الخاصة بها. ومع ذلك، يقوم مزارعو المنتجات العضوية بعملية الدورة الزراعية أو الدورة المحصولية (ويُقصد بها تناوب زراعة محاصيل مختلفة على قطعة أرض واحدة)، مما يمنح التربة المزيد من الوقت لتجديد عناصرها الغذائية واستعادة العناصر والمعادن الموجودة بها بعد إنتاج المحاصيل. ومن المزايا الإضافية أيضاً لشراء المنتجات العضوية هي دعم مزارعي المنتجات العضوية.
والجدير بالذكر أن هناك دراسة أُجريت في عام 2006 م قد كشفت عن وجود مستقلبات يمكن تحديدها والكشف عنها لبقايا مبيدات الآفات الفوسفاتية العضوية لدى الأطفال الذين يتناولون نظاماً غذائياً تقليدياً؛ حيث يعتبر مبيد الفوسفات العضوي سم عصبي للدماغ وكذلك بقية الجهاز العصبي. لذلك، بعدما جرى تغيير النظام الغذائي التقليدي لهؤلاء الأطفال وحثهم على اتباع حمية غذاء عضوي أخر، لم يكن هناك أي نواتج مستقلبات يمكن الكشف عنها كنتيجة لهذه الحمية الأخرى.
بالإضافة إلى شراء المنتجات العضوية كلما كان ذلك ممكناً، عليك أن تبذل قصارى جهدك لتجنب تناول اللحوم ومنتجات الألبان قدر الإمكان. لأن هذه الأطعمة تحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة، التي تُسهم في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وحدوث الالتهابات العامة في الجسم. بالإضافة إلى ذلك، أدت الزيادة الصناعية للثروة الحيوانية في جميع أنحاء العالم إلى زيادة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والتي تتكون أساساً من غاز الميثان، ويكون ذلك نتيجة لعملية القلس (الهضم)، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من كيفية هضم معظم الحيوانات الأليفة لغذائها. ومنْ ثَمَّ، يعتبر غاز الميثان أحد أقوى الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وتشير التقديرات إلى أن الثروة الحيوانية في جميع أنحاء العالم تعد هي المسؤولة عن ما يصل إلى 51٪ من إجمالي الغازات المسببة للاحتباس الحراري المنبعثة في مختلف أرجاء العالم في الغلاف الجوي للأرض كل عام. وجدير بالملاحظة أن عملية تراكم الغازات المسببة للاحتباس الحراري داخل الغلاف الجوي للأرض وراء كارثة انهيار المناخ التي تلوح في الأفق التي يمكن أن تسيطر على كوكب الأرض في مدة زمنية أقل من ثماني سنوات فحسب.
لذلك من الأهمية بمكان عندما تذهب إلى السوبر ماركت، ابحث عن شراء البيض من إنتاج المراعي الحرة (يُقصد بالرعي الطليق أو الرعي الحر إحدى طُرق تربية الدواجن أو الماشية حيث يمكن لها التجول بحرية في الهواء الطلق). بالإضافة إلى ذلك، إذا اخترت تناول الدواجن تفقد الدواجن التي تربى في نطاق المراعي الحرة وكذلك الدواجن الخالية من المضادات الحيوية أو الهرمونات، كما أن عليك مراعاة ذلك بوجه خاص إذا ما كان لديك أطفال صغار. ومنْ ثَمَّ، يتضح لنا أن الحل المثالي، يتمثل في أنه يتعيَّن عليك أن تبتاع البيض والدواجن العضوية.
فإذا اخترت تناول السمك، فتأكد من صيده برياً، مثل سمك السلمون الأحمر البري أو سمك السلمون المرقط البري. لأنه كلما زادت نسبة الدهون على الأسماك، كلما ازدادت السموم الموجودة في هذه الدهون؛ حيث أنه من المعروف أن السمك يُخزن السموم التي تعرض لها خلال فترة حياته في نسيجه الدهني. وتعتبر السموم الأكثر شيوعاً في مياه البحر ومعظم مصادر المياه العذبة في جميع أنحاء العالم مركبات الزئبق والكادميوم والزرنيخ والنترات والألمنيوم.
ففي دراسة نشرت في مجال العلوم في عام 2004 م، وجد الباحثون أن سمك سلمون المحيط الأطلسي الذي تربى في المزارع كان لديه مستويات أعلى بكثير في 13 مادة من المواد السامة بالمقارنة بسمك سلمون المحيط الهادئ البري. كما قامت الدراسة بقياس مستويات السموم في الطعام المقدم للسلمون، وهو عبارة عن مزيج من الأسماك المطحونة والزيت الذي تم إطعام سمك السلمون الذي يربى في المزرعة به. ووجدوا ثمة علاقة قوية بين سمية هذا الطعام وسمك السلمون وخلصوا إلى أن تلك السموم قد انتقلت إلى سمك السلمون من خلال الطعام الذي تغذى عليه.
تستخدم مزارع الأسماك المواد الكيميائية كمطهرات لقتل البكتيريا؛ حيث أنهم يستعملون مبيدات الأعشاب لمنع فرط نمو النباتات في البرك، وكذلك الأدوية - التي عادة ما تكون مخلوطة مع الأعلاف - لعلاج الأمراض والطفيليات.
يؤدي تغيير السياسة العامة للأشخاص دوراً كبيراً في تغيير كوكب الأرض نحو الأفضل، ولكن الأفراد يمكنهم أيضاً أن يؤثروا على هذا التغيير بشكل سريع للغاية؛ فعلى سبيل المثال تتمثل واحدة من بين هذه الممارسات التي تهدف إلى تغيير سياستك في أنك تستطيع البدء من خلال أن تصبح شخصاً نباتياً (وهو الشخص الذي لا يأكل اللحوم وأحياناً المنتجات الحيوانية الأخرى خاصة لأسباب أخلاقية أو دينية أو صحية) أو حتى الشخص النباتي (الذي يتناول أو يستخدم أي طعام أو منتجات أخرى لا تحتوي على الحيوانات أو مشتقاتها)، لأن الطعام النباتي هو أفضل غذاء يمكنك تناوله للمحافظة على سلامة هذا الكوكب.
كما أنه عليك أيضاً أن تبدأ في معرفة أي أنواع الزجاجات البلاستيكية التي يمكن أن تستخدمها التي تحتوي على BPA (ترمز BPA إلى مادة بيسفينول A، وهذه المادة هي عبارة عن مادة كيمائية صناعية تُستخدَم لتصنيع مواد بلاستيكية وراتينجات معينة). فإذا كانت الزجاجة البلاستيكية تحتوي على ملصق، عليك النظر أسفل الزجاجة، وإذا رأيت علامة إعادة التدوير تحتوي على رقم سبعة، فإن هذه الزجاجة من أنواع البلاستيك الذي يحتوي على مادة بيسفينول A.
بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم علب الألومنيوم مبطنة بمادة بيسفينول A، لذلك كلما كان ذلك ممكناً، عليك تصفية المياه الخاصة بك واختيار استخدام عبوات الفولاذ المقاوم للصدأ ( عبوات الستالس ستيل).
كما يجب ألا تضع الأطعمة الساخنة في الأواني البلاستيكية لأنك إذا قمت بذلك، فإن السموم تتسرب من البلاستيك إلى طعامك. وبدلاً من ذلك، استخدم الأواني المصنوعة من الزجاج أو الخزف. كما ينبغي أيضاً ألا تستخدم الأواني المصنوعة من البلاستيك في الميكروويف لنفس هذا السبب.
تشكل العبوات البلاستيكية نسبة 90 في المئة من إجمالي كمية القمامة العائمة في محيطات العالم؛ بل يتعدى الأمر ذلك في بعض مناطق المحيط، حيث تفوق كمية البلاستيك الموجودة على كمية العوالق (وهي الكائنات الصغيرة العالقة في المياه) بنسبة تقدر بـستة أضعاف إلى واحد. وتتمثل الحقيقة في أنه على الرغم من عملية إعادة التدوير، فإن العديد من الزجاجات البلاستيكية التي تستخدمها ينتهي بها الحال بإلقائها في المياه.
تعد رقعة القمامة في المحيط الهادئ عبارة عن دوامة من النفايات تدور حولها؛ أي أنها عبارة عن دوامة من نفايات المحيط التي تقع في شمال المحيط الهادئ. والجدير بالذكر أنه لا يُعرف الحجم الدقيق لهذه الدوامة، ولكن التقديرات تتراوح بين منطقة بحجم المملكة المتحدة ومنطقة أكبر من الولايات المتحدة القارية.
لذا يجدر الإشارة إلى أنه لا تعتبر العبوات البلاستيكية سيئة على صحتنا وعلى سلامة الكوكب فحسب، ولكن البلاستيك أيضاً يعد مادة لها تأثير سيئ على صحة الحيوانات. وبسبب ذلك فإن طيور القطرس والسلحفاة بل والعديد من الحيوانات البحرية الأخرى، يكون مصيرهم الموت وذلك لأنهم يأكلون مادة البلاستيك التي يتخلص منه بنو البشر، بما في ذلك الزجاجات البلاستيكية.
ففي كل عام، يتطلب الأمر استهلاك مليارات البراميل من النفط لإنتاج معدل 359 مليون طن متري من البلاستيك في جميع أنحاء العالم سنوياً، والتي تشمل أكثر من مليون زجاجة بلاستيكية تستهلك كل دقيقة على مستوى العالم. كما أن إنتاج زجاجة المياه الواحدة يتطلب ثلاثة أضعاف كمية المياه التي تحتاجها هذه الزجاجة لملئها. بالإضافة إلى ذلك، هناك تكلفة عالية مرتبطة بنقل تلك الزجاجات الثقيلة التي تستهلك الكثير من الوقود الأحفوري والذي بدوره يُنتج كميات هائلة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وينبغي أيضاً ألا ننسى الكمية الهائلة من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج أثناء عملية تصنيع كل مشتق من البلاستيك بسبب استهلاك النفط، والآثار السلبية الهائلة لغاز ثاني أكسيد الكربون المتراكم باعتباره الغاز المسبب للاحتباس الحراري على تغير المناخ.
ثمة شيء آخر بسيط يمكنك القيام به لمساعدة نفسك والكوكب ويتمثل هذا الشيء في ممارسة رياضة المشي أو ركوب الدراجة بدلاً من قيادة السيارة. يمكن تصنيف رياضة المشي على أنها هي النشاط البدني الأكثر أماناً هذا من ناحية، بينما من الناحية الأخرى فممارسة الإنسان للرياضة يمكن أن تحسن من وزنه وتعمل على ضبط معدلات الكوليسترول في الجسم وتعالج حالات الاكتئاب وحتى مشكلات النوم.
وفي عام 1998 م، قضت دولة الدنمارك على استخدام المضادات الحيوية غير العلاجية في مجال الثروة الحيوانية. وفي مراجعة لمنظمة الصحة العالمية لهذه التدخلات، لوحظ وجود انخفاضاً كبيراً في البكتيريا المقاومة في الحيوانات واللحوم والإنسان. بالإضافة إلى ذلك، فإن القضاء على الاستخدام الروتيني لهذه المضادات الحيوية في مجال الثروة الحيوانية ساعد للحد من المخاطر الصحية على الإنسان دون أن يلحق ضرراً كبيراً بصحة الحيوانات - كما أن دخل المزارعين أيضاً لم يتأثر بذلك.
فعادة ما تقوم المستشفيات بحرق جميع نفاياتها في أفران حرق مخصصة لذلك، ويتم إطلاق جميع الانبعاثات التي تنتج جراء حرق هذه المواد في الغلاف الجوي. وينبغي معالجة هذه المشكلة عن طريق الحد من نفايات الرعاية الصحية؛ حيث يمكن أن يشكل ذلك أساساً من خلال اعتماد معدات قابلة لإعادة الاستخدام في أنظمة الرعاية الصحية لدينا بدلاً من الخيارات الرخيصة التي تستخدم لمرة واحدة فقط وهو الخيار الذي في الغالب يُعد الأكثر شيوعاً في الوقت الحاضر وهذه الخيارات مصنوعة من مادة البلاستيك بشكل رئيسي.
وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكون هناك عمل جماعي مع المستشفيات في جميع أنحاء العالم من أجل القضاء على استخدام مادة بولي فينيل الكلوريد PVC))، وهي مادة من البلاستيك الفينيل الذي يخلق مجموعة واسعة المخاطر البيئية والصحية. وينبغي أن تتحول مرافق الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم إلى استخدام أجهزة طبية أكثر أماناً وفاعلية من حيث التكلفة ولا تحتوي على مادة بولي فينيل الكلوريد.


وينبغي أن يكون هناك حظر عالمي شامل على استخدام عنصر الزئبق. ويجدر الإشارة إلى أنه لم تعد دولة الفلبين والأرجنتين والمكسيك وبلدان أخرى في جميع أنحاء العالم تستخدم مادة الزئبق، ولا سيما في موازين الحرارة الزئبقية. إلا أنه من ناحية أخرى، لا يزال استخدام الزئبق ممارسة شائعة في العديد من الدول.
من الأهمية بمكان دائماً أن تتذكر قبل أي إجراء تقوم به في حياتك أن صحتك وصحة أولادك ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع صحة أرضنا الأم واستقرار توازنها البيئي المرهف.


*****
لمطالعة النص الأصلي لملخص محاضرة الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية يمكن مراجعة الرابط التالي على موقع الحوار المتمدن:

https://m.ahewar.org/enindex.asp?u=Mousab%20Kassem%20Azzawi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة