الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيم اجنبية تحتل شارع -آخرنون- في وسط أثينا

عبد السلام الزغيبي

2021 / 2 / 24
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


يبدو شارع "آخرنون" في العاصمة اليونانية أثينا الذي يمتد على مسافة خمسة كيلومترات طويلاً٬ لكنه أقصر بكثير للسائرين بعدما تراصفت على جانبيه محال يملكها ويديرها مهاجرون من آسيويين وعرب٬ وفدوا إلى اليونان٬ تبيع كل شيء: هواتف محمولة مستعملة٬ مراكز إتصال مع البلاد البعيدة٬ بقالة ، تحويل أموال٬ مطاعم قلاقل وشاروما٬ صالونات حلاقة٬ بضائع رخيصة معروضة بصورة عشوائية٬ محال خياطة أو ترقيعها بعد أن ترك الزمن أثاره الشاخصة عليها.
بالمقابل لا يزال أهل البلاد من اليونانيين يضعون أيديهم على ما تبقى من مهن يحتضنها الشارع: مقاه، مكاتب الجنائزات، تصليح الأقفال والمفاتيح، محال لبيع الخمور٬ وأخرى للمكسرات، عيادات البصريات، ستوديوهات التصوير الفوتوغرافي، محطات الوقود، مطاعم، ساحات خاصة لوقوف السيارات٬ وصيدليات. وهي مهن من الصعوبة أن يتنافس فيها الأجنبي مع اليوناني في سوح الشارع.
آخرنون" ويبدو للذهنية العربية ان الاسم هو لحرف النون الأخير"
٬ لكنه استمد تسميته من بطل أسطوري إغريقي٬ وله أنشد المغني ستاميتس كوكوتاس أغنيته "شارع آخرنون" الذي يشير فيها إلى بيوت المتعة الرخيصة التي تعلق على أبوابها ضوءاً أحمر للدلالة٬ مركزاً على معاناة بنات تلك البيوت اللواتي يبيعن أجسادهن٬ المكتويات بالفواجع٬ أمام سهو ولا مبالاة الآخرين الباحثين عن متعهم الذاتية.

الشارع الذي يبدأ من ساحة" فاثيس" مروراً بعدد كبير من الأحياء والطرق الفرعية٬ وصولاً إلى " نيو خالكيذونا". فهو يتوسط مركز المدينة وطريقاً يصل بكل الجهات٬ ولرخص منازله٬ اتخذه الأجانب الذين وفدوا إلى اليونان خلال العقدين الأخيرين٬ مستقراً لهم٬ لهذا لامسه التغيير بعدما غلفوه بعاداتهم وسلوكهم وطبيعية علاقتهم.
جذب الشارع في العقود الماضية٬ الطبقة الوسطى٬ وبعض العوائل الثرية٬ وهذا ما يمكن ملاحظته من المنازل القديمة التي لا تزال ماثلة٬ مشيرة إلى العز الذي عاشته ماضياً.
حاضراً لم يعد مكاناً لذلك العز الغارب٬ فروائح الشرق وتوابله اكتسحت المكان٬ في حيت تعرض المحال بضاعتها الرخيصة بطريقة تشير علناً إلى ضعف الانتماء للمكان٬ وثمة أمثال عربية كثيرة تزدري المكان الذي لا يعرفك أحد فيه٬ ويمكنك أن تمارس حريتك غير المشروطة في سوحه.
في تجوالي في "شارع آخرنون" شاهدت ما تركته الهزة المالية التي عصفت في اليونان٬ كذلك آثار فايروس كوفيد. هنا تلاحظ الكثير من النتائج المدمرة التي فرضت على اليونان: أكشاك مغلقة، نواد ليلية هجرها الساهرون، حانات أوصدت أبوابها، كازينوهات ومسارح خاوية بعدما كانت ذات زمن عامرة بزبائنها.
في المساء، ومع حلول خيوط العتمة الظلام، تدب الحياة في الشارع بعد إجازة نهارية. في الليل تبدأ الحياة تسري في جسد الشارع٬ حيث تمتلئ مقاهي الشيشة٬ فيما يقف أمام مطاعم الشاورما والفلافل زبائن بانتظار طلباتهم، وثمة حشد من المارة على جانبيه. تتكرر المشاهد في "آيوس باندليمنو" و"كاتو باتيسيا" وغيرها من ميادين يواصل الشارع امتداده عبرها٬ لتمنحه شهيق الحياة بعد إجازة نهارية قصيرة.
يشارك الغجر الروم حشود اللاجئين في "شارع آخرنون"٬ حيث وجدوا متسعاً لبيع الفاكهة والخضروات التي يشترونها من مزارع بعيدة بسعر رخيص ليبيعوها في زوايا الشارع ما يوفر لهم هامشاً من الربح.
ورغم البضائع العروضة على أرصفة الشارع٬ إلا أن هناك بضاعة مخفية يحتويها الشارع٬ إذ ينتشر المهربون الذين يبيعون وعود السفر إلى شمال أوروبا٬ أمل أغلب اللاجئين الباحثين عن مستقر بعدما ضاقت بهم أوطانهم.
تتوزع على الشارع صالونات حلاقة يديرها عراقيون ومغاربة٬ موسيقى وأغان شرقية لجذب الزبائن من أبناء جلدتهم٬ ولتحريض الذاكرة عن وطن بعيد لا يزال يعيش في قلوبهم. أغان تحمل الكثير من لوعة الحب والفراق.
في موقف الحافلة خلال انتظاري اقترب مني طفلان صغيران٬ لبناني وعراقي٬ على ما يبدو٬ عرضا عليً سجائر أجنبية مهربة رخيصة الثمن قياساً للسعر الرسمي. أخفيا علب السجائر في جيوب داخلية بملابسهما. قلت لهما: أنا لا أدخن٬ غادرا بحثاً عن زبون محتمل آخر.

قيمة الإيجارات في "شارع آخرنون" كانت رخيصة٬ نتيجة اكتضاضه٬ ولكن مع هجمة اللاجئين واحتلاله٬ شهدت إيجارات المنازل والمحال صعوداً ملحوظاً٬ بالمقابل انتعاش الشارع كان فرصة ذهبية لهيئة التامينات الاجتماعية "الايكا" ومصلحة الكهرباء والبلدية من قيمة الخدمات التي يدفعها هؤلاء الأجانب الذين منحوا الشارع فرصة الحياة بعد أن كاد الأوكسجين عن ينقطع عن رئيته.

في "شارع آخرنون" الذي يتوسط العاصمة اليونانية تسمع عبارات وجمل عربية وباكستانية وأخرى بنغالية٬ وسحنات تحمل سمات تلك لدول٬ وقيم مرتبطة هناك..حتى تشعر أنك ليس في أوروبا أبداً٬ بل في تلك البلاد البعيدة بكل تفاصيل الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي