الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات ( 257) قوة المعلومة في القرآن الكريم

بشير الوندي

2021 / 2 / 24
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات ( 257)
قوة المعلومة في القرآن الكريم
------------
مدخل
------------
من المؤكد ان المال والمعلومة – او القدرة والمعلومة - يعطيان معاً قوة لمن يمتلكها , فقوة المعلومة تتيح لك السيطرة على من هو مدار المعلومة , فبالرغم من ان حقل الاستخبارات هو ليس حقلاً دينياً , الا ان من المفيد التأكيد على ان الله سبحانه تعالى قد مكن انبياءه واولياءه الصالحين من التفوق بسلاح المعلومة التي تعد مدار ومحور وغاية العمل الاستخباري , وسنتناول في هذا المبحث جوانب من قوة المعلومة وادارتها , كما يشير اليها القرآن الكريم.
------------------------------
اهمية ادارة المعلومات
------------------------------
ان من يملك المعلومات يمتلك القرار , على مبدأ المربع الذهبي (انظر صح , لتفكر صح , لتقرر صح , لتنفذ صح ) , وهناك مبدا استخباري - قديم حديث - يقول ان الاصل في الاستخبارات هو جمع المعلومات , ولكن الاهم من الجمع هو كيف تستفيد من المعلومات التي تجمعها , ان على رجل الاستخبارات ادارة المعلومة بشكل صحيح لتحويل المعلومات الى بيانات واحصاءات وارقام ومخرجات , لتتحول الى معرفة يتخذ قراراته وفقها , فعندما تمتلك المعرفة , عليك ادارتها بشكل صحيح لتحقيق مبدا القوة والتفوق , وهذا هو لب الحكمة .
ان ما يجعل الدول الكبرى والاستخبارات الدولية متحكمه بمصير الشعوب ليست دباباتها وطائراتها وماكناتها الحربية , وانما تفوقها في مجال تحصيل المعلومات لمعرفة النهايات والنتائج وحسن استخدام المعلومات وبياناتها ونتائجها المعرفية التي جعلت الاستخبارات الدولية تخطط بشكل صحيح.
-------------------------------------------
ادارة المعلومة في القرآن الكريم
-------------------------------------------
هنالك في القرآن موارد كثيرة في ادارة المعلومات تجعل القارىء يقف في حيرة من تعدد مجالات استخدام المعلومات وتنوعها , ونورد هنا بعضاً من كيفية ادارة المعلومة في القرآن الكريم , وكما يلي :
1- المعلومة للتفوق
ففي سورة البقرة يقول جل جلاله : "وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ"
"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ"
ان الاشارات فيما سبق , هي معلومات لتأهيل آدم عليه السلام ولتأهيل الملائكة لفهم عظمة ماخلقه الله سبحانه , فرغم انه حديث عن الخلق , لكنه زود آدم بمعلومات , كي يتفوق بها على الملائكة وابليس كما انه درس للملائكة لتعي احقية آدم بالسجود من خلاله لعظمة الخالق , لانه اصبح يمتلك مالايمتلكونه , والدرس الأبلغ هنا ان الله سبحانه اعطى البشرية درساً من ان البشر – متمثلين بآدم – لديهم ماليس لدى ابليس , وهو الايمان وماكنة العقل والضمير , وهي اسلحة تغلق الطريق امام اغواءآت ابليس .
2- معلومات موقوتة :
قال تعالى " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ"
تشير الآيات الى معلومات اعطاها الله سبحانه سابقاً للنبي الكريم , ثم امره بالاعلان عنها في الوقت المناسب , اي انه مبلّغ بها سابقاً , وأتى الأمر بإعلانها الآن مما يشير الى حكمته في اختيار الوقت المناسب الذي تتوافر فيه الحماية الاستخبارية , فادارة المعلومة هنا لغرض تحقيق الهدف كما ورد في كتاب الله , ففي آية "التبليغ" تحديد وتوقيت واعلان المعلومة بعد عملية تأمين النبي "والله يعصمك من الناس" , اي اختيار الوقت المناسب , رغم انها منزّلة سابقاً بدلالة "بلغ ما انزل اليك".
وفي مثال آخر في سورة القيامة "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)" يشير الباري لنبيه الكريم ان لا ينطق بالمعلومة ويستعجل , فنحن نعطيك الاوامر والمعلومات بمراحل , اي الاذن بالافصاح , فالنبي يعرف المعلومة ولكن اذن الافصاح يتم بحسب الظروف التي يحددها الله سبحانه , اي انه سبحانه وتعالى يتيح المعلومات لرسله لكنه يحدد التوقيت المناسب لإطلاقها , فلاتصلح اية معلومة للإعلان في اي وقت , فالتوقيت مهم لاسيما بعد تهيئة مقدمات التأمين لمطلق المعلومة , وهو واضح في سورة طه(46) " قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ " .
4- المعلومة كعلامة ساعة الصفر :
في سورة هود (40) يقول تعالى "حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ " , هنا نلاحظ انه سبحانه يستخدم المعلومة – العلامة - لتحديد لساعة الصفر , فعلامة ساعة الصفر هي فوران التنور كمعلومة سرية للانطلاق بتنفيذ الواجب.
5- المعلومة لإتقان الواجب :
قال تعالى في سورة الكهف (68) "وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا" , وهي اشارة الى صعوبة تكليف الشخص بمهمة من دون الاحاطة بخلفياتها , وهو امر يتكرر كثيراً في الجهد الاستخباري , اي ان النبي موسى رغم انه عارف بمنزلة معلمه ونفذ الاوامر , لكنه يعترض لانه لا يعلم الحكمة وراء مايحدث , فالمعلومات التي امتلكها الرجل الصالح جعلته معلمآ لنبي الله موسى.
وهو امر يتكرر في سورة النمل كما في الاية (40) ومابعدها : "قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ " , فالمفضل للتكليف بالواجب هو من عنده علم واحاطة بما يفعله , فيمتلك القدرة بسبب علمه , اي ان عليك في عالم الاستخبارات ان تتيقن من شروط التكليف للمهمة .
5- الاختصاص الإلهي بالمعلومة :
قال تعالى في سورة الكهف :"سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا" (22 الكهف)
وفي سورة المائدة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ" (101) المائدة
وقال تعالى في سورة الاسراء " قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا " الاسراء (85)
وكذا في سورة الانفال "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" (60) الانفال , نلاحظ ان الله سبحانه يشير الى عدو اخر لايعلمونه والله يعلمه وهو كفيل بحمايتهم منه وضمان انتصارهم عليه .
ونلاحظ في نماذج الآيات السابقة ان هنالك معلومات لامجال لإطلاع البشر عليها لأسباب لايعلم حكمتها سواه ولاينازعه احد فيها , سواء بدت لنا مهمة او هامشية , اي ان المعلومة بقدر وتوقيت , فإن كانت بغير ذلك قد تضركم .
6- معلومات قوتها في كتمانها :
قال تعالى في سورة محمد عن المنافقين "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول" (محمد:30) ,وهنا لاحظ ان الله سبحانه اعلم الرسول باسماء بعض المنافقين بأسمائهم او بمفاتيح يستطيع كشفهم بها , ورغم ان الرسول لم يعلن الاسماء للملأ , الا ان ادراك المنافقين بمعرفة الرسول بهم اربكهم وشل تحركاتهم , وهنا تكمن قوة المعلومة في جانبين , الاول في تحذيره مما يحيكونه , والثانية ان ادراك المنافقين بأنه يعرفهم كفيل بتحديد حركتهم .
ومثال آخر على ذلك ماجاء في سورة يوسف " لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا" (يوسف 12) فإن المعلومة هنا مخصوصة للكتمان لضمان آمان نبي الله يوسف .
ويتكرر ذات المعنى في سورة القصص "وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" القصص 28 , فهنا تكون قوة المعلومة في كتمانها لضمان الأمان.
ولايختلف الامر في سورة الانفال " إذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْيُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيرُ الْمَـاكِرِينَ" سورة الأنفال(30) , وهنا تتبين روعه ادارة المعلومة في القرآن الكريم , فرغم انه القادر على كل شيء , نلاحظ ان "يمكر الله" يعني ان يتلاعب بهم من خلال ادارة المعلومات مع نبيه , وهو جهد استخباري رائع لتحقيق الهدف.
7- معلومات تحتاج لتحليل :
قال تعالى في سورة النساء "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا" النساء �﴾
وهي اشارة واضحة الى تحليل المعلومة الامنية , فبعد ان يتم اغناء المعلومة تتم دراستها للتأكد من صدقها وامكانية حدوثها ،حيث يتم في هذه المرحلة اعتماد مبادئ تفكيك وتركيب المعلومة وربطها مع معلومات اخرى وتشخيص كافة الاوليات المحيطة بالمعلومة للتأكد من اهميتها , فالتحليل هو غربال للمعلومة مع الاخذ بنظر الاعتبار الزمان والمكان والدوافع (انظر الامن المفقود ص 188).
-------------
خلاصة
-------------
ان قوة المعلومة ليست في ذاتها وانما في طريقة ادارتها واستخدامها والسيطرة عليها , فقد تكون القوة في اطلاقها او في حصرها , وفي كتمانها او في الاخبار عنها , والواقع ان الاحاطة بادارة المعلومة في القرآن الكريم يحتاج الى بحث موسع , فالله سبحانه تعالى تناول المعلومات لأغراض لاحصر لها منها معلومة للتثبيت او للتاهيل ومعلومة لوحدة الصف وللتهديد والوعيد واخرى للتحليل وللاستعداد واحياناً للانذار ولرباطة الجاش وللتبيين وللحذر وللكتمان , وغير ذلك من الاغراض , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار