الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة بريطانيا ومواقف المؤسسة الدينية من التطورات السياسية الداخلية في العراق 19181921 .

سعد سوسه

2021 / 2 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بعد أن أكملت القوات البريطانية احتلالها العراق ، وتوقفت الحرب بعقد هدنة مودروس في الثلاثين من تشرين الأول عام 1918، نشر التصريح البريطاني الفرنسي عن مصير الولايات العربية المنسلخة من الدولة العثمانية في السابع من تشرين الثاني 1918 (1)، وفي ضوء ذلك أجرت ادارة الاحتلال ، بموافقة حكومتها في لندن، استفتاء عام في العراق اعتباراً من الثلاثين من تشرين الثاني 1918، وكان هدف بريطانيا من هذا الاستفتاء للتخفيف عن مشاعر العراقيين الرافضين للاحتلال . وحددت طبيعة الاستفتاء العام شكل ومستقبل نظام الحكم في العراق بالأسئلة الثلاثة وهي : هل يفضل العراقيون دولة عربية واحدة تقوم بإرشاد من بريطانيا ، تمتد من حدود ولاية الموصل الشمالية إلى الخليج العربي؟وفي هذه الحالة هل يرون ان يرأس أمير عربي هذه الدولة الجديدة ؟ واذا كان الأمر كذلك فمن يرشحون؟.
كانت تعليمات ولسن إلى الحكام السياسيين البريطانيين في العراق تدعوهم إلى التدخل في عملية الاستفتاء بحيث تتوافق مع آرائه الخاصة والمعلنة ، فعمل على جعل الاستفتاء مقتصراً في المناطق العشائرية على الشيوخ ، وقد صوتوا بآرائهم لصالح الإدارة البريطانية بكتب مذيلة بتوقيعهم واختامهم. فكانت النتيجة فيما بين الشيوخ الذين يعتمدون المؤازرة البريطانية في مركزهم ، من حيث الأراضي التي يمتلكونها أو بالنسبة إلى الهبات العالية التي كانوا يقبضونها، وبين الذي كانت تربطهم بالحكام السياسيين البريطانيين صلات صداقة ، إذ دللت المضابط بالإجماع تقريباً على المطالبة باستمرار الحكم البريطاني .
عــلى أيــــــة حـــــال ، أسفــــــــرت عمليــــة الاستفـــتاء التي جرت مابين عامي (1918-1919) عن تنظيم الحكام السياسيين مضابط كثيرة ، من دون اكراه ، تطالب بالوصاية البريطانية ، وقد وقع عليها كبار الملاكين والتجار وشيوخ العشائر وممثل الأقليات غير المسلمة . في حين أسقطت المضابط التي لم تتفق مطالبها مع ما تريده إدارة الاحتلال ، إلا إن عملية الاستفتاء التي جرت في المدن الشيعية المقدسة الثلاث ، وفي بغداد ، لم يكن سهلاً ، وإن النتائج لم تكن مرضية للإدارة البريطانية . فبسسب مركز النجف الديني الواسع النطاق ، ارتأى ولسن أن يجعل هذه المدينة أولى المدن التي يجري فيها الاستفتاء بإشرافه ، وتحت ادارته شخصياً لتكون النتيجة المعلنة عنها قدوة للمدن الأخرى (2) . وفي الحادي عشر من كانون الأول عام 1918 ، زار ولسن مدينة النجف واستقبله بعض علماء الدين والأهالي والجنود (3) , وفي اليوم التالي ذهب لزيارة السيد محمد كاظم اليزدي في منزله في الكوفة واختلى به . وقد جرى بين الحاكم البريطاني ولسن والسيد اليزدي ، اذ قال الأخير على حد قول ولسن:" أنا (كاظم اليزدي) أنطق باسم الذين لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم ومهما تكن الحكومة أرجو أن تتركوا لهم ان يتبصروا لمصالحهم التي تتعلق بالشيعة ، ولا سيما العامة التي لا تعرف من الأمر شيئاً والتي لا حول ولا طول لها . هولاء الناس ليسوا متحضرين ، وان تنصيب الموظفين العرب سيؤدي إلى الفوضى ، انهم لم يتعلموا بعد معنى الاستقامة ، وإلى أن يتعلموا ذلك ، فيجب بقاؤهم تحت أوامر الحكومة ، ولا يمكن إيجاد شخص يكون مقبولاً كأمير" .
لم يكتفِ ولسن بذلك ، بل عقد اجتماعاً في دار الحكومة خارج سور النجف في الثالث عشر من كانون الأول عام 1918 حضره كبار العلماء والساسة أمثال الشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ محمد جواد الجواهري ، والشيخ محمد رضا الشبيبي وأخيه محمد باقر الشبيبي ، وزعماء العشائر في المنطقة مثل هادي النقيب والسيد علوان الياسري والحاج عبد الواحد سكر . وقرر المجتمعون رفض إعطاء رأيهم بالاستفتاء قبل أخذ رأي المرجعية .
ينبغي أن نشير إلى ، وجود خلاف بين علماء المؤسسة الدينية والوجهاء والقادة المحليين في موضوع الاستفتاء . إذ كان بعضهم يرغب في إدارة بريطانية مباشرة في العراق، والآخرون يفضلون حكومة عربية مسلمة مستقلة . ولحل الخلاف طلبوا من السيد اليزدي إبداء رأيه بهذا الموضوع ، فقال لهم : "القضية مهمة , ولكل عراقي حق فيها . فيجب أن تعقدوا اجتماعاً عاماً يحضره الجميع من جميع الطبقات ... إن كل فرد له الحق في إبداء الرأي سواء كان تاجراً ام بقالاً, زعيماً ام حمالاً" .
وبناءً على اقتراح السيد اليزدي ، عقد اجتماع في اليوم التالي بدار الشيخ محمد جواد الجواهري ، حضره عدد كثير من الناس بمختلف طبقاتهم ، وتبادلت الآراء واشتد النقاش ، واستقر رأي غالبية المجتمعين بإقامة حكومة عربية مستقلة يرأسها أحد أنجال الملك حسين ملك الحجاز(4) . وبعد انتهاء الاجتماع ذهب بعض الزعماء إلى الكوفة لإبلاغ السيد اليزدي بقرارهم ، فاعتذر السيد اليزدي عن إبداء أي رأي وقال ما نصه:" أنا رجل لا أعرف السياسة ، بل أعرف هذا حلال وهذا حرام" .
وفي الواقع ، إن رأي اليزدي هذا ، قد عزز موقف بريطانيا كثيراً . لننقل ما قالتهُ المس بيل بخصوص هذا الموضوع تحديداً :" لو انه تجاوز هذا الحد ، لكان نفوذه كزعيم ديني تزعزع ولكانت قيمته بالنسبة لنا كمؤيد ضمني قد تناقصت بنفس الدرجة" .
وازاء ذلك ، اختلفت آراء المضابط التي وقعت في النجف ، فقد استطاع نقيب النجف هادي الرفيعي تنظيم مذكرة تحمل تواقيع (21) شخصية من وجهاء المدينة وتجارها يطالبون بالحكم البريطاني المباشر. وكانت هناك مجموعة من ستة مجتهدين في النجف أبدت استعدادها لتأييد الإدارة البريطانية لشؤون العراق إلى أن تبلغ البلاد استعدادها لحكم نفسها بنفسها . وكان الشرط الوحيد أن يكفل البريطانيون ممارسة الدين الإسلامي بحرية والحفاظ على مكانة المجتهدين(كان من بين هذه المجموعة ستة مجتهدين , ثلاثة هنود وهم، السيد هاشم الهندي ومحمود الهندي ومحمد مهدي السمري . وكانوا موالين لبريطانيا من خلال وجهة نظر الأخيرة لهم . وكان هناك مجتهد واحد من أصل فارسي هو جعفر بحر العلوم ، والآخرون من المجتهدين العرب هما حسن بن صاحب الجواهر وعلي بن محمد كاشف الغطاء) ، غير أن ما ادهش الحاكم المدني العام ، ان عريضة أخرى قدمت بتاريخ لاحق وبتوقيع (10) من علماء المؤسسة الدينية في النجف والشيوخ وبعض الشخصيات الأخرى في المدن ، تعلن عن رغبتها في إقامة دولة مستقلة تمتد من البصرة إلى الموصل برئاسة أمير عربي يفضل أن يكون من أنجال شريف مكة ، وكان من بين الموقعين شيخ الشريعة الأصفهاني وعبد الكريم الجزائري وجواد بن صاحب الجواهر ومهدي كاشف الغطاء . وكرد فعل لتلك المواقف، طلبت مجموعة من العلماء ورؤساء العشائر من المرجع الديني محمد تقي الشيرازي أن يبدي رأيه بالاستفتاء فأصدر فتواه في الثالث والعشرين من كانون الثاني عام 1919 والتي نصها: " ليس لأي مسلم أن ينتخب أو يختار غير مسلم لحكم العراق" .
كانت هذه المرة الأولى في مدة السيطرة البريطانية الفعلية على العراق يعطي فيها مرجع أعلى شيعي رأياً علنياً ضد البريطانيين ، وكانت الفتوى بمثابة المنهج الثابت الذي يجب أن تعتمده الأمة في نشاطها السياسي (5) . وكان تأثير الفتوى في الكاظمية و بغداد حيث أعدت مذكرتان جديدتان . حملتا تواقيع (45) عالما من المؤسسة الدينية . نقتبس من هاتين المذكرتين هذه الفقرات :
" نحن ممثلي الإسلام بين اهالي بغداد وضواحيها من الشيعة والسنة ... اخترنا ... دولة عربية يحكمها ملك عربي مسلم ، من أنجال .. الشريف حسين يكون ملزما بمجلس تشريعي وطني مقره بغداد" .
مما سبق يبدو واضحاً ، ان المؤسسة الدينية أثبتت قدرتها الفائقة في استثارة المشاعر الدينية والسياسية لجميع اطياف المجتمع العراقي ، الأمر الذي أقلق بريطانيا والوجهاء المؤيدين لها ، مما دفعهم أن يفكروا جدياً باتخاذ خطوات عملية لقمع هذه الحركة الاستقلالية ، إذ أعدت الإدارة البريطانية قائمة بأسماء البارزين لغرض توقيفهم وإبعادهم ، ومنهم الشيخ سعيد النقشبندي وشقيقه عبد الوهاب النائب وحمدي الباجه جي وجعفر ابو التمن ، غير أن عبد الرحمن النقيب اعترض على توقيف الشخصين الأولين مؤكداً أنه لا يمكن: " سجنهما ولا نفيهما" , لأنها ستكون في "فضيحة كبيرة جداً" . في حين أوصى النقيب بسجن الآخرين على أساس أنهم "لا اسم لهم ولا شرف" ، وهو كلام يعد بحد ذاته، تجني على الحقيقة والتاريخ ، فالباجه جي كان له دور فاعل في "قيادة الشبان الوطني البغاددة" ، وجعفر أبو التمن كان "دوماً وطنياً قوياً" طبقاً للمعلومات الواردة في الوثائق البريطانية التي وثقها مؤرخ أكاديمي معروف(6 ) . وقد أجري عدد من التوقيفات ، وأبعد (12) شخصاً . إن هذا قد كشف عن التصادم بين الإدارة وحركة الاستقلال المتصاعدة، إذ إن هذه الحركة ردت على التوقيفات بتنظيم حملة دعاية اتهمت فيها البريطانيون بقمع حرية التعبير , وكذلك بإعداد بيانات متعددة موقعة من شخصيات مرموقة مناهضة للبريطانيين في بغداد والكاظمية وإرسالها إلى شريف مكة احتجاجاً على سياسة بريطانيا في العراق .
أسفرت سياسة بريطانيا تجاه المؤسسة الدينية في قضية الاستفتاء في العراق عن فشل إعطاء صورة حقيقية عن رغبات العراقيين ، وهذا من شأنه عكس صورة غير حقيقية نقلها ولسن إلى حكومته في لندن ، كان من نتيجتها أن يضللها عن رأي العراقيين في إدارتها العراق ، وقد اعترف الضباط السياسيون في مختلف مناطق العراق بانهم استخدموا مختلف أنواع الضغط والإكراه للوصول إلى الآراء المطلوبة .
ومهما يكن من أمر ، فإن التأييد الذي حظي به الشيخ الشيرازي والاستجابة الواسعة للفتوى التي أصدرها أسهم في توسيع نفوذه واقترابه اكثر بان يكون خلفاً للزعامة بعد وفاة المرجع الديني الأعلى(جرت العادة رجحان كفة المرجع على غيره تعتمد اساساً على اعلميته وباعتراف الآخرين بذلك) السيد محمد كاظم اليزدي في الثلاثين من نيسان عام 1919، وإزاء ذلك تحرك البريطانيون سياسياً باتجاه الميرزا الشيرازي في محاولة منهم استمالته بطريقتين الأولى عن طريق الترغيب والثانية الترهيب ، فقد ارسل قائمقام القائم باعمال الحاكم المدني في العراق هاول(Hoell) برقية تعزية للشيخ الشيرازي في الخامس من ايار عام 1919 ، تضمنت هذه البرقية الكثير من مظاهر المدح والثناء للشيرازي وعلماء المؤسسة الدينية الآخرين ، نقتبسس بعض الفقرات الواردة في البرقية:
"... نسأل الله أن يتغمد الراحل الكريم برضوانه ويسكنه فسيح جناته وأن يعوضنا بكم خيراً ، ونطلب من المولى أن يطيل بقاءكم ويسعد أيامكم ويعلي قدركم ... وهذا واسمحوا لنا بالتعبير لكم عن تقدير الحكومة البريطانية العظمى لخدمات حضرات العلماء الاعلام دامت بركاتهم واستعدادها لقضاء ما ترونه فيه خير العباد ولكم منا السلام اولاً واخيرا "ً(7) .
فضلاَ عن ذلك ، فقد بدأ البريطانيون بمحاولة اخرى لكسب علماء المؤسسة الدينية، ومنهم الشيرازي إلى جانبهم ، ففي العاشر من حزيران عام 1919 زار ولسن عن طريق الجو كل من كربلاء والنجف ، والتقى في زيارته بأربعة من المجتهدين الكبار المهمين في هذه المدن ، من ضمنهم الشيخ حسين المازندراني ، الذي كان بحسب وصف ولسن ، مرناً ومن السهل جداً كسبه إلى جانبهم ، وفي اليوم التالي ذهب ولسن إلى كربلاء بنفسه للقاء الشيرازي ، وحاول إثارة العناوين الطائفية مع الشيرازي طالباً منه أن يعين رجلاً شيعياً ليكون (كليدار) مراقد الائمة في سامراء بدلاً مـــن كليدار سني، وجاء رد الشيرازي على خلاف مــــا اعتقده ولسن إذ رد عليه بقول معبر ، أكد فيه الشيرازي وحدة المسلمين عندما قال له بالحرف الواحد: " لا فــرق عندي بين السني والشيعي وان الكليدار الموجود رجــــل طــيب ولا أوافق على عزله" .
واثار ولسن موضوعاً آخـــر هــــو مــوضوع المعاهـــدة الإيرانية-البريطانية وفوائدها لإيران ، فطلب منه أن يساعدهم في موافقة الإيرانيين لتصديق المعاهدة ، فكان الرد ان إيران لها حكومتها وهي اعرف بشؤون رعيتها ، ونحن في العراق وكلامنا عن العراق فلا يحق التدخل في أمور لا تعنينا ولا نعرف عنها شيئاً ، وبهذه الأمور الدامغة خرج ولسن خائباً لم يحصل على ما كان يتمناه . اي إن البريطانيين فشلوا في كسب الشيرازي اليهم ، مما جعلهم ان يصفوه في تقاريرهم بوصف لا يليق بتاريخ الرجل البتة ، ننقل نصاً ما جاء بهذا الخصوص: " إن المجتهد الرئيس في كربلاء محمد تقي الشيرازي في سن خرف ومحاط بعصابة من طلاب المال الذين ليس لديهم ضمير ، والذين يأملون ان يكسبوا الثروات قبل موته" .
فضلاً عن ذلك ، فقد وصفت المس بيل الرجل الشيرازي بوصف مشين عندما وصفته "بالعجوز" ، وأنه خاضع لتأثير ابنه الأكبر الشيخ محمد رضا في "كل الأمور, وأن الأخير "يقبض الأموال من العثمانيين "ولم تكن له منزلة دينية ... وقد جعله تأثيره على أبيه مرجعاً اعلى للرأي" .
ثمة حقيقة تاريخية ، ان البريطانيين بذلوا كل ما بوسعهم من أجل تشويه صورة الشخصيات الوطنية في العراق ، وذلك من أجل تسقيطها سياسياً واجتماعياً وحتى روحياً إلا إنهم فشلوا في ذلك ، فقد ظلت هذه الشخصيات ، من ضمنها ، الشيرازي أنموذجاً رائعاً للإرادة الوطنية الحرة ، وللوحدة الوطنية الحقة .
على أية حال ، فشلت جميع أساليب الترغيب التي اتبعها البريطانيون مع الشيرازي ، فانتقلوا إلى اساليب الترهيب ، إذ اعتقلت السلطات البريطانية أعضاء بارزين في "الجمعية الوطنية الإسلامية" )( الجمعية الوطنية الاسلامية تأسست هذه الجمعية في اواخر عام 1919 في كربلاء برئاسة الشيخ محمد رضا الشيرازي ، وضمت عضويتها كل من، السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني والسيد حسين القزويني والسيد عبد الوهاب الــــوهاب والشيخ ابو المحاسن والشيخ عبد الكريم العواد والشيخ عمر الحاج علوان والشيخ عبد المهدي قنبر ، كان من اهم اهدافها ، العمل ضد حكومة الاحتلال البريطاني وتحرير العراق وتأسيس حكومة مستقلة فيه ) يبلغ عددهم ستة ، في الثاني من آب عام 1919 ونفوا جميعاً إلى جزيرة هنجام (هم محمد علي الطباطبائي ، ومحمد مهدي المولوي ، ومحمد علي ابو الحب ، وطليفح الحسون، وعبد الكريم العواد ، وعمر الحاج علوان) ، الأمر الذي أثار حفيظة الشيرازي ، إذ كتب رسالة احتجاج إلى ولسن في الخامس من آب عام 1919 طالباً منه إخلاء سبيلهم وواصفاً إياهم بأنهم لم يفعلوا شيئاً سوى المطالبة السياسية بحقوق البلاد المشروعة، ولكن ولسن رفض إطلاق سراحهم واصفاً إياهم بالمشاغبين وأنهم يقومون بتشويش أفكار الناس ضد الحكومة البريطانية , مما دفع بالشيرازي إلى أن يهدد بالذهاب إلى إيران وإعلان الجهاد ضد البريطانيين ، وفي الوقت نفسه ، وصلت الكثير من رسائل الدعم والتأييد لموقف الشيخ الشيرازي من المؤسسة الدينية في النجف والكاظمية . وعلى أثر ذلك قامت بريطانيا بمناورة سياسية أخرى من أجل امتصاص النقمة ، فأرسل ولسن مبلغا كبيرا من المال إلى الشيخ الشيرازي بيد معتمده محمد حسن خان الكابولي وقد رفضها الشيرازي ، شأنه في ذلك شأن الوطنيين الصادقين
فضلاً عن ذلك ، فقد نقل حاكم كربلاء الميجر بوفل (Povel) إلى قضاء طويريج وعين بدلا عنه محمد خان بهادر الملقب الميرزا محمد البوشهري ، وعلى الرغم من تلك الخطوات التي قامت بها الحكومة البريطانية ، إلا إن الميرزا محمد تقي الشيرازي لم يغير موقفه ، وأصر على إطلاق سراح المنفيين ، مما أجبر السلطات البريطانية على التنازل عن قرارها السابق ، وأفرجت عن المبعدين الذين عادوا إلى ديارهم في كانون الأول عام 1919 ، وعلقت المس بيل على إطلاق سراح المنفيين بكفالة بانهم عادوا في الحال إلى سيرهم الأولى ، وبذلك فقد شجع الحادث حبك الدسائس بدلا من إيقافها عند حدها .
بدأت مرحلة جديدة من العمل هي مرحلة توسيع نطاق المقاومة والإعداد لمواجهة شاملة ضد الاحتلال ، وكانت الخطوة الأولى في هذا المجال ، إصدار الشيرازي في الأول من آذار عام 1920 فتوى يحرم فيها على المسلمين التوظيف او العمل في إدارة الاحتلال البريطاني ، وهي الفتوى التي أدت إلى حملة استقالات أخذت في التزايد فيما بعد . وفي أعقاب هذه الخطوة وبتوجيه من الشيرازي عقد في أواسط آذار اجتماع في مدينة النجف الأشرف حضره العديد من علماء المؤسسة الدينية ورؤوساء العشائر وزعمات الفرات الأوسط، تقرر فيه إطلاق حملة واسعة النطاق ضد الاحتلال ، والدعوة إلى الاستعداد لمقاومته . ومن أجل تحقيق ذلك ، قرر المجتمعون إرسال عدد من علماء المؤسسة الدينية والخطباء للقيام بهذه المهمة في صفوف العشائر (8) ، واكد الشيرازي في الاجتماع ، على تحقيق وحدة وطنية متماسكة ضد الاحتلال البريطاني . فضلاً عن ، تأكيد ضرورة إزالة الخلافات ، وتحقيق التقارب والوحدة بين الطوائف وخاصة السنة والشيعة ، ففي السادس والعشرين من آذار عام 1920 وجه الشيرازي رسالة إلى الشيخ أحمد الداود( ولد في بغداد عام 1875 ، ينتمي إلى أسرة من العلماء ، وكان وطنياً بارزاً ضد الاحتلال البريطاني في عشرينيات القرن الماضي ، نفي إلى جزيرة هنجام ، وبعد أن عاد إلى بغداد أنتخب عضواً في المجلس التأسيسي عام 1924 ،أصبح وزيراً للأوقاف عام) أحد علماء المؤسسة الدينية السنية في بغداد ، ومما يلفت النظر في هذه الرسالة ورود كلمة (الجهاد) فضلاً عن المدح والثناء على شخصية الشيخ أحمد ، واختتمت رسالة الشيخ الشيرازي بالقول "أرجو إبلاغ جزيل السلام والدعاء والدعوة لإخواننا المؤمنين ، ونسال لهم خير الدارين" . مع العلم ، أن التقارير البريطانية قد أشارت إلى أن الشيعة والسنة في الكاظمية وبغداد عقدوا اجتماعات دعوا فيها إلى تناسي خلافاتهم الدينية وضرورة التكاتف ضد الحكم البريطاني في العراق .
لا نبالغ اذا ما قلنا أن هذه الرسائل والاجتماعات قد عززت العلاقة بين علماء الشيعة والسنة وزعماء الفرات الأوسط ورجال الحركة الوطنية ، فقد قرروا إقامة المظاهرات السلمية ضد البريطانيين والدعوة لإقامة حكومة وطنية ، في حين قررت "جمعية حرس الاستقلال" البدء بإقامة حفلات المولد النبوي وإقامة مجالس تعزية في ذكرى استشهاد الامام الحسين (ع ) ، وقد بوشر بإقامة الحفلات لأول مرة في آخر ليلة من شعبان (19 أيار 1920) . وتأكيدا للـــــــــوحـــــــدة الوطنية الإسلامية (الشيعية- السنية ) كانت جموع الأهالي تتجمع في إثر كل حفلة ، يتقدمها السيد محمد الصدر أحد علماء المؤسسة الدينية الشيعية في الكاظمية ، والشيخ أحمد الداود أحد علماء المؤسسة الدينية السنية في بغداد ، ليرمز إلى وحدة المسلمين(9) .
ينبغي أن نشير هنا إلى ، أن جامع الحيدر خانة كان ملتقى للشعراء والخطباء من جميع أطياف المجتمع العراقي ، الذين أسهموا في تحريض الناس على الثورة وذلك في قصائدهم الشعرية ، نذكر منها على سبيل المثال فقط ، الملا عثمان الموصلي ، ومحمد حبيب العبيدي مفتي الموصل الذي ألقى قصيدة عنوانها "صيحة السماء وصدى الضمير" ، نقتبس منها هذه الابيات:
أيها الغرب جئت شيئاً فريا
قسماً بالقران والانجيل
أو تسيل الــــــــــدماء مثل ما علمنا غير الوصي وصيا
ليس نرضى وصاية لقبيل
أفبعد الوصي زوج البتول

لا تقل جعفرية حنفية
جمعتــنــــــــا الشريعــــة الأحمديــــــــــــــــــــــــــــــــــة لا تقل شافعية زيدية
وهــــــــي تأبـــــــــــــــى الــــــــــــــوصايــــــــة الغربية
فلمــــــــــــــــــــــاذا تكــــــــــون فينــــــــا وصيـــــــــــــــــــــــــا؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير