الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستحقاق الدستوري القادم في سورية

منذر خدام

2021 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


تمر هذه الأيام الذكرى العاشرة لما سمي بالربيع العربي، وقد تغير كثيرا واقع العديد من الدول العربية، فبدلا من الربيع وازهاره من حرية وكرامة وديمقراطية، حل خريف طويل تم خلاله اعادة إنعاش وتفعيل البنى الأهلية والجهوية والإثنية لتشتبك فيما بينها بحروب اهلية مدمرة. بالنسبة لسورية كانت الحصيلة اكثر من مليون ضحية، وضعف هذا الرقم من الجرحى، وأضعافه من المهجرين والنازحين، ودمار شبه شامل وتام للبنى التحتية والعمران في العديد من مناطق سورية قدرت تكاليفه بأكثر من 550 مليار دولار، عداك عن وقوع سورية بكاملها تحت نفوذ دول أجنبية. رغم كل شيء فقد صار من الصعب ازاحة مطالب الحرية والكرامة والديمقراطية وحكم القانون وغيرها من مطالب الحراك الشعبي من المجال السياسي، رغم دفعها مؤقتا خارج الواجهة من قبل النزعات الطائفية والجهوية والاثنية وغيرها من بنى أهلية.
في سورية تمر الذكرى العاشرة لانتفاضة كثير من السوريين ضد نظام الحكم في بلدهم في شهر أذار من عام 2011 مترافقة مع الاستحقاق الدستوري الرئاسي، الذي يكتسب أهمية حاسمة بالنسبة لمستقبل سورية، ولذلك سوف أكرس هذه المقالة لإلقاء الضوء على اشكالياته المصاحبة، ومحاولة الاجابة عن سؤاله الرئيس: هل هو دليل على ان النظام قد انتصر في الحرب الكونية على سورية كما يسميها، وهزم قوى الارهاب، و سوف يشكل مدخلا إلى توحيدها، واعادة انتاج ذاته دون اجراء تغييرات جوهرية عليه، أم ان هذا الاستحقاق بالطريقة والاجراءات التي سوف يجريه النظام فيها، لا يعدو كونه إحدى مظاهر استمرار الأزمة السورية، وسوف يعقد منها كثيرا مما يزيد في معاناة السوريين، ويبقي سورية مجزأة إلى مناطق نفوذ اجنبية؟.
الاستحقاقات الدستورية في العادة لا تقتصر على تجديد الولاية للسلطات الحاكمة او استبدالها بغيرها من المعارضة لها عبر صناديق الاقتراع، بل هي المناسبة الأهم لبعث الحيوية والنشاط في المجال السياسي، واعادة تقديم القوى السياسية أوراق اعتمادها للشعب عبر برامجها السياسية، وقطع الوعود له بتنفيذها، والتي في ضوئها وعلى اساسها يتم توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لصالح هذه القوة السياسية او تلك .هذا ما يحصل، عادة، في الأنظمة الديمقراطية، اما في انظمة الاستبداد والدكتاتورية فلا مجال سياسي حقيقي مهم، ولا اهمية لرأي الشعب في حكامه، فهم يحكمونه بقوة الغلبة وادواتها من أجهزة امنية وعسكرية، قد تكون مغلفة احيانا، كما هو الحال في سورية، بهياكل من مؤسسات شكلية لا قيمة لها ولا دور. لذلك كان الشعب السوري يتجاهل ما يسمى بالاستحقاقات الدستورية، وقليل عدد من يذهب للإدلاء بصوته بإرادته الحرة، بل غالبا لم تكن تفتح صناديق الاقتراع لعد أوراق التصويت فيها، فالنتيجة لا تحددها هذه الصناديق بل الأجهزة الأمنية، بحسب ما يرغب ويريد الحاكم. وبطبيعة الحال لن يكون الاستحقاق الدستوري القادم في سورية مختلفا عن الاستحقاقات السابقة من هذه الناحية على الأقل، فالنتيجة معروفة سلفا، لكن الظروف التي يجري بها، وما يمكن ان يترتب على نتيجته المحسومة سلفا، من أثار قد تكون كارثية على الشعب السوري هي الجديدة كلياً.
اليوم سورية موزعة إلى مناطق نفوذ أمريكية وتركية وروسية- ايرانية يختلف موقف السوريين فيها من الاستحقاق الدستوري الرئاسي. ففي منطقة النفوذ الأمريكية لن يشارك اغلب السوريين في الانتخابات، ربما إلا عدد قليل منهم المتواجد في المربعات الأمنية في مدينتي القامشلي والحسكة. تتعدد هنا اسباب امتناع السوريين عن المشاركة في الانتخابات بعضها يعود للمواقف المعادية للنظام، وبعضها الآخر يعود لمنع قوى الأمر الواقع المتحكمة بالمنطقة السوريين من المشاركة والإدلاء بأصواتهم، بذريعة عدم منح النظام الشرعية، وبعضها الآخر يعود كما في السابق إلى عدم مبالاة السورين بها. هذا يعني عدم مشاركة نحو أربعة ملايين سوري يقطنون في شرق الفرات في الانتخابات القادمة.
اما بالنسبة لمنطقة النفوذ التركية والتي يقطنها نحو ثلاثة ملايين سوري فهم لن يشاركوا في الانتخابات لأنهم في غالبيتهم العظمى من المعادين للنظام، عداك عن تحكم تركيا ومواليها من القوى المسلحة والارهابية بالمنطقة. وإذا أضيف إلى الثمانية ملايين سوري المقيمين في منطقتي النفوذ الأمريكية والتركية نحو خمسة ملايين سوري من مهجرين في الخارج، وهم على الأرجح لن يشاركوا في الانتخابات، يصير عدد السوريين الذين سوف يمتنعون عن المشاركة فيها نحو اثني عشر مليون سوري أي أكثر من نصف عدد سكان سورية.
وتبقى منطقة النفوذ الروسية- الايرانية التي يديرها النظام بعدد سكانها البالغ نحو أحد عشر مليونا من السوريين فهم أيضا مختلفون في مواقفهم من الاستحقاق الدستوري. فيما يتعلق بالسوريين في محافظتي درعا والسويداء على الأرجح لن يشاركوا في الانتخابات بغالبيتهم العظمى، إلا عدد قليل منهم( الموظفون وعناصر الأمن والجيش) بسبب مواقفهم المعلنة المعادية للنظام . يضاف إليهم اغلب السوريين في المناطق التي جرى فيها القتال في أرياف دمشق وحمص وحماه ودير الزور وغيرها من مناطق. هذا يعني عمليا أن الذين من المحتمل أن يشاركوا في الانتخابات لا يزيد عددهم عن نحو ثمانية ملايين سوري. وإذا أضيف الي الأسباب التي أشرنا إليها سابقا، والتي تمنع السوريين من المشاركة في الانتخابات، تلك العائدة إلى ظروف الحياة القاسية التي يعيشها السوريون جميعا، وخصوصا في منطقة سيطرة النظام، فإن احتمال المشاركة في الانتخابات من قبل عدد كبير منهم سوف يقل كثيراً. وهم بصورة عامة لم يعودوا يخفون أرائهم الناقدة للنظام، حتى في المناطق الساحلية التي راهن على ولائها طيلة سنوات الأزمة، ولسان حال الكثيرين منهم يقول ليرحل النظام فنحن نريد العيش بكرامة، ولا كرامة مع الفاسدين المتحكمين بقوت الناس، ولا كرامة مع الجوع والمرض. ومع أن النظام سوف يحشد كثيرا من وسائل الدعاية للانتخابات، وعلى الأرجح سوف يصدر عفوا عن كثير من الموقوفين لديه، وربما يزيد الرواتب والأجور لكنها جميعها لن تغير كثيرا من مواقف الناخبين السوريين. بكلام آخر سوف تقتصر المشاركة في الانتخابات على الموظفين والعاملين في القطاعات الحكومية، وعناصر الأمن والجيش ومن في حكمهم، كما في جميع الانتخابات السابقة لكن في دائرة أضيق بكثير.
إذا نتيجة الانتخابات معروفة سلفا وهي اعادة التجديد للرئيس الحالي، والنتائج المترتبة دوليا على هذا التجديد تكاد تكون معروفة. فالدول الغربية وأمريكا وتركيا عبروا عن مواقفهم مسبقا بأنهم لن يعترفوا بنتائج الانتخابات في حال جرت وفق الترتيبات المعتمدة الحالية مما يعني استمرار عقوبات هذه الدول على سورية. ولن يختلف كثيرا موقف الدول العربية الخاضعة لنفوذ الدول الغربية من اعادة انتخاب الرئيس الحالي، فهي لن تنفتح على سورية وتعيد علاقاتها معها بما في ذلك الموافقة على عودة سورية إلى جامعة الدول العربية. حتى الدول الحليفة للنظام بما فيها روسيا وايران والتي تدعم انتخاب الرئيس الحالي، لن يتغير موقفها كثيرا من دعم النظام اقتصاديا وماليا مما يعني مزيدا من معاناة السوريين. بكلام آخر سوف تستمر مواقف جميع الأطراف الدولية المتدخلة في الأزمة السورية دون تغيير يذكر.
رغم قتامة المشهد العام لسورية مع نهاية السنة العاشرة من عمر أزمتها، ثمة احتمال وحيد يمكن أن يخفف من قتامة هذا المشهد، وقد يغير اتجاه الأزمة نحو طريق التخفيف منها، الذي قد يفضي في النهاية إلى حل لها، ويقبض على هذه الاحتمال النظام وحده. يتمثل هذه الاحتمال بأن يلجأ الرئيس الذي سوف يتم التجديد له بكل تأكيد، إلى منح الضوء الأخضر للحل السياسي عبر مسار جنيف، وتحديدا عبر اللجنة الدستورية التي تحوز على الاجماع الدولي، مما يعني التوصل إلى اتفاق على دستور جديد يوزع الصلاحيات على مختلف مستويات السلطة، لتجري على اساسه انتخابات مجلس الشعب القادمة، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون للمعارضة فيها حضور معين يتم التوافق عليه دولياً وتحديدا بين روسيا وأمريكا. وما يدعم هذه الاحتمال انفتاح الإدارة الأمريكية على ايران والتفكير جديا بإنجاز حلول لازمات المنطقة بدءاً من ليبيا مرورا باليمن وانتهاء بسورية. وليس مستبعدا ان يكون التطبيع العربي مع اسرائيل جزءا من هذه الحلول.
إن الحل السياسي لأزمة سورية هو الوحيد الذي يمكن أن يعيد توحيد سورية، وهو الوحيد الذي يعيد سورية إلى المجتمع العربي والدولي، ويفتح الطريق أمام اعادة الاعمار، ويسمح بعودة اللاجئين والمهجرين إلى مناطقهم، و تحسين شروط وظروف حياة السوريين. هل يقدم النظام على هذا الخيار، أم يستمر يراهن على الزمن، وعلى صبر واحتمال السوريين، الاستحقاق الدستوري القادم سوف يوضح ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا