الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجليات الصورة الشعرية في قصيدة - محاولة لإكمال صورتي الفوتغرافية - للشاعر العراقي البابلي جبار الكواز

غانم عمران المعموري

2021 / 2 / 24
الادب والفن


دأب الكواز إلى التجديد وكشف بواطن الجمال لإمكانياته البلاغية ونهلة للمعارف وفنون الشعر منذ نعومة أظافره إلى خلق كل ما هو حداثوي ومواكبة التطورات التي طرأت على قصيدة النثر لإمتلاكه البصمة الخاصة به وقدرته في تشكيل ونسج البناء الشعري المُعاصر وخروجه من المألوف والتقليدي إلى نوع خاص ثوري فني قائم على ادراك كل ما يُحيط به يلتقط بعين عالم عارف فاهمٍ للوجود والإبداع لكل جميل والقفز الزمني إلى التجديد والإبتكار وتجاوز كل ما هو قديم بقوة معرفية تجعل من صناعة المعنى وعمق الدلالة سلاحاً قاطعاً لكل رواسب العبىء التقليدي الثقيل لذا كانت عتبة قصيدته " محاولة لإكمال صورتي الفوتغرافية "
عنواناً دلالياً واقعياً مؤثراً على المتلقي من خلال التجديدية في عنونة طويلة تُساهم بشكل فعال في بيان نفسية النص وتُعد انطلاقه لمعرفة سيكولوجية الناص وارهاصاته والتمظهرات الداخلية القابعة في روحه الحالمة للتتجلى قصدية الشاعرمن خلال إيحاءات وصورة شعرية تُمثل ذلك الإشعاع الفطروي الباطني الممتزج مع تجربة واعية رصينة على سطور بيضاء..
" بما يضيفه العنوان التجديدي المتناغم مع القصيدة, فإنه يعين الكاتب ويساعده على الكتابة بلا تكلف ويرسل كلماته من أجل اختراق القلوب بجمالها منذ الوقوف على عتبة النصّ بتقريرية خالية من رمزيات معقدة يصح أن يُطلق عليها السهل الممتنع " 1.
وإني أرى العنونة هي الوهّج البصري الأول الّذي يستثير مُخيّلة القارىء ويوقظ شعوره من السبات إلى الحيّوية المفعمة بالتفكير والتأويل والتحليل ليّكون انطباعه الأولي على ما يُّمكن أن ترد عليه تفاصيل القصيدة وما تتضمنه من دلالات ومعاني واستعارات وانزياحات وتضادات..
"والعنوان بوصفه عنصرا بنيويا سيميائيا يقوم بوظيفة الإشارة إلى الشّخصية المحورية في الّنص وتحديد وظائفها وصفاتها بصورة مكثفة موحية بدلالات مقتضية، و هذه الشّخصية هي الشّخصية الدينامية أو الشّخصية التّي تدور حولها الأحداث منذ البداية حتى النّهاية، فهو الحامل لفكر الرّوائي أو lلذّي يدعو إليه الأديب أوالأدب المعبّر عن معطيات الواقع الذّي يودّ الأديب الاقتراب منها قصد الإفصاح عن انتمائه الحقيقي" 2.
جمع الكواز في قصيدته بأسلوب بلاغي فني باللغة التي يحترف أدواتها بين الإبهار والتشويق وجمالية الانزياح وعذوبة الكلمات وانفتاح الدلالة على صور شعرية متعددة.
ابتدأت بوصف رائع :

بقليل من ازيز الطائرات
وبمسحوق ظلام صارخ في دفتر الاتهام
سأمسح ما تبقى من ملامحي –
امتاز أسلوب الشاعر بحدس تخييلي وقوة رؤياوية تمكنه من العبور إلى غير المألوف وفك قيود الكلمات وتحريرها من الجمود إلى الحيوية ابتدأ الناص مطلع قصيدته بالنفور واستهجان الواقع الّذي أفنى حياته بكل تواضع وطيب وعفوية بمجتمع اختلفت تقاليده الأصيلة وتَدَنّة القيّم الأخلاقية والانسانية كل ذلك خلق ثورة تمرد والتي كان لها الأثر الانعكاسي على الناص فسالت حروفه ألماً وحزناً لينتقل بنا الشاعرلماذا يُريد أن يمحي ما تبقى من ملامحه؟ وكيف ؟ كان جوابه ( انفي العراقي الذي انتزعته من انكيدو حين زرت قبره /
عيناي اللتان تغشاها وهم المعلقات بذهب الفقراء /
فمي الذي الجمه الخوف في سبع سنبلات وسبع بقرات /
رأسي المثقوب – لأعترف الآن – البايولوجي الذي عاينه في
المختبر اكد انني بعيد عن الارمن بميلين من الحب / رقبتي
التي اتحسسها كلما رأيت أمي تنشر اغطيتنا على حبل
الغسيل / قدماي اللتان ما تحركتا منذ قرون نكاية بأسد بابل /
يداي باصابعهما التي احترفت اللهو بلعبة الشعر فكادها
الشريف الرضي بمراثيه العلوية / اذناي استعارهما هولاكو ليستمع إلى زئير دجلة وهو يرفل بالدم الازرق / الكرسي الذي جالسني سنوات بلا شكوى / كتبي التي صارت وليمة لاصدقائي باعة الكتب في سوق المتنبي / حديقة منزلي التي تحاكم البرحية على شتاء اخرس / الدفلى التي تطاردها افراس النبي وهي تسبح للفجر/ هنَّ او لأعلن (هي) اللوامة بخطى الاولاد والزمن / بقايا كؤوس لن يشرب التراب فيها
تيزاب هموم العشب )
لجأ الشاعر إلى البُعد المثيولوجي لشخصية أنكيدو الّتي تمتاز بالطيب والشهامة والإنسانية التي يتحلى بها الفرد العراقي هروباً من الواقع المرير الذي طفت فيه كل فقاعة واستولى على نواصيه القردة والخنازير ويستمر في وصف المأساة الحقيقية التي هيمنت على كل مقدرات البلد وتقييد حرية الفكر والتعبير وقد تكون هذه الأسطورة او تلك وسيلة للتعبير عن النوازع النفسية الباطنية وما يُحيط به من خلجات اجتماعية خاصة أو عامة تتعلق بالمجتمع الذي يعيش فيه وهي تمثل صرخة واعية ناضجة للتعبير عن التوق الإنساني الشديد والقالب المناسب لذلك التعبير لكن ببصمة خاصة تجديدية وليس راكداً في هيئته ومفاهيمة القديمة وإنما يخلق من الأسطورة مَركبة متطورة يسبح فيها بين الأفلاك للإمساك بكل ما هو مُعاصر..
لذلك أصبحت هذه الفكرة او الاسطورة من أهم احداث القصيدة الحديثة التي عبأ الشاعر فيها هواجسه وآراؤه وأفكاره و تجربته الشعرية ابتداءً من مستواها الذاتي إلى المستوى الارقى لينقل بوا سطتها الواقع الإنساني في هذا العصر بصورة عامة, بهاجس سردي متسلسل ومستمر في خلق قطعة شعرية منفتحة إلى صور متعددة غير منغلقة على نفسها ممتزجاً بأسلوبه الفني بين الماضي والأسطوري من جهة وبين الحاضر والمستقبل للقفز إلى كل ما هو تجديدي ..
بقوله :
فمي الذي الجمه الخوف في سبع سنبلات وسبع بقرات /
لجأ الشاعرإلى التّناص القرآني من سورة يوسف وعن طريق التّناص يتّعامل مع نصه بصورة مفتوحة وتمنحه حرية التنقل والقفز على غير المألوف لفسح المجال لمُخيلة المتلقي بالتأمل والتفكير لكشف ما وراء النص واثارة فضوله، دفعه إلى ممارسة التخيل والتّحليل والتّأويل، وملء الفراغات البيضاء..
حيث أن الناص ربط بأسلوب بلاغي وبتركيز بين سِنيّ الدكتاتورية المقيته وبين سِنيّ الديمقراطية المُزيفة في انعدام حرية التعبير والقتل على الهوية والمُهاترات الدموية التي راح ضحيتها الكثير من أبناء الشعب الواحد, لكن الشاعر أحدث ضَجّة فكرية مراوغة بين الفهم والتأويل وتحفيز مُخيلة المتلقي للبحث ما بين السطور حيث أن الصياغة بالصورة الشعرية المبنية على التمويّه تُبين معنى بلاغي مُختلف عن ظاهر المقطع الشعري حيث أن الشاعر حقيقةً لم يلجمه الخوف أبداً في كل سنين اليسر والعسر والشدة والرخاء لأن الشعر كان قرين حياته منذ طفولته يعيش معه في نومه ويقظته, يسير معه في المدن والطرقات في المقاهي والمنتديات, بمفرده أو مع جماعة من الناس, يتحدث بكلام شعري وينصح ويحلم, يُحاوره ويشكو له همومه وهموم شعبه, هو واقعه ومصيره, حياته وهواءه, قدره, بصمته التي لم تأتِ بسهولة وإنما عن صراع أزلي بين موهبة تُلهمَه ولغة تتجديدية تتصاعد مع ثوران لغوي حقيقي قائم على التجربة الواعية وكشف الواقع بمنظار التجديد والخلق لكل ماهو مبتكر مبنياً على قاعدة متينة ورصينة أساسها اللغة لذلك فإن فمه لم يلجمه أحد وإنما بقي يلهج بالحق ضد الباطل ..

(... انني بعيد عن الأرمن بميلين من الحب )
يُذكرنا الشاعر بالتفاته ذكيّة إلى المجزرة الجماعية التي طالت الشعب الأرميني على يد الأتراك وخلفت لهم الدمار والويلات وكما ذكرت كانت صورته الشعرية ما بين السطور تُبين عكس ذلك أي أنه بكل حواسه وكيانه قريب من هموم الأرمن ومتتبع لمشاكلهم بقلب يتسع للكل فهو يعيش الضمير العربي الإنساني الشريف بكل جوارحه وأحاسيسه وهو ليس ببعيد عمّا يدور في الساحة العربية ..
نرى الشاعر قد استعمل لغة الجسد كما في ( عيناي, فمي, رأسي, رقبتي, قدماي, يداي , أصابعهما, اذناي )
اشارةً بأن كل جوارحه تعيّ هذا العالم الذي يحيط به فإنه بعينيه يرى وبأذنيه يسمع ويتلمس بأصابعه لذلك كانت كتابته عبارة عن حَركية دينامية من ذاته الخاصة انطلاقاً وانعكاساً إلى النص بحسٍّ فني واعٍ وبصورة شعرية تم تشكيلها بخزين لغوي واعادة استعمال للتاريخ الانساني والشخصيات العربية والاساطير والمواقع الأثرية كما في ( أنكيدو, الأرمن, هولاكو, الشريف الرضي, أسد بابل, سوق المتنبي, افراس النبي...) لتكون تلك الأسطرة ستاراً ضامراً خلف ألفاظها انزياحات فنية نحوية قادرة على استيعاب التحولات الاجتماعية والنفسية عِبْرَ تنقلاتها من مرحلة الماضي إلى الحاضر لكشف المخفي والإنطلاق إلى عالم مثالي يُحلق فيه بجناحي حمامة بيضاء للارتقاء إلى النقاء والعفوية ، فيبني الشاعر عالمه الخاص به والذي يملأ عليه فراغات من ذاته المكبوتة. وقد طفق الشاعر المعاصر نتيجة لهذه المتغيرات السياسية والأحداث المأساوية التي شهدها العصر الحديث يتلمس او يتفهم المقومات القادرة على الإفصاح عن رؤيته الإنسانية الشاملة إلى أبناء وطنه او انسانيته وقد تكون هذه الأسطورة او تلك الشخصيات خير وسيلة للتعبير عن النوازع النفسية والحوافز الداخلية عنده او تعبر عن نفسية الاخرين . ربما جاءت تعبيراً عن التوق الإنساني الشديد وشكله الخيالي المناسب لهذا التعبير لذلك أصبحت هذه الفكرة او الاسطورة من أهم احداث القصيدة الحديثة التي عبأ الشاعر فيها هواجسه وآراءَه وأفكاره و تجربته الشعرية بدءً من مستواها الذاتي إلى المستوى الارقى ..
ثم ينتقل الشاعر إلى الأنا والخطاب الشعري المنولوجي كما في :
حين نظرت إلى ما حولي ........
ثمة نثارمن اصحاب خونة وشعراء مرد وكثيرين ممن علمتهم
الرماية حتى ثقبوا عينيَّ بحسدهم وهجوني بقوس غيرتهم
حاولت أن ارمم صورتي الاخيرة في مرآتي المتشظاة بالهلع
والموت / لم أجد الآك واقفة ومتحزمة تلقطين ما تساقط, من
ملامحي لتحيي فيها المصور الشمسي الميت بعد الف لقطة ولقطة
فمن أنت ايتها الواقفة جنب بقاياي ؟ ! لتنيري اصابع الوقت
في صورتي الاخيرة دونما خيلاء أو خوف ..
يثير الناص مسألة الخيانة التي عانى منها وهي واحدة من أبشع الصِّفات وأقبحها ولا سيما اذا كانت سائده في الوسط الفني المثقف حتى قال عنها الامام علي بن أبي طالب : من ضيع الأمانة ورضي بالخيانة فقد تبرأ من الديانة , وعن تشي جيفارا : لا شيء أسوء من خيانة القلم .. فالرصاص الغادر قد يقتل أفراداً .. بينما القلم الخائن قد يقتل أمماً..
يشير الناص إلى الدور الكبير الذي لعبه في ترميم وتشذيب شعر وقصائد المستجدين من الشعراء الشباب والذي أطلق عليهم ( شعراء مرد ) ومقابلتهم له بنكران الجميل بتعبير انزياحي جميل كما في ( ثقبوا عينيّ بحسدهم) وهجروني بقوس غيرتهم ) لخلق صورة شعرية منفتحة ومتشظية لعدد من الصور البلاغية التجديدية حتى يصل إلى التحدي للدنيا الفانية بقوله " فمن أنت ايتها الواقفة جنب بقاياي ؟ ! لتنيري اصابع الوقت
في صورتي الاخيرة دونما خيلاء أو خوف "
وكأن لسان حاله يقول كما قال الإمام علي (ع) " إليك عني يا دنيا, غرِّي غيري, أ إليَّ تعرضت أم إليَّ تشوقت ؟ هيهات هيهات ! فإنيّ قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ؛ فعمرك قصير وخطرك كبير, وعيشك حقير"..
قصيدة الكواز قطعة شعرية بلاغية بالغة المعاني لَعَليِّ وصلت في مقاربتي النقدية إلى النص الموازي ... أتمنى له المزيد من التقدم في كل المجالات .
وإليكم القصيدة : محاولة لإكمال صورتي الفوتغرافية
بقليل من ازيز الطائرات
وبمسحوق ظلام صارخ في دفتر الاتهام
سأمسح ما تبقى من ملامحي –
( انفي العراقي الذي انتزعته من انكيدو حين زرت قبره /
عيناي اللتان تغشاها وهم المعلقات بذهب الفقراء /
فمي الذي الجمه الخوف في سبع سنبلات وسبع بقرات /
رأسي المثقوب – لأعترف الآن – البايولوجي الذي عاينه في
المختبر اكد انني بعيد عن الارمن بميلين من الحب / رقبتي
التي اتحسسها كلما رأيت أمي تنشر اغطيتنا على حبل
الغسيل / قدماي اللتان ما تحركتا منذ قرون نكاية بأسد بابل /
يداي باصابعهما التي احترفت اللهو بلعبة الشعر فكادها
الشريف الرضي بمراثيه العلوية / اذناي استعارهما هولاكو ليستمع إلى زئير دجلة وهو يرفل بالدم الازرق / الكرسي الذي جالسني سنوات بلا شكوى / كتبي التي صارت وليمة لاصدقائي باعة الكتب في سوق المتنبي / حديقة منزلي التي تحاكم البرحية على شتاء اخرس / الدفلى التي تطاردها افراس النبي وهي تسبح للفجر/ هنَّ او لأعلن (هي) اللوامة بخطى الاولاد والزمن / بقايا كؤوس لن يشرب التراب فيها
تيزاب هموم العشب )
حين نظرت إلى ما حولي ........
ثمة نثارمن اصحاب خونة وشعراء مرد وكثيرين ممن علمتهم
الرماية حتى ثقبوا عينيَّ بحسدهم وهجوني بقوس غيرتهم
حاولت أن ارمم صورتي الاخيرة في مرآتي المتشظاة بالهلع
والموت / لم أجد الآك واقفة ومتحزمة تلقطين ما تساقط, من
ملامحي لتحيي فيها المصور الشمسي الميت بعد الف لقطة ولقطة
فمن أنت ايتها الواقفة جنب بقاياي ؟ ! لتنيري اصابع الوقت
في صورتي الاخيرة دونما خيلاء أو خوف ..







المصادر
1- سعد الساعدي – نظرية التحليل والارتقاء – مدرسة النقد التجديدية – دار المتن للنشر والتوزيع , 2020, ص 163.
2- إبراهيم عباس، تقنيات البنية السّردية في الرواية المغاربية ، منشورات المؤسسة الوطنية للاتّصال الجزائري، 2002، ص 158 ،157.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة