الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثروت عكاشة … أسطورةٌ مصريةٌ خالدة

فاطمة ناعوت

2021 / 2 / 24
سيرة ذاتية


Facebook: @NaootOfficial

لا يتصوّرُ المرءُ كيف كان يمكنُ أن يكونَ الوجهُ الثقافيّ والفنيّ الراهنُ في مصرَ لولا هذا الرجل! نحتفلُ هذا العام بمئوية مصري عظيم منح لوطنه وجهًا حضاريًّا عصريًّا يليقُ باسمها العريق: مصر. كان الخالدُ الرائد د. ثروت عكاشة موسوعةً بشرية حيّة تسيرُ على قدمين. مثقّفٌ "جشتالتيّ" "Gestalt؛ بالمعنى الألماني للكلمة، كما وصفه شقيقُه العظيم د. أحمد عكاشة، بروفسور الطب النفسي، حيث إدراك الكليّات الشمولية، وعدم الوقوع في فخّ الجزئيات، بالإضافة إلى الاستبصار المستقبلي للواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي في مصر بعد إعلان الجمهورية الأولى إثر ثورة يوليو 1952، ما جعله يؤسّس مع أواخر خمسينيات القرن الماضي مجموعة هائلة من الصروح الثقافية والفنية المصرية، التي منحت مصرَ وجهَها المشرق العصري. من بين ما دشّن ذلك العظيمُ تجربةُ "الثقافة الجماهيرية"، التي غدت: "الهيئة العامة لقصور الثقافة"، والتي أفرخت مئات من بيوت وقصور الثقافة في جميع أنحاء مصر، ولعبت دورًا تاريخيًّا في نشر الثقافة والمعرفة في القرى والنجوع المصرية. أنشأ كذلك المجلس الأعلى للثقافة، وأكاديمية الفنون بما تضمُّ من معاهدَ متخصصة في: المسرح، الكونسرفتوار، الباليه، الموسيقى العربية، السينما، الفنون الشعبية، النقد الفني. وكذلك دشّن المجلس الأعلى للثقافة، والهيئة العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية، وأوركسترا القاهرة السيمفوني، وفرق الموسيقى العربية، ومسرح العرائس، والسيرك القومي، ومسرح سيد درويش، عطفًا على مجموعة من المتاحف المصرية، وكذلك معجزة مصر اليومية: "الصوت والضوء". ويعود إليه الفضلُ في إنقاذ معبديْ فيلة وأبي سمبل وآثار النوبة؛ من الضياع أثناء بناء السد العالي؛ بعدما قام بحملات دولية موسعّة لاستحثاث المؤسسات العالمية الثقافية للمساهمة في الحفاظ على تلك الكنوز المصرية الخالدة. لهذا قالت عنه وزيرة الثقافة الفنانة د. إيناس عبد الدايم إنه "فارسُ الثقافة " التي يمثّل الوجه الجميل لمصر والعبقرية الاستثنائية التي أعادت صياغة وجدان المصريين، إذ أدرك أهمية الإبداع والتنوير في إحياء الحضارة المصرية المعاصرة.
افتتحت وزارةُ الثقافة المصرية سلسلة احتفالات بمئوية الأسطورة المصرية "ثروت عكاشة" أول أمس "بدولة الأوبرا المصرية" على موسيقى "ريتشارد ڤاجنر"، الذي عشقه ثروت عكاشة وألّف عنه كتابًا مهمًّا بعنوان: "مولعٌ بـ ڤاجنر". بقيادة المايسترو الكبير "أحمد الصعيدي" عزف "أوركسترا القاهرة السيمفوني" مجموعةً منتقاه من خوالد ڤاجنر، من بينها المقطوعةُ المحفورة في ذاكرة كلِّ عشّاق العالم الذين توّجوا عشقَهم بالزواج: "مارش الزفاف”.
وبالحق كان "ثروت عكاشة" مثقفًا موسوعيًّا من حيث الدراسة والملكات الشخصية. فقد حصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية، ثم ماچستير الصحافة ودكتوراه في الآداب من جامعة السوربون. وعمل ملحقًا عسكريًّا للسفارة المصرية في باريس وبون ومدريد، وسفيرًا لمصر في روما، وخاض حرب فلسطين عام 1948، وكان أول وزير ثقافة مصري عام 1958، ثم مساعدًا لرئيس الجمهورية للشؤون الثقافية، وأستاذًا زائرًا بعدد من جامعات العالم، وزميلا بالأكاديمية الملكية البريطانية، وحصل على الميدالية الذهبية من اليونسكو لجهوده المشهودة في إنقاذ آثار مصر، وغيرها من الجوائز العالمية والمحلية العديدة. وبالإضافة لملكاته العسكرية والأدبية اللافتة، كان له باعٌ في العمارة والفنون؛ فألّف موسوعات: “تاريخ الفن: العيُن تسمعُ والأذنُ ترى"، “الفن المصري القديم”، “الإغريق بين الأسطورة والإبداع”، "الفن البيزنطي"، “الفن العراقي”، “الفن الفارسي”، "فنون العصور الوسطى"، "فنون عصر النهضة"، وغيرها من أمهات الكتب تلك التي تحكي تطور العمارة والفنون من سكّان الكهوف مرورًا بالعصور الوسطى، والفن الإسلامي، وحتى عصر الرينيسانس الأوروبي وصولاً إلى فنون القرن الثامن عشر. وكان له في مجال اللغات والترجمات إسهاماتٌ جذرية كوّنت معيننا الثقافي. فبفضل ترجماته المدهشة تعرفنا على إبداعات "جبران" و"أوفيد" و"ثورن سميث"، و"هنري لنك"، وغيرهم من أدباء ومفكري العالم.
شكرًا وزارة الثقافة وشكرًا لرئيس دار الأوبرا الفنان د. "مجدي صابر" على هذا الافتتاح الباذخ، وتلك الليلة الساحرة بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية. ونعدُ أنفسَنا بشهور ثرية قادمة تمتد خلالها الاحتفالاتُُ بمئوية عظيم مصر "ثروت عكاشة" حتى نهاية 2021 في مكتبة الإسكندرية والمجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة. شكرًا للكلمات الفاتنة التي قالها كلٌّ من د. مصطفى الفقي ود. أحمد عكاشة ود. إيناس عبدالدايم، عن أسطورة مصر: ثروت عكاشة، الذي لولا ما أسّس من صروح ثقافية وفنية هائلة في مصر منذ خمسينيات القرن الماضي، لما كان لمصر هذا الوجه المشرق ثقافيًّا وفكريًّا وفنيًّا وأثريًّا. شكرًا يا مصرُ لأنك تنجبين عباقرةً خالدين. وأشعرُ الآن بالخجل من كلماتي القليلة في حقّ مَن يستحق مجلداتٍ ضخمةً؛ لن توفيه حقّه. “الدينُ لله والوطن لبُناة وجه الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر