الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مزيفو التاريخ (المذكرة التاريخية لعام 1948) – الجزء 2 / ترجمة عزالدين الحديدي

جوزيف ستالين

2021 / 2 / 25
الارشيف الماركسي


(المذكرة التاريخية لعام 1948 الصادرة عن مكتب الإعلام السوفيتي لدى مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي تحت إشراف ج. ستالين وف. مولوتوف.)

II. لا مقاومة للعدوان الألماني، ولكن سياسة عزل الاتحاد السوفياتي.

يُظهر تسلسل الأحداث اللاحق بشكل أوضح أن الدوائر الحاكمة في إنجلترا وفرنسا لم تقم سوى بتشجيع ألمانيا ودفعها على طريق الغزو من خلال منح الامتيازات والتنازلات للدول الفاشية التي تجمعت معًا في عام 1936 في كتلة عسكرية وسياسية معروفة. باسم "محور برلين - روما".
رافضة لسياسة الأمن الجماعي، تبنت إنجلترا وفرنسا موقف ما يسمى بعدم التدخل، والذي قال عنه جوزيف ستالين:
"يمكن وصف سياسة عدم التدخل على النحو التالي: "أن تدافع كل دولة عن نفسها ضد المعتدين كما تشاء وبقدر ما تستطيع، فهذا ليس من شأننا. سنقوم بالتجارة مع المعتدين وكذلك ضحاياهم ". لكن في الواقع، كانت سياسة عدم التدخل تعني تشجيع العدوان وإطلاق العنان للحرب وبالتالي تحويلها إلى حرب عالمية."7
وأضاف ستالين أن:
"اللعبة السياسية الواسعة والخطيرة التي بدأها أنصار سياسة عدم التدخل يمكن أن تنتهي بفشل ذريع بالنسبة لهم." 8

بحلول عام 1937، كان من الواضح تمامًا أننا نتجه إلى حرب كبرى بهندسة هتلر، الذي استغل ما سمحت له بريطانيا وفرنسا بفعله.
تكشف وثائق وزارة الخارجية الألمانية التي استولت عليها القوات السوفيتية بعد هزيمة ألمانيا، الطبيعة الحقيقية للسياسة الخارجية لبريطانيا وفرنسا خلال هذه الفترة. تُظهر هذه الوثائق أن جوهر السياسة الأنجلو-فرنسية لم يكن توحيد قوى الدول المسالمة في كفاح مشترك ضد العدوان، ولكن عزل الاتحاد السوفيتي وتوجيه العدوان الهتلري شرقاً ضد الاتحاد السوفيتي، وجعل هتلر أداة لأهدافهم.
وبذلك، كان حكام إنجلترا وفرنسا على دراية تامة بالتوجه الرئيسي للسياسة الخارجية الهتلرية التي حددها هتلر على النحو التالي:
"نحن الاشتراكيون القوميون نضع حدًا عن قصد لتوجه سياستنا الخارجية لفترة ما قبل الحرب. سنبدأ من حيث توقفنا قبل ستة قرون. سنتخلى عن الرغبة الدائمة في التوسع إلى جنوب وغرب أوروبا، وسنوجه أنظارنا إلى أراضي الشرق. لقد بدأنا أخيرًا في الابتعاد عن السياسة الاستعمارية والتجارية لما قبل الحرب والانتقال إلى سياسة إلحاق الأراضي المستقبلية. لكن عندما نتحدث اليوم في أوروبا عن أراضٍ جديدة، لا يسعنا إلا أن نفكر في المقام الأول في روسيا والدول المجاورة التابعة لها. يبدو أن القدر نفسه يوضح لنا الطريق." 9
حتى وقت قريب، كان الاعتقاد السائد عموما أن المسؤولية الكاملة عن سياسة الخيانة في ميونيخ تقع على عاتق الدوائر الحاكمة في إنجلترا وفرنسا، أي حكومتي تشامبرلين ودالادييه. وبالتالي فإن حقيقة تعهد الحكومة الأمريكية بنشر وثائق الأرشيفات الألمانية مع استبعاد تلك المتعلقة باتفاقية ميونيخ من المجموعة المنشورة، تظهر أن هذه الحكومة حريصة على تبرئة أبطال خيانة ميونيخ وتحاول إلقاء الخطأ على الاتحاد السوفيتي.
في الماضي القريب أيضًا، كان جوهر سياسة ميونيخ لإنجلترا وفرنسا واضحًا بدرجة كافية. ومع ذلك، فإن الوثائق من أرشيف وزارة الخارجية الألمانية والموجودة في أيدي الحكومة السوفيتية توفر قدرًا كبيرًا من المعلومات الإضافية التي تكشف المعنى الحقيقي لدبلوماسية القوى الغربية في فترة ما قبل الحرب. لقد أظهرت تلك الوثائق كيف يتم اللعب بأقدار الأمم، وبأية وقاحة يتصرفون في أراضي الآخرين، وكيف يتم سرًا إعادة رسم خريطة العالم، وكيف وقع تشجيع العدوان الهتلري، وأية جهود بُذلت لتوجيه هذا العدوان نحو الشرق، ضد الاتحاد السوفيتي.

يتضح هذا ببلاغة، على سبيل المثال، من خلال الوثيقة الألمانية التي تحتوي على نص المقابلة التي جرت في 19 نوفمبر 1937، في أوبيرسالزبرج، بين هتلر والوزير الإنجليزي هاليفاكس بحضور وزير الخارجية الألماني فون نيورات.
قال هاليفاكس:
"أنا [اللورد هاليفاكس] والأعضاء الآخرون في الحكومة الإنجليزية مقتنعين بأن الفوهرر قد حقق نتائج عظيمة ليس فقط في ألمانيا، ولكن من خلال تدمير الشيوعية في بلاده وقطع طريقها نحو أوروبا الغربية. وأنه لهذا السبب يمكن أن تعتبر ألمانيا بحق معقل الغرب ضد البلشفية." 10
ونيابة عن رئيس الوزراء البريطاني تشامبرلين، أعلن هاليفاكس أن هناك الإمكانية الكاملة لحل المشكلات الصعبة، بشرط أن تنجح ألمانيا وإنجلترا في التوصل إلى تفاهم مع فرنسا وإيطاليا أيضًا.
قال هاليفاكس:
"لا يجب أن يسود الانطباع بأن "محور برلين - روما" أو العلاقات الجيدة بين لندن وباريس ستتضرر من التقارب الألماني البريطاني. إذ بمجرد أن تصبح الأرضية جاهزة بفضل التقارب الألماني البريطاني، سيتعين على القوى العظمى الأربع في أوروبا الغربية (11) أن تخلق بشكل مشترك الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه سلام دائم في أوروبا. لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تظل أي من القوى الأربع على هامش هذا التعاون. بخلاف ذلك، لا يمكننا إنهاء حالة عدم الاستقرار الحالية." 12
وهكذا، في وقت مبكر من عام 1937، نيابة عن الحكومة الإنجليزية، اقترح هاليفاكس على هتلر انضمام إنجلترا وفي نفس الوقت فرنسا، إلى "محور برلين - روما".
لكن هتلر رد على هذا الاقتراح بإعلانه أن مثل هذا الاتفاق بين القوى الأربع يبدو سهلًا للغاية طالما كان الأمر يتعلق بحسن نية متبادلة ولياقة، لكن الأمور ستصبح أكثر تعقيدًا إذا لم تصبح ألمانيا "دولة لم تعد تتحمل وصمة العار المعنوية أو المادية لمعاهدة فرساي".
جاء وفقًا لنص المقابلة المذكورة:
"رد هاليفاكس بأن الإنجليز واقعيين، وربما أكثر من أي كان هم مقتنعون بضرورة تصحيح أخطاء فرساي. في الماضي أيضًا، مارست إنجلترا دائمًا نفوذها في هذا الاتجاه الواقعي.
وأشار هاليفاكس إلى الدور الذي لعبته إنجلترا في الإخلاء المبكر لرنانيا Rhénanie، وفي تسوية مسألة التعويضات، وفي إعادة احتلال رنانيا. " 13
يُظهر ما تبقى من نص المقابلة بين هتلر وهاليفاكس أن الحكومة الإنجليزية تبنت موقفًا إيجابيًا تجاه خطط هتلر "للاستحواذ" على دانزيج Dantzig والنمسا وتشيكوسلوفاكيا. وبعد أن ناقش مع هتلر مسائل نزع السلاح وعصبة الأمم وإشارته إلى أن هذه القضايا بحاجة إلى مزيد من المناقشة، صرح هاليفاكس:
"يمكن القول بأن جميع المسائل الأخرى تتعلق بالتغييرات في النظام الأوروبي وأنها ستتم على الأرجح عاجلاً أم آجلاً. وتشمل هذه القضايا دانزيغ Dantzig والنمسا وتشيكوسلوفاكيا. تهتم إنجلترا بشيء واحد فقط : أن يتم إجراء هذه التغييرات من خلال التطور السلمي بحيث يمكننا تجنب الأساليب التي من المحتمل أن تؤدي إلى مزيد من الاضطرابات التي لا يرغب فيها الفوهرر ولا الدول الأخرى." 14

كما نرى : هذه المقابلة لم تكن مجرد جس نبض أو طريقة لاختبار المحاور الآخر، والتي تكون في بعض الأحيان ضرورة سياسية، لكنها تواطؤ واتفاق سري بين الحكومة الإنجليزية وهتلر، من أجل إشباع شهية هذا الأخير في الغزو على حساب دول الغير.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى البيان الذي أدلى به الوزير الإنجليزي سيمون في البرلمان في 21 فبراير 1938، والذي قال فيه إن بريطانيا لم تقدم أبدًا أي ضمانات خاصة فيما يتعلق باستقلال النمسا. وبالطبع، كانت هذه كذبة واضحة، لأن مثل تلك الضمانات كانت موجودة في معاهدتي فرساي وسان جرمان.
في نفس تلك الفترة، أعلن رئيس الوزراء البريطاني تشامبرلين أن النمسا لا يمكنها الاعتماد على أي دفاع من عصبة الأمم.
قال تشامبرلين: "يجب ألا نحاول تضليل أنفسنا، ومن باب أولى وأحرى، يجب ألا نضلل الدول الصغيرة والضعيفة بجعلها تأمل في أن تدافع عنها عصبة الأمم ضد العدوان وبأننا سنتصرف وفقًا لذلك، لأننا نعلم أنه لا شيء من ذلك يمكن فعله"15
تلك هي الطريقة التي شجع بها قادة السياسة البريطانية هتلر على القيام بأعمال عدوانية.

تحتوي الأرشيفات الألمانية التي استولت عليها القوات السوفيتية في برلين أيضًا على نص مقابلة بين هتلر والسفير البريطاني في ألمانيا، هندرسون، والتي جرت في حضور ريبنتروب في 3 مارس 1938 (16). منذ بداية هذه المقابلة، أكد هندرسون طبيعتها السرية من خلال اشتراط عدم نقل مضمون المقابلة إلى الفرنسيين أو البلجيكيين أو البرتغاليين أو الإيطاليين، الذين سيقتصر إعلامهم بأن هذه المقابلة تلت محادثات هاليفاكس - هتلر وأنها كانت مخصصة للمسائل المتعلقة بألمانيا وإنجلترا.
خلال هذه المقابلة، متحدثًا نيابة عن الحكومة الإنجليزية، أكد هندرسون أن:
"هذه ليست صفقة تجارية، بل محاولة لوضع أسس صداقة حقيقية وودية مع ألمانيا، بالبدء بتحسين الوضع والانتهاء بخلق روح جديدة من التفاهم الودي. 17 "
لم يعترض هندرسون على طلب هتلر "توحيد أوروبا بدون روسيا"، ذكر بأن هاليفاكس، الذي كان آنذاك وزيراً للخارجية، كان قد قبل بالفعل التغييرات الإقليمية التي كانت ألمانيا تستعد لإجرائها في أوروبا. وأن: "الهدف من الاقتراح الإنجليزي هو المشاركة في هذه التسوية المعقولة ".
و في نفس النص المشار إليه صرح هندرسون:
" على الرغم من كل شيء، أظهر [تشامبرلين] شجاعة كبيرة عندما مزق القناع عن العبارات الدولية مثل الأمن الجماعي، إلخ..."
"ولهذا السبب - أضاف هندرسون - تعلن إنجلترا عن استعدادها لتذليل أي صعوبات وتطلب من ألمانيا ما إذا كانت مستعدة بدورها لفعل الشيء نفسه. 19 "
وعندما انضم ريبنتروب إلى المحادثة بإشارته إلى هندرسون أن الوزير الإنجليزي في فيينا قد أدلى ببيان "بشكل دراماتيكي" لفون بابن بشأن الأحداث في النمسا، سارع هندرسون بالنأي بنفسه عن تصريح زميله قائلاً أنه هو نفسه، نيفيل هندرسون، "كثيرًا ما تحدث مناصرا سياسة الضم ".
تلك كانت اللغة التي استخدمتها الدبلوماسية الإنجليزية في فترة ما قبل الحرب.

بعد هذا التفاهم، في 12 مارس 1938، استولى هتلر على النمسا دون أن يواجه أي مقاومة من إنجلترا وفرنسا. كان الاتحاد السوفياتي وحده في ذلك الوقت يدق ناقوس الخطر ويطلق دعوة جديدة لتنظيم الدفاع الجماعي عن استقلال البلدان المهددة بالعدوان. في وقت مبكر من 17 مارس 1938، وجهت الحكومة السوفيتية مذكرة إلى القوى الكبرى معلنة عن:
"استعدادها للتعامل مع القوى الأخرى، في عصبة الأمم أو على هامشها، لفحص التدابير العملية التي من شأنها وقف تطور العدوان وإزالة الخطر الذي أصبح أكثر إلحاحًا المتمثل في حرب عالمية جديدة." 20
أظهر رد الحكومة البريطانية على المذكرة السوفيتية أن الحكومة المذكورة لا تريد إحباط خطط العدوان الهتلري تلك. قيل في ذلك الرد:
"إن عقد مؤتمر لاتخاذ إجراءات منسقة ضد العدوان لن يكون بالضرورة، في رأي حكومة جلالة الملك، ذو تأثير إيجابي على آفاق السلام الأوروبي." 21

كان احتلال ألمانيا لتشيكوسلوفاكيا الحلقة التالية في سلسلة العدوان الألماني والاستعدادات للحرب في أوروبا. وهذه الخطوة البالغة الأهمية نحو اندلاع الحرب في أوروبا لم يكن ممكنا أن يتخذها هتلر إلا بدعم مباشر من إنجلترا وفرنسا.
منذ 10 يوليو 1938، أبلغ السفير الألماني في لندن، ديركسن، برلين أن:
" الحكومة البريطانية جعلت من البحث عن حل وسط مع ألمانيا أحد النقاط الرئيسية في برنامجها."
وأضاف : "تُظهر الحكومة المذكورة لألمانيا أقصى قدر من التفهم يمكن أن تظهره أي من الفرق المحتملة للسياسة الإنجليزية." 22
وكتب ديركسن :
"لقد اقتربت الحكومة البريطانية من فهم أهم النقاط الأساسية للمطالب الجوهرية لألمانيا فيما يتعلق بإقصاء الاتحاد السوفيتي من أي تسوية تتعلق بمصير أوروبا، واستبعاد كذلك عصبة الأمم، وأهمية المفاوضات والمعاهدات الثنائية."23
كما أشار ديركسن لبرلين أن الحكومة البريطانية مستعدة لتقديم تضحيات كبيرة "لتلبية مطالب ألمانيا العادلة الأخرى".
ونتيجة لذلك، تم التوصل بالفعل إلى تفاهم بعيد المدى بشأن خطط السياسة الخارجية بين الحكومة البريطانية وهتلر، وهو ما أكده ديركسن بقوة كبيرة في تقريره إلى برلين.

ليست هناك أي حاجة لتكرار الوقائع الثابتة المتعلقة مباشرة بصفقة ميونيخ. ومع ذلك، لا ينبغي أن ننسى أنه في 19 سبتمبر 1938، أي بعد أربعة أيام من مقابلة هتلر وتشامبرلين (سافر الأخير بالطائرة إلى مقر إقامة هتلر في بيرشتسجادن Berchtesgaden لهذا الغرض)، طلب ممثلو الحكومتين البريطانية والفرنسية من الحكومة التشيكوسلوفاكية أن تنقل إلى ألمانيا مناطق تشيكوسلوفاكيا التي يسكنها بشكل رئيسي الألمان السوديت Sudètes. وأعلنوا، من أجل تبرير هذا المطلب، أنه بدون ذلك سيكون من المستحيل الحفاظ على السلام وضمان المصالح الحيوية لتشيكوسلوفاكيا.
حاول هؤلاء الحماة الأنجلو-فرنسيون للعدوان الهتلري التستر على خيانتهم بوعد بضمان دولي للحدود الجديدة لدولة تشيكوسلوفاكيا "كمساهمة في أعمال التهدئة في أوروبا".
في 20 سبتمبر ردت الحكومة التشيكوسلوفاكية على المقترحات الأنجلو-فرنسية قائلة :
"إن إعتماد مثل هذه المقترحات سيكون بمثابة تشويه متعمد وكامل للدولة من جميع النواحي. "
لفتت حكومة تشيكوسلوفاكيا انتباه حكومتي إنجلترا وفرنسا إلى أن :
"شلل تشيكوسلوفاكيا سيؤدي إلى تغييرات سياسية عميقة في جميع أنحاء وسط وجنوب شرق أوروبا. "
وأعلنت الحكومة التشيكوسلوفاكية في ردها ما يلي :
"ميزان القوى في وسط أوروبا وأوروبا بشكل عام سوف ينهار، مع عواقب وخيمة لجميع الدول الأخرى، وخاصة بالنسبة لفرنسا. "
ووجهت الحكومة التشيكوسلوفاكية "نداءً أخيرًا" إلى حكومتي إنجلترا وفرنسا، طالبة منهما إعادة النظر في وجهة نظرهما وشددت على أن ذلك ليس لمصلحة تشيكوسلوفاكيا فحسب، بل لمصلحة أصدقائها أيضًا ولمصلحة "قضية السلام والتنمية الطبيعية لأوروبا برمتها".
لم يتزحزح الحكام الأنجلو-فرنسيون.
في اليوم التالي، وجهت الحكومة البريطانية ردها إلى الحكومة التشيكوسلوفاكية. في هذه المذكرة، اقترحت عليها أن تسحب ردها على المقترحات الأصلية الأنجلو-فرنسية وأن "تزن بشكل عاجل وجاد" الإيجابيات والسلبيات قبل أن تخلق وضعا لا تستطيع الحكومة البريطانية تحمل مسؤوليته. وفي الختام، شددت الحكومة البريطانية على أنها لا تعتقد أن خطة التحكيم التشيكوسلوفاكية مقبولة في الوقت الحاضر. أشارت المذكرة الإنجليزية إلى ما يلي:
"لا يمكن للحكومة البريطانية أن تفترض أن الحكومة الألمانية ستعتبر الوضع قابلاً للحل عن طريق التحكيم على النحو الذي اقترحته الحكومة التشيكوسلوفاكية. "
وفي الختام، حذرت المذكرة الإنجليزية الحكومة التشيكوسلوفاكية وأعلنت بنبرة تهديد أنه في حالة رفض المشورة التي قدمتها إنجلترا، فإن حكومة تشيكوسلوفاكيا "ينبغي أن تكون حرة في اللجوء إلى أي إجراء تراه صالحا وفقًا للحالة التي قد توجد لاحقًا ".

كان مؤتمر ميونيخ الذي انعقد في 29-30 سبتمبر 1938 بين هتلر وتشامبرلين وموسوليني ودالاديي تتويجًا للصفقة المخزية والمنسقة بالكامل بصفة مسبقة بين المشاركين الرئيسيين في المؤامرة ضد السلام. تم تحديد مصير تشيكوسلوفاكيا دون أن تشارك في أي من الإجراءات. تمت دعوة ممثلي تشيكوسلوفاكيا إلى ميونيخ فقط لينتظروا بتواضع ذليل نتائج التفاهم بين الإمبرياليين.
ما من شك في أن كامل موقف إنجلترا وفرنسا قد أظهر أن عمل الخيانة غير المسبوق الذي ارتكبته الحكومتان الإنجليزية والفرنسية تجاه الشعب التشيكوسلوفاكي وجمهوريته لم يكن بأي حال من الأحوال حدثًا عرضيًا في سياسة هذه الدول، ولكنه عنصر مهم في سياسة كانت تهدف إلى توجيه العدوان الهتلري ضد الاتحاد السوفيتي.

قام جوزيف ستالين في تلك الفترة بالتنديد بالمعنى الحقيقي لاتفاق ميونيخ:
"لقد تم تسليم مناطق من تشيكوسلوفاكيا إلى الألمان كثمن لالتزامهم بشن الحرب ضد الاتحاد السوفيتي." 26

إن جوهر كامل سياسة الأوساط الحاكمة الأنجلو-فرنسية في تلك الفترة، تم كشفه بالكلمات التالية التي ألقاها جوزيف ستالين في المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي البلشفي للاتحاد السوفيتي في مارس 1939 :
"إن سياسة عدم التدخل تعني تشجيع العدوان وإطلاق الحرب وبالتالي تحويلها إلى حرب عالمية. إن سياسة عدم التدخل تعكس الإرادة والرغبة في عدم التعرض للمعتدين في تحقيق عملهم الأسود، في عدم منع بالخصوص اليابان من التوغل في حرب ضد الصين وضد الاتحاد السوفيتي، في عدم منع ألمانيا من التورط في الشؤون الأوروبية ومن الوقوع في فخ الحرب مع الاتحاد السوفيتي، وفي السماح لكل المتحاربين بالانغماس حتى العنق في مستنقع الحرب و تشجيعهم على ذلك بخبث، وفي جعلهم يضعفون وينهكون بعضهم بعض. ثم بعد أن يصبحوا ضعفاء بما يكفي، يتم الظهور على الساحة بقوى نضرة والتدخل طبعا "لمصلحة السلم" وفرض الشروط على المتحاربين المنهكين" 27

قوبلت اتفاقية ميونيخ بسخط وانتقاد شديد في الأوساط الديمقراطية في مختلف البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وفرنسا. يمكننا الحكم على موقف هذه الأوساط الديمقراطية تجاه خيانة الحكام الأنجلو-فرنسيين في ميونيخ من خلال تعليقات مثل تلك التي نجدها، على سبيل المثال، في الكتاب المنشور في الولايات المتحدة من طرف M. Sayers و Kahn تحت عنوان المؤامرة الكبرى ضد روسيا.
إليكم ما كتبه مؤلفو هذا الكتاب عن ميونيخ:
"وقعت حكومات ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وإنجلترا وفرنسا اتفاقية ميونيخ. لقد تحقق أخيرًا حلم "التحالف المقدس" المناهض للسوفيات الذي كانت ترعاه الرجعية العالمية منذ 1918. ترك هذا الاتفاق روسيا بدون حلفاء. تم دفن الميثاق الفرنسي السوفياتي، وهو حجر الزاوية للأمن الجماعي في أوروبا. أصبحت جمهورية سوديتنلاند التشيكية جزءًا من ألمانيا النازية. لقد فتحت البوابات الشرقية على مصراعيها أمام جحافل الهتلر." 28

من بين جميع القوى العظمى، كان الاتحاد السوفيتي هو الوحيد الذي قام بدور نشيط في جميع مراحل المأساة التشيكوسلوفاكية، دفاعًا عن استقلال تشيكوسلوفاكيا وحقوقها الوطنية. وفي محاولاتهم لتبرير أنفسهم في نظر الرأي العام، أعلنت حكومتا إنجلترا وفرنسا بشكل منافق أنهما تجهلان ما إذا كان الاتحاد السوفييتي سوف يفي بالتزاماته بموجب المعاهدة تجاه تشيكوسلوفاكيا أم لا. وهكذا كانوا يؤكدون شيئًا كانوا يعلمون أنه زائف، لأن الحكومة السوفيتية أعلنت علنًا أنها مستعدة للتدخل لصالح تشيكوسلوفاكيا ضد ألمانيا وفقًا لبنود تلك المعاهدة التي نصت أيضا على تدخل فرنسا المتزامن للدفاع عن تشيكوسلوفاكيا. لكن فرنسا رفضت أداء واجبها.
ومع ذلك، أعلنت الحكومة السوفيتية مرة أخرى، عشية صفقة ميونيخ، الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي من أجل تقديم المساعدة العملية لتشيكوسلوفاكيا واتخاذ خطوات عملية للحفاظ على السلام.
عندما أصبح احتلال تشيكوسلوفاكيا حقيقة وأعلنت حكومات الدول الإمبريالية، واحدة تلو الأخرى، أنها اعترفت بالأمر الواقع، قامت الحكومة السوفيتية، في مذكرتها المؤرخة في 18 مارس ، بالتنديد باحتلال تشيكوسلوفاكيا الذي ارتكبته ألمانيا الهتلرية بتواطؤ إنجلترا وفرنسا، بوصفه تعسفا وعنفا وعدوانا. وفي المذكرة نفسها، أشارت الحكومة السوفيتية إلى أن أفعال ألمانيا:
"خلقت وعززت التهديد للسلام العالمي، وزعزعت الاستقرار السياسي لأوروبا الوسطى، وضاعفت عناصر حالة الإنذار الموجودة بالفعل في أوروبا وشكلت تقويضا إضافيا للشعور بالأمن لدى الشعوب (29)".
لكنهم لم يكتفوا بتسليم تشيكوسلوفاكيا لهتلر. بل تسابقت حكومتا إنجلترا وفرنسا لتوقيع اتفاقيات سياسية واسعة مع ألمانيا الهتلرية. ففي 30 سبتمبر 1938، تم التوقيع في ميونيخ، من قبل تشامبرلين وهتلر، على إعلان أنجلو-ألماني قيل فيه:
"اليوم واصلنا مناقشتنا وتوصلنا بالإجماع إلى قناعة بأن مسألة العلاقات الألمانية الإنجليزية ذات أهمية قصوى لكلا البلدين ولأوروبا. نعتبر الاتفاقية الموقعة الليلة الماضية، وكذلك الاتفاقية البحرية الألمانية البريطانية كرمز لرغبة شعبينا في عدم خوض الحرب مرة أخرى. نحن مصممون أيضًا بشدة على النظر في الأمور الأخرى التي تهم بلدينا من خلال المشاورات، والسعي لاستبعاد أي أسباب للنزاع في المستقبل من أجل المساعدة في تأمين السلام في أوروبا." 30
لقد كان ذلك إعلان عدم اعتداء متبادل من جانب إنجلترا وألمانيا.

وفي 6 ديسمبر 1938، تم التوقيع على إعلان فرنسي ألماني بين Bonnet-Ribbentrop ، مشابه للإعلان الأنجلو-ألماني.
وذكر أن الحكومتين الألمانية والفرنسية توصلتا إلى الاقتناع بأن العلاقات السلمية وحسن الجوار بين ألمانيا وفرنسا تشكل أحد الركائز الأساسية لتوطيد العلاقات الأوروبية والحفاظ على السلام العالمي وأن الحكومتين ستبذلان قصارى جهدهما من أجل ضمان الحفاظ على هذه العلاقات بين بلدانهم. وأشار الإعلان إلى أنه لم تعد هناك أي قضايا إقليمية مثيرة للجدل بين فرنسا وألمانيا وأن الحدود بين البلدين نهائية. وفي الختام، قال الإعلان إن الحكومتين عازمتان بشدة، دون المساس بحقهما في علاقات خاصة مع قوى أخرى، على البقاء على اتصال متبادل بشأن جميع المسائل المتعلقة ببلديهما والتشاور مع بعضهما البعض في حالة ما إذا أدت تلك المسائل في تطورها إلى تعقيدات دولية.
لقد كان ذلك، إعلان عدم اعتداء متبادل من جانب فرنسا وألمانيا.

في الأساس، كان إبرام هذه الاتفاقيات يعني أن إنجلترا وفرنسا قد وقعتا معاهدات عدم اعتداء مع هتلر.
يمكننا أن نرى بكل وضوح في هذه الاتفاقيات مع ألمانيا الهتلرية، رغبة الحكومتين الإنجليزية والفرنسية في درء تهديد العدوان الهتلري عنهما، على اعتبار أن اتفاقية ميونيخ وغيرها من الاتفاقيات المماثلة قد فتحت الأبواب بالفعل أمام العدوان الهتلري في الشرقً في اتجاه الاتحاد السوفيتي.
هكذا تم خلق الظروف السياسية الضرورية لـ "اتحاد أوروبا بدون روسيا".
نتجه إلى عزل الاتحاد السوفيتي تماما.

عزالدين بن عثمان الحديدي – فيفري 2021

7. ج. ستالين ، "تقرير مقدم إلى المؤتمر الثامن عشر للحزب حول نشاط اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (البلشفي) لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. »
8. المرجع نفسه ، ص. 593. د
9. أ. هتلر ، مين كامبف، ميونيخ ، 1936 ، ص. 742.
10. "نص مقابلة بين رئيس الرايخ الفوهرر واللورد هاليفاكس ، بحضور وزير خارجية الرايخ في أوبيرسالزبرغ ، 19-XI-1937. »(أرشيفات وزارة الخارجية الألمانية)
11. المقصود بريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا وإيطاليا
12. انظر نص المقابلة المذكورة أعلاه.
13. نفس المصدر
14. انظر نص المقابلة المذكورة أعلاه.
15. التايمز 23 فبراير 1938 ، ص. 8.
16. "نص الاجتماع بين الفوهرر (مستشار الرايخ) والسفير الملكي البريطاني الذي تم بحضور السيد فون ريبنتروب، وزير الخارجية للرايخ في 3 مارس 1938، في برلين. »(أرشيفات وزارة الخارجية الألمانية)
17. المرجع نفسه.
18. المرجع نفسه.
19. المرجع نفسه.
20. إزفستيا في 18 مارس 1938.
21. ملاحظة من وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 24 مارس 1938
22. "تقرير سياسي ، لندن ، 10 يوليو 1938 ، متابعة لتقرير رقم 2589 بتاريخ 10 يونيو من العام الحالي" ، مأخوذ من أرشيف وزارة الخارجية الألمانية.
23. المرجع نفسه.
24. المرجع نفسه.
25. مراسلات بخصوص تشيكوسلوفاكيا ، سبتمبر 1938 ، لندن ctd 5847 ، ص. 8-9.
26. ج ستالين ، "تقرير مقدم إلى المؤتمر الثامن عشر للحزب حول نشاط اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (البلشفي) في الاتحاد السوفيتي. »
27. المرجع نفسه ،
28. سايرز وكان، المؤامرة الكبرى ، بوسطن ، 1946 ، ص. 324-325.
29. ازفستيا ، 20 مارس 1939.
30. Archiv für Aussenpolitik und Länderkunde، September 1938، S. 483. Go up








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قراءة التاريخ كما هو
فؤاد النمري ( 2021 / 2 / 25 - 17:33 )
نحن الشيوعيين البلاشفة بحاجة لمن يقرأ التاريخ كمات هو

تحياتي البولشفية


2 - الى اعداء الاشتراكية
سعيد زارا ( 2021 / 2 / 26 - 18:24 )

اعلاه ليس تنظيرات بل وقائع تبين حقيقة تكالبات الاعداء على الاتحاد السوفياتي للنيل من البولشفية.


شكرا للرفيق الحديدي

اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري