الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنهج و المقاربة ، الشيوعيّة كعلم - مقتطف من كتاب - الشيوعية الجديدة - لبوب أفاكيان

شادي الشماوي

2021 / 2 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


المنهج و المقاربة ، الشيوعيّة كعلم
- مقتطف من كتاب - الشيوعية الجديدة - لبوب أفاكيان
---------------------------------------------------------------
الماويّة : نظريّة و ممارسة

عدد 38 / أكتوبر 2020
شادي الشماوي
الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي

تأليف بوب أفاكيان

http://www.bannedthought.net/USA/RCP/Avakian/Avakian-TheNewCommunism-Searchable.pdf

)This is not an official translation ( ملاحظة : هذه الترجمة ليست رسميّة /
[ الكتاب برمّته متوفّر للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن – نسخة بى دى أف]
-------------------------------------------------------
مقدّمة المترجم :

حينما صدر كتاب بوب أفاكيان " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " سنة 2015 ، أسرعنا إلى الإطّلاع على مضامينه المذهلة و إتّخذنا للتوّ قرار تعريبه في أقرب وقت ممكن إلاّ أنّنا واجهنا معضلة ليست بالهيّنة ما نفتأ نصطدم بها ألا وهي معضلة الأولويّات و قدر الوقت الذى نملك لتخصيصه للإشتغال على هذا الكتاب أو ذاك أو هذه المقالة أو مجموعة المقالات أو تلك ، و بالفعل إضطررنا إضطرارا إلى تأجيل تحقيق مشروع التعريب هذا مبجّلين أعمالا أخرى لها أهمّيتها القصوى هي الأخرى . و مع ذلك ، حتّى بعد ترجمتنا و نشرنا لكتاب آخر أصغر حجما لبوب أفاكيان صدر سنة 2019 و نقصد " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " ، لم تفارقنا قناعة ضرورة تعريف القرّاء باللغة العربيّة على هذا المصنّف ( " الشيوعية الجديدة ..." ) ذلك أنّنا نشاطر دار النشر بشيكاغو ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، إنسايت براس ، www.insight-press.com، إعتبارها الكتاب في تقديمها له " مَخبَرا للخلاصة الجديدة للشيوعيّة التي طوّرها بوب أفاكيان " و تأكيدها أنّه " مستفزّ للتفكير " و " يتحدّى الأفكار المنمّطة و التفكير التقليدي " . و من ثمّة ما برحنا لمدّة طويلة ، كلّما توفّرت و لو فسحة صغيرة من الوقت ، نقضم من جبل صفحات فصول ذلك الكتاب الأربعة ما نقدر على قضمه ترجمة مراكمين ، مع تصرّم الزمن ، ما يسّر تاليا الإنكباب على إتمام العمل برمّته في غضون أسابيع بدلا من أشهر .
و بما أنّ شغلنا الشاغل في إختيار الأعمال التي نترجم هو دفع النقاش و الجدال صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة عامة و العربيّة خاصة على أساس علمي و الغاية هي إنشاء حركة ثوريّة تغيّر العالم من منظور بروليتاري شيوعي ثوريّ ؛ و بما أنّ كتاب بوب أفاكيان من شأنه ، إن تمّ التعاطى معه علميّا و جدّيا ، أن يحرّك المياه الراكدة التي تخدم التحريفيّة و هيمنتها على الحركة الشيوعيّة العربيّة و العالميّة و بالتالى تخدم أعداء الشيوعية و تحرير الإنسانيّة ، سعينا جهدنا إلى إضافة هذا الكتاب الجديد إلى سلسلة الكتب السابقة التي تُعنى بأمّهات القضايا التاريخيّة و الآنيّة و المستقبليّة للحركة الشيوعية العالمية ، الإيديولوجيّة منها والسياسيّة. و عليه ، نؤكّد على أنّ هذا الكتاب الجديد ، على فرادته و تميّزه ، مكمّل و متمّم لسلسلة كتب و مقالات عرّبناها و نشرناها منذ سنوات تتمحور حول الصراع المحتدم بشأن الخلاصة الجديدة للشيوعية / الشيوعية الجديدة ، و منها للذكر لا الحصر المؤلّفات التالى ذكرها ( علما و أنّ جميع أعمال شادي الشماوي متوفّرة للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن ) :
- المعرفة الأساسيّة لخطّ الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ( الكتاب عدد 9 من " الماوية : نظرية و ممارسة " )
- " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " ( مشروع مسودّة ) " ( ضمن الكتاب عدد 10 ).
- " الماويّة تنقسم إلى إثنين " ( الكتاب 13)
- " مقال " ضد الأفاكيانية " و الردود عليه ". ( الكتاب 15 )
- من ردود أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعيّة على مقال " ضد الأفاكيانيّة " لآجيث ( الكتاب 18)
- "عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية
تحدّث قادة من الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة " ( الكتاب 25 )
و كتابان لبوب أفاكيان نفسه :
- " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ( الكتاب 16)
- " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة "(الكتاب 36).

و للتعريف بالمؤلِّف ، أوردت دار النشر نصّا قصيرا وثّقته في نهاية الكتاب و بتفحّصنا لهذا النصّ و مقارنته بنصوص إعترضتنا آنفا أدركنا أنّه يتعتمد أساسا على وثيقة كنّا ترجمنا و نشرنا فقرات منها في الكتاب الأخير لبوب أفاكيان أي " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " فآثرنا أن نعيد نشر الفقرات المعرّبة من مقال " بوب أفاكيان – السيرة الذاتيّة الرسميّة " الصادر عن معهد بوب أفاكيان ، www.thebobavakianinstitute.org
لنلحقه مجدّدا بمقال " النشاط السياسي لبوب أفاكيان و قيادته الثوريّة خلال ستينات القرن العشرين و سبعيناته و تواصلهما اليوم " في كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " و مقال " سيرة مختصرة " مستقاة أساسا من سيرة بوب أفاكيان الذاتيّة " من إيكي إلى ماو و بعده ، مسيرتى من الفكر الأمريكي السائد إلى شيوعي ثوري " أوردناه في كتاب " عن بوب أفاكيان وأهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية تحدّث قادة من الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ". و هذه الفقرات هي :
"... بوب أفاكيان مهندس إطار نظري جديد لتحرير الإنسانيّة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، المشار إليه بصيغة شعبيّة ب " الشيوعية الجديدة " . و هدف الشيوعية الجديدة هو الثورة الكلّية – أكبر ثورة جذريّة في تاريخ الإنسانيّة غايتها ليس أقلّ من تجاوز كلّ أشكال الإضطهاد و الإستغلال عبر العالم قاطبة ، مجتمع حيث يمكن للإنسانيّة أن تزدهر حقّا . و تستند الخلاصة الجديدة إلى أكثر من أربعين سنة من العمل الثوري أنجزه بوب أفاكيان محلّلا نقديّا و مستخلصا الدروس و العبر من التجربة و النظريّة الثوريّتين السابقتين ، و من مروحة واسعة من النشاط و الفكر الإنسانيين . إنّها إستمرار للنظريّة الشيوعيّة كما تطوّرت قبلا لكنّها تمثّل أيضا قفزة نوعيّة تجاوزت و في بعض الجوانب الهامة قطعت معها . وهي توفّر قاعدة – علم و إستراتيجيا و قيادة – ثورة فعليّة و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي .
و بوب أفاكيان مؤلّف " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " الذى يعدّ تطبيقا ملهما للخلاصة الجديدة للشيوعيّة . و هذا الدستور الذى تبنّته اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة ، مروع لمجتمع إشتراكي جديد ، بداية من اليوم الأوّل لفترة إنتقاليّة طويلة الأمد تؤدّى إلى عالم خالى من الطبقات و الإختلافات الطبقيّة ، عالم خالى من الإضطهاد و الإنقسامات و التناحرات المدمّرة في صفوف البشر ...
و المركزي في الخلاصة الجديدة للشيوعية لبوب افاكيان هو منهجها و مقاربتها العلميين الشاملين و الصريحين . " تمثّل الخلاصة الجديدة و تجسّد حلاّ نوعيّا للتناقض الحيوي الذى وُجد صلب الشيوعية فى تطوّرها إلى هذه اللحظة ، بين منهجها و مقاربتها العلميّين جوهريّا من جهة و مظاهر من الشيوعية مضت ضد ذلك . " [ ستّة قرارات صادرة عن اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة -1 جانفى 2016 ]
و يوفّر هذا التقدّم النوعي في المقاربة العلميّة للقيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة أساس و نقطة إنطلاق مرحلة جديدة من الثورة الشيوعية التي يحتاجها العالم بصورة ملحّة اليوم . و المنهج و المقاربة العلميين للخلاصة الجديدة عنصر مفتاح في إختراقاتها النظريّة التي تشتمل على : تعميق فهم الأمميّة ؛ و تطوير نظرات ثاقبة جديدة للمقاربة الإستراتيجيّة للثورة ، التي تكشف الإمكانيّة الفعليّة للقيام بالثورة ، حتّى في بلد كالولايات المتّحدة ؛ و تعيد صياغة كيفيّة التقدّم في النضال في سبيل إنشاء مجتمع جديد راديكاليّا – و تحرّريّ حقّا ...
و لم تكن الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، خاصة مقدّماتها الأساسيّة القائلة بأنّ الشيوعية علم ، محور خلاف و نزاع فحسب و إنّما كان بوب أفاكيان ذاته " مسألة خلافيّة " . فهناك البعض ، بمن فيهم مدافعون عن النظام الإضطهادي الراهن في العالم و موظّفوه و فارضوه ، الذين يمقتون بوب أفاكيان و يشيطنونه بالأساس للقيادة الثوريّة التي يمثّلها و التي يقدّمها . بيد أنّ عديد الآخرين ، حتّى الذين لهم إختلافات سياسيّة مع بوب أفاكيان ، يكنّون عميق الإحترام له و لما يقف في سبيله – قطيعة جذريّة مع عالم يطفح بالإضطهاد و العذاب غير الضروريين – و لتكريسه حياته للتقدّم بالثورة و تحرير الإنسانيّة . و الذين يقرّون بالدلالة العميقة للخلاصة الجديدة للشيوعيّة يعتبرون بوب أفاكيان بمثاب ماركس هذا العصر : قائد فذّ و نادر غيّرت مساهماته النظريّة نوعيّا و تقدّمت بعلم الشيوعية و عبّدت الطريق لموجة جديدة من الثورات الشيوعيّة التحريريّة الحقيقيّة عبر العالم ...
ظهور جماهيري :
منذ 2003 ، ظهر بوب أفاكيان في عديد المناسبات الجماهيريّة و شبه الجماهيريّة .
ففي 2003 ، أطلق شريط خطاب لبوب افاكيان ألقاه أمام الحضور في مدينتي نيويورك و لوس أنجلاس ، " الثورة : لماذا هي ضروريّة ، لماذا هي ممكنة و ما الذى تشمله ، شريط خطاب لبوب أفاكيان ".
و مع نهاية 2012 ، ألقى بوب أفاكيان سلسلة من الخطابات في عدّة مدن جاءت حصيلتها شريط " بوب أفاكيان يتكلّم : الثورة – لا شيء أقلّ من ذلك ! بوب أفاكيان على المباشر " .
و في 15 نوفمبر 2014 ، شهد 1900 شخصا حوارا تاريخيّا في كنيسة ريفرسايد بمدينة نيويورك بين كورنال واست و بوب أفاكيان ، و كان عنوانه " الثورة و الدين : النضال من أجل التحرير و دور الدين "...
و في أكتوبر 2017 ، في منعرج مفصلي حينما كان نظام ترامب / بانس يحاول توطيد الفاشيّة ، أطلق شريط خطاب لبوب أفاكيان عنوانه " يجب على نظام ترامب / بانس أن يرحل ! بإسم الإنسانيّة نرفض القبول بأمريكا فاشيّة - عالم أفضل ممكن "... "

و كتمهيد و تعريف اوّلي بالمسألة المركزيّة في هذا الكتاب ، نقترح عليكم تعريفا مقتضبا للخلاصة الجديدة للشيوعية / الشيوعية الجديدة صاغه بوب أفاكيان ذاته :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتّساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى و مواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية ، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيء مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
القيام بالثورة و تحرير الإنسانية ، الجزء الأوّل – جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007

و تجدر الإشارة إلى أنّ رحلة دراسة هذا الكتاب دراسة جدّية علميّة نقديّة رحلة شيّقة لا محالة و ممتعة أيضا بالنسبة للباحثين و الباحثات عن كثب و بإستمرار عن الحقيقة و الساعين و الساعيات بحيويّة و تصميم لتغيير العالم و ليس تفسيره فحسب غير أنّ هذه الرحلة قد تكون عسيرة نوعا ما بالنسبة لمن لم يعتادوا الخوض في المسائل النظريّة المثارة هنا لذلك ندعوكم إلى التحلّى بسعة الصدر و إعتماد القراءة المتأنّية و المتمعّنة التي لا تستبعد التوقّف و إعادة القراءة إن إقتضى الأمر لإستيعاب أفضل لمضمون القضيّة المعالجة ، كما ندعوكم إلى التسلّح بالفكر النقديّ فلا تبخلوا علينا و على مؤلّف الكتاب عينه بملاحظاتكم النقديّة التي نرجو أن تتوخّى النقد العلمي و الملموس الذى تنادى به الماركسيّة و تشجّع عليه ، علّنا نستفيد من مضامين الكتاب و من نقدها كذلك ، هذا النقد الذى قد يساهم في تطوير النقاش و الجدال اللازمين بحثا عن الحقيقة التي هي وحدها الثوريّة .
و هكذا بعد ما قيل هنا ، بات الطريق معبّدا للغوص فى عالم محاضرات تعرض الشيوعيّة الجديدة بمنهجها و مقاربتها و بفهمها للإشتراكية و الشيوعيّة و طريق تحرير الإنسانيّة ، و بإستراتيجيا الثورة مطبّقة على بلد إمبريالي هو الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، و بالقيادة التي نحتاج لتوجيه الشعب و إرشاده في صنع التاريخ و تغيير العالم تغييرا شيوعيّا ثوريّا بهدف إنشاء عالم أفضل بكثير ، عالم شيوعي خال من كافة أصناف الإضطهاد و الإستغلال ترغب الإنسانيّة جمعاء في العيش فيه و الإزدهار في أحضانه .

و محتويات الكتاب 38 ، فضلا عن مقدّمة المرتجم :

مقدّمة و توجّه
- ضحايا الخداع و خداع الذات
الجزء الأوّل : المنهج و المقاربة ، الشيوعيّة كعلم
- الماديّة مقابل المثاليّة
- الماديّة الجدليّة
- عبر أيّ نمط إغنتاج
- التناقضات الأساسيّة و ديناميكيّة الرأسماليّة
- الخلاصة الجديدة للشيوعيّة
- أسس الثورة
- الأبستيمولوجيا و الأخلاق ، الحقيقة الموضوعيّة و هراء النسبيّة
- الذات و المقاربة " الإستهلاكيّة " للأفكار
- حول ماذا ستتمحور حياتك ؟ - رفع رؤى الناس
الجزء الثاني : الإشتراكيّة و التقدّم نحو الشيوعيّة : يمكن أن يكون العالم مختلفا جذريّا ، طريق التحرير الحقيقيّ
- " الكلّ الأربعة "
- تجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي
- الإشتراكية كنظام إقتصادي و نظام سياسي – و مرحلة إنتقاليّة إلى الشيوعيّة
- الأمميّة
- الوفرة و الثورة و التقدّم نحو الشيوعيّة - فهم ماديّ جدليّ
- أهمّية " نقطة مظلّة الطيران " - حتّى الآن و أكثر حتّى مع ثورة فعليّة
- دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا - اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة على أساس اللبّ الصلب
- محرّرو الإنسانيّة
الجزء الثالث : المقاربة الإستراتيجيّة لثورة فعليّة
- مقاربة إستراتيجيّة شاملة
- التسريع بينما ننتظر
- قوى الثورة
- فصل الحركة الشيوعيّة عن الحركة العمّاليّة ، و القوى المحرّكة للثورة
- التحرّر القوميّ و الثورة البروليتاريّة
- الأهمّية الإستراتيجيّة للنضال من أجل تحرير النساء
- الجبهة المتّحدة في ظلّ قيادة البروليتاريا
- الشباب و الطلبة و الأنتلجنسيا
- الصراع ضد أنماط التفكير البرجوازيّة الصغيرة بينما نحافظ على التوجّه الإستراتيجي الصحيح
- " الإثنان تحقيق أقصى قدر "
- " أوقفوا الخمسة "
- العامودان الفقريّان
- العودة إلى " بصدد إمكانيّة الثورة "
- الأمميّة – الإنهزاميّة الثوريّة
- الأمميّة و البُعدُ العالميّ
- الأمميّة – التقدّم بطريقة أخرى
- نشر الإستراتيجيا في صفوف الشعب
- توجّه جوهريّ
الجزء الرابع () : القيادة التي نحتاج
- الدور الحيويّ للقيادة
- نواة قياديّة من المثقّفين – والتناقضات التي تنطوى عليها
- نوع آخر من " الهرم "
- الثورة الثقافيّة صلب الحزب الشيوعي الثوري
- حاجة الشيوعيّين إلى أن يكونوا شيوعيّين
- علاقة عدائيّة جوهريّة – و تبعات ذلك الحيويّة
- تعزيز الحزب – نوعيّا و كمّيا أيضا
- أشكال التنظيم الثوريّ - و " الأوهايو "
- رجال دولة و قادة إستراتيجيّين
- مناهج القيادة و العلم و " فنّ " القيادة
- العمل خلفا إنطلاقا من " بصدد إمكانيّة الثورة "- تطبيق آخر ل" اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة على أساس اللبّ الصلب "
الملاحق :

الملحق الأوّل : الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة – خطوط عريضة
الملحق الثاني : إطار و خطوط عامة للدراسة و النقاش
--------------------------
الملاحق 3 و4 و5 من إقتراح المرتجم
الملحق الثالث : " بصدد إمكانيّة الثورة "
الملحق الرابع : مزيد من الأفكار عن " بصدد إمكانية الثورة "
الملحق الخامس : " بصدد إستراتيجيا الثورة "
----------------------------
الهوامش
المراجع و المصادر
تعريف بمؤلّف الكتاب
----------------------------------------------------------------------------------------------------------

فهارس كتب شادي الشماوي

=================================================================

الجزء الأوّل
المنهج و المقاربة ، الشيوعيّة كعلم

و للتوغّل في الموضوع ، دعونا ننطلق مع بعض الأسئلة الجوهريّة و الأساسيّة :
1- هل أنّ العالم حاليّا فظيع بالنسبة لجماهير الإنسانيّة ؟
2- هل أنّ الثورة و الهدف النهائي لعالم شيوعي ، هو الوسيلة الضروريّة للتغيير الراديكالي لكلّ هذا من أجل القضاء على الإضطهاد و الإستغلال و نهب البيئة ؟
3- هل يمكن لمثل هذه الثورة عمليّا أن تنجح ، هل يمكن حقّا إنشاء مجتمع و عالم مغايرين جذريّا و تحرّريّين ؟
هذه أسئلة ثلاثة كبرى . و أتصوّر أنّه بوسعنا جميعا أن نسرد " الأجوبة الصحيحة " على هذه الأسئلة الثلاثة : أجلو أجل و أجل . و فحوى هذه الإجابات - الأسباب الكامنة وراء كون هذه هي بالفعل الأجوبة - جميعها تمّ توضيحه بحيويّة في . خطاباتى و كتاباتى و بطريقة مستمرّة عبر موقع الأنترنت و جريدة " الثورة " revcom. us
لكن هنا نحتاج إلى التركيز على هذا السؤال :
كيف و بأيّ منهج نتوصّل إلى هذه الأجوبة – بالفكر الديني و مجرّد تكرار الدوغما أم بوسائل أخرى ؟ و ما هي المقاربة التي نتوخّى لفهم الأشياء بوجه عام ؟ و لهذا صلة وثيقة بالأبستيمولوجيا – نظريّة المعرفة و كيف يحصل الناس على المعرفة و كيف يعرفون إن كان شيئا صحيحا أم لا و إن كانت له صلة بالواقع أم لا . بكلمات أخرى ، أسئلة مثل : ما هي الحقيقة ؟ هل توجد حقيقة موضوعيّة – إعتقدتم ذلك أم لم تعتقدوا هذا سؤال يناقش بحدّة في المجتمع – هل يُوجد واقع موضوعي و هل بوسعنا معرفته و كيف نمضى إلى معرفة الحقيقة بشأن الواقع ؟ لن نبلغ ما نحتاج بلوغه دون منهج و مقاربة صحيحين و علميين لمعرفة العالم كما هو حقّا و كما هو يتحرّك و يتبدّل. و لن نبلغ أبدا ما نحتاج بلوغه دون تحدّى ما يفكّر فيه الناس و حسب بل حتّى أكثر جوهريّة ، كيف يفكّرون – و كيف " يقاربون العالم ".
علم الشيوعيّة – الشيوعيّة كعلم – هذا شيء كثيرا ما نصادفه حولنا . إلاّ أنّ هذه المسألة ، الشيوعيّة كعلم – إن كانت الشيوعية فعلا علما ، إن كانت تلبّى و تنسحب عليها معايير العلم و مناهجه وإن كان بإمكانها و إن كانت تحتاج إلى التطبيق على المجتمع و تغييره – كلّ هذا يتمّ النزاع حوله النزاع ليس في هذا المجتمع و العالم ككلّ و عام فحسب بل كذلك و بوجه خاص في صفوف عديد الذين يدّعون البحث عن نوع من التغيير " التقدّمي " أو الراديكالي و حتّى في صفوف عديد الذين يسمّون أنفسهم " شيوعيّين " و " ماويّين " و ما شابه. و كلّ هذا جرى الحديث عنه بطرق هامة جدّا في الحوار الصحفي مع أرديا سكايبرايك " العلم و الثورة : حول أهمّية العلم و تطبيقه على المجتمع ، و الخلاصة الجديدة للشيوعيّة و قيادة بوب أفاكيان " ، و كذلك مقال جدالى في مجلّة " تمايزات " عدد 4 ، " آجيث – صورة لبقايا الماضي " (11) . و هذه الأعمال تستحقّ نهائيّا العودة إليها و التعمّق فيها بصفة متكرّرة . و مرّة أخرى ، أتوقّع على الأقلّ عند هذا الحدّ ، أن يجيب الناس هنا ب " أجل " على سؤال إن كان الشيوعيّة علما ينبغي تطبيقه لتغيير الواقع و خاصة واقع المجتمع الإنسانيّ – على انّ هذا يحتاج الأمر إلى التساؤل و يتعيّن أن نسأل أنفسنا ، إن كان الناس قد فكّروا عمليّا بأنّ هذا صحيح قبل الآن و تصرّفوا في إنسجام صريح مع ذلك . لكن ، بدلا من البحث المباشر في هذا السؤال ، الآن بالذات ، لنتعمّق في بعض العناصر الأساسيّة للشيوعيّة كعلم .
و نستهلّ ذلك بسؤال أساسي : ما هو العلم ؟ و هذا أيضا تمّ الحديث عنه بشكل صريح و ملموس و شامل جدّا في الحوار الصحفي مع أرديا سكايبراك ، ووقع التشديد على أنّ العلم سيرورة قائمة على الأدلّة ( و في ذلك الحوار الصحفي ، يقال عدّة مرّات : لا يمكنك أن تقول لى ببساطة هذا الشيء أو ذاك ، قدّم لى الدليل ، أيد رؤية الدليل ). العلم سيرورة قائمة على الأدلّة تبحث في فهم الواقع – ليس فحسب سطح الظواهر و ما هو ظاهري مباشرة بل النماذج الأوسع و علاقات الأشياء الأعمق في العالم الحقيقي للواقع المادي – الأشياء كما هي فعلا و كما تتبدّل .
عوض مزيد التوغّل في هذا هنا لأنّه لدينا وقتا محدودا ، سأحيل الناس على جزء الحوار الصحفي لأرديا سكايبراك – و للحوار الصحفي ككلّ – الذى هو مرّة أخرى شيء يتعيّن نهائيّا العودة إليه و التعمّق فيه بصورة متكرّرة – لكن هنا ، لنتطرّق إلى هذه المسألة : نحن الشيوعيين عادة نقول إنّ المادية الجدليّة منهج و مقاربة علميّة تماما - في الواقع أكبر منهج و مقاربة علميّة و صريحة – لكن لماذا نقول ذلك ؟
الماديّة مقابل المثاليّة :
هنا نصل إلى الماديّة مقابل المثاليّة . و قبل كلّ شيء ، هناك سؤال : ما هي الماديّة ؟ الماديّة علاقة وثيقة و تتنبع من المنهج و المقاربة العلميين . فالماديّة تعنى أن مقاربتنا و بحثنا عن فهم العالم كما يوجد في الواقع موضوعيّا . إنّها تعنى أنّنا نفهم أن هناك واقع ماديّ و أنّ كلّ الواقع ، كلّ الوجود متكوّن من واقع مادي و لا شيء غير ذلك. و قد صاغ إنجلز الذى كان إلى جانب ماركس ، مؤسّسا للحركة الشيوعيّة ، نقطة في غابة الأهمّية بأنّه بالمعنى الجوهريّ هناك أساسا مدرستان متعارضتان في الفلسفة : مدرسة هي المثاليّة و أخرى هي الماديّة.
و علينا أن نفهم هذه المصطلحات ليس كما يستعملها عادة الناس في لغة الحياة اليوميّة بل فهما علميّا . فأحيانا كثيرة يستعمل الناس المثاليّة على نحو إيجابيّا : هذا شيء أو ذاك مثالي جدّا ، لديهم مُثل عليا ، بمعنى لديهم الكثير من المبادئ و ليسوا منغلقى الفكر أو أنانيّين أو شيئا من هذا القبيل . لكن بالمعنى الفلسفي ، المثاليّة ، مدرسة المثاليّة تعنى أنّنا نفكّر في أنّ الواقع هو إمتداد للأفكار – لهذا تسمّى مثاليّة (idealism)
- أفكار في ذهن الأفراد. فعلى سبيل المثال : " ربّما لا يوجد هذا بالنسبة إليك لكنّه موجود بالنسبة إليّ ". لا ! إن كان الإلاه موجود فهو موجود بالنسبة للجميع . هذا هو الشيء الذى علينا أن نقرّ به . إمّا أن هناك إلاه أو ليس هناك. ليس الإلاه نوعا من الأشياء التي يمكن ببساطة أن توجد في ذهن المرء - إلاّ إذا كان إلاهك الخاص إلاه صنعته للتوّ فيكون من اليسير التعاطى مع هذا . بيد أنّ مدرسة الفكر المثالي في الفلسفة تقول إنّ الواقع الذى نرتئيه إمتداد للأفكار – سواء كانت أفكار الأفراد أم أفكار ذهن كبير ، و هذه طريقة أخرى لقول ماذا ؟ إلاه. إذن ، طبيعيّا ، ليس بإمكاننا إختبار هذه الأفكار في الواقع لأنّ أساسها موجود في ذهن ما يُفترض أنّه إلاه أو فرد من البشر .و هذا خارج تماما عن الواقع – و فكرة وجود واقع متعدّد يرتهن بتفكير كلّ فرد أو أحاسيسه أو أفكاره إلخ أو بإلاه مفترض – شيء لا ينسجم تمام الإنسجام مع الواقع الفعلي . ( آه ، هناك مجدّدا مفهوم مخيف هو الواقع الموضوعي و الواقع الفعلي . نحن على حافة الكليانيّة / الشموليّة الآن ! ".
و سجّل إنجلز أيضا نقطة أنّ طريقة من طرق معرفتنا لهذا هي معرفة أنّ الواقع المادي موجود فعلا هي التمكّن من التفاعل معه – و ليست معرفته فحسب بل أيضا تغييره . و عندما نغيّره يتغيّر على النحو نفسه للجميع . قد يتفاعل الناس المختلفون بطرق مختلفة مع كيفيّة تغيّره أو قد تنتابهم مشاعر أو أفكار مختلفة بشأنه لكنّه يتغيّر موضوعيّا . هذه إذن هي مدرسة الفلسفة الماديّة كما أشار إليها إنجلز . تقول المدرسة الماديّة ، في تعارض مع المثاليّة ، إنّ العالم المادي موجود موضوعيّا بإستقلال عن أيّ فرد أو أيّ إلاه مفترض و أفكارهم و تفكيرهم. و إنّ ، الأفراد و تفكيرهم في الواقع يشهدان سيرورة للواقع المادي ذاته – أدمغة الناس و أنظمتهم العصبيّة إلخ – هذا ما ينشأ الأفكار. و الآن ، صحيح أنّنا لا نفهم كلّ شيء عن هذه الأعمال و لو أنّ المزيد تتمّ معرفته بإستمرار و في الوقت نفسه ، هناك صراع حول كيفيّة تأويل ما يقع تعلّمه في عديد الحالات . إلاّ أنّنا نعلم أنّ النظام العصبي للبشر و أدمغتهم واقع ماديّ فعليّ يشهد سيرورات ماديّة فعليّة و هذا ما تتشكّل منه الأفكار. و هذه الأفكار بدورها ، في آخر المطاف ، و بالمعنى الجوهري ، إنعكاس للواقع الموضوعي ، إنعكاس في الذهن لتفكير الشخص . يمكن أن تكون هذه الأفكار إنعكاسا صحيحا أو غير صحيح ، دقيق أو غير دقيق لكن هكذا هي في آخر المطاف؛ إنعكاس للواقع . هذا هو خطّ التمايز بين الماديّة و المثاليّة .
و مثلا ن صحيح أنّه في الفنّ و في الثقافة ، الأشياء المقدّمة عادة مختلفة عن الواقع المادي الفعلي . و هذا شيء جيّد . لن نرغب في رؤية فنّ يعكس فقط و دائما و ببساطة الواقع بالضبط مثلما هو . نريده مقدّما بطرق متباينة بما فيها عديد الطرق التي ليست متناغمة مع كيفيّة وجود الواقع عمليّا ، ما يلهمنا و يتحدّانا و يستفزّنا للتفكير ، بما في ذلك حول الواقع الفعلي. هذا هو دور الفنّ . لكن هذا الفنّ ، هذه الثقافة ، لا يزالان إنعكاسا للواقع المادي في آخر التحليل. هذه هي المادة الأوّليّة – الواقع الفعلي الموجود هو المادة الأوّليّة التي منها يُبنى الفنّ ، حتّى و إن شوّهه عمدا و حرفه بُغية تقديم الأشياء بطريقة متباينة . و نعود مجدّدا إلى خطّ التمايز الجوهري بين الفهم المادي و اللافهم المثالي لكيفيّة وجود الأشياء .
ما نقصده بالماديّة كمدرسة من المدرستين المتعارضتين في الفلسفة ، مغاير مجدّدا للطريقة التي عادة ما يُستخدم بها المصطلح في الحياة اليوميّة – فعلى سبيل المثال ، أحيانا ، كيف يستخدم رجال الدين هذا المصطلح أو كيف يستخدم في اللغة الشعبيّة – إذ هو يعنى شيئا من قبيل الفكر الإستهلاكي : " هذا الشخص ماديّ جدّا " يعنى أنّه يريد الخروج و الحصول على قسم من السلع الإستهلاكيّة ، وهو مهووس على الدوام بالتسوّق مقتنيا المزيد من ألعاب الفيديو أو الأحذية أو أيّ شيء آخر. و أحيانا ، تستخدم الماديّة من قبل متديّنين و آخرين للإحالة على الذين هم ضيّقو الأفق و وضيعين جدّا : إنّهم تافهون – لا يفكّرون في أشياء كبيرة ، إنّهم " ماديّون " جدّا بمعنى إرادة مجرّد التعاطى مع المدى الأضيق للأشياء ، و لا يهتمّون كثيرا للقضايا الفلسفيّة الكبرى أو القضايا " الروحيّة " إلخ . لكن بالمعنى العلمي ، بمعنى المدرستين الفلسفيّتين الأساسيّتين، تعنى الماديّة الإعتراف بالوجود الموضوعي للواقع المادي و بأنّ كلّ ما يوجد عمليّا متكوّن من واقع مادي ، في أشكال عديدة متنوّعة و أنّ هذا يشمل أدمغة الناس و أفكارهم .
و من جديد ، يقول الناس أحيانا أشياء مثل : " حسنا ، ربّما يوجد العالم موضوعيّا لكنّنا لا نعرفه عمليّا كما يوجد موضوعيّا، ليس بوسعنا سوى معرفته كما نلاحظه أو كما نبنيه في أذهاننا إعتمادا على تصوراتنا ". و قد أشار إنجلز إلى أنّ الفيلسوف البارز إيمنويل كانط مثال لذلك . بيد انّه دون الغوص في ذلك الآن بالذات ، المسألة هي مثلما أوضح إنجلز، أنّ الذين يحاججون على هذا النحو لا يزالون بعدُ في معسكر المثاليّة الوحيد الموجود لأنّه إن قلنا إنّنا لا نقدر حقّا على معرفة أيّ شيء عن الحقيقة خارج كيفيّة ملاحظتنا له أو كيف نبنيه في أذهاننا ، عندئذ نقول فعلا إنّ الواقع المادي الوحيد الموجود أو الاقع المادي الوحيد الذى يمكن أن نتأكّد منه ، هو الواقع المادي الذى نشاهده و كيف نلاحظه أو " نبنيه ". و كلّ هذا يساوى السقوط في مدرسة الفلسفة المثاليّة التي تقول إنّ الواقع موجود في أذهان الناس، أو في ذهن إلاه عظيم، و عندئذ كلّ شيء آخر إمتداد لذلك. و مجدّدا ، هذا هو خطّ التمايز الجوهري في كيفيّة مقاربتنا لفهم العالم و من ثمّة قدرتنا على تغييره . قد يبدو كما لو أنّنا نتحدّث عن تجريدات نظريّة غامضة لكنّى متأكّد أنّ جميع من يوجدون هنا في حيثهم مع الناس يتعرّضون إلى هذا الضرب من التفكير – طريقة التفكير المثاليّة – بكافة ألوانها المتنوّعة . تارة ، تجدونها في أطروحات متطوّرة جدّا و طورا ليست ضمن قذارات متطوّرة جدّا – من لدن بعض هؤلاء الأكاديميين. و تجدونها بالمعنى القاعدي للحياة اليوميّة لدى " أناس عاديّين". و مرّة أخرى ، " قد يكون هذا صحيحا بالنسبة لك ، لكّنه غير صحيح بالنسبة لى " أو " كيف يمكننا حقّا أن نقول ما الصحيح ؟ " أو " قد لا يكون الإلاه موجودا بالنسبة لك لكنّه موجود بالنسبة لى " – دون الإلاه ما كنت لأستطيع القيام بهذا أو ذاك ، ما كنت لأستطيع الإقلاع عن تعاطى المخدّرات ، لذا على أيّ حال ، الإلاه موجود بالنسبة لى". و قد إلتقيت أناسا قالوا لى حتّى " حسنا ، قد لا تؤمن بالإلاه لكنّى أعتقد أنّ الإلاه أرسلك إلى هنا للقيام بهذا ".
و ينتهى إلى مسامعنا هذا النوع من الأشياء بكافة أصناف الأشكال المتباينة طوال الوقت . و من المهمّ جدّا أن نقارب الأشياء مقاربة صحيحة و لكيف نتعاطى مع هذا و كيف نتصارع حول هذا مع الناس . و أقصد أنّنا لن نتوجّه إلى الجماهير الشعبيّة لنقول لها :" إسمعوا ، يجب أن تفهموا أنّ هناك مدرستين فلسفيّتين جوهريّا – فقد أشار إنجلز إلى ..." " ما الذى تتحدّث عنه ، يا له من هراء ؟! " لا ، يجب أن نشرح الأمر للناس – لا ينبغي أن نسطّحه إلاّ أنّه علينا أن نشرحه، علينا أن نجعله في متناول الناس . و في الوقت نفسه ، علينا أن نبقى راسخين بصلابة في الأسس هنا . و إلاّ سنخسر مواقفنا ، لن نقدر على النضال بطريقة جيّدة مع الناس فهم سيحدّدون جملة من الأشياء المختلفة الأصناف التي يرغبون في نقاشها و الصراع حولها معكم و علينا أن نعيد صياغة ما هي عليه عمليّا و إلاّ سنضيع في حلقة مفرغة . أعتقد أنّ كلّ شخص منّا قد عاش هذه التجربة في وقت أو آخر:
هذه هي الماديّة في تعارض مع المثاليّة ، مدرستان أساسيّتان : واحدة في إنسجام و في تناغم مع الأشياء كما هي فعلا و واحدة خارج الحدّ تماما ( مقلوبة رأسا على عقب ، إن شئتم ) في ما يتعلّق بالأشياء كما هي فعلا .
المادية الجدليّة :
و لا نتحدّث فقط عن الماديّة على أنّها نقطة هامة . فالعلم ، المنهج و المقاربة العلميين هو المادية الجدليّة . لماذا ؟ لأنّ الواقع ليس ثابتا . مثلما رأينا ذلك و مثلما أحلت على ذلك ، الواقع بإستمرار في سيرورة تحوّل. الواقع متكوّن من تناقضات – و سنتعمّق في هذا . و هذا يعنى الإقرار و التعاطى مع التناقض و الصراع بين الأشياء المتناقضة . الواقع متكوّن من أشياء ، كتعبير عن التناقض ، تتحرّك بإستمرار و متغيّر بشكل أو آخر : أحيانا هو تغيّر صغير نسبيّا و أحيانا هو قفزة كبيرة في كيفيّة تغيّر الأشياء من شيء إلى آخر. هناك كافة أنواع الطرق البسيطة و كذلك الأكثر تعقيدا التي يحصل فيها هذا . و من أمثلة الطرق البسيطة أن نغلّى الماء فترتفع حرارته و في النهاية يتحوّل إلى بخار. لكن ( و هذه نقطة هامة أيضا) : ليس الأمر مجرّد الماء ، الماء ، الماء – ثمّ فجأة يصبح بخار. إنّما هو يشهد تغيّرات أصغر نسبيّا ثم ّيقوم بقفزة ليصبح شيئا آخر. و يحدث هذا بكافة أنواع الطرق في الواقع . لذا ، إذا كانت لدينا مقاربة ماديّة فحسب ، سننتهى إلى أن نكون حتمييّن جدّا أي سنكتفى بالواقع المادي كما هو و لا نرى إمكانيّة التغيّر أو على ألقلّ لا نرى التغيّرات الكبرى لأنّنا نكون قد قمنا بنصف العمل لا غير ، إن أمكن القول . لقد رأينا الواقع المادي الفعلي هناك كما يوجد و إعترفنا بذلك و بأنّ كلّ ما يوجد واقع ماديّ و الحقيقة هي ما يتناسب مع الواقع المادي . لكنّنا لم نعترف بالتناقض ، بالحركة و التغيّر و بالتالى كلّ ما نقدر على رؤيته في أيّ زمن معطى هو ما هو عليه – نشاهد إمكانيّات ما يمكن أن يحدّد و يحصر في ما هو عليه بعدُ – ثمّ نصبح عبيدا لذلك ، ننحنى أمام ذلك نتقلّص إلى هذا لأنّنا لا نرى التناقضات ، ليس فقط هذه التناقضات التي هي أكثر بروزا بل التناقضات الأعمق التي تحرّك حقّا الأشياء و تحرّك التغيّرات و التي تنطوى على إمكانيّة التغيّر حتّى وهي تضع كذلك عراقيلا أمام هذا . هذا هو الصراع الذى علينا خوضه – إدراك أساس التغيّر و إحداث تغيير على قاعدة التناقضات صلب الواقع المادي و بالأخصّ التناقضات الأساسيّة المحرّكة الأعمق .
و بالتالى ، يجب أن نكون ماديّين جدليّين . كما يجب أن نبحث في و نعمل على فهم الأشياء كما هي عمليّا و هي تتحرّك و تتبدّل . و هذا يستدعى عملا . و سأقدّم بعض الأمثلة لذلك مع تقدّمنا في العرض. هذا يستدعى عملا و علينا أن نعمل . إذا أردنا القيام بثورة ، علينا أن نعمل ، أليس كذلك؟ إن كان الأمر يسيرا ، إذا كان من الممكن مجرّد العثور عليه فإنّ ذلك كان سيكون قد حدث منذ زمن بعيد لأنّ هناك الكير من الفظائع في العالم ، هناك الكثير من الأسباب ليرغب الناس في عالم مختلف. لكن هناك أيضا كافة أنواع الأشياء التي تدفعهم إلى الطرق الأخرى ، كافة أنواع التناقضات التي هم غارقون فيها. و عندئذ ، علينا العمل ، علينا أن نقوم بحفريّات بحثا عن التناقضات الأعمق . أجل ، يجب أن نقرّ بالتناقضات التي تظهر على السطح غير أنّه علينا الغوص بحثا عن التناقضات الأعمق ، التناقضات الكامنة ، التناقضات الدافعة للحركة . و يجرى هذا في إنسجام مع الواقع . و ليس الأمر أنّه من الأفضل أن لا نكون حتمييّن – " لنكن جدليّين لأنّه هكذا لن نون عبيدا للظروف الموضوعيّة ، سيكون ذلك أفضل كثيرا و سيكون لدينا شعور أفضل." لا . هذه هي الطريقة التي يوجد عليها الواقع فعلا . إنّه يوجد فعلا موضوعيّا و الحقيقة ، في الواقع ، تعنى أنّ أفكارنا إن كانت صحيحة تتناسب مع الواقع الموضوعي كما هو لكن أيضا كما هو يزخر بالتناقضات و يتحرّك و يتبدّل . و فقط إن حصلنا على هذين العنصرين و لخّصناهما تلخيصا صحيحا و فهمنا فهما عمليّا المظاهر المميّزة للواقع و علاقة هذا بالإطار الأشمل – فقط إن قمنا بذلك ، يمكننا إمتلاك مقاربة متّسقة و شاملة للواقع . طبعا ، هذا لا يعنى بالضرورة أنّنا نفهم كلّ شيء في زمن معيّن أو أنّنا نفهم ما نفهمه فهما تاما .لكن هذا هو المنهج و هذه هي المقاربة الوحيدين لبلوغ الواقع حقّا كما هو فعلا – و في الحقيقة كما هو يتحرّك و يتبدّل .
لهذه الأسباب نحتاج إلى أن نكون ماديّين جدليّين و ليس بسبب أنّ الأمر يتعلّق بدين لدينا . يعود هذا إلى أنّه يتناسب مع الواقع . و بالمناسبة ، الجدليّة التي تفتقد إلى الماديّة – يوجد منها الكثير أيضا في العالم . يتحدّث الناس عن التناقضات طوال الوقت لكنّهم يسبحون في الفضاء فتناقضاتهم لا أساس لها في الواقع الماديّ . سواء سمّوها تناقضا أم لم يسمّوها كذلك ، يتحدّث الناس عن التناقضات ، عن أشياء في نزاع طوال الوقت . لكن هل أنّ هذا متجذّر عمليّا في الواقع المادي أم هو أفكار في رؤوسهم هي التي تتناسب مع الواقع المادي ؟ نظرا لكون الطريقة التي ينظرون بها إلى العالم قد تأثّرت بطريقة التفكير المهيمنة التي يُروّج لها في المجتمع و التي تبخسه بدرجة كبيرة ليست طريقة علميّة .
إذن لا يعزى الأمر إلى أنّنا هذا يعجبنا أكثر أو لأنّنا شيوعيين و بالتالى من المفترض أن نكون ماديّين جدليّين . لا . إنّنا ماديّون جدليّون لأنّ هذا عمليّا هو المنهج و المقاربة الذين يتناسبان مع الطريقة التي عليها العالم ، و لأنّ هذا يوفّر لنا قاعدة فهم العالم و أجل تغييره وفقا لكيفيّة وجوده العملي و كيفيّة تحرّكه و تبدّله من خلال التناقض و الصراع .
عبر أيّ نمط إنتاج :
نقطة أخرى من الماديّة - الماديّة الجدليّة - أودّ العودة إليها و مزيد التعمّق فيها هنا هي نقطة تطرّقت لها في الكتاب المتكوّن من باقة من أبحاثى و مقالاتى و عنوانه " لنكسر القيود كلّها ! بوب أفاكيان حول تحرير النساء و الثورة الشوعيّة " (12). و الآن عليّ أن أضحك لأنّ ما من أحد لمس شيئا من تلك الباقة من المقالات ، على ألقلّ على حدّ علمي . هناك مقال فضمن تلك الباقة من المقالات ( لم يُنشر قبلا و نُشر الآن كمقال منفصل و كذلك كمقال من مقالات ذلك الكتاب ) ألا وهو" هل بوسع هذا النظام التخلّص من أو السير دون إضطهاد النساء ؟ - مسألة جوهريّة و مقاربة علميّة للإجابة " (13) . و عندما أقول إنّ ما من أحد لمس هذا أقصد أنّ هناك سلسلة من المسائل المثارة في ذلك المقال : إذا كنّا سنقول إنّ إضطهاد النساء يمكن التخلّص منه دون ثورة شيوعيّة – يمكن التخلّص منه في ظلّ النظام الراهن – عندئذ علينا أن نجيب على أسئلة أساسيّة جدّا من الصنف المشار إليه في ذلك المقال . و لم أضع تلك الأسئلة هناك لمجرّد إعتقادي أنّ ذلك سيكون ممتعا – إنّما فعلت ذلك عمليّا طارحا تحدّيا : دعونا نرى إن كان بوسع الناس الإتيان بطريقة للتخلّص من إضطهاد النساء في ظلّ النظام الراهن. و من جديد ، على الأقلّ على حدّ علمى ، لم يرفع أي أحد بعد هذا التحدّى . لكن على أي حال ، المسألة هي أنّ ما نحن بصدده ليس دينا . علينا أن نكون ماديّين ، ماديّين جدليّين . إن كان بوسع أحدهم أن يبيّن لنا أنّه من الممكن التخلّص من إضطهاد النساء في ظلّ هذا النظام ، بالتالى ستظلّ هناك أسباب كثيرة للتخلّص من هذا النظام غير أنّ ذلك لن يكون بلا أهمّية . و كي نكون واضحين ، لست لاأدريّا هنا : " آه ، لا نعلم ..." . لا ، أنا مقتنع بصلابة و على أساس علمي أنّ الإجابة على هذا السؤال هي أنّه من غير الممكن – لا يمكن التخلّص من إضطهاد النساء في ظلّ هذا النظام . و كانت الغاية من إثارة هذه الأسئلة في ذلك المقال محاولة إستفزاز الناس و إلهامهم لتبنّى منهج معيّن و للبحث الفعلي و سَبرُ الواقع كماديّين ، كماديين جدليّين بدلا من الإهتداء بالعقيدة مثل الدين ، أو فقط لأنّ شخصا يبدو عارفا لما يتحدّث عنه قال ذلك ، يجب أن يكون صحيحا ، ما سيجرّنا إلى جميع أنواع الإضطرابات طوال الوقت .
و إذا كنّا سنخرج إلى الناس و نكسب الجماهير الشعبيّة ، يجدر بنا أن نملك شيئا عن ما نتحدّث عنه . نخرج إلى الناس و نقول لهم : " علينا أن نناضل ضد إضطهاد النساء و علينا أن نقوم بثورة لأنّه ، ضمن أشياء أخرى ، لا يمكننا التخلّص من إضطهاد النساء في ظلّ هذا النظام ". و لكن ماذا لو صدر عن أحدهم سؤال " لماذا ؟ " ، أوه ، آه . ترون أنّ هذا ما أتحدّث عنه – مشكل التديّن . يجب أن نواصل العمل . يأتي الناس بالكثير من النظريّات حول كيف يمكننا حقّا القيام بذلك. لكن ينبغي أن نتمكّن من إجابة الجماهير الشعبيّة على هذه الأشياء . إذا أردنا كسب الناس إلى ما يحتاجون فهمه بشأن العالم و للتصرّف وفقا لذلك ، فيجدر بنا إمتلاك شيء تشتغلون عليه .
و لاحظوا أنّ هذا المقال الخاص ينطلق من نقطة هامة – ينطلق من قول : " عبر أيّ نمط إنتاج سيعالج أي مشكل إجتماعي؟ هذا هو السؤال الأكثر جوهريّة ". حسنا ، هنا مجدّدا ، يبدو هذا نوعا من الأمور الثقيلة أو من أسرار الشيوعيّين الجيّدين . لكن لماذا يعدّ هذا صحيحا ؟ أو هل هو صحيح ؟ هذه أسئلة يتعيّن على الناس الخوض فيها بإستمرار .
و الآن ، ماذا نعنى بنمط الإنتاج ؟ لقد سمع الناس كلمة " نمط " ربّما في الغلب الأعمّ عندما توجد فطيرة – فطيرة " على الموضة " ، فطيرة بالمثلّجات . حسنا ، " نمط " لا يعنى عمليّا مثلّجات – إنّه يعنى طريقة ( أو في هذه الحال ، أسلوب ) القيام بشيء . إنّه مشتقّ من اللغة الفرنسيّة ، على الموضة ، و يعنى : بطريقة معيّنة ، بأسلوب معيّن ( بالضبط مثلما صار أسلوبا معيّنا أن ناكل فطيرة و فوقها مثلّجات ). لهذا يسمّى نمط . و النمط يفي- طريقة للقيام بالأشياء . و نمط إنتاج هو طريقة إنجاز الإنتاج و تبادل ما يقع إنتاجه، نظام عبره ينظّم الإنتاج و التبادل و ينجز . هذا ما نقصده بنمط إنتاج [ أو أسلوب إنتاج – المترجم ].
و التعمّق حقّا في هذه الأشياء لفهم أهمّية نمط الإنتاج ، يجب أن نكون فعلا علميّين و ألاّ – و هذا جوهر المسألة – نخشى العالم الحقيقي . أتعلمون ؟ إن بيّن العالم الحقيقي أنّ كلّ هذه الفظائع التي نتحدّث عنها طوال الوقت يمكن التخلّص منها دون ثورة عندئذ يمكن أن نذهب في عطلة . أليس كذلك ؟ لكن هذا ليس الواقع . كعلماء ، ليس لدينا و لا ينبغي أن يكون لدينا ما نخشاه من الواقع و لا سبب للفرار منه لأنّه ، آه ، قد يدلّل على أنّ عقيدتنا ليست واقعيّة حقّا – لا أساس لها حقّا في الواقع . إن كانت هذه الطريقة التي ننطلق منها حالئذ لن نمضي إلى أي مكان إنّها طريقة ضعيفة جدّا و هشّة جدّا لمقاربة الأشياء ، يمكن إختراقها بسهولة كبيرة . لذا علينا القيام بالعمل .
لماذا يقال في ذلك المقال إنّه عبر أي نمط إنتاج ستقع معالجة أي مشكل إجتماعي كإضطهاد النساء هو المسألة الأكثر جوهريّة ؟ هل يعنى ذلك أنّ إضطهاد النساء مجرّد مسألة إقتصاديّة يمكن تقليصها إلى مجرّد ما هو عليه نمط الإنتاج ، سواء كان نمط إنتاج رأسمالي أم نمط إنتاج إقطاعي و هكذا ؟ هل يعنى أنّه مكن تقليصه إلى ذلك ؟ لا . لقد وُجد إضطهاد النساء قبل الرأسماليّة و وُجد قبل الإقطاعيّة . و هنا أيضا ، أنجز إنجلز الكثير من العمل و أنجز آخرون عملا – لقد كتبت أرديا سكايبراك كتابا حول هذا ، " عن الخطوات الأولى و القفزات المستقبليّة " (14) متحدّثة عن أصول البشر و جذور إضطهاد النساء و أسبابه العميقة ، و طريق التحرّر من ذلك . و هناك حاجة إلى مزيد العمل لتعميق فهمنا لهذا و غيرها من الأشياء عامة . لكن هناك أرضيّة فهم لمصدر إضطهاد النساء و كيف ، في الواقع ، يمكن القضاء عليه في نهاية المطاف . لكن سبب قول ذلك المقال " عبر أيّ نمط إنتاج سيعالج أي مشكل إجتماعي؟ هذا هو السؤال الأكثر جوهريّة " هو بالمعنى الجوهري أنّ أي شيء تقومون به في المجتمع يتشكّل و في نهاية المطاف يتحدّد بما هو النظام الاقتصادي ( و هذه مرّة أخرى ، طريقة أخرى لقول " نمط الإنتاج " ) . في عالم اليوم خاصة و نحن نعيش في مجتمع طفيلي كالولايات المتّحدة ، ليست لأغلب الناس أيّة فكرة عن هذا ، خاصة إذا كانوا بمنأى عن الذين ينتجون فعلا الأشياء الماديّة - تلتحقون بالفئات الوسطى إلخ – لا يملك الناس عامة أيّة فكرة ،أو أي فهم حقيقي ، عن الواقع الأساسي و مفاده أنّه إذا لم يوجد نمط إنتاج و توزيع الحاجيات الماديّة للحياة ، ليس بوسع الناس الحياة و التوالد و سيضمحلّون .
معظم الناس لا سيما أولئك من الفئات ذات الإمتيازات في المجتمع ، يعتقدون أنّ الأشياء ببساطة موجودة هناك . يكفى أن تقصدوا المغازات الكبرى لتجدوا طبعا الرفوف تزخر بالسلع . أو تقصدون محلّ ألعاب فيديو فتجدون طبعا ألعابا هناك. و تقصدون مركّبا تجاريّا و طبعا تجدون كافة أنواع المغازات بكافة أنواع السلع . لكن من أين يأتي كلّ هذا ؟ كم عدد الناس الذين يفكّرون حقّا في من أين يأتي هذا و كيف يحدث كلّ هذا ؟ ببساطة ، يفترض الناس أنّ الأشياء ستكون هناك لأنّ شخصا آخر في مكان آخر يقوم بكامل العمل لإنتاج كلّ هذه السلع. و السؤال : ما هي الطريقة التي ينجز وفقها هذا ، ما هو نمط الإنتاج الذى عبره يحدث كلّ هذا ؟ -لا يفكّر الناس في ذلك أو لا يفهمون حقّا الأمر . مع أنّه جوهري لو فكّرتم فيه .
هناك شريط عُرض قبل مدّة من الزمن – لم أشاهده لسوء الحظّ ، و رغم أنّ البعض قالوا إنّه ربّما لم يكن عظيما جدّا فنّيا، فقد سجّل نقطة هامة . كان عنوان الشريط " يوم دون المكسيكيّين " . و النقطة التي سجّلها هي : " ماذا لو أنّ كافة المكسيكيّين الذين يتمّ عادة تشويههم – و اليوم أناس مثل دونالد ترامب يرفعون بعدوانيّة من نسق هذا التشويه – ماذا لو أنّ كلّ هؤلاء المكسيكيّين في الولايات المتّحدة توقّفوا عن العمل ليوم واحد ؟ ما الذى سيحصل ؟ و يمكن توسيع ذلك لقول : ماذا لو أنّ الناس عبر العالم قاطبة الذين ينتجون و يوزّعون كلّ هذه الأشياء التي يستخدمها الناس يوميّا ، توقّفوا عن العمل ليوم أو أسبوع أو شهر ؟ فجأة ، سيقول الناس " هاي ، ما الذى يجرى ، رفوف المغازات فارغة ! ". هذا بالتالى شيء أساسي بالنسبة للمجتمع ، ليس فقط أنّ هذه الأشياء تُنتج لكن كيف يتمّ إنتاجها . ما هي العلاقات التي يدخل فيها الناس لإنتاج هذه الأشياء ؟ بكلمات أخرى ، عدنا إلى علاقات الإنتاج ، ما هي العلاقات التي يدخل فيها الناس لإنتاج و توزيع و نقل هذه الأشياء . و طريقة أخرى لقول هذا ، مجدّدا ، وهي عبر أيّ نمط إنتاج يتمّ إنجاز كلّ هذا ؟ ما الذى يحدّد الإطار الأساسي لكلّ ما يحدث في المجتمع . الأمر متّصل بكلّ ما يجرى في المجتمع بل إنّه الأساس وهو المحدّد للإطار الأساسي لكلّ شيء يحدث في المجتمع . إذا فكّرتم في هذا ، ستكتشفون أنّ الأمر بديهيّ تماما ، لذات سبب صناعة ذلك الشريط . إن توقّف الناس عن إنتاج هذه الأشياء ، سيتوقّف كلّ شيء عن السير .
و إذا سعينا إلى القيام بشيء في المجتمع يكون في الأساس خارج خطّ نمط انتاج النظام القائم ، حالئذ إمّا سنمنى بالفشل – و إمّا علينا أن ننجز ثورة . و من ثمّة ، يتعيّن مزيد إعمال الفكر و يتعيّن مزيد العمل : لماذا هذا صحيح ، أنّه عبر أي نمط إنتاج هو المسألة الأهمّ ، المسألة الأكثر جوهريّة – ليست المسألة الوحيدة بل الأكثر أهمّية و الأكثر جوهريّة – التي ينبغي طرحها ؟ عندما نتناول بالبحث أي نوع من المسائل في المجتمع ، أيّ نوع من الإضطهاد ، أيّ شيء تشعرون بأنّه يجب أن يتغيّر ، المسألة الأكثر جوهريّة هي ما هو نمط الإنتاج الذى يحدّد أساس الإطار في النهاية و الحدود في النهاية لما يمكن تغييره و كيف ؟
و كما قلت ، علينا إنجاز العمل – و بالمناسبة ، لن أقوم بكلّ العمل هنا . جزء هام ممّا أقوم به هنا هو إثارة الأسئلة التي سنتعمّق فيها لأنّه علينا جميعا القيام بهذا العمل و ليس من الجيّد إذا كان لدينا موقف أنّ أي شخص آخر ، في مكان آخر ، سينجز العمل و لن نفعل سوى إتّباعه . على كلّ فرد أن يبحث و يشتغل على هذه الأشياء . إن كنّا جدّيين ، علينا جميعا القيام بهذا العمل . أجل ، بعضنا كانوا في الإطار لمدّة أطول و لديهم تجربة أكبر و قد طوّروا بأساليب معيّنة قدرات على القيام بهذا ، لكنّنا جميعا قادرون على القيام بهذا و علينا جميعا الإنكباب عليه تمام الإنكباب و إنجازه . و بالتالى ، جزء هام ممّا سأقوم به هنا هو طرح الأسئلة . و هذه مسألة كبيرة : هل صحيح أنّ عبر أي نمط إنتاج تعالج أي مسألة إجتماعيّة بما فيها قضيّة إضطهاد النساء هو المسألة الأكثر جوهريّة ؟ و لماذا هذا صحيح ؟ لقد قلت القليل حول هذا غير انّى أودّ أن أتقدّم بسؤال من الضروري الخوض فيه .
يواجهنا طوال الوقت الأمر التالي : ما يجرى في هذال المجتمع و العالم هو أنّ الناس بإستمرار يقولون أي شيء قديم يرغبون في قوله أو يكرّرون ما سمعوه من أصدقائهم و أساتذتهم و ما إلى ذلك. كنت أقرأ تقريرا حيث قال أحدهم إلتقينا به، " ذهبت إلى درس عن الجندر " – و أعتقد أنّكم تتوقّعون ما سيأتى ،و لعلّكم تعرفون عادة هذا الصنف من الأشياء - " ذهبت إلى درسى عن الجندر و قال الأستاذ لا يتحدّث " بيان الحزب الشيوعي " (15) عن النساء ، لذا نحتاج شيئا آخر". حسنا ، يتعيّن علينا قراءة الكتاب المعنيّ بداية ، . أقصد أنّ " بيان الحزب الشيوعي " ليس بيانا حول إضطهاد النساء إلاّ أنّه بيان راديكالي جدّا – إنّه ينادى عمليّا بإلغاء العائلة ، هذه واحدة . وهو يتحدّث عن إضطهاد النساء . أليس كذلك ؟ ثمّ ، مثلما أشرت إلى ذلك ، كتب إنجلز كتابا كاملا عنوانه " أصل العائلة و الملكيّة الخاصة و الدولة " يعالج بصورة مطوّلة هذه المسألة ، مسألة إضطهاد النساء و كيفيّة وضع نهاية لهذا الإضطهاد . هل قرأتم ذلك الكتاب ؟ هل تعرفون شيئا عن مضامينه ؟ إنّكم ببساطة تتفوّهون بهراء.
أعنى حقّا أنّ هناك الكثير من الهراء يلتحف به الناس . و في نهاية المطاف ليس بوسعنا أن نلوم الناس أنفسهم لكن علينا الصراع معهم. و مجرّد ترديد ما يقول أستاذ جندركم ليس طريقة مقبولة لأنّ أستاذ الجندر له على الأرجح أشياء أخرى يقولها عندما لا يريد القيام بثورة فعليّ ، فيقول لكم إنّ " بيان الحزب الشيوعي " ليس جيّدا فإبتعدوا عنه . لا يمكن القبول بذلك ببساطة . يجب على الناس أن يفكّروا تفكيرا نقديّا . نحتاج إلى من يفكّر تفكيرا نقديّا و نحتاج إلى الصراع مع الذين يجب أن يملكوا فكرا نقديّا . سواء أكانوا متّفقين معنا أم لا ، أوّل شيء يمكن للناس فعله هو أن يفكّروا نقديّا . و بالخصوص عندما يكون المصدر المؤسّسات المهيمنة على المجتمع ، في الحال لنفكّر نقديّا ذلك أنّ هناك سجلّ دلائل بأنّ هؤلاء الناس طبقة عالميّة من الكذّابين . و لعلّكم تعلمون شيئا آخر هو أنّهم لا يفهمون حتّى نظامهم نفسه أو العالم ككلّ .
فكّروا في ذلك . ليس يوجد الخداع الذى تعتمده الطبقة الحاكمة إزاء الجماهير الشعبيّة مبعدة إيّاها عن فهم الأشياء ، فقط ، بل هناك أيضا الطريقة التي يخدع بها ممثّلو هذه الطبقة الحاكمة أنفسهم . فعلى سبيل المثال ، يعتقدون فعلا أنّ كلّ شخص في العالم يريد إمتلاك نظام ببساطة كنظامهم بتراتبيّة يكونون قابعين في قمّـتها . لذلك يقرّرون : سنذهب إلى العراق ، سنغزو العراق و سيرحّب بنا الجميع . بإستثناء بعض الناس ، علينا أن نطلق النار و نقذف القنابل حدّ النسيان ، البقيّة سيرحّبون بنا . و كما قال ديك تشانى ، سيقدّمون لنا الورود ، سيضعون الورود بأسلحة الجنود. سيرحّبون بنا و ببساطة سيرغبون جميعا في أن يكون مجتمعهم كالمجتمع الأمريكي - بنوع من الأسواق الحرّة و الديمقراطية التي لدينا – طبعا تحت هيمنتنا .
و ما جرت الأمور على ذلك النحو و ذلك لأنّ الناس في البلدان الشبيهة بالعراق لهم تاريخ كامل و لهم ثقافتهم الخاصة التي تعود إلى آلاف السنين . و زيادة على ذلك ، النظام الإمبريالي الذى يترأّسه أمثال تشانى كان يخلق كافة ضروب الفوضى في هذه البلدان حتّى قبل غزوها و كان هذا يفرز كافة أنواع القوى التي تريد أن نذهب إلى مكان آخر غير مجتمع يكون نسخة من المجتمع الأمريكي . غير أنّ أشخاصا مثل تشاني و ممثّلون و مسيّرون آخرون من الطبقة الحاكمة لا يفهمون حقّا نظامهم نفسه.
أتذكّر أنّه عندما كانت الإنتفاضة المصريّة في أوجها ، " الربيع العربي " الذى بلغ قمّته في مصر قبل بضعة سنوات ؛ كنت أشاهد قناة السى أن أن و كان هناك ذلك الشخص المدعوّ آليوت سبتزار و كان حاكما لولاية نيويورك إلى أن إكتشفوا أنّه يتعامل مع العاهرات فإستبعدوه من حكم الولاية و تاليا قدّمت له تلك القناة موطن شغل لمدّة قصيرة . كان عامود برنامج على السى أن أن و بينما كان " الربيع العربي " يتطوّر و كانت الأمور تبلغ نقطة عالية في مصر ، إستضاف الأصولي الإسلامي الذى كان في بريطانيا إلاّ أنّه كان على صلة بالأصوليّين الإسلاميّين ، الإخوان المسلمين ، في مصر . و كان آليت سبتزار – و بوسعكم تقريبا تصوّر هذا بالملموس و حتّى سماعه صوته أيضا – يتبجّح يتباهى قائلا لهذا الأصولي الإسلامي : " أنظر ن كلّ شخص في مصر ، كلّ شخص في العالم بأسره ، يرغب في الحياة كما نحيا في أمريكا . كلّ شخص يريد ديمقراطية كديمقراطيتنا الأمريكية . و الناس مثلكم يفوتهم التاريخ . لا فاعليّة لكم . التاريخ يفوتكم ". حسنا ، أجاب الأصولي إجابة غاية في البساطة : " فقط إنتظروا و سترون ". و لم يكن هذا الأصولي الإسلامي علميّا . هذا أمر أكيد . أنت أصولي إسلامي بالتالى لست علميّا . هذا الأساسيّات . لكنّه كان يملك نوعا من الحسّ ببعض الأشياء الأعمق الجارية هناك في المجتمع المصري – أن الفوضى التي خلقتها الإمبرياليّة ، إقتصاديّا و إجتماعيّا و سياسيّا ، قد أفرزت أرضيّة جعلت عديد الناس يتجّهون ، على الأقلّ على المدى القصير ، إلى البرنامج الأصولي الإسلامي . و قد شاهدتم ذلك حينما حصلوا في نهاية المطاف على " انتخابات ديمقراطية " في مصر فتمّ إنتخاب الإخوان المسلمين و بالتالى هؤلاء الرأسماليّين ، هؤلاء الإمبرياليّين لم يفهموا حتّى نظامهم ذاته لأنّ نظرتهم له مشوّهة بفعل العلاقات و الأفكار التي تتناسب مع نظام إستغلال و إضطهاد ، و هذه النظرة منفصلة عن الواقع .
ما علينا نحن القيام به هو مزيد التعمّق في دراسة هذا النظام و العلاقات و الديناميكيّة الفعليتين اللتين تميّزانه و تحدّدانه.
التناقضات الأساسيّة و الديناميكيّة للرأسماليّة :
في مقال جدالي له ( في مجلّة " تمايزات " عدد 3 )(17) حول لماذا الفوضى هي الشكل الرئيسي للحركة و القوّة المحرّكة للرأسماليّة و تناقضها الأساسي ، صاغ ريموند لوتا الموقف التالى : " التغيير الأساسي الذى أدخله المجتمع الرأسمالي هو جعل الإنتاج إجتماعيا . " فلننظر بعمق في هذا .
أوّلا ، لنقارن هذا بمفاهيم أخرى – سائدة و غير صحيحة – لما هو الأهمّ بشأن المجتمع البرجوازي الذى نعيش صلبه . لا يقول حكّام هذا المجتمع : " الشيء الأساسي الذى قمنا به هو جعل الإنتاج إجتماعيّا ". يقولون : " الشيء العظيم لهذا المجتمع هو حرمة الفرد و الحقوق الفرديّة . و بالطبع ، وجدت لدينا بضعة عيوب صغيرة كالعبوديّة لكنّ حرمة الفرد و الحقوق الفرديّة هما التغيير الأهمّ الذى أتى به هذا المجتمع . لمّا كان الناس يعيشون في ظلّ الأنظمة الملكيّة ، لمّا كان الناس يعيشون في ظلّ نظام إقطاعي بأسياد المزارع و كلّ ذلك الصنف من الأشياء ، و كان الأقنان يقومون بالعمل كلّه ، لم تكن لدى الجماهير الحقوق الفرديّة و لم تكن حرمتهم كأفراد معترف بها ؛ لكن في هذا المجتمع هذا الأمر شيء عظيم ، نعترف و نحتفى و نمأسس حرمة الفرد و الحقوق الفرديّة ". و ينبغي أن يأملوا في أن لا ننظر عن كثب في نظامهم لأنّه إذا فعلنا ذلك سنلاحظ أنّه بالنسبة للملايين و في النهاية مليارات البشر حول الكوكب يسحقهم و يحطّمهم السير اليومي لهذا النظام – سواء تعلّق الأمر بأناس في مصانع نسيج في مكان ما مثل البنغلاداش أو أناس في الهندوراس أو السلفادور أو أناس في الباكستان – سنلاحظ أن حقوقهم الفرديّة و فرديّتهم بالكاد لها حُرمة . لا أهمّية لها في ظلّ الديناميكيّة الطاحنة لهذا النظام الذى يسحقهم تمام السحق . و مع ذلك سيظلّ هؤلاء الحكّام البرجوازيّون يؤكّدون إنّها حُرمة الفرد و الحقوق الفرديّة هي التي تميّز هذا النظام و تجعله عظيما جدّا .
و إضافة إلى فضح أنّ ذلك نفاق و كذب من الحجم الثقيل و كيف أنّه في تناقض صارخ مع واقع السير العملي لهذا النظام، هنا و عبر العالم – كيف أنّ هذا النظام يطحن الناس و لمّا تنهض الجماهير ضدّه ، يطلق عليها النار يقتلها يوما بعد يوم ،و يقضى عليها بشتّى أسلحة الدمار الشامل – إضافة إلى كلّ هذا ، لننظر في ما هو عمليّا الأكثر جوهريّة و أساسيّة بالنسبة لهذا النظام . لننظر في موقف ريموند لوتا القائل بأنّ جعل الإنتاج إجتماعيّا هو أهمّ تغيير جلبه تطوّر المجتمع الرأسماليّ و لنرى كيف يرتبط هذا بطبيعة هذا النظام ككلّ .
و ماذا نقصد بجعل الإنتاج إجتماعيّا ؟ نقصد عدم إشتغال الناس كلّ على قطعة أرضه الخاصة الصغيرة أو في ورشته الخاصة الصغيرة بأدواته الخاصّة . لدينا بعض " الهيبي " الذين يربّون الدواجن في ساحاتهم الخلفيّة هذه الأيّام إلاّ أنّ الناس في الأساس لا يشتغلون لوحدهم على قطع أرضهم الخاصة الصغيرة أو بأدواتهم الخاصة في ورشاتهم الخاصة الصغيرة منتجين ما يستهلكونه. و الغالب الأعمّ أنّه يتمّ إنتاج الأشياء على يد الآلاف و في نهاية المطاف الملايين و حتّى مليارات البشر مشتغلين في سيرورة عالميّة و بالتالى ما يستهلكه الناس في الغالب الأعمّ ينتجه آخرون – لا يعمل الأفراد من أجل أنفسهم بل يجتمع الناس معا تحت سقف واحد أو في عدّة مواقع إنتاج مختلفة ، مشتغلين كجزء من سيرورة جماعيّة و منجزين عملا لا يمكن إنجازه إلاّ جماعيّا و لا يمكن إنجازه بواسطة عمل فرد لوحده .
طبعا ، صحيح أنّه قبل الرأسماليّة لم يكن الإنتاج إجتماعيّا . إذا عدنا إلى سيرورة بناء الأهرام في مصر على سبيل المثال، وُجدت خطوط سلاسل بشريّة أو ما شابه من أناس يمرّرون الحجارة الواحد إلى الآخر لبناء الأهرام . و بالتالى بمعنى ما كان ذلك عملا إجتماعيّا . وُجد قسم من الناس في تلك الحالة مجبرين – كان بعهم عبيدا تماما و كان بعضهم الآخر حرفيين إلاّ أنهم كانوا مجبرين على العمل مها لبناء تلك الأهرامات . غير أنّ ذلك كان قبل كلّ شيء بدائيّا جدّا مقارنة بإجتماعيّة اليوم المبنيّة على آلات عصريّة جدّا . و لم يميّز كيفيّة إنتاج الأشياء و توزيعها في المجتمع و العالم ككلّ في تلك العهود السابقة على النحو الحاصل في عصر الرأسماليّة – و قد وُجد بعدُ إلى حدود التطوّر التام للنظام الرأسمالي ، الكثير من الإنتاج الذى يُنجزه الأفراد على قطع أراضيهم الخاصة أو في ورشاتهم الخاصة الصغيرة بأدواتهم الخاصة متبادلين أحيانا ما أنتجوه لكن عادة مستهلكين ما أنتجوه بأنفسهم . لذا ، حتّى بينما وُجد إنتاج إجتماعي في العهود السابقة تمثّل الرأسماليّة تغييرا نوعيّا في دور الإنتاج الاجتماعي.
و كذلك وقعت الإشارة إلى ذلك ، في هذا العصر من الرأسماليّة الإمبريالية العالي العولمة ، ليس فقط في الإنتاج العالي الطابع الاجتماعي مع الكثير من الناس يعملون معا لصناعة الأشياء – على سبيل المثال في خطّ تركيب أجهزة أو أدوات ، ما من أحد يصنع المنتوج بأكمله إذ لكلّ شخص عمل جزئي لا غير من ما سيصبح المنتوج النهائي – لكن هذه الأيّام أضحت هذه السيرورة كذلك أكثرعالميّة بكثير. و لنضرب مثالا على ذلك . لا تُصنع سيّارة من بدايتها إلى نهايتها في مصنع سيّارات في دتروت ( و هذا سبب عدم توفّر شغل للكثيرين في دتروت ) و إنّما هي تصنع في أنحاء بعيدة من العالم – جزء منها يصنع في بلد ثمّ يُرسل بالباخرة إلى بلد آخر حيث تجرى صناعة جزء آخر و بعد ذلك إلى بلد آخر يُصنع فيه جزءا آخر و في النهاية يمكن أن يجمّع المنتوج النهائي في المكسيك ، مثلا - و يعود هذا كلّه لكون هذه العمليّة تقلّص من التكاليف إذ يمكن دفع أجور أخفض في كلّ تلك البلدان من الأجور في هذه البلاد. لهذا كانت هناك في دتروت مصانع سيّارات ماموث مثل مركّب النهر الأحمر – ريفر روج- أين كان عشرات الآلاف يشتغلون لكن مواطن الشغل هذه تبخّرت تقريبا كلّيا ، إن لم يكن كلّيا ، و إنتقل الإنتاج إلى كافة هذه الأماكن المختلفة لأنّها عمليّا أقل تكلفة فصنع جزء في بلد و نقله إلى بلد آخر ثمّ صنع جزء آخر ونقله إلى بلد آخر و هكذا دواليك ، أرخص تكلفة من صناعة كلّ شيء في الولايات المتّحدة بالأجور التي عليهم دفعها للحفاظ على الإستقرار في هذه البلاد . هكذا يجرى إنجاز الإنتاج في ظلّ الرأسماليّة : إنّه يزداد أكثر فأكثر في طبيعته الاجتماعية لا سيما هذه الأيّام فهو يزداد أكثر فأثر عولمة .
هذا أمر جوهريّ بالنسبة إلى كيفيّة سير نمط الإنتاج الرأسمالي. و ما هو كذلك هام للغاية و مظهر محدّد للرأسماليّة هو أنّه مع هذا الطابع الاجتماعي العالي التطوّر و تنامى عولمة الإنتاج ، الأشياء تنتج و يتمّ تبادلها كسلع . و ما هي السلعة / البضاعة ؟ تسمعون طوال الوقت ، " السلعة " ، تسمعون الكلمة طوال الوقت . والسلعة تفيد شيئا منتجا للتبادل . و قد إستخدمت هذا المثال في 2003 في خطاب " الثورة : لماذا هي ضروريّة و لماذا هي ممكنة ، و ما الذى تشمله " (18) و لنقل إنّنا نصنع بسكويت رقائق الشكلاطة في منزلنا الخاص . . نحصل على كافة المكوّنات المختلفة ( و أعتقد أنّى قلت في ذلك الخطاب ، إنّنا نستخدم الحليب لكن ليس دائما لكن لنترك ذلك جانبا ) . نقتنى الفرينة و السكّر و الزبدة و عجين الشكلاطة و ما إلى ذلك ؛ ننجز الخليط و نطهو الكعك ثمّ ننادى كافة الأطفال و الجيران لتقاسم المرطّبات أو نأكلها جميعا لوحدنا و إنتهى الأمر. لا تبادل للمال و لا شيء جرى تبادله مقابل المرطّبات ، لا أحد يقدّ/ لنا أي شيء و ما نفعله هو صنع البسكويت و أكله أو أكله مع الآخرين . ثمّ يأتي أحدهم و يقول " أقراص / كعك الشكلاطة التي تصنعونها جيّدة جدّا جدّا ، ينبغي أن تُطلق مشروعا تجاريّا و تبيع كعك الشكلاطة ". و نشرع في إنتاج أقراص حلوة لتبادلها أي لبيعها . لكن بعد ذلك نجد أنّنا لا نستطيع أن ننتج الكثير بأنفسنا فالقدر الذى نبيعه غير كاف على النطاق الذى نحتاجه فنجعل أطفالنا يعملون معنا. و طبعا ، هناك مشاكل ! لكن على أي حال ، نتوسّع أكثر فننشأ سلسلة لصناعة أقراص الحلوة لكن الأطفال يأخذون في أكل أقراص الحلوة فتضربونهم على أيديهم و تقولون لهم : " لا ! لا يمكن أن تأكلوا هذه المرطّبات ، علينا بيعها الآن " . الآن وقعنا ! على كلّ حال ، صرنا الآن ننتج المرطّبات ليس لنأكلها بل لنبيعها . لقد أضحت سلعة / بضاعة – شيء منتج ليس للإستعمال المباشر و إنّما للتبادل . لكن إليكم الحيلة . السلعة شيء يجب أن يملك قيمة تبادليّة – بكلمات أخرى ، يمكن أن تساوى سعرا ، يمكننا أن نحصل على شيء لتبادله مقابل المرطّبات ، المال أو شيئا آخر . لكن ، في الوقت نفسه ، من أجل الحصول على قيمة تبادليّة ، يجب أيضا أن تكون لها قيمة إستعماليّة . ينبغي أن يجدها أحدهم مفيدة . و بصيغة أخرى ، إن كان كلّ الأشخاص ليقرّروا أنّهم لا يرغبون في مرطّبات أقراص الحلوة بالشكلاطة ، عندئذ سنكون قد وضعنا كلّ هذا المال لإقتناء كلّ المكوّنات و المصاريف الأخرى لإنتاج تلك القراص و لم يشتريها أحد فتكون النتيجة إفلاسنا. أو إذا لم يجد معظم الناس قسمهم الخاص من الأقراص إيّاها مفيدة ، نسبة إلى ذوقهم ، سنجد نفسها خارج الموضوع .
فالسلعة تحمل هذا التناقض المبنيّ فيها ، لها قيمة تبادليّة ممكنة – أي أنّها تُنتج ليتمّ تبادلها ، للحصول على مال أو شيئا مقابلها – لكن لأجل تحقيق هذه القيمة التبادليّة ( لأجل الحصول على المال ، أو سلعة أخرى ، يتمّ تبادلها معها ) ، يجب أن تكون مفيدة بطريقة ما . و يجب أن تكون أكثر فائدة من كافة التنويعات المختلفة لتقريبا ذات الإنتاج الذى ينتجه آخرون و يعرضونه بالسوق . و لهذا صلة بفوضى الرأسماليّة التي سنتناولها بالحديث بعد قليل . لكن ظاهرة كبرى تميّز الرأسماليّة، و تنسجم مع جعل الإنتاج إجتماعيّا ، في الغالب الأعمّ ، هي أنّ الأشياء تُنتج و تُتبادل كسلع ، هذه هي الطريقة المعمّمة التي تنجز بها الأشياء في ظلّ الرأسماليّة . و إذا فكّرتم في تجربتكم الخاصة ، تدركون أنّ كلّ ما تحتاجونه أو على أي حال ما تستهلكونه ، عليكم أن تبادلوه بسلعة أخرى كمقابل له ( بصفة عامة ، المال ). في ظلّ الرأسماليّة ، يصبح إنتاج السلع و تبادلها معمّما. و ليس هذا كلّ شيء . فسلعة معيّنة تنهض بدور حيويّ في ظلّ الرأسماليّة . و هذه السلعة هي قوّة العمل. و ما هي قوّة العمل ؟ إنّها القدرة على العمل بشكل عام . ليست نوعا معيّنا من العمل الذى نقوم به و إنّما القدرة على العمل بشكل عام . و إن فكّرتم في ما قلته سابقا ، عندما تذهبون إلى البحث عن شغل ، ما الذى تفعلون ؟ تقولون لشخص : بوسعى العمل . بإستثناء إن كنتم مؤهّلين تأهيلا عاليا و يمكنكم المساومة قليلا على ذلك الأساس ، عموما لا تذهبون و تقولون : " سأقوم بهذا العمل لأجلك و لن أقوم بذلك العمل " . تذهبون و تقولون : " يمكننى العمل ، هل لديكم شغل ؟ " فيعلمونكم أنّهم سيستخدمونكم . سيقولون لكم كيف تستخدمون قدراتكم ، قوّة عملكم عامة .
و إذن، إذا لم نكن نملك وسائل إنتاج ، إذا كنّا ببساطة فقراء أو ناس عاديين ، هذه هي السلعة التي لدينا و التي يمكن أن تسمح لنا بالحياة – على أساس بيع تلك السلعة . لستم عبيدا تماما – لا تبيعون أنفسكم تماما لمالكى المصنع أو المصحّة أو مهما كان ؛ و مهما كان من يمكن أن يُشغّلنا لا يملك بقيّة حياتنا . نذهب و نبيع قدرتنا على العمل . لا نبيع أنفسنا . لا يشتروننا مثل العبيد ، يشترون قدرتنا على العمل طالما أنّ ذلك مفيد لهم – و إذا لم يعد الأمر مربحا أو صار غير مربح بما فيه الكفاية ، يتمّ تسريحنا . و هذا مختلف عن العبوديّة الصريحة . إن كنّا ملاّكي عبيد و إشترينا عبيدا ننفق بعض المال و يكون علينا الإبقاء على أولئك العبيد و جعلهم يعملون على الأقلّ إلى أن نستعيد ما أنفقناه عليهم ؛ ثمّ ، من وجهة نظرنا كملاّكى عبيد ، نبقيهم لفترة أطول آملين كسب المزيد من المال و إلاّ ببساطة سنعيق تطوّرنا بأنفسنا . لكن في ظلّ الرأسماليّة إذا كنّا رأسماليّين ، لا نشترى الناس – نشترى قوّة عملهم . و هذه السلعة – القدرة على العمل ، قوّة العمل – هي قلب الرأسماليّة.
لماذا ؟ لأنّه حين يوضع الناس في العمل يقضّون جزءا من اليوم وهم يخلقون قيمة في المنتوجات التي يعملون عليها ن هي مساوية لقيمة قوّة عملهم . ما هي قيمة قوّة العمل ؟ سأغوص أكثر في ذلك كذلك بعد قليل ، عند نقاش قانون القيمة لكن الواقع هو أنّ قيمة قوّة العمل تتحدّد بالطريقة الأساسيّة ذاتها كقيمة كلّ السلع الأخرى ، و قيمة قوّة عملكم هي ما يتطلّبه الحفاظ على الحياة و القدرة على مواصلة العمل و تنشأة أجيال جديدة ليقوموا بالشيء عينه. و عندئذ ، يقدّمون لكم أجورا معيّنة – لنقل 15 دولارا للساعة أو مهما كان . و هذا يعتمد على مدى القدرات التي طوّرتموها و قدر القيمة – قدر زمن العمل الضروري إجتماعيّا – يتجسّد في تطوّر تلك القدرات . و عليكم الذهاب لتبادل ما تحصلون عليه كأجر مع كلّ هذه السلع المختلفة التي تحتاجونها للعيش – الغذاء و الثياب و المسكن و الكهرباء و الرعاية الصحّية إن كان بمقدوركم الحصول عليها ، و هكذا دواليك . و إذن عندما تشتغلون في هذا الصنف من العمل ، جزء من اليوم متكوّن من الزمن الذى تستغرقونه لكسب قدر المال المساوي لأجركم . و بقيّة اليوم يملكها الرأسماليّين لوحدهم . فمثلا ، و أنتم تشتغلون على هذه المنتوجات، يمكنكم إنتاج قيمة مساوية لما يعادل أجوركم في ساعات ثلاث . لكن ليس عليكم المضيّ إلى منزلكم حالئذ . لا تقولون : " حسنا ، لقد قمت بقدر مساوى لأجرى لذا أنا عائد إلى منزلى ". ستكون الإجابة : " لا ، نحن نملك قوّة عملكم ، ستواصلون العمل لخمس ساعات أخرى أو أكثر منتجين ثروة لنا ، منتجين فائض قيمة – قيمة أزيد من القيمة المساوية لما تحتاجونه للعيش ". و كلّ فائض القيمة هذا يأخذه الرأسماليّون . و بقدر ما تستطيعون تقليص الزمن الذى يستغرقه إنتاج القيمة المساوية لما تحتاجونه للعيش ( مساوية لأجوركم ) ، القيمة الزائدة ( فائض القيمة ) المستخرجة من العمل الذى تنجزونه ، إلى جانب كلّ شخص آخر يعمل لديهم . لهذا ترون أنّ الرأسماليّين يبحثون بإستمرار عن طرق لتقليص كلفة الإنتاج و للحصول على المزيد من الإنتاج في نفس القدر من الزمن لكي يتمكّنوا من التنافس مع الرأسماليّين الآخرين و كلّهم يحاولون القيام بالشيء ذاته للتمكّن من بيع المزيد و بأكبر ربح ممكن نسبة للرأسماليّين الآخرين .
و الآن ، فكّروا في ذلك على هذا النحو . لنقل إنّكم تعملون في صنع الأحذية و بوسعكم صنع عشرة أزواج من الأحذية في الساعة مشتغلين بالآلات مع أناس آخرين . ليستم لوحدكم فردا فردا لكن هذه السيرورة التي أنتم جزء منها تنتج عشرة أزواج من الأحذية في الساعة . ثمّ يأتون بتقنية جديدة تجعل من الممكن إنتاج 20 زوجا من الأحذية في الساعة . و الآن ضاعف الرأسماليّون كمّية الأحذية المنتجة في تلك الوحدة الزمنيّة ( ساعة ) . و تكلفة كلّ زوج من الأحذية عمليّا ستنخفض لأنّ صناعة كلّ زوج من الأحذية إستغرق أقلّ وقتا . و بالتالى ، يمكن لهذا الرأسمالي أن يتحمّل كلفة أقلّ من الرأسماليّين الآخرين الذين يعملون بالطريقة القديمة لإنتاج الأشياء ، يمكنه تحمّل كلفة أقل بقليل لكنّه يحقّق أرباحا أكبر و يتنافس مع الرأسماليّين الآخرين و يخص نفسه بقسم أكبر فاكبر و يلتهم أو يضع إلى جنب منافسوه الآخرون . هذه هي الديناميكيّة الرأسماليّة و هذه هي الحاجة إلى التنافس مع الرأسماليّين الآخرين وهي ما يحرّك كلّ رأسمالي ( أ كلّ مجموعة من الرأسماليّين ) ليدفعوا عمّالهم إلى العمل بشدّة أكبر و لجعلهم يعملون بنسق أسرع و ليمضوا عبر العالم للعثور على أناس يمكنهم أن يجعلوهم يعملون بأجور أخفض ؛ و للإتيان بوسائل جديدة من تخفيض كلفة إنتاج السلع في فترة زمنيّة معيّنة لأجل التمكّن من تخفيض تكاليف الإنتاج و سعر بيع منتوجاتهم و للتنافس مع منافسيهم و مراكمة المزيد من الأرباح . و هذا نوعا ما شرح مبسّط إلاّ أنّه يلمس ديناميكيّة الأساسيّة لسير الرأسماليّة و لماذا ينقلون بصورة مستمرّة عمليّاتهم من جزء من العالم إلى آخر مغلقين المصانع هنا و متجهين إلى أندونيسيا – فشركة مثل شركة نايك NIKE تقصد أندونيسيا و تصنع الأحذية ثمّ فجأة تتحوّل إلى الفيتنام – و إذا فكّرنا في ذلك ، يا لها من تراجيديا ، أنّ الشعب الفيتنامي الذى قاتل ببسالة لمنع الإمبرياليين الأمريكان من إخضاعه و إجباره على الحياة في ظلّ هيمنتهم ؛ و قدّم عدّة ملايين الفيتناميين حياتهم ، و الآن تستغلّهم شركات الولايات المتحدة كعبيد بؤساء ، مأجورين بيأس . لكن هكذا تسير الرأسماليّة . يتجّهون إلى أندونيسيا و إلى الفيتنام و إلى الغواتيمالا و على كولمبيا . يتجهون إلى أيّ مكان يريدون – الباكستان أو أي مكان ممكن آخر ، مصر – يذهبون إلى أين يستطيعون الحصول على أرخص تكاليف إنتاج لأجل أن يتفوّقوا فى تنافسهم مع الرأسماليّين الآخرين و جميعهم يحاولون الشيء نفسه. و لهذا لا يوجد و لا تجمّع رأسمالي واحد يحتلّ قمّة النظام و لا يعمل لإبقاء كلّ شخص آخر خاضعا ومستغلاّ؛ حتّى و هم يستغلّون الناس ، يتنافسون بشراسة مع بعضهم البعض .
و يوصلنا هذا إلى النقطة الأساسيّة للماذا الفوضى هي الشكل الرئيسي للحركة و القوّة المحرّكة للرأسماليّة و تناقضها الأساسي . و الآن ما المقصود بالفوضى ؟ هناك عدّة طرق متباينة للتعبير عن الفوضى و الفوضويّة – يعتبر البعض أنفسهم فوضويّين و سنتحدّث عنهم . لكن الفوضى تعنى شيئا في الأساس – شيئا و سيرورة – ليس معدّلا عن وعي . يمكن أن يُعدّل بطريقة ما إلاّ أنّه ليس معدّلا عن وعي في المجتمع ككلّ . لذا نتحدّث عن الفوضى و كيف تنسجم مع هذا النظام الرأسمالي – لماذا فوضى الإنتاج هي القوّة المحرّكة الأساسيّ’ للرأسماليّة و لماذا تفرض هذه القوّة المحرّكة للفوضى على الرأسماليّين لتشدّد بإستمرا إستغلال الناس الذين يشتغلون كعبيد أجراء لديهم- البروليتاريّون ، الناس الذين لا يملكون وسائل إنتاج و المجبرين على بيع قوّة عملهم – و لماذا يتنقّل الرأسماليّون بإستمرار من ناحية إلى أخرى من العالم بحثا عن من يستغلّونهم أكثر و بلا رحمة . و ما نحتاج إلى فهمه – و الآن قلّما ما يفهم – هو أنّه ليس لمجرّد أنّهم جشعون و إنّما لأنّ هناك ضرورات محرّكة يخضع لها الرأسماليّون أنفسهم و تجبرهم على فعل ذلك بصفة مستمرّة و حتّى بشكل أشدّ و بخبث يستغلّون من يعملون تحت إمرتهم .
في المقال الجدالي لريموند لوتا في مجلّة " تمايزات " عدد 3 ، " حول " القوّة المحرّكة للفوضى و ديناميكيّة التغيير " ، يذكر موقف هام من مواقفى يلامس جوهر هذا الموضوع و لهذا سأتعمّق فيه و أشرحه قليلا : وهو يبدأ كالتالى :
" فى الواقع فوضى الإنتاج الرأسمالي هي القوّة المحرّكة لهذه السيرورة حتى و إن كان التناقض بين البرجوازية و البروليتاريا جزء لا يتجزّأ من التناقض بين الإنتاج الإجتماعي و التملّك الفردي . "
هذه أوّل جملة من ذلك الموقف و لنتوقّف عندها لحظة لأنّها تتضمّن الكثير . ماذا يعنى " التناقض بين الإنتاج الاجتماعي و التملّك الفردي " حسنا ، لقد تكلّمنا الإنتاج الاجتماعي : إشتغال الكثير من الناس في سيرورة الإنتاج و لا يتعلّق الأمر بمجموعة أفراد كلّ يُنتج بوسائل إنتاجه الخاصة – قطعة أرضهم الصغيرة الخاصة أو وسائلهم الخاصة أو أي شيء مماثل. هذا هو الطابع الاجتماعي للإنتاج. لكن بينما ينجز الإنتاج في ظلّ الرأسماليّة بهذا النوع من الطبيعة الإجتماعيّة ، من يتحكّمون فيه و يتملّكون منتوجاته و يستفيدون منه هم أفراد أو شركات أو مجموعات رأسماليّة ، يتملّكون المنتوجات و يبيعونها مراكمين لأنفسهم فوائد ذلك. و الذين ينفّذون العمل بصفة إجتماعيّة لا يحصلون على المنتوجات التي إشتغلوا عليها . فهذه الأخيرة يستحوذ عليها رأسمالي ( أو مجموعة رأسماليّي ) يدفع لهم أجورا ثمّ كما ناقشنا أعلاه ، يكون على الأجراء الخروج لإقتناء أشياء أخرى ، سلع أخرى . و هكذا ، لا تشتغل في مصنع للسيّارات و في نهاية اليوم يمكن أن تقول : " حسنا ، إشتغلت هنا لمدّة ساعات ثلاث و أعتقد أنّى أنتجت قيمة سيّارة لذا سأقودها إلى المنزل ". كم عدد سنوات السجن التي ستقضون بسبب ذلك ؟ هذا تملّك فردي لعمل إجتماعي . هذا هو التناقض الأساسي في قلب الرأسماليّة إلاّ انّ ما إقتبسته قبل قليل يقول إنّ فوضى الإنتاج الرأسمالي هي القوّة المحرّكة لهذه السيرورة ز ثمّ يستطرد ذلك الموقف ليفصّل القول : " و فى حين أنّ إستغلال قوّة العمل هو الشكل الذى به و من خلاله يُنتج فائض القيمة و يتمّ تملّكه ، فإنّ العلاقات الفوضوية بين المنتجين الرأسماليين ، و ليس مجرّد وجود البروليتاريين الذين لا يملكون شيئا أو التناقض الطبقي فى حدّ ذاته ، هي التى تدفع هؤلاء المنتجين إلى إستغلال الطبقة العاملة على نطاق أوسع و أشدّ تاريخيّا . قوّة الفوضى المحرّكة هذه تعبير عن واقع أنّ نمط الإنتاج الرأسمالي يمثّل التطوّر التام للإنتاج السلعي وقانون القيمة . "
ماذا يعنى هذا ؟ تحدّثت عن مفهوم السلع و كيف أنّه ، في ظلّ الرأسماليّة ، الأشياء عامة تنتج ليس للإستعمال المباشر من قبل منتجيها بل للتبادل في المجتمع ( و العالم ) ككلّ ، من خلال شبكة كاملة من العلاقات التي يربط بينها المال ( أو أشياء تعمل كمقابل للمال ). هذا ما يعنيه قول إنّ نمط الإنتاج الرأسمالي يمثّل تطوّرا تاما للإنتاج السلعي . إلى هذا الحدّ قد يكون الأمر جيّدا . لكن ماذا عن قانون القيمة ؟ يقول قانون القيمة الآتى ذكره : قيمة كلّ منتوج – أي أيّة سلعة ، كلّ ما ينتج و يتمّ تبادله – تساوى كمّية الوقت الضروري إجتماعيّا لإنتاج هذه السلعة المعيّنة . و سبب كون الفوضى في موقع القلب من هذا ، هو أنّ كافة الرأسماليّين ينخرطون في التبادلات السلعيّة مع بعضهم البعض و كذلك التبادلات السلعيّة مع المستهلكين، و كلّ هذا مترابط معا بفعل قانون القيمة هذا – هذا ما يعدّ لها في نهاية المطاف ، حتّى وهم جماعة من الرأسماليّين المختلفين المراكمين فرديّا ، في تنافس مع بعضهم البعض ، في نفس حقل الإنتاج أو في حقول إنتاج متباينة أو في مجال المال و ما إلى ذلك . لكن ،مرّة أخرى ، وراء كلّ هذا تكمن سيرورة الإنتاج الإجتماعيّة .
و لئن كان الحال أنّ هناك فقط مجموعة كبيرة من الرأسماليّين الذين يستغلّون الناس ، و لا وجود لكامل النظام السلعي هذا، حالئذ هذه المجموعة الكبيرة من الرأسماليّين يمكن أن تُعدّل الأشياء و تمنع كلّ هذا الجنون من الحدوث حيث يسرّح الناس من العمل و تُغلق المصانع و تنتقل المصانع من ناحية من العالم إلى ناحية أخرى ، بكلّ تبعات ذلك على الناس . أعنى أنظروا إلى دترويت . لقد سجّلت في خطاب " الثورة – لا شيء أقلّ من ذلك ! " (19) ، نقطة أنّه عق التمرّد في دترويت سنة 1967 ، فجأة قالت الطبقة الحاكمة : " آه ، لدينا مشكل كبير هنا في ديترويت ، لدينا كلّ هؤلاء السود دون شغل و هم يتعرّضون للتمييز العنصري و عنف الشرطة ، و يحسن بنا أن نخرج و نأجّر قسما منهم و نقدّم لها شغلا بأجور جي>ّة في مصانع السيّارات "- و فعلوا ذلك و أجّروا آلاف السود بالضبط عقب ذلك التمرّد. و الآن جميع مواطن الشغل تلك تبخّرت. دترويت حالة سلّة حيث قسم كبير من الناس في المدينة ليس بوسعهم حتّى الحصول بإستمرار على ماء نظيف . لماذا ؟ مرّد ذلك هو ديناميكيّة الرأسماليّة – الطابع غير المعدّل ، الطابع الفوضويّ للرأسماليّة حيث هذه الجماعات الرأسماليّة المختلفة وهي تتملّك فرديّا الثروة المنتجة إجتماعيّا ، في قطاعات متباينة ، في تنافس ليس فقط مع بعضها البعض في بلد خاص بل في تنافس مع الرأسماليّين عبر العالم بأسره و بالتالى يتعيّن عليها بإستمرار تغيير طريقة إنتاج الأشياء ، التنقّل المستمرّ من مكان إلى آخر، أو من جزء العالم الذى تتحرّك فيه لأجل محاولة المنافسة مع بعضها البعض ، مع التهديد بالغرق إذا لم تكن أكثر فعاليّة من غيرها . إذا لمم تستغلّ بفعاليّة أكبر الناس ، ستغرق أو ستقلّص إلى مكانة جماعات رأسماليّة من درجة ثانية، على حافة الغرق ، حتّى و إن كانت شركات ذات رؤوس أموال بالمليارات.
لمّأ كنت طفلا ، كانت سيسر مغازة كبرى في المنطقة التي كنت أقطن بها . و لمّا صرت يافعا حقّا ، كان هناك كاتالوج . قائمة مبيعات سيرس روبوك : لم نكن نشترى البضائع بواسطة هاتفنا الذكي بل كانت هناك قائمة مبيعات و كنّا نطلب البضائع عبر البريد. و سيرس هذه لا تزال موجودة غير أنّها ليست بحجم ولمارت أو ما شابه ذلك أنّ ولمارت وجدت طرقا أرخص للقيام بالأشياء دافعة أجورا اقلّ للناس في الجنوب ثمّ توسّعت إلى أنحاء أخرى من العالم ، لا سيما ما يسمّى بالعالم الثالث . فلديها عمليّات في أماكن مثل بنغلاداش . و المصنع الذى إنهار على النساء و قتل عددا كبيرا منهنّ و النيران التي إشتعلت في معامل و تسبّبت في تقل المئات ، كانت تصنع سلعا لولمارت ، و لهذا إستطاعت ولمارت أن تبيعها بثمن أرخص من بينس و سيرس أو أية شركة أخرى و بالتالى كانت تهدّد بيني و سيرس بالإفلاس – و انسوا كمارت إذ كان يعرج طوال الوقت .
و هناك وضع سلسلة السوبر ماركت الكبيرة أي أن بي ) A&p) التي ينتهى إلى سمعنا الآن أنّها تغرق . و أين هي الآن إذاعة شاك ؟ أو للعودة إلى الماضي ، أين هي قيصر السيّارات ( هناك قيصر للرعاية الصحّية لكن أين السيّارة التي كان قيصر يصنعها )؟
هذه مجرّد بعة أمثلة – و يمكن ذكر عديد الأمثلة الأخرى . و هذا تعبير عن فوضى الرأسماليّة – ليس كلّ شيء معدّل من قبل مركز واحد ، الرأسماليّون المختلفون جميعا في تنافس شرس مع بعضهم البعض و أحيانا حتّى تجمّعات ضخمة من الرأسماليّين الذين يتحكّمون في مليارات الدولارات لكنّهم دائما تحت تهديد الإنهيار إذا لم يجعلوا الأمور أكثر أرباحا من غيرهم الموجودين في المجال نفسه ، أو في مجال آخر ، الذين يبتلعونهم أو يطردونهم شرّ طردة من المجال برمّـه.
هذه هي طبيعة الرأسماليّة . الأشياء في تغيّر مستمرّ . و في مناسبة من المناسبات كان لى التعليق التالى : تمضى الأمور على ما يرام في الإقتصاد و فجأة يحصل إختراق بفضل تطبيقة فيتغيّر كلّ شيء . أحد المتخرّجين من ستانفورد ، أو أية جامعة أخرى ، يخترع أداة جديدة ، تقنية جديدة تجعل في آن واحد من الممكن و من الضروري أكثر فأكثر إنجاز الأشياء عبر الأنترنت ، بأكثر إنتاجيّة و فعاليّة فيقع تقويض بعض الطرق القديمة للقيام بالأشياء . فكّروا في شركة أوبار و سيّارات الأجرة / التاكسي أوبار تسحب الأرضيّة من العاملين في مجال سيّارات الأجرة ، و جدّ حدث كبير في فرنسا حيث كافة سائقى التاكسي حاولوا حرق أوبار لأنّها تضعهم جميعا خارج العمل . و هذا مجرّد مثال ، مرّة أخرى ، عن فوضى الرأسماليّة . يأتي أحدهم بتجديد في كيفيّة تنظيم الإنتاج أو توزيع الأشياء بطريقة أكثر فعاليّة ، بربح أكبر و بتكاليف إنتاج أقلّ – فيحدث إنفجار ، قد ينهار الذين إستثمروا مالهم في الطريقة الأكثر تقليديّة للقيام بالأشياء حتّى و عن كانوا يبلون البلاء الحسن لفترة.
هذه هي الديناميكيّة الأساسيّة للرأسماليّة . و لهذه الأسباب التي ذكرت ، ثمّة تنافس مستمرّ مع القرش الأكبر التي تبتلعه " قروش " أكثر فعاليّة حتّى . و في الوقت نفسه ، كافة هؤلاء الرأسماليّين مترابطين و في نهاية المطاف يُعدّلون بقانون القيمة – جميعهم مرتبطون معا بالواقع ، المعبّر عنه بقانون القيمة ، واقع أنّ قيمة الأشياء المنتجة تساوى كمّية العمل الضروري إجتماعيّا لإنتاج هذه السلعة ، لإنتاج هذه السلعة . و هذا التناقض رأسماليّون أو مجموعات الرأسماليّين توجد و تعمل كوحدات رأسمال منفصلة ، بينما في الوقت نفسه ، هم و هي مرتبطون معا و مضطرّون في آخر المطاف على العمل على أساس قانون القيمة – هذا ما يؤدّى إلى فوضى الرأسماليّة ، ما يؤدّى إلى كون الفوضى قوّة محرّكة للرأسماليّة و التعبير المفتاح عن التناقض الأساسي للرأسماليّة ، بين الإنتاج ذي الطبيعة الاجتماعية و التملّك الفرديّ. الفوضى هي التي تحرّك الرأسماليّين لإستغلال و إضطهاد الناس بكلّ الوسائل التي إعتادوا عليها جدّا جميعهم و منها عدم الاهتمام إن كنت إشتغلت لديهم لمدّة ثلاثين سنة و إن كان أطفالك مرتهنون تماما بالأجر الذى تتقاضاه – إن كان مربحا أكثر طردك و الإنتقال إلى مكان آخر ، هذه هي ببساطة قوانين اللعبة ، يا صاحبى ، وهي سيّئة جدّا بالنسبة لك لأنّ الأمر بالنسبة للرأسماليّين هو القيام بذلك أو الموت ، لأنّهم في تنافس مع مجموعة كاملة من الرأسماليّين الآخرين .
و كمثال معبّر عن هذا ، نُشر مقال جيّد للغاية (20) على موقع revcom.us حول هذا الرأسمالي الذى كانت لديه إستثمارات في البنغلاداش لكنّه أراد أن يكون رأسماليّا واعيا إجتماعيّا. و يعرض المقال جميع الطرق التي حاول من خلالها القيام بالأشياء بصفة مختلفة ، القيام بها بطريقة لن تتسبّب في الإستغلال الفاحش للنساء المشتغلات في المصانع التي يملكها – بعدم إبقائهنّ في ظروف فظيعة و تقديم المزيد من الخدمات الإجتماعيّة هلنّ – و كيف أنّه أُجبر على التخلّى عن ذلك بفعل ذات هذه الفوضى كقوّة محرّكة ، بفعل التنافس مع الرأسماليّين الآخرين الذين يقومون بالأشياء بأكثر فعاليّة و بطرق عديمة الرحمة أكثر . لذا حتّى و إن كان رأسماليّا طيبّ القلب – و قد يبدو هذا كجمعُ المختلف ( تناقض في العبارات ) فمع أنّه كان عمليّا رأسماليّا طيّب القلب ، لم يستطع أن يحافظ على " رأسماليّته الطيّبة " جرّاء الديناميكيّة الأساسيّة لما يحرّك الرأسماليّة .
و هذا أمر من الهام جدّا فهمه لأنّه يبيّن لماذا ليس بوسعنا إصلاح هذا النظام . مثلا ، ليس بوسعنا أن نجعل الرأسماليّين يتصرّفون بأكثر مسؤوليّة تجاه البيئة ز أنظروا إلى أوباما . إنّه " الرئيس الأخضر " . و مع ذلك ، فتح كلّ آبار التنقيب عن النفط هذه في كافة هذه المناطق الجديدة بما يفاقم من الكارثة البيئيّة المتطوّرة بعدُ ، لأنّ الولايات المتّحدة – أي الطبقة الحاكمة ن الرأسماليّون – الإمبرياليّون الذين يمثّلهم أوباما – في تنافس مع رأسماليّين آخرين حول العالم من أجل منابع النفط و من أجل القدرة على إنتاج النفط بأقلّ التكاليف . و النفط مورد إستراتيجي لع صلة وثيقة بالقوّة العسكريّة . الجيوش تحتاج إلى النفط و الجيش الأمريكي من أكبر جيوش العالم ، إن لم يكن أكبرها وهو أكثرها إستهلاكا للنفط. لذا ، حتّى و إن أراد أوباما ان يكون " رئيسا بيئيّا " بالمعنى الحقيقي ، لن تسمح له ديناميكيّة هذا النظام الرأسماليّ بفعل ذلك. هذا ما لا يفهمه الكثير جدّا من الناس . و بإستمرار يقع خداعهم و يخدعون أنفسهم لأنّهم لا يفهمون الديناميكيّة الأساسيّة و " قوانين " هذا النظام الذى يعيشون في ظلّه و كيف أنّ ذلك يحدّد إطار ما هو ممكن و ما هو غير ممكن بشأن تغيير الأشياء . حتّى و إن بدا أنّ لشيء ما الكثير من المعنى و لنكن عقلانيّين من وجهة نظر حاجيات الإنسانيّة ككلّ و مصالحها ، إذا لم يتناسب و ديناميكيّة الرأسماليّة هذه ، إذا لم يكن من الممكن العمل من خلال علاقات و ديناميكيّة الرأسماليّة ، لن يحدث في ظلّ هذا النظام . و لهذا يزداد وضع البيئة سوءا أكثر فأكثر. ومع ذلك ، لدينا شخصا كجارد ديامن كتب هذا الكتاب الجيّد جدّا ، " البنادق و الجراثيم و الفولاذ " (21) متحدّثا عن لماذا العالم كما هو و لماذا أصبح الناس، في بعض أنحائه ، يملكون المزيد من التقنية و السلطة فيما في أنحائه الأخرى ، يملك الناس أقلّ بكثير و هم مضطَهَدون من طر الذين يملكون أكثر و هكذا . هناك قدر معيّن من الماديّة و حتّى شيئا من الجدليّة في طيّات كتابه لكن تاليا حين ينظر في البيئة ، يرو الخراب الذى حلّ بالبيئة و واقع أنّ الوضع يكاد يبلغ نقطة تحوّ لن يكون معها من الممكن حيث لا عودة ، و ماذا يستخلص من ذلك؟ فكرة أنّه علينا التوجّه لإقناع المسؤولين عن هذه الشركات أنّه من مصلحتهم و أنّه في إنسجام مع مصالحهم العليا ، أن يكونوا أكثر عقلانيّة في تعاطيهم ع البيئة – هذا ما خرج به ! هو يظهر تماما فقط نوع الفهم الأساسي الذى حمل كتاب " البنادق و الجراثيم و الفولاذ " حتّى ببعض الحدود . لم يفعل سوى خداع نفسه رغم إمتلاكه فهما إلى درجة معيّنة لم يستوعب بعمق حقّا الديناميكيّة الأساسيّة لكيف يسير هذا النظام و كيف لا يمكننا تغييره إلى شيء آخر بمجرّد الحديث للناس عن ما سيكون أفضل لكوكب الأرض و للبشر على هذا الكوكب ، في المطلق . و هذا مرّة أخرى ، يمضى إلى المسألة الأساسيّة للماذا لا يمكن إصلاح هذا النظام و لماذا علينا أن ننشأ نظاما مختلفا تماما لأجل معالجة هذه المشاكل الإجتماعيّة بهذا الحجم الكبير، كالبيئة أو إضطهاد النساء أو إضطهاد مختلف الأمم و الشعوب.
و ليس الأمر أنّ تناقضات النظام الاقتصادي – التناقض الأساسي للرأسماليّة ، بين الطبيعة الإجتماعيّة للإنتاج و التملّك الفردي و ضمن ذلك الفوضى كقوّة محرّكة – ليس الأمر أنّ هذا هو الجزء الواقع الوحيد الذى له دلالته ، التناقض الوحيد الذى له دلالته ن التناقض الوحيد الذى له دلالته في هذا المجتمع أو في العالم ككلّ . هناك تناقضات أخرى هامّة جدّا لها حياتها الخاصة و ديناميكيّـها الخاصة . و على سبيل المثال ، إضطهادا النساء : مثلما أشرت إلى ذلك ، ظهر هذا الإضطهاد قبل الرأسماليّة . و كذلك إضطهاد مجموعات من الناس من قبل آخرين ، بعدّ أشكال متنوّعة . لكن عند هذه النقطة ، مع النظام الرأسمالي ، مع بلوغ مخالبه و إحكام قبضته على العالم كلّه ضمن ديناميكيّته العامة ، إتّخذت جميع هذه التناقضات المختلفة الآن إطارا أساسيّا لها النظام الرأسمالي . لذا ، بينما يمكن معالجة التناقضات الاجتماعية المختلفة و التي تملك ديناميكيّة خاصة ، ليس ممكنا مجرّد القول : " إذا أردنا التخلّص من إضطهاد النساء ، ما علينا إلاّ أن نغيّر النظام الاقتصادي"، علينا القيام بأكثر من ذلك بكثير – بعدُ بالنظر إلى مثل هذه الأشياء كإضطهاد النساء ، و حتّى و نحن نعالج هذا في حدّ ذاته، في نهاية المطاف ، ما نقدر على فعله سيتحدّد بطبيعة النظام الاقتصادي ذلك أنّ سير النظام الرأسمالي يعيّن جوهريّا الإطار الأساسي و الحدود الأساسيّة لما يمكن أن يحدث . و حتّى إن لم يكن هناك مشكل مع نمط الإنتاج الرأسمالي ، يحدث الأمر الآن داخل عالم أين ديناميكيّة ذلك النظام الاقتصادي أساسا وفى نهاية المطاف تحدّد المجال و الإطار الذى نتحرّك فيه .
تلخيصا لهذه النقطة الحيويّة يمكن أن نضع هذا على النحو التالي :
" في نهاية المطاف ، نمط الإنتاج يحدّد أساس التغيير و حدوده ، بمعنى كيفيّة معالجة أي مشكل إجتماعي ، مثل إضطهاد النساء ، أو إضطهاد السود أو اللاتينو ، أو التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، أو وضع البيئة ، أو وضع المهاجرين و ما إلى ذلك . و في حين أنّ لكلّ هذه الأشياء واقعها و ديناميكيّتها الخاصة و ليست قابلة للتقليص إلى النظام الاقتصادي ، فإنّها جميعا تسير في إطار و ضمن الديناميكيّة الجوهريّة لذلك النظام الاقتصادي ؛ و ذلك النظام الاقتصادي ، ذلك النمط من الإنتاج ، يحدّد أساس و في نهاية المطاف حدود التغيير في ما يتعلّق بكافة المسائل الاجتماعية . ومن ثمّة ، إذا أردنا التخلّص من جميع هذه الأشكال المختلفة من الإضطهاد ، ينبغي علينا أن نعالجها في حدّ ذاتها ، لكن ينبغي علينا كذلك أن نحقّق هذه التغييرات بالمعنى الجوهري . و لوضع ذلك بصيغة أخرى : يجب أن يتوفّر لدينا نظام إقتصادي لا يمنعنا من إحداث هذه التغييرات ، و بدلا من ذلك لا يسمح لنا فحسب بل يمدّنا بأساس مناسب للقيام بهذه التغييرات ".
سنعود إلى بعض هذه المواضيع . أعلم أنّها معقّدة و الاقتصاد السياسي شيء صعب بصفة عامة . سيكون لى المزيد من الحديث حول هذا لاحقا ، و من ذلك بعض تجربتى الخاصة مع دراسة اقتصاد السياسي و إضطراري إلى الصراع لإستيعابه لكن كذلك إلى لماذا من الضروري القيام بذلك – للحصول على فهم أساسي لهذا و مع الوقت مواصلة تعميق هذا الفهم . و إلاّ سنظلّ نسبح على السطح ،نتكلّم عن كيف نحتاج ثورة و ليس إصلاحا ، دون أن نملك أرضيّة صلبة للماذا ذلك كذلك، و بالتالى لا نقدر حقّا على إقناع الناس عندما يثيرون هذه الأسئلة التي نتمنّى أحيانا أن لا تُثار ، لكنّها عمليّا تحتاج إلى أن تُثار لأنّنا نحتاج حقّ الإحتياج إلى التعاطى مع العالم الحقيقي و ليس مجرّد البقاء في مجال صغير ضيّق أين نشعر بالراحة قائلين كلّ ما تعلّمنا قوله.
و لكن الآن ، عند هذا الحدّ نتحرّك نحو مسائل هامة أخرى .
الخلاصة الجديدة للشيوعيّة :
في بداية هذه السنة (2015) ، كتبت " الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة – خطوط عريضة " (23) الذى نُشر و ظلّ منشورا بشكل بارز بموقع revcom.us و في جريدة " الثورة " ؛ و عند نشره و إبرازه ، تمّ التشديد على أنّ هذا عرض موجز مهمّ في حدّ ذاته وهو كذلك ملحق مهمّ للحوار الصحفي لأرديا سكايبراك الذى على الناس مواصلة دراسته و إستخدامه و نشره شعبيّا على نطاق واسع .
يوفّر هذا العرض الموجز للخلاصة الجديدة للشيوعيّة معنى أساسيّا للمدى و للمنهج و المقاربة العلميّين و التوجّه الإستراتيجي الأساسيين الذين يميّزان الخلاصة الجديدة بإعتبارها تطويرا نوعيّا للشيوعيّة ؛ و ينبغي أن توفّر خطوطا عريضة هامة لمزيد الإنغماس في نقاش الخلاصة الجديدة . و هنا ، بدلا من التوغّل في مجمل العرض المتوفّر للناس لقراءته و الغوص فيه – و يجب أن يعود إليه الناس مرارا و تكرارا – أودّ أن أناقش و أحفّز أكثر على نقاش أهمّية الدراسة الجدّية ليس فقط للعرض الموجز نفسه فحسب بل كذلك لمضمون الخلاصة الجديدة التي يُلخّصها تلخيصا مكثّفا .
في الجزء الأوّل من هذا العرض الموجز ( " نقطة توجّه إستهلاليّة " ) يُقال إنّ الخلاصة الجديدة لا تزال " عملا بصدد التطوّر " حتّى بينما تمثّل تطويرا نوعيّا لعلم الشيوعيّة . و عليّ أن أقول إنّى أدهش بإستمرار بالطرق التي يمكن أن يشوّه بها النا الأشياء لينتزعوا منها قلبها و يقلّصوا الشيوعيّة على تحريفيّة . ما الذى نقصده بالتحريفيّة ؟ تحريف القلب الثوري للشيوعيّة و تحويلها إلى مقاربة واهنة للعبث بحدود الأشياء و النضال فقط من أجل بعض الإصلاحات و حتّى بإسم الشيوعيّة، يتمّ إبقاء الأشياء داخل إطار النظام الرأسمالي و علاقاته و طُرق تفكيره . لذا ، أنا أدهش بإستمرار بكيف يمسك أناس بأشياء في علاقة بالشيوعية ، حتّى أشياء متّصلة بمزيد تطوير الشيوعيّة و يعيدون إخراجها في سفاسف تحريفيّة . و سبب قولى هذا هو أنّه إنتهى إلى مسامعى أنّ في تقرير حديث جرت الإشارة إلى إنّه عندما تنُشر العرض الموجز – و في العرض الموجز قيل إنّ الخلاصة الجديدة بالمعنى الواقعي ، " عمل بصدد التطوّر " ، بما أنّي لا أزال أنا نفسى منكبّا بنشاط على القيادة و التعلّم من عدّة مصادر مختلفة ، لكن من الصحيح قول إنّ هذه الخلاصة الجديدة تمثّل تطويرا نوعيّا للشيوعيّة .
و قد يتقدّم أحدهم ليقول بالأحرى : " حسنا ، المهمّ هنا أنّها " عمل بصدد التطوّر ". لا ، بوضوح ما يتمّ التشديد عليه كشيء أساسي و ما هو عليه الحال موضوعيّا هو أنّ هذه الخلاصة الجديدة تطوير نوعيّ للشيوعيّة حتّى والإشتغال عليها لا يزال قائما . إذا قلبنا الأمر رأسا على عقب و شدّدنا أنّ الأساسي هو أنّها " عمل بصدد التطوّر "، عندئذ لن يكون عليكم حقّا أخذ الأمر على محمل الجدّ تماما : إنّها مجرّد " عمل بصدد التطوّر" ، ليست حقّا " كلّ ذلك " ن إنّها مجرّد شيء أحدهم بصدد الإشتغال عليه و ربّما في يوم ما ستتطوّر إلى شيء مهمّ حقّا . بالفعل ، و الواقع هو أنّ النقطة الهامة هي أنّه بمعنى العنصر الجوهري و الأكثر أساسيّة في الخلاصة الجديدة - أي منهجها و مقاربتها العلمّين . و مزيد تطوير الشيوعيّة كعلم – و كل ما ينجم عن ذلك و يتشكّل بذلك ، أنّه في كافة المجالات المختلفة ( بما فيها إستراتيجيا الثورة و طبيعة المجتمع الذى نناضل في سبيله و التوجّه الأممي لنضالنا كافة ) ،الشيوعيّة كعلم قد عرفت مزيد التطوير ، بشكل نوعي .
و لنتوقّف للحظة و نتكلّم عن هذا : من يهتمّ إن كانت الشيوعيّة قد تطوّرت أكثر ؟ عند هذه النقطة ، سيقول الكثير من الناس، " لست شيوعيّا ، لذا لا أهتمّ إن كانت الشيوعيّة قد تطوّرت أكثر ".حسنا ، قبل كلّ شيء ، " إذا لم تكن شيوعيّا فيتعيّن عليك أن تصبح شيوعيّا . و في الواقع ، مثلما تكلّمت عن ذلك قبلا ، تمثّل الشيوعيّة الطريقة الأكثر إنسجاما و منهجيّة لفهم العالم و تغييره و ليس فقط ببعض المعنى العام و المجرّد بل بإتّجاه هدف معيّن يكشف علم الشيوعيّة – و ليس دين بل علم الشيوعية – أنّه ممكن و مرغوب فيه أيضا . ترون ليس مثل " آه ، نودّ أن يكون لدينا عالم شيوعي خالى من الإستغلال و الإضطهاد ، لذا لنجد علما يوصلنا لى مرمانا ". لا . واقع إمكانيّة وجود – و ليس هناك ضمان لهذا ، لكن من خلال الصراع هناك إمكانيّة تحقيق – عالم مختلف راديكاليّا تماما ، عالم شيوعي خال من الإستغلال و الإضطهاد ، و هذا الواقع نفسه محدّد علميّا بفحص الديناميكيّة الفعليّة للمجتمع الإنسانيّ عبر التاريخ و كيف تغيّر و إلى ماذا أدّى ، و ما هي الإمكانيّات التى فتحها الآن. إذن حتّى هدف الشيوعيّة ، في المقام الأوّل ، هدف محدّد علميّا و ليس شيئا ببساطة نتمنّى أن يكون صحيحا. ثمّ ، لأجل بلوغ ذلك الهدف ، وسائل تحقيق ذلك الهدف ينبغي كذلك أن تنبع من منهج و مقاربة علميين لأنّه إن لم نكن علميّين ، إن لم نتفحّص علميّا العالم كما هو عمليّا و كما يتحرّك و يتبدّل بواسطة التناقض و الصراع بين القوى المتعارضة، عندئذ لن نقدر على بلوغ نوع التغيير الذى نحتاج بلوغه و سنسقط بإستمرار في أحابيل الخداع و في خداع النفس .
لهذا ، من المهمّ أن يكون علم الشيوعيّة قد تطوّر أكثر تطوّرا نوعيّا بالبناء على ما جدّ سابقا في الأساس لكن كذلك بإستيعاب بعض المظاهر الثانويّة للفهم السابق للشيوعيّة و التي تمضى عمليّا ضد و كانت في تعارض مع طابعها الأساسي العلمي . منذ زمن ماركس وصولا إلى ماو ، كانت الشيوعيّة علميّة في منهجها و مقاربتها إلاّ أنّه وُجدت عناصر فيها مضت ضد ذلك المنهج و تلك المقاربة العلميين ، و الخلاصة الجديدة تتمسّك بما هو إيجابي و تبنى على الأجزاء الأساسيّة الإيجابيّة لكنّها كذلك تنبذ وتستبعد أو تعيد صياغة بطريقة أصحّ بعض الأشياء من بدايات تطوّر الشيوعيّة لم تكن علميّة بصورة تامّة. و هذا يعنى أنّ كلّ شيء بشأن الخلاصة الجديدة تام ، لا يعنى أنّ بعد قرن من الآن لن يأتي أناس آخرون و يقولون : " حسنا ، هذا الشيء هنا ليس صحيحا تماما ". و لهذا صلة بطبيعة العلم ، في تعارض مع الدين . العلم شيء متطوّر بإستمرار . أذكر أنّي تحدّثت مرّة إلى أناس حول موقف ماو حين قال إنّه بعد عشرة آلاف سنة من الآن ، سنبدو جميعا بالأحرى سخيفين . و هذا بلا شكّ صحيح – و ربّما حدث ذلك في مدّة أقصر حّتى من تلك. و ما كان ماو يقصده هو أنّه بالنسبة لنا كشيوعيين و كذلك بالنسبة للناس بصفة أعمّ ، سيتبيّن أنّ فهمنا متخلّف جدّا بالنسبة إلى ما ستتعلّمه الأجيال القادمة، على إفتراض أن يظلّ هناك بشر في العالم .
لكن المظهر الأساسي للشيوعيّة ليس أنّها سخيفة . مظهرها الأساسي علميّ و في الوقت نفسه من الميزات الأساسيّة للعلم أنّه يتطوّر بإستمرار ، أنّه يعرّض بإستمرار نفسه للنقد و كذلك الإستماع على و التعلّم من نقد الآخرين . و بلا هوادة يضع نفسه موضع السؤال في كلّ مرّة يتمّ فيها تعلّم شيء جديد . إنّه يبنى على تبيّن قبلا أنّه صحيح حتّى وهو يبقى منفتحا على فهم أنّ على الأقلّ أجزاء ممّا هو معروف على أنّه صحيح أو كان قبلا يُعتقد أنّه صحيح ، يمكن أن يكون خاطئا . هذه هي طبيعة العلم . سواء تعلّق الأمر بالبيولوجيا أو بالفيزياء أو الكيمياء أو علم الفلك أو أي حقل علميّ آخر ، هذه هي الطريقة التي نعتمدها . ننطلق من أساس لبّ معيّن من الفهم تبيّن بواسطة المنهج العلمي لبحث الواقع و تلخيصه أنّه صحيح ، و نمضى لنطبّق ذلك على مشاكل جديدة و على تجربة جديدة و نحن منفتحون دائما على إمكانيّة أن تكون حتّى أجزاء من ما نعرف أنّه صحيح في زمن معطى قد لا تكون صحيحة لكن ليس مجرّد العودة إلى نقطة البداية الأولى و الشروع من الصفر كما لو أنّنا لا نعرف أي شيء في كلّ مرّة نمضى فيها إلى بحث الواقع . ينبغي أن يكون لدينا لبّ حتّى و نحن منفتحون على إعتبار أنّ ما نعرفه في زن معطى قد لا يكون صحيحا في بعض المظاهر أو حتّى في جزء منه قد يكن خاطئا تماما و ينبغي رميه جانبا – غير انّنا لا نرمى جانبا بكلّ لبّ المعرفة المراكمة .
و بالتالى ، دلالة الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ليست أنّ الشيوعيّة كعلم و تطبيقها في عديد هذه المجالات المفاتيح و هذا يوفّر أساسا جديدا نوعيّا للناس ، ليس فقط هنا بل عبر العالم ، لخوض النضال لتجاوز العالم المليء أهوالا الذى نعيش فيه الآن.
في خطاب لى سابق ( 24 )، عقدت مقارنة بين ماركس و داروين . و داروين كما تعلمون طوّر و لخّص نظريّة التطوّر مدلّلا ليس فحسب على أنّ الأشياء قد تطوّرت وهو شيء كان العديد من الناس الآخرين يفكّرون في أنّه قد يكون صحيحا ، و إنّما كذلك الوسائل و الميكانزمات / الآليّات الأساسيّة التي عبرها جدّ ذلك - أنّ الأصل مع تغيير هو الذى كان يحمل إمكانيّة تطوّر أنواع جديدة . و دون التوغّل في كلّ ذلك الآن ، كان ما تقدّم به داروين أي نظريّة التطوّر ثورة عظيمة في تفكير الإنسانيّة و ماركس الذى كان على قيد الحياة زمنها تأثّر كبير التأثّر بما جاء به داروين و إعترف بأهمّيته بمعنى كونه إختراقا نوعيّا في المقاربة العلميّة للواقع و عندما كتب ماركس عمله العظم " رأس المال " (25) كان عمليّا يريد أن يهديه إلى داروين إعترافا منه بأهمّية ما أنجزه داروين إلاّ أنّ هذا الأخير كان مرتبكا حيال بهذا الصدد – كان بعدُ يتلقّى هجمات كبرى لأنّ ما قاله يتعارض و معتقدات القوى الدينيّة و كلّ شيء آخر .لذا لم يفعل ماركس ذلك . و قد سجّلت في خطاب سابق نقطة أنّ ما أنجزه ماركس في مجال المجتمع الإنساني – مقاربة و تحليل و تلخيص علميين للمجتمع الإنساني و تاريخ تطوّره و التناقضات و القوى المحرّكة له – كان معادلا لثورة في التفكير الإنساني ، من مستوى ما ساهم به داروين في العلوم الطبيعيّة . و صحيح حقّا أنّه ليس بوسعنا الحديث عن العلوم الطبيعيّة اليوم إذا لم ننطلق من القاعدة الأساسيّة لما تقدّم به داروين ، حتّى و إن كانت بعض الأشياء التي فكّر فيها داروين ليست عمليّا صحيحة تماما ، و قد تعلّمنا أشياء هامة منذ زمن داروين . فمثلا ، داروين لم يعرف أي شيء عن علم الجينات . و هذا الفرع الخاص من العلم لم يكن قد تطوّر زمن داروين بيد أنّ علم الجينات إنسجم و أكّد بقوّة كبيرة الفهم الأساسي لداروين لنظريّة التطوّر .
ما أنجزه ماركس في مجال علم الإجتماع و تغيّر المجتمعات كان بمستوى ما أنجزه داروين في مجال العلوم الطبيعيّة ، و بخاصة في مجال البيولوجيا ز و مع ذلك نستمع إلى كافة أنواع المجانين الذين يقدّمون أنفسهم على أنّهم أكاديميّون و ما إلى ذلك ، يتحدّثون عن المجتمع الإنساني و " ديمقراطيّة هذا و " إنتخابات ذات " و هياكل السلطة هذه و كيف يُفترض أن يتكوّن المجتمع بفرض علاقات سلطة ، بدلا من فهم الديناميكيّة الأساسيّة الكامنة وراء تطوّر المجتمع الإنسانيّ . كلّ هؤلاء الناس يتكلّمون على طريقة الأساقفة و يتجاهلون و يغضّون النظر و يشوّهون كلّ ما تقدّم به ماركس لتمكيننا من فهم الديناميكيّة الأساسيّة للمجتمع الإنساني – تسمعون هذا طوال الوقت و بوسعكم أن تقصدوا أيّ مركبّ جامعي و سماع هذا على الدوام – يهذون حول المجتمع الإنساني دون الإشارة أو مع تجاهل أو تشويه ماركس ؛ إنّهم ضمن ذات صنف البشر الذين يحاولون شرح العالم الطبيعي و التطوّر و مزيد تغيّر الأنواع على الأرض دون الإعتماد على أو حتّى معارضة داروين.
هذا هو مدى أهمّية ما أضافه ماركس عمليّا . فالأمر يشبه وضع بشر قابعين في الظلام و يحاولون فهم لماذا هو في الوضع الذى يوجدون فيه و يأتي أحد و يسلّط ضوءا ساطعا على كامل الصورة و يكشف الأشياء كلّها الجارية ليس حولهم فحسب بل يمضى بها على الأساس الذى كان يحدّد إطار كلّ ما كانوا يعيشونه. و مذّاك ، تطوّرت أكثر الشيوعيّة . إنّها علم حيّ عرف تطوّرا نوعيّا عندما ركّز لينين بو رتّب منهجيّا عض الفهم الجديد حول الإمبرياليّة – كيف تطوّرت الرأسماليّة إلى نظام عالمي – و أبعاد أخرى من الشيوعيّة . و أضاف ما قفزة أخرى في تطوير الشيوعيّة : مبيّنا مثلا أنّ في المجتمع الإشتراكي يتواصل الصراع بين مختل الطبقات – أنّ الإشتراكية ليست مجتمعا حيث الجميع أنصار الإشتراكية و لا توجد نزاعات أو تناقضات أساسيّة ، في النظام الاقتصادي ، أو في العلاقات الإجتماعيّة أو في النظام السياسي أو في تفكير الناس – أنّ المجتمع الإشتراكي في الواقع مجتمع ديناميكي ، مجتمع إنتقالي ينبغي أن يتقدّم نحو البلوغ التام للشيوعيّة ، إلى جانب الشعوب عبر العالم و إلاّ سيتراجع إلى الرأسماليّة . و لم يشرح ماو أنّ الطبقات و الصراع الطبقي يتواصلان في المجتمع الإشتراكي و الأكثر حيويّة هو الصراع بين البروليتاريا و البرجوازية و بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي فحسب بل أنّ هذا يتّخذ تعبيرا مكثّفا عنه صلب الحزب الشيوعي نفسه ، القوّة القياديّة داخل المجتمع الإشتراكي . لم يكن هذا شيئا مفهوما قبل ماو أو لم يكن مفهوما فهما منهجيّا .
وهكذا ، مرّت الشيوعيّة عبر هذه القفزات المختلفة في تطوّرها . و عودة إلى اليوم ، حين أشخاص مثلى أنا تقدّمنا و صرنا شيوعيين ، إعترفنا بهذا الخطّ الفاصل الجوهري صلب الحركة الشيوعية زمنها بين الذين رفضوا الإعتراف بأهمّية ما أنجزه ماو – مشيّدا على ما بناه ماركس ولينين لكن قاطعا قفزة أخرى – مقابل الذين رفضوا الإعتراف بذلك أو رفضوه حتّى و إن كانوا يسمّون أنفسهم شيوعيين ، الذين كانوا ينظرون إلى أماكن كالإتحاد السوفياتي أو كوبا أو الفيتنام كنماذج لما يجب ان تكون عليه الشيوعية . في حين أنّها في الواقع ليست في شيء من هذا الصنف . أذكر مثلا ، أنّ أحدا كتب مقالا معارضا فكرة أنّ ماو كان يمثّل قفزة أخرى في الشيوعيّة و قدا حاجج : " لماذا يعير الجميع إنتباها بهذا القدر لماو ؟ ماذا عن فيدال كاسترو في كوبا و ماذا عن لى دوان ( الذى كان على رأس الحزب الفيتنامي عقب وفاة هو شى منه )؟ لماذا ليست أفكارهم ببساطة بأهمّية أفكار ماو ؟ حسنا ، لسبب أساسي هو أنّهم لم يكونوا على صواب ، لم يكونوا شيوعيّين . ما كاوا يمثّلون مزيدا من تطوير علم الشيوعيّة بل كانوا يمثّلون إنحرافا عنها أخذ الأشياء بعيدا عن فهم العالم فهما علميّا و القدرة على تغييره بإتّجاه الشيوعيّة . لذا ، لم نضطرب بهذا المضمار ن لم نتردّد . و أعلننا للجميع و على الملأ : إذا كنتم شيوعيين في عالم اليوم ، أنتم من أنصار ماو ن أنتم ماويّون . و إذا لم تكونوا من أنصار ماو ن إذا لم تكونوا ماويّين ، يمكن أن تسمّوا أنفسكم شيوعيّين من زمن فتح أعينكم صباحا إلى ساعة نومكم ليلا لكنّكم لستم شيوعيّين حقيقيّين. و قد مضينا للصراع حول هذا . تريدون تسمية أنفسكم شيوعيّين و تتحدّثون عن كوبا فلنتحدّث عن ما يجرى بكوبا . إنّها ليست على طريق الشيوعيّة. لا تريدون الإشتباك مع ماو فلنتحدّث لماذا تحتاجون إلى ذلك . كنّا هناك حاملين يقينا علميّا أساسيّا . إن كنتم شيوعيّين فإنّكم من أنصار ماو . هذا هو الأمر .
و في كلّ أسبوع ، كانوا يرسون إلينا مجلّة من الصين ، " مجلّة بيكين " . و إذا إستطعتم تصوّر ذلك – معاييرنا لم تكن كبيرة جدّا في تلك الأيّام ، بطريقة معيّنة – كنت عمليّا أحصل على هذه المجلّة التي كانت ترسل إلى عنوان منزلي . هذه ليست الطريقة التي يجب أن ننجز بها ألمور لكن هذه هي الطريقة التي أنجزنا بها بعض الأشياء أيّامها . : كانت " مجلّة بيكن " تصل لى عنوان منزلى . و ما كنت أعرف ساعي البريد لكنّى كنت أحصل عليها أسبوعيّا و كانت تتضمّن مقالات حول الصين و العالم و حول النضالات الثوريّة الجارية في العالم و كيف كانوا يشيّدون إقتصادا إشتراكيّا في الصين و كيف كانوا يعالجون المسائل الإجتماعيّة مثل إضطهاد النساء ، و ما هي الصراعات الدائرة صلب الحزب الشيوعي الصيني، بين الذين كانوا إلى جانب ماو و يقاتلون للتقدّم على الطريق الإشتراكي بإتّجاه الشيوعيّة من جهة ،و الذين و منهم من هم في مناصب عليا ، كانوا يراجعون ، يحرّفون الشيوعيّة لعقلنة العودة إلى الطريقة الرأسماليّة للقيام بالأشياء – أناس كانوا يُسمّون بالتحريفيّين ، أناس في السلطة أتباع الطريق الرأسمالي . وُجد هذا الصراع : ما الذى كان يقوله أتباع الطريق الرأسمالي و لماذا هو خاطئ و ما الذى كان أنصار ماو يقولونه ، و لماذا علينا إستيعاب ذلك ؟ كلّ أسبوع كنت أحصل على تلك المقالات و كنت أنتظرها بشوق و رهبة . و لمّا أحصل على المجلّة ، أمزّق الطرد و أشرع في قراءتا . كلّ أسبوع كنّا ننظر في " مجلّة بيكين " لنسترشد بها بصدد كيفيّة فهم ما يحصل في العالم و ما هي القضايا الكبرى و ما هي النضالات الثوريّة الجارية و ما الذى كان الماويّون في العالم يقومون به بشأن كلّ هذا .
لذا ، لم نكن مضطربين بشأن قول إذا شئتم أن تكونا شيوعيّين حقّا ، يجب أن تكونوا ماويّين . لكن الأشياء تظلّ في تطوّر. كان هذا قبل وقت بعيد. و مذّاك حدثت أشياء كثيرة منها إعادة تركيز الرأسماليّة في الصين . و بُعيد وفاة ماو سنة 1976 ، أعاد التحريفيّون ، أتباع الطريق الرأسمالي ، و إن كانوا يواصلون إستخدام إسم الشيوعيّة ن أعادوا تركيز الرأسماليّة في الصين – إفتكّوا السلطة و أعادوا تركيز الرأسماليّة و أطاحوا بخبث بالثوريّين الذين عارضوا ذلك. حسنا ، أنجز عمل لفهم ذلك و لمواصلة الخوض في التناقضات التي تواجهنا في العالم – ليس بهف إضافة مرحلة جديدة في الشيوعيّة بمعنى ما مجرّد ، بل لأجل التمكّن من معالجة المشاكل العميقة الحقيقيّة و الحاجيات الكبرى للقيام الفعلي بالثورة التي نحتاج القيام بها من أجل أن يقدر البشر على السير على طريق تحرير أنفسهم و تجاوز هذا الجنون الذى يأسر الجماهير الشعبيّة في العالم و يشدّها إلى أسفل . و الواقع هو أنّ نتيجة هذا كانت حصول قفزة نوعيّة ، خلاصة جديدة ، في تطوّر الشيوعيّة .
و لوضع هذا بصورة مكثّفة ، ما تجسّده هذه الشيوعيّة الجديدة هو ثورة إلى حدّ أبعد و مزيد الثورة في الفكر الإنساني- مزيد الثورة التي تنطلق من الساس العلمي الجوهري للشيوعيّة منذ تأسيسها على يد ماركس ( جنبا إلى جنب مع إنجلز )- وهي بالمعنى الشامل داخل الإطار الأساسي نفسه إلاّ ّأنّها في الوقت ذاته تعنى قفزة نوعيّة في تطوّر الشيوعيّة . و بطبيعة الحال، مثلما شدّدت على ذلك في عدّة مناسبات ، ستظلّ هناك حاجة مستمرّة كما هو الحال بالنسبة للعلوم جميعها لمواصلة مزيد التعلّم ومزيد تطوير الشيوعيّة في العالم بما فيها تطوير نضال ثوريّ يكون هدفه في آخر المطاف عالم شيوعي ز لكن ما هو حيويّ للإدراك عند هذه النقطة هو واقع أنّ الخلاصة الجديدة للشيوعيّة تمثّل و تجسّد حلاّ نوعيّا للتناقض الحيوي الذى وُجد صلب الشيوعية فى تطوّرها إلى هذه اللحظة ، بين منهجها و مقاربتها العلميّين جوهريّا من جهة و مظاهر من الشيوعية مضت ضد ذلك . و الأكثر حيويّة هو أنّ الخلاصة الجديدة ركّزت الشيوعيّة على قاعدة علميّة أرسخ و أكثر إنسجاما .
لذا اليوم ، أمران صحيحان : أوّلهما ، الإنسانيّة ، جماهير الإنسانيّة المضطهَدَة ، و في نهاية المطاف الإنسانيّة ككلّ ، تحتاج حقّا إلى الثورة و الشيوعيّة . و فقط عبر الثورة المؤدّية إلى الشيوعيّة في نهاية المطاف بلوغ عالم شيوعي خالي من الإستغلال و الإضطهاد ، يمكن وضع نهاية لهذه الفظائع التي يتعرّض لها الناس بملياراتهم حول الكوكب و يمكن توفير قاعدة للتعاطى مع البيئة على نحو لا يفاقم من التحطيم الممكن لحياة الإنسان . لهذا الأمر جوهريّ . و هذه حقيقة أساسيّة : فقط إن وُجد أناس شيوعيّون حقّا ويناضلون لقيادة الناس على طريق القيام بالثورة -فقط إلى درجة حصول ذلك ، هناك مخرج من هذا الجنون و هناك وسيلة لوضع نهاية أخيرا لليل الطويل الذى تتعرّض له الإنسانيّة منذ آلاف و آلاف السنين . هذا شيء صحيح .
و الأمر الصحيح الثاني هو : تمثّل الخلاصة الجديدة في ما يتعلّق بمنهج و مقاربة فهم المجتمع الإنساني و تغييره ؛ و تطبيق هذا المنهج و هذه المقاربة على تناقضات الثورة و مشاكلها الحيويّة ، تمثّل قفزة نوعيّة في تطوير علم الشيوعيّة.
في 1975 ، كان من الصحيح موضوعيّا أنّه إذا لم نكن من أنصار ماو و لم نكن نتبنّى ما أضافه ، لم نكن شيوعيّين . و في 2015 ، من الصحيح موضوعيّا أنّه إذا لم نكن من أنصار الخلاصة الجديدة و القيادة التي تقدّمت بها ، بوسعنا أن نسمّي أنفسنا كما نريد لكنّنا لسنا شيوعيّين ، لسنا بصدد تبنّى و تطبيق الفهم العلميّ الذى تحتاجه الجماهير الشعبيّة في العالم للتحرّر و لتحرير الإنسانيّة .
و كلّ هذا يؤكّد على أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعيّة و لماذا على الناس أن يهتمّوا لها .
و من هذا ، يجب أن تبرز بوضوح أهمّية الطليعة الشيوعيّة الثوريّة المعتمدة حقّا على الخلاصة الجديدة و المطبّقة لها تطبيقا صريحا و المساهمة في مزيد تطويرها . هناك حاجة ماسة لتبنّى هذه الخلاصة الجديدة على نطاق واسع في هذا المجتمع و في العالم ككلّ : في كلّ مكان يتساءل الناس لماذا الأشياء كما هي و هن إمكانيّة عالم مختلف ؛ في كلّ مكان يتحدّث الناس عن " الثورة " لكن ليس لديهم فهم حقيقي لما تعنيه الثورة و لا مقاربة علميّة لتحليل و معالجة ما هم ضدّه و ما نحتاج إلى القيام به ؛ في كلّ مكان ، ينهض الناس في تمرّد لكنّهم يُطوّقون و يُخذلون و يُتركون برحمة المضطهِدِين المجرمين ، أو يقادون في وجهة خاطئة لا تفعل سوى تعزيز ، عادة بعنف وحشيّ ن لسلاسل عبوديّة التقاليد ؛ في كلّ مكان يحتاج الناس إلى مخرج من ظروفهم اليائسة لكنّهم لا يرون مصدر عذاباتهم و طريق الخروج من الظلمات .
و في الوقت نفسه ، لإمتلاك معنى حقيقيّا لمضمون و دلالة الخلاصة الجديدة ، من المهمّ تحصيل فهم أساسيّ لما تبنى عليه – و ما تلخّصه . اثناء هذا العرض ، معظم هذا سنتعمّق فيه ( و إلى درجة معيّنة ، قد قمنا بعدُ بذلك ) – كلّ من الخلاصة الجديدة نفسها و أساسيّات النظريّة الشيوعيّة التي تنطلق منها و تقوم بمزيد تلخيصها – كلّ هذا شيء هام جدّا لمواصلة الحصول على أرضيّة أعمق . و هنا ، مجدّدا ، العرض العام للخلاصة الجديدة يوفّ أساسا هاما و مرشدا للقيام بذلك .
أسس الثورة :
إليكم موقف آخر يكثّف قدرا كبيرا من المعلومات بهذا المضمار : تكمن أسس الثورة في التناقضات المحدّدة لهذا النظام و التي لا يمكن معالجتها في ظلّ هذا النظام . لا ننطلق أو لا ينبغي أن ننطلق من " العالم كما هو " بالمعنى الستاتيكي / الثابت – مفتقرين مرّة أخرى ، لفهم التناقض و الحركة – لأنّ ذلك سيؤدّى إلى البقاء " أسرى " " العالم كما هو ". نحتاج إلى الإنطلاق على أساس إستيعاب التناقضات الكامنة و المحرّكة لكلّ نظام أو سيرورة ، و التغيّر الذى تسفر عنه و إمكانيّة أن يُولّد ذلك تغييرا راديكاليّا عميقا إن كان في الواقع يفعل ذلك . و هذا شيء شدّدنا عليه بصورة متكرّرة من عدّة زوايا مختلفة ، في خطاباتى و كتاباتى . و هذا كذلك شيء جرى الكلام عنه مرّة أخرى بطريقة جدّ مقنعة في الحوار الصحفي مع أرديا سكايبراك غير أنّه شيء قد تمّ نسيانه - أكثر من اللازم و في مناسبات أكثر من اللازم – و وُضع جانبا أو أُدير له الظهر من قبل حتّى الكثيرين في الحركة من أجل الثورة بمن فيهم منتمين إلى الحزب الذى يتحمّل مسؤوليّة أن يكون النواة القياديّة للثورة و ثمّة حاجة يائسة جدّا له. و هو امر لا بدّ من أن يتغيّر – الآن – و لا بدّ من الخوض فيه بجدّية . و في الوقت الحاضر سأترك ذلك ببساطة ليفكّر فيه الناس – و سنعود نهائيّا للتالى : لماذا علينا أن نعتمد على فهم أين يكمن أساس الثورة و واقع أنّه لا يكمن في ما يفكّر فيه الناس أو يفعلونه في أي زمن معيّن أو ما قاله لكم أستاذ دراسة الجندر أو ما سمعتموه عن شخص في ركن من الشارع في الأسبوع الماضى لكن يكمن في التناقضات الفعليّة التي تحدّد هذا النظام و التي لا يمكن معالجتها في ظلّ هذا النظام .
الأبستيمولوجيا و الأخلاق و الحقيقة الموضوعيّة و هراء النسبيّة
و لنعد إلى مسألة الأبستيمولوجيا [ نظريّة المعرفة – المترجم ] – و بالأخصّ الأبستيمولوجيا و الأخلاق . لقد أبرزت نقطة – و هذا أيضا في " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " (26) - أنّ هناك مكان حيث تلتقى الأبستيمولوجيا و الأخلاق .(27) ماذا يعنى هذا ؟ إنّه يعنى أنّه إذا توصّلنا إلى فهم أشياء معيّنة ، عندئذ يطرح هذا السؤال نفسه : ماذا سنفعل بما توصّلنا إلى فهمه ؟ هل نتبعه أم ندير له الظهر أم نحرّفه و نخفّفه و نحوّله إلى شيء آخر ؟ هذه هي أماكن إلتقاء الأبستيمولوجيا بالأخلاق . و لا يحدث هذا مرّة واحدة و إنّما يحدث بصفة متكرّرة في الحياة و بطريقة مستمرّة ، لكلّ فرد. التحدّيات تطرح نفسها بلا توقّف. و نحن نتعلّم أشياءا عن الحياة و العالم ، ما الذى نفعله بما نتعلّمه ؟
و يوصلنا هذا إلى المقاربة العلميّة للحقيقة ، خاصة و هذا يطرح نفسه مجدّدا ضد الطرق الخاطئة لمقاربة العالم – و بالخصوص ، لنتكلّم أكثر قليلا عن النسبيّة .إنّها موجودة بصورة كبيرة و يقع التشجيع عليها صراحة لا سيما في المجال الأكاديمي – ربّما لديّ " جونس " حول هذا لكن ليس دون سبب جيّد – لدينا هذا الهراء القائل بانّه لا وجود لواقع موضوعي بل إنّ مجرّد الادعاء بوجود واقع موضوعي ، و بإمكانية التوصّل إلى معرفته ، مفهوم شمولي / كلياني . و إن لم ينته هذا بعدُ إلى مسامعكم بشكل أو آخر وهو يحدث خاصة في المجال الأكاديمي ، لا سيما على هذا الشكل : " التحدّث عن الحقيقة مفهوم كلياني – لا يدع مجالا لأفكار الناس الآخرين ، إنّه شمولي و مخيف – هذا ما أدّى إلى كافة أنواع المشاكل السيّئة للقرن العشرين ، الناس الذين يتحدّثون و يتصرّفون على هذا النحو ، كما لو أنّ هناك واقع موضوعي و حقيقة تتناسب و الواقع الموضوعي ".
لكن بالرجوع إلى ما قيل سابقا ، هناك فعلا واقع موضوعي – و الحقيقة هي فعلا إنعكاس صحيح أو تتناسب مع ، الواقع الموضوعي الفعلي . هذه هي الحقيقة . و أجل ، صحيح أنّ لا أحد بإمكانه أبدا معرفة الحقيقة كلّها حول كلّ شيء ، و ينبغي أن نظلّ دائما منفتحين على فكرة أنّ ما نفهمه على أنّه الحقيقة حول شيء خاص قد لا تكون صحيحة تمام الصحّة أو ربّما حتّى قد تتحوّل إلى شيء خاطئ في الأساس . لكنّنا لسنا و لا ينبغي أن نكون لا أدريّين / لا عرفانيّين : " آه ، من يعلم ما هي الحقيقة ، لا يمكنكم حقّا قول أي شيء على العالم الحقيقيّ " لا . ننطلق من العالم الواقعي، نتفاعل مع العالم الواقعي و نفحص أفكارنا بمحكّ العالم الواقعي و نستخلص إستنتاجات علميّة من ذلك إعتمادا على الأدلّة و على التلخيص و نستشفّ الأفكار من نماذج الواقع التي تظهر و يمكن أن تشخّص من مراكمة الأدلّة . و من الهام جدّا حين نفكّر في ذلك ، يكون كلّ انصار النسبيّة كذلك إلى أن يحصل ذلك معهم حقّا . " لا أعتقد أنّ أي شخص بوسعه أن يقول حقّا ما هي الحقيقة الموضوعيّة. إلاّ أنّه كما تعلمون في الأسابيع القليلة الأخيرة لم أكن أشعر بأنّ صحّتى على أفضل حال لذا قصدت الطبيب ". فقال لى " إنّ عليّ إجراء بعض الفحوصات ". ثمّ نادونى لاحقا ليقولوا لى" قمنا ببعض الفحوصات و تبيّن أنّ لديك مشكل في الكبد ". حسنا ، من أنتم لتقولوا إنّ لديّ مشكل في الكبد ؟ " ليس هكذا يتصرّف الناس حتّى أكثر أنصار النسبيّة تشدّدا عندما يحصل هكذا أمر معهم . ثمّ فجأة يكتشفون أنّ هناك فعلا عالم حقيقي و عمليّا أناس يفهمونه و لديهم ما يقولونه حول ما يمكنكم القيام به لتغييره .
هذه النسبيّة ليست طريقة صحيحة لمقاربة الواقع او لفهم الواقع وهي تتسبّب في ضرر كبير لمّا يؤكّد يتمّ التأكيد عليها . ليس من " الشموليّة " قول إنّ هناك واقع موضوعي و إنّه بوسعنا التعاطى معه و بوسعنا تغييره . يمكن أن نتعرّف عليه و أجل نظلّ نتعلّم و نظلّ ندخل تحسينات على ما تعلّمناه و ربّما حتّى نستبعد بعضه ز بيد أنّ هناك مراكمة للمعرفة بالإنطلاق من هذا النوع من الطريقة ، بهذا النوع من المنهج و المقاربة . و لا تمضوا و لن تمضوا إلى أي مكان تحتاجون المضيّ إليه بإنكار و معارضة هذه المقاربة للواقع و للحقيقة .
و إليكم مثال آخر لكيف أنّ الناس نسبيّين إلى أن يحصل الأمر معهم . أكثر أنصار النسبيّة يصبح وليّا ، أمّا أو أبا . يصبح لديه طفل صغير أو طفلة صغيرة يرغب أو ترغب في المشي عبر الشوارع بالضبط في وقت تكون فيه حركة المرور كثيفة. " حسنا ، هذا واقعك ، يا جونى الصغير أو يا سوزى الصغيرة : إذا لم تكونى تظنّين أنّ هذه السيّارات موجودة ، لا أودّ أن أفرض عليك الإعتقاد في أنّها موجودة " . لا ! " إبق / إبقي هنا على الرصيف ، لا يمكنك المرور أمام هذه السيّارات ، هذه سيّارات حقيقيّة ، هذه هي الحقيقة ". " أيها الأب / أيّتها الأمّ أنتم شموليّون ".
علينا أن نفهم : هذه ليست طريقة يمكن للناس أو يجب عليهم عمليّا إستخدامها لبلوغ الواقع العالمي . و علينا حقّا نقد هذه النسبيّة ذلك أنّها تتسبّب في قدر كبير من الضرر . إنّها تبقى الناس بعيدا ليس عن التفاعل مع العالم و التعلّم منه فحسب بل عن التأثير في كلّ هذه الأهوال الفظيعة الجارية . إنّ النسبيّة تشلّ حركتهم زاعمة أنّه لا يمكن لهم التأكّد من أيّ شيء أو أنّ الموقع ليس " موقعهم " بسبب سياسات الهويّة النسبيّة هذه . إنّه " موقع " شخص آخر أن يقوم بشيء بهذا الشأن و كيف تتجرّأون على الإعتناء بالتفاعل مع شيء هو " ملكيّتى " ، إضطهادي أنا الذى أمتلكه. لقد إستمعت إلى كيف أنّ شخصا قصد المركّب الجامعي بملصقة من الملصقات الكبيرة مطبوعة عليها صور كافة الذين قتلتهم الشرطة و أتى شخص و قال له : " لا تعجبنى هذه الملصقة ، إنّكم تجعلوننى أشعر بأنّي غير آمن " . " آه ... ماذا عن جماهير الناس في العالم الذين هم غير آمنين ؟ ماذا عن النساء اللاتى لا تستطعن المرور عبر العالم و هنّ آمنات ؟ ماذا عن الجماهير في أحياء داخل المدن و الشرطة تُطلق عليهم النار و يُرعبهم و يعذّبهم مجرّد السير العادي لهذا النظام ، كلّ يوم ؟ ماذا عن ما يحدث للبيئة ؟ ماذا عن الأطفال الصغار الذين يُرسل بهم أولياؤهم من أمريكا الوسطى ليعبروا الحدود لوحدهم إلى هذه البلاد بسبب الفوضى التي تنزلها الإمبرياليّة ببلدانهم و يجدون هذه المعاملة الشنيعة حالما يصلون إلى هنا ؟ ماذا عن كلّ هذا ؟ و أنتم تحاولون إقامة ركن صغير آمن لأنفسكم ، ركن إمتيازات صغيرة حيث يمكن أن تكونوا في أمان ؟ ماذا لو " توجّهنا إلى الواقع الحقيقي و تحدّثنا عن ما يحدث حقّا و ما يجب أن يحدث ؟ لنوقف كلّ هذا التعجّب و لنتحدّث عن ما نحتاج حدوثه فعلا للحصول على نوع من العالم أين يمكن للجماهير الشعبيّة أن تشعر بالأمان و يمكن أن تتنفّس الصعداء.
الآن ، من جميع الجامعات ، الجامعة التي ينبغي أن تتوّج بجائزة مركز هراء سياسات الهويّة النسبيّة هي جامعة كاليفورنيا، سنتا كروز . إنّها متخصّصة في تفاهة سياسات الهويّة النسبيّة . و من المهمّ أنّها إختارت تعويذة لها سبيكة الموز – سبيكة موز سانتا كروز . و مثلما أشار أحدهم هي أيقونة مناسبة تماما ، هي تعويذة مناسبة تماما فهي تمثّل أفضل تمثيل سياسات الهويّة بجامعة كاليفورنيا ، سنتا كروز لأنّ سبيكة الموز تقريبا لا تملك مضمونا و عامودا فقريّا .
في " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " 4:10 (28) ، أشرت إلى أنّه إن كنّا ننطلق من هذا الصنف من طرق سياسات الهويّة النسبيّة ، في آخر المطاف ، سنقع في أحابيل عالم حيث القوّة تصنع الحقّ ، و الناس الذين لديهم أكثر قوّة سيفرضون رؤيتهم للعالم على كلّ شخص – وهو ما يحدث الآن . فكّروا في هذا . للشرطة رواياتها . ذات يوم ، كنت أشاهد ، صدّقوا أو لا تصدّقوا ذلك ، قناة فوكس نيوز . و كان هناك شرطيّ خنزير متقاعد و كان يشكو من كون أوباما أرسل أحدهم من قسم العدالة لحضور جنازة " قاطع طريق " و كان يحيل على مايك براون . هذه هي رواية الشرطة و إلى الآن بالذات يحصلون على المزيد من الأسلحة و المزيد من وسائل فرض روايتهم على روايتكم . و ماذا عن الطبقة الحاكمة بكلّ أسلحتها النوويّة و كلّ شيء ؟ روايتها هي أنّ لديهم أفضل نظام ممكن في العالم و أي شخص يعارضهم سيُنزل الأهوال بالعالم و بالتالى هناك حاجة لسحقه طالما لم يتخلّى عن ذلك . و من ثمّة ، إذا كان الأمر رواية من تنهض ضد رواية من آخر – عندئذ فى الواقع الحقيقي ، الرواية التي ستهيمن هي رواية الذين لديهم أكثر سلطة لفرض روايتهم . علينا تجاوز ذلك . و لأجل تجاوز ذلك علينا إمتلاك أبستيمولوجيا و مقاربة للأخلاق تنطلق من أساس ما هو صحيح عمليّا : أنّ هناك واقع موضوعي و أنّه من الممكن معرفته – ليس بالتمام أبدا و ضربة واحدة و إنّما يمكن أن نراكم المزيد و المزيد من المعرفة و نطبّقها لتغيير العالم و الحصول على المزيد من المعرفة ، حتّى مستبعدين بعض الأشياء التي إعتقدنا أنّها صحيحة و نحن نواصل مراكمة و تعزيز نواة المعرفة تلك. و إذا تصرّفنا على هذا النحو ، سنظلّ أسرى ضمن هذا العالم الفظيع كما هو و في الوقت الراهن ، ستشلّ حركة الناس و لن ينهضوا للتصدّى للتجاوزات و الظلم . إذا لم نستطع أن نعرف إن كان شيئا حقيقيّا ، كيف يمكننا التصرّف بأية صلابة و تصميم حول أيّ شيء ؟
لذا ، في المجتمع بشكل عام ، لكن بطريقة خاصة و مركّزة في علاقة بالمركّبات الجامعيّة و الطلبة ، علينا أن نستعدّ للقيام بلا شيء أقلّ من تغيير كامل الجوّ و الثقافة بالمركّبات الجامعيّة و في صفوف الطلبة كجزء من بناء مقاومة لجرائم هذا النظام و بأكثر جوهريّة ، ثورة للتخلّص من هذا النظام و جرائمه .
الذات و المقاربة " الإستهلاكيّة " للأفكار :
و قريب كذلك من هذا ما نسمّيه المقاربة " الإستهلاكيّة " للأفكار . ليست مقاربة قول " هل أنّ الأفكار تتناسب عمليّا مع الواقع " – لكن بالأحرى ، " هل تعجبنى " ؟ كما لو أنّنا كنّا نتسوّق لإقتناء أحذية أو نفتّش عن شريط سينمائي لمشاهدته. " هل يعجبنى أم لا يعجبنى ؟ " . قرأت تقريرا عن إرسال شريط النقاش الذى أجريته مع كورنال واست إلى أحد المثقّفين فكتب ردّا على ذلك : " حسنا ، تعلمون ، هناك قدر مبالغ فيه من الحماس بالنسبة إلى ذوقى ". أقصد إنّه بوسعنا تمضية بقيّة وقتنا هنا ( و أكثر ) متحدّثين عن ما هو خاطئ في هذا الردّ . قبل كلّ شيء ، تمّت الإشارة إلى هذا الشخص : هذه ليست مسألة ذوق ، إنّما يجرى الحديث عن ما يحدث للناس الحقيقيين في العالم الحقيقي . كما أشيرَ له و حتّى ذوقك بالمناسبة قد يتغيّر – يمكن أن يتغيّر على أساس ما تفهمه . و هذا شيء نحتاج حقّا إلى الصراع مع الناس حوله لأنّنا نواجه هذا طوال الوقت . هنا مجدّدا تكمن الأبستيمولوجيا و الأخلاق . يجد الناس طريقة لإستبعاد أشياء تجعلهم غير مرتاحين بالتصرّف مثل المستهلكين ز و ينبغي علينا أن نتحدّى ليس خصوصيّة ما هو خاطئ في طريقة ردّهم على أشياء معيّنة فحسب بل كامل المنهج و كامل المقاربة . علينا أن نقول لهم : " أنظروا ، آسف لكن هذه ليست طريقة مقبولة للمضيّ في هذا العالم ، هذه ليست طريقة مقبولة لمقاربة الحياة ، لتقرير ما إذا كان شيئا يناسب ذوقك أم لا . و صراحة ، هذا شيء طفيلي أيضا . لديك إمتيازات الجلوس هناك و تقرّر على أساس مثل تلك الأشياء . الناس الذين يقتلون بالرصاص في الشوارع أو الذين يجوع أطفالهم ، لا يملكون هذا الرفاه للتقرير على ذلك الأساس. قد تكون لديهم كافة أنواع الأفكار الخاطئة لكن ليس لديهم رفاه تقرير إن كانت الأشياء الأساسيّة حول الواقع تناسب أم لا مع أذواقهم ".
ليس الأمر أنّ يجب أن نعيّر أو نهاجم الناي – " أنت برجوازي صغير أحمق " – لكن ينبغي أن نصارعهم . هذه طريقة غير مقبولة لمقاربة الحياة و لمقاربة الأفكار . حقيقة أم لا ؟ إن كانت حقيقة ، يتعيّن أن تكون على ذوقك – او إن لم تكن تتناسب و ذوقك ، عليك تغييره . إذا كان هناك شيء عن الواقع تجد أنّه لا يتناسب و ذوقك ، عليك حالئذ أن تعمل على تغيير ذلك الواقع - و سنناقش معك أيضا حول ما إذا يجب أن أن تجده على ذوقك أو لا ، متى لم نكن متّفقين. لكن المسألة هي : هل هذه حقيقة أم لا ، و بالتالى ماذا تفعل بها ؟ علينا أن نصارع الناس ، بإستقامة ، هذه هي الطريقة التي علينا أن نقارب بها الواقع .
" من أنتم لتقولوا إنّ هذه هي الطريقة التي علينا أن نقارب بها العالم ؟ " . حسنا ، يمكننا أن نتصارع حول هذا كذلك . هذا شبيه بما قيل في " العصافير و التماسيح " [ " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا لكن بوسع الإنسانيّة أن تتجاوز الأفق " ] (29) : " من أنتم لتقولوا ؟ " سؤال خاطئ هنا . ليس " من أنتم ؟ " – السؤال هو ما هو الواقع ؟ ما هي طريقة فهم الواقع و التعاطى معه و تغييره ؟ هذا هو السؤال و ليس من أنتم أو من نحن .
كلّ هذا يلمس قدرا كبيرا من مسألة " الذات " ، هذا الإنغماس في الذات الموجود بشكل بارز جدّا في هذا المجتمع . الإنغماس في الذات مفهوم فلسفي مفاده أنّ الوجود الوحيد الذى يمكن أن تكون متأكّدا منه هو وجودك ذاته. هذا ما يسمّى الإنغماس في الذات فلسفيّا . و كثيرا ما تشاهدون هذا . ولنكن واضحين لا يمضى الناس – على الأقلّ معظم الناس – في الشوارع و هم يردّدون : " أنا من أنصار الإنغماس في الذات فلسفيّا " إلاّ أنّهم يتصرّفون بما يشبه كثيرا جدّا تصرّف من يعتقد أنّ وجوده الخاص هو كلّ ما يهمّ و ما يهمّنى هو الهام " . " ربمّا يكون شيئا آخر هاما بالنسبة لشخص آخر ، إن وُجد لكن ما يهمّنى هو الهام ". و مثلما أشرت إلى ذلك في النقاش مع كورنال واست ، " إلتقاط شخص لصورة لذاته " المعبّر عنه بال"سَلفي" ( selfie ) نوع من الأيقونة التامة للثقافة التي يقع التدريب عليها هذه الأيّام . ليس أنّ أيّة صورة " سلفي " سيّئة. أنا أتحدّث عن أيقونة ثقافة كاملة و رفع " الذات " فوق كلّ شيء و كلّ شخص آخر . و علينا أن نفهم كماديّين جدليّين – ليس بطريقة فجّة بل كماديّين جدليّين – كيف يرتبط هذا بمجتمع قائم على الإنتاج السلعي حيث كلّ شيء سلعة أو إن لم يُصبح سلعة يكون في طريقه إلى التحوّل إلى سلعة .إن كنتم شاهدتم الرياضة . مثلا طول عقود ن كان الأمر عادة مجرّد ، " الان سيكون لنا وقت مستقطع " و لكن لم يعد ممكنا الحصول على وقت مستقطع ، يجب أن توجد علامة تجاريّة . الآن هناك وقت مستقطع لشركة البيبسي . كلّ شيء صار مسلعنا أكثر فأكثر . أعنى ، يتعلّق المر بنظام سلعي بداية لكن كلّ شيء صار مسلعنا . ثمّ ، طبعا ، أكبر سلعنة جوهريّة هي هي العلامة التجاريّة – " أودّ أن أطوّر علامتى التجاريّة . تطوير علامة تجارية هو أهمّ ما تستطيعو فعله . جاء هذا في مقال (30) على موقع أنترنت revcom.us : عندما كان البعض يتقدّمون لبعض الناس ببعض البروز و التأثير و يطالبونهم بالخروج لمساندة مسيرات 14 أفريل ضد عنف الشرطة و جرائم القتل التي ترتكبها و ضد السجن الجماعي (31) قال شخص قُدّم ( باسم مستعار ) في المقال ، لا أرغب في تلويث علامتى التجاريّة بالإرتباط بهذا . قال المقال بطريقة صحيحة جدّا ، لتذهب علامتك التجاريّة إلى الجحيم ، أيّها الصديق – أنظروا ما يجرى للجماهير الشعبيّة .
لكن فكّروا في تلك الذهنيّة ! – لا أرغب في إفساد علامتى التجاريّة بالإرتباط بهذا . هذا مجتمع إستهلاكي حيث يُحوّل كلّ شيء إلى سلعة ، كلّ شيء إلى صلة ماليّة . و يؤثّر هذا في الجماهير الشعبيّة . لا أدرى إذا و إلى أيّة درجة لا يزال هذا بعدُ ظاهرة ذات دلالة ، لكن ضمن بعض النساء من الجماهير الأساسيّة ، مواجهة واقع ما تبدو عليه الحياة و الكثير من – لا نريد إستخدام كلمة " مفترس " إعتبارا لإستخدامه لنزع إنسانيّة الجماهير القاعديّة بوجه خاص – إلاّ أنّه و هم يواجهون طُرقا مختلفة ، إرتبط الرجال بشكل سيّء جدّا بالنساء و صارت نساء كثيرات منافقات جدّا و خرجنا بالجملة التالية : " لا حبّ دون مال " . و يأتي هذا نتيجة تأثير العلاقات السلعيّة و النظام العام . و كي نكون واضحين ، لا يتعلّق الأمر بتوبيخ هذه النساء . إنّه واقع أنّ الناس يعشون في مجتمع فظيع حيث ببساطة يستخدم الناس بعضهم البعض و يسيئون لبعضهم البعض بكافة أنواع الطرق ز و هذا ما يعمل النظام على تقليص الناس إليه كامل الوقت ، و هذه هي النظرة المتولّدة عن عفويّة النظام و كذلك النظرة التي تقذف بلا هوادة في وجوه الناس حتّى و إن كانت على ما يبدو بطرق " لطيفة " أو بلا ضرر : تابعوا أحلامكم – لكن أحلامكم تكون دائما خاصة بكم . ليست أبدا " أحلم بعالم مختلف خالى من الإستغلال أو الإضطهاد " . بدلا من ذلك ، ، " سأنطلق في تجارتى الخاصة أو " سأصبح أكاديميّا عالي التطوّر " أو" سأصبح سياسيّا " أو هذا أو ذاك. يقلّص كلّ شيء إلى هذه الأصناف من المعانى . تارة هي فجّة و طورا قد تبدو ألطف بقليل لكن كلّ هذا مغلّف في العلاقات السلعيّة هذه و مدفوع بالعلاقات السلعيّة هذه .
هنا يسلّط تعليق آخر للينين ضوءا هاما و ساطعا حقّا على الأشياء . تحدّث لينين عن كيف أنّ القوى الرأسماليّة تفرض على كلّ فد أن يحسب حسابات بؤس و بخل . فكّروا في هذا : تفرض على كلّ فرد . إنّكم في تنافس من أجل موطن شغل . إنّكم في تنافس من أجل علاوة . و أنتم في تنافس لتقبلوا في الجامعة ز أنتم في تنافس للحصول على منحة جامعيّة . أنتم في تنافس مع كلّ شخص تلتقونه في هذا المجتمع . و قد ترتهن معيشتكم ذاتها بالصراع مع شخص آخر من أجل شيء . إذن على هذا النحو يعمل هذا النظام . حتّى و إن كانت لدى الناس نزعات أفضل ، فهو يفرض عليهم بإستمرار أن يحسبوا حساب البؤس : ما أحصل عليه هو إبعاد شخص آخر من الحصول عليه ؟ هكذا أنتم مجبرون على التفكير و التصرّف في ظلّ هذا النظام حتّى و إن لم تكونوا تريدون ذلك.
و قال لينين شيئا آخر هو أنّ الرأسماليّة تضع بيد الأفراد ما أنتجه المجتمع بأكمله أو حقّا العالم بأكمله ، و هو ما أدركه أيضا لينين ). بكلمات أخرى ، تحدّثنا عن الطابع الإجتماعي للإنتاج و كيف لا تستهلكون ما تنتجون لكن كلّ الأشياء المنتجة عبر كامل هذه الشبكة العالميّة لتنظيم الإنتاج تنتهى إلى تبادلات سلعيّة فرديّة حيث كلّ فرد كفرد يجب عليه أن يجد طريقة للحصول على ما يمكن الحصول عليه من المال لشراء الضرورات ( أو غيرها من الأشياء التي يمكن أن يرغب فيها ). لذا، إلى جانب التملّك الرأسمالي الخاص للإنتاج ذي الطبيعة الإجتماعيّة ، هناك كلّ هؤلاء الأفراد المنفصلين في تنافس مع بعضهم البعض .
هذا شيء سنعود إليه لاحقا إلاّ انّ ما يهمّ التشديد عليه هنا هو الطريقة التي بها النسبيّة و الإنغماس في الذات مرتبطتين شديد الإرتباط مع بعضهما البعض . و مجدّدا ، يرتبط هذا بطفيليّة هذا المجتمع ، لا سيما بالنسبة للناس من الفئات الوسطى الذين يتمتّعون بالمزيد من الإمتيازات . يملكون كما قلت قبلا ، رفاه مقاربة الأشياء على هذا النحو – مقاربة الأشياء مثل المستهلك : " هل هذا شيء يعجبنى ، هل أرغب في إستهلاك هذه الفكرة أم هل أنّ هذا شيء يجعلنى غير مرتاح ، أو أنّه لا يهمّنى ؟ لا يهمّ إن كانت له صلة بأشياء كبيرة حقّا تحصل في العالم ، إن لم يكن يهمّنى أو ليس من الأشياء التي تروق لى أو ليس يتناسب و ذوقى ، لن أفعل سوى تجاهله ". كلّ هذا إنعكاس للمجتمع السلعي وهو مجتمع كذلك فائق الطفيليّة . و ماذا نعنى بالطفيليّة ؟ مصّ دماء حياة الناس الآخرين كمصّاصي الدماء . نهب بقيّة العالم . إفتراس الجماهير الشعبيّة – أجل ، عشرات الملايين في هذه البلاد و المليارات تماما عبر العالم الذى إستغلاله و عذابه هو الأساس الذى يعتمد عليه هذا المجتمع ، و كجزء منه يناله الذين لهم أكثر إمتيازات خاصة في هذا المجتمع . ليس الأمر مقارنة مبالغ فيها للحديث عن الطفيليّة على هذا النحو – كمصّاصي الدماء الذين يعيشون على الإستغلال و الإضطهاد عبر العالم . و هذا ليس شيئا صنعناه لجعل العالم يبدو سيّئا – إنّه واقع كيف يسير هذا النظام . هناك الكثير من المادة هنا و على الناس التعمّق فيها .
حول ماذا ستتمحور حياتك ؟ رفع رؤى الناس :
و يمضى كلّ هذا بينما كما تمّت الإشارة إليه في الجدال ضد آلان باديو (32) في مجلّة " تمايزات " عدد 1 ، ، النظام الرأسمالي- الإمبريالي ط يهمهم في الخلفيّة " ، محطّما الحياة و ساحقا الأرواح . و يتمّ تعويد الناس على – من قبل العائلة و الأصدقاء و المجتمع بالمعنى الأوسع – على أنّ الطريقة التي عليهم أن يقاربوا بها الحياة ليست مساءلة لماذا الأشياء كما هي عليه و ليست مساءلة ما إذا كانوا يستطيعون أن يكونوا مختلفين بل مجرّد إيجاد مكان في العالم كما هو ، و القيام بما هو أفضل لأنفسهم و ربّما لدائرة صغيرة من الناس حولهم ( أسرهم و أصدقاءه الأقرب حقّا ) ، دون إمتلاك معنى القوى الأوسع الفاعلة التي تشكّل الأشياء . لنواجه ذلك . على هذا النحو يقارب معظم الناس عفويّا الياء – كيف هي متشكّلة و محدّدة و كيف يجرى العيش في ظلّ هذا النظام . و المسألة الأساسيّة جدّا في حول ماذا ستتمحور حياتك يُشكّلها مرّة أخرى النظام – علاقاته و ديناميكيّته الأساسيّة و الثقافة التي تنهض على أساس من ذلك . الأمر هو تابع أحلامك ، هو كيف ستشقّ طريقك في هذا العالم كما هو . و يتعارض هذا مع العودة إلى الوراء و طرح سؤال ما إذا يجب على العالم أن يكون على هذا النحو – و من ذلك الأفق ، ما الذى ستتمحور حوله حياتك ؟
مع نهاية سيرتى الذاتيّة (33) تحدّثت عن : ما الذى ستفعله بحياتك ؟ هل ستضع أنفك في الحوض الصغير و تحاول أن تستخرج قدر مستطاعك أم ستحاول أنتدخل في صراع القتلة و تهم كلّ شخص آخر ؟ أم ستكرّس حياتك لإنشاء عالم مختلف حقّا و أفضل بكثير ؟ و ينجذب الناس إلى ذلك لكن مرّة أخرى للنظام قنوات معروفة للغاية و يعمل على توجيهك نحوها – بما في ذلك الأعمال الخيريّة و ما إلى ذلك . قد تفعل هذه الأشياء أو ربّما تتّجه إلى محاولة القيام بأشياء جيّدة و الناس الذين ينجذبون قد يفعلون ذلك إنطلاقا من نوايا حسنة ؛ لكن في نهاية المطاف و جوهريّا ، ينتهون إلى تعزيز العالم كما هو . و مع ذلك ، عفويّا معظم الناس يقبلون بالعيش مع كلّ هذا . و مثلما قلت ، يُعوّد المجتمع الناس بصفة واسعة و كذلك تزرع فيهم عادات أسرهم و أصدقاؤهم المباشرون ، بأنّ هذا هو الطريق الواقعي الوحيد لمقاربة العالم .
سأتحدّث أكثر عن هذا ، بعد قليل – ما يمكن تسميته ب " نقطة جورج كارلن ". لست أدرى إن كنتم معتادين على مشاهدة مسرحيّات الكوميدي جورج كارلن حيث ينطلق من الحديث عن كيف أنّ أولياء معيّنين يتركون ببساطة أطفالهم يفعلون كافة أصناف الأشياء العبثيّة و يمضى في الحديث عن كلّ هذا لفترة من الوقت ثمّ يتحوّل إلى قول : " لن يقول شيئا سيّئا عن الأطفال الصغار ، أليس كذلك ؟ " و في الحال ، يتابع ب " أجل ، سيفعل ! حسنا لإعطائكم فكرة أوّليّة : " لن يقول إنّ الشباب يجب أن يتمرّد على الأوليا ، أليس كذلك ؟ " ، " أجل ، سيفعل ! ".
لكن النقطة الأساسيّة هي : نحتاج على الإعتراف تماما و الإشتغال على أهميّة شحذ رؤى الناس و الإرتقاء ب " أحلامهم" – أن نجلب لهم وعيا و فهما أساسيّا للقوى الأوسع العاملة و نشجّعهم على و نمكّنهم من تجربة مدى أهمّية و المسك بمقاربة العالم بفضوليّة لا حدّ لها و بفكر نقدي و منهج علمي – التساؤل و الإنشغال أجل بوضع العالم و التألّم له و لظروف جماهير الإنسانيّة و البحث عن أجوبة لكلّ هذا على أساس علمي و الإنخراط بجدّية في نقاش ما إذا كانت الثورة و الشيوعيّة هما الحلّ . .
و كي نكون واضحين ، لست أقول ببساطة بالتوجّه إلى الناس و قول : " تعلمون إنّه منعش جدّا القيام بهذا " و نتلقّى جواب، " آه ، كنت أتمنّى أن يكون شخصا قد قال لى هذا من قبل ، دعونى ألتحق بالأمر بداية من الآن بالذات ". سيتطلّب الأمر قدرا هائلا من الصراع ، و سيكون النضال في آن معا على الأرض و حيويّ جدّا . هذه هي النقطة . و ذلك لأنّنا نحتاج إلى جعل كلّ هذا قوّة جبّارة و "قطب إستقطاب " لأعداد متنامية من الناس . و ستوفّر " الهزّات " الإجتماعيةّ و التمرّدات و المقاومة الجماهيريّة ، سيوفّرون المزيد من الأرضيّة المناسبة للقيام بذلك و ينبغي أن نستغلّ كلّ إنفتاح ينجرّ عن ذلك إلاّ أنّه مرّة أخرى ، لا يمكننا أن نتذيّل للعفويّة و نأمل في تطوّرات موضوعيّة تقوم بالعمل مكاننا – علينا أن نخوض الصراع بطريقة مقنعة و أن نتقدّم بنظرة للعالم و منهج و أخلاق و معنى للحياة ملهمين متجسّدين في الثورة الشيوعيّة و هدفها تحرير الإنسانيّة ، ل لنخرج الناس من غفوتهم و نجعلهم يدركون أنّ سير النظام الحالي يطحن الناس و يسحق الأرواح . دون هذا، لن تتوصّل جماهير الشعب أبدا إلى رؤية الحاجة إلى و إمكانيّة إحداث تغيير جذريّ في المجتمع و العالم نو لن نكسبها أبدا إلى جانب الثورة و الشيوعيّة .
-------------------------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري