الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدوغمائية وأبرز خصائصها الفكرية

مصطفى آل خليفة

2021 / 2 / 22
المجتمع المدني


من المصطلحات العلمية التي اخذت حيزا واسعا في مجال الفكر الانساني مصطلح (الدوغمائية أو الدوغماتية dogmatic) وهو في الاصل كلمة يونانية تعني الانغلاق او الجمود المعرفي لرأي أو عقيدة، ويشير الى التمسك اللاواعي بإعتقاد ما دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو أي ايديولوجية معينة يعتنقها الفرد دون الرجوع الى مصدرها والنظر فيها أو نقدها ومعرفة مساحة الصواب الذي تحمله، ومن من وجهة نظر فلسفية يرى كانط ان الدوغمائية " هي الميل الى التسليم بالمبادئ التي يعتمدها العقل منذ قديم دون البحث في طبيعة هذه المبادئ وشرعيتها وقيمتها، أي دون القيام بنقد مبادئ العقل المحض " لذا عرف كل من يعيش نمط حياة متفردة ويرى كل ما سواها باطل وزائف وان أفكاره هي الحق المبين، ويكون متزمتاً في ما يعتقد بأنه دوغمائي، أيضاً تطلق هذه التسمية على كل مذهب أو منهج أو الطرق المتعصبة والرافضة للأفكار المتجددة التي لا تتفق معها معتبرة ايها بالمنحرفة والباطلة، وهذا الفكر يميل بطبيعته الى التقوقع والعزلة وعدم توريد الافكار والآراء الجديدة، فالفرد الدوغمائي ملازماً لأفكاره متعبراً النزول عنها خسارة لا تعوضها أي تجارة أخرى، هذا الفكر هو عبار عن اسلوب لعمل العقل بغض النظر عن من هو حامل هذه الالية الفكرية ربما يكون مدير في شركة أو أُستاذ في جامعة أو أحد أفراد العائلة أو ربما أكون أنا أو زميل لي في العمل أو سياسي وغيرها من الشخصيات التي تحيط بنا ومن أبرز خصائص الفكر الدوغمائي :
1. الجمود المعرفي : حقيقة للتربية والتعليم الدور الاساس في بناء شخصية الفرد وتمكين الجهاز الفكري لديه من معرفة غاية وجوده في هذا الكون، وأختيار الاسلوب الانسب والاصلح لرقيه وعدم تتبعه للفكر التقليدي المتحجر والمقيد بقيود يصعب مخالفتها، كما ان للنشأة الأُسرية والبيئة الاجتماعية التأثير الاكبر على حياة الانسان في تعامله مع عالمه الخارجي الذي يمارس فيه حياته والضرورة التي دعته الى معرفة ما يحيط به من تعاليم وأُسس ومناهج فكرية قبل أن يقدم على اعتناقها والاعتقاد بها، لتتضح لديه الفكرة والرؤية الناصعة التي تجنّبه وتبعده عن الضبابية وانتقاء الفكر النير والمتحرر إذ يرى الفارابي " إن المدن الجاهلة الضالة إنما تحدث متى كانت الملة مبنية على بعض الآراء القديمة الفاسدة، فتتردد لديه المدن الضالة الجاهلة بين قوم رأوا الموجودات متضادة، فكلّ وجود يضادّ الآخر في إثباته لنفي الآخر، ويكون إثبات ذاته إما لدفع الوجود المضاد عنه؛ لإثباته، أو النظر إلى بطلانه، أو تستخدم الأشياء لإثبات ذاته " لذلك يعتقد الدوغمائي ومن وجهة نظره المتفردة والمنطوية بأنه على صواب تام وأن أفكاره- التي تلقاها من مجتمعه الضيق المعرفة - لا تشوبها شائبة، مثل هذا الاسلوب يظهر للفرد بالشكل الذي لا غبار عليه، لكن في الحقيقة أن المبادئ والمنهج الذي يسير عليه هو مخالف للطبيعة الانسانية كالجماعات الارهابية مثلا، إذ أن الدوغمائية وجدت في مجتمعات تعاني من رداءة المستوى التعليمي وقلة الانشطة التنموية التي تزيد من أتساع مدارك الفكر الانساني، فالدوغما تتكيف مع هذه البيئات، لذلك فهي لا تراعي الجانب الفكري والعلمي في محاولة توجيه النقد وتشخيص مواقع الخطأ لديها، والفهم الذي يمتلكه الدوغمائي هو فهم لا يعتمد الأُسس العلمية ولا الرؤية النقدية لمعرفة الحقيقة، بل المنهجية المغلقة والجمود الفكري والانغلاق المعرفي والاتّباع الاعمى للأفكار المضللة .
2. الحافــــز : إن جل ما يتعصب من أجله الدوغمائي هو ضرب مبادئه الانطباعية التي نما عليها ونشأت معه طوال عمره، تظهر هذه العصبية عندما يحاول أحدهم التحاور معه ويكشف له عن أفكار وآراء جديدة معاصرة، عندها يبدأ الدوغمائي برفضها وتسقيطها عشوائياً، الحالة التي زرعت بداخله عنصرين يواجه بهما كل من يحاول الاقتراب منه هما (الحافز و الثقة) الحافز الذي يتولد جراء وجود الجماعة التي تتبع هذا الفكر والتي تخلق الحافز لديه، لأنه كل ما لديه جاء عن طريق التحفيز، وهنا يسال سائل هل ان التحفيز عنصر مذموم او هو عنصر مرفوض في تلقي المعرفة؟ لا ليس كذلك، وانما التحفيز والتشجيع لتلقي المعرفة والتعلم هو امر ضروري ومحبب، لكن في الحالات التي ينتفع منها الانسان وليس في الامور التي تجعل منه بوق ينفخ فيه لرفع الاصوات النكرة والمزعجة، هنا تظهر نتيجة ذلك التحفيز الذي يرفض فكر الاخر وعدم الانصات الى من يختلف عنه في الايدولوجية، والثقة تجاه هذا الجمود العقلي الممتد مع حياته، هذا العنصر الذي جعله متمسكا بما عنده من أفكار ويعتقد بصحتها ويظن انه على حق ومن يخالفه على باطل، وأن كل ما يحصل معه نتيجة الثقة المشؤمة المتغلغلة بداخله، في هذا الحال يكون عند المناقشات - التي تتحول في ما بعد الى جدل محتدم - صعب الانخراط في الحديث وتداول المعلومة التي يسمعها، على سبيل المثال لا الحصر نجد بعض الديانات متعصبة في معتقدها وتتشدد في فرض مبادئها وهي تنبذ الديانات الاخرى، كذلك نجد مثل هذه العصبية بين المذاهب نفسها في الدين ذاته، فالدوغمائية يطغى عليها التعصب الفكري والتشنج في تقابل وطرح الافكار المغايرة.
3. الــقـــــوة : هل يستوجب طرح الافكار بالقوة ؟ وما هي القوة التي يفرض بواسطتها رأيه؟ إن عملية التعلم والتعليم تعتمد بشكل اساس على الاسلوب والطريقة في إيصال المعلومة والفكرة التي يراد به إنارة العقل الانساني وانتشاله من ظلمات الوهم والجهالة، الا أن المنهج الدوغمائي عمله تسقيط كل ما يعارضه في الفكر والطريقة التي يسير عليها، وهو لا يكترث للمخلفات التي يتركها وراء ما أقدم عليه من سلوك أو فعل او قول، أي ان غايتها الوحيدة هي عدم كسر عصا القوة والمنهج الذي تتبعه، وهي تفتقر الى المرونة في الطرح والاصغاء الى الافكار الاخرى، والغريب في هذا المنهج انه يكوّن او يتعرّض الى صراعات مستمرة مع مناهج تخالفه في ما يطرحه من مبادئ وأفكار تخص المنهج الدوغمائي، والاغرب من هذا هو أن أغلب صراعاتها التي تشنها الدوغمائية مع منهج دوغمائي أخر، ويرجع سبب هذا الى الانغلاق التام عند طرفي الصراع الفكري، وسبل الصراع تختلف بإختلاف القوة المطلوبة، وهذه القوة المستخدمة هي اما سياسية او قوة اجتماعية كمجموعة أفراد تفرض هيمنتها على مجموعة صغيرة أقل منها قوة ووعي، أو قوة إقتصادية، اضافة الى هذا تحذر الاقتراب أو الاختلاط بالتجمعات التي لا تسلك منهجها وهي تتواجد عند من يوافقها الرأي والفكر الذي تحمله.
4. الحجة الواهية : هل يقر الفرد الدوغمائي بدوغمائيته ؟ إن من يقع تحت هذه التسمية لا يملك حجة عقلانية يمكن أن تقنع الاخر بمنهجه، والسبب راجع الى عدم تقبل الفرد الدوغمائي فكر الطرف الاخر، إذ تجد الدوغمائي معانداً وحتى معادياً عند المناقشات والمقابلات التي يتناول فيها موضوعا يخص الفكر الذي يعتنقه، إنه يتحسس من توجيه النقد لأتباعه ومحبيه إذ نلحظ ذلك من خلال رده على منتقديه دائم السعي الى التسخيف والاستخفاف بأقوال الاخرين، العلة ان صاحب هذا الفكر حتى وإن قدمت له الادلة التي تثبت عدم صحة ما لديه تجده ينفر من سماعها، والعجيب في الدوغمائي أنه لا يقتني المصادر المخالفة لفكره فمثلا تجد مكتبته - إن وجدت له مكتبة - تحتوي على الكتيبات التي تدعم فكره ومنهجه، ويحرّم على نفسه اقتناء كتب المخالفين له، فهو واثق بما لديه من عقيدة مصوراً ايها بالمنهج العظيم والسبيل الى النجاة إن ضعف حجته تجعله دائم الهرب من الاجابة على الاسئلة التي تطرح عليه، حتى أنه في المناسبات والتجمعات تجده منعزلاً مبتعداً عن مخالطة الاخرين، لكن لماذا لا يقرّ الشخص الدوغمائي بدوغمائيته ؟ لأنه لا يريد التنازل عن مبادئه التي يسير عليها، وبسبب نرجسيته وغروره أصبح منغلقاً على ذاته معدوم التطلع على غيره، ولو أقر وإعترف بدوغمائيته هذا يعني أنه إطلع وبحث على النظريات الفكرية الاخرى وتفتحت عقليته بعد أن كانت مؤصدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العربية ترصد الواقع المأساوي للاجئين السودانيين في تشاد


.. لحظة اعتقال فتاة فلسطينية من بلدة كفر مالك شرق رام الله




.. مفوض عام وكالة الأونروا يحذر من مجاعة بعد تردي الأوضاع في غز


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - مفوض عام الأونروا يحذر من أن المج




.. اعتقال رئيسة وكالة مكافحة الفساد في الجبل الأسود بتهم تتعلق