الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبن خلدون الصائغ الأول لقانوني القيمة وفائض القيمة 3-5

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2021 / 2 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ثم يقرأ النص الخلدوني المدرج سابقاً :
"فالإنسان ، متي اقتدر على نفسه و تجاوز طور الضعف ، سعى في اقتناء المكسب لينفق ما آتاه الله منها في تحصيل حاجاته و ضروراته بدفع الأعواض عنها . قال الله تعالى : "فابتغوا عند الله الرزق" . وقد يحصل له ذلك بغير سعي كالمطر المصلح للزراعة و أمثاله . إلا أنها إنما تكون معينة ، و لا بد من سعيه معها كما يأتي . فتكون له تلك المكاسب معاشاً إن كانت بمقدار الضرورة و الحاجة ، أو رياشاً و متمولا إن زادت على ذلك . قال الله تعالى : "فابتغوا عند الله الرزق". ثم إن ذلك الحاصل أو المقتنى إن عادت منفعته على العبد ، و حصلت له ثمرته من إنفاقه في مصلحته و حاجاته ، سُمّي ذلك رزقاً . قال صلى الله عليه و سلم : "إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت" . و إن لم يُنتفع به في شيء من مصالحه و لا حاجاته ، فلا يُسمى بالنسبة إلى المالك رزقاً ، و المتملَّك منه حينئذ بسعي العبد و قدرته يُسمى كسباً . و هذا مثل التراث ، فإنه يُسمى بالنسبة إلى المالك كسباً ، و لا يُسمي رزقاً إذ لم يحصل به منتفع . و بالنسبة إلى الوارثين ـ متي انتفعوا به يُسمى رزقاً. "
في النص أعلاه لدينا أولاً جملة : "سعي الانسان المقتدر في اقتناء المكسب" إشارة إلى الاشتغال الغائي (السعي) للإنسان القادر على العمل للحصول على الدخل (المكسب)". و في اللغة العربية فإن مفردة "السعي" تعني : " القصد و المشي ، و أيضا العمل و الكسب" . و هناك ثانيا الوصف بكون الغرض من تحصيل الانسان لدخل العمل هذا إنما هو لشراء (دفع الأعواض) مختلف مستلزمات الحياة (سأعود لهذه النقطة المهمة) . و لدينا ثالثاً التقسيم الخلدوني الرباعي للسلع : " فتكون له تلك المكاسب معاشاً إن كانت بمقدار الضرورة و الحاجة ، أو رياشاً و متمولا إن زادت على ذلك ". يميّز ابن خلدون هنا بين السلع وفق حيوية قيمتها الاستعمالية للإنسان : 1) السلع الضرورية (التي لا يمكن للإنسان العيش بدونها مثل الطعام و الشراب) ؛ 2) السلع الحاجيّة (التي تسد حاجة مهمة و لكنها دون حيوية ما قبلها) ؛ 3) السلع الرياشية (الكمالية) ؛ 4) السلع المتمولة (المدّخرة). الأنواع الثلاثة الأولى يسميها إبن خلدون بالرزق عند استهلاكها (الانتفاع بها)، أما النوع الرابع فهي (الكسب) أي القيمة المكتنزة ؛ و النوعين الأوليين هما "معاش" . هذا التقسيم تراتبي الهيكل حسب تسلسل أولويات قيمته الاستهلاكية لعيش الإنسان ؛ كما أنه يضمّنه عنصر استهلاك المنفعة (تطمين الحاجة) في تصنيفه .
و لا ينسى أبن خلدون التطرق لدور الأحوال الجوية في خلق القيمة تظافراً مع عمل الإنسان في الزراعة مبيناً : " وقد يحصل له ذلك بغير سعي كالمطر المصلح للزراعة و أمثاله . إلا أنها إنما تكون معينة ، و لا بد من سعيه معها كما يأتي ". الإشارة هنا هي للتفريق بين الإنتاج المرهونة حصيلته النهائية بإرادة الإنسان لوحده (مثلما يحصل في "الصنائع كالنجارة و الحياكة" التي سيرد ذكرها بعدئذ مباشرة) ، و الإنتاج المرهونة حصيلته بتوفر الطقس المؤاتي في الزراعة .
ثم يأتي هذا النص البديع الذي يكرر على الأقل سبع مرات قانون العمل للقيمة توكيداً لأهميته :
" ثم اعلم أن الكسب إنما يكون بالسعي في الاقتناء ، و القصد إلى التحصيل : فلا بد في الرزق من سعي و عمل ، و لو في تناوله و ابتغائه من وجوهه . قال تعالى : " فابتغوا عند الله الرزق" ، و السعي إليه إنما يكون بأقدار الله تعالى و إلهامه ، فالكل من عند الله . فلا بد من الأعمال الإنسانية في كل مكسوب و متمول . لأنه إن كان عملاً بنفسه مثل الصنائع ، فظاهر دال ؛ و إن كان مقتني من الحيوان و النبات و المعدن ، فلا بد فيه من العمل الإنساني كما تراه ، و إلا لم يحصل ولم يقع به انتفاع . ثم إن الله تعالي خلق الحجرين المعدنيين من الذهب و الفضة قيمة لكل متموِّل ، و هما الذخيرة و القنية لأهل العالم في الغالب . وان اقتني سواهما في بعض الأحيان ، فإنما هو لقصد تحصيلهما بما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق التي هما عنها بمعزل ، فهما أصل المكاسب و القُنية و الذخيرة . و إذا تقرر هذا كله ، فاعلم أن ما يفيده الإنسان و يقتنيه من المنقولات إن كان من الصنائع فالمفاد المقتني منه قيمة عمله ، و هو القصد بالقنية ، إذ ليس هناك إلا العمل ، و ليس بمقصود بنفسه للقنية . وقد يكون مع الصنائع في بعضها غيرها مثل النجارة و الحياكة معهما الخشب و الغزل ؛ إلا أن العمل فيهما أكثر فقيمته أكثر . وان كان من غير الصنائع ، فلا بد من قيمة ذلك المفاد و القنية من دخول قيمة العمل التي حصلت به ، إذ لولا العمل لم تحصل قنيتها ."
في النص أعلاه يميز إبن خلدون بين العمل البشري في" جمع" القيم الجاهزة التي توفرها له الطبيعة : " فلا بد في الرزق من سعي و عمل ، و لو في تناوله و ابتغائه من وجوهه .. المقتنى من الحيوان و النبات و المعدن" و بين "الإنتاج" البشري الخالص للقيم "من الصنائع" ؛ ليؤكد بعدئذ أنه لا وجود للقيمة بدون العمل الإنساني : " فلا بد فيه من العمل الإنساني كما تراه ، و إلا لم يحصل ولم يقع به انتفاع " كقانون مطلق .
ثم يتطرق للذهب و الفضة كمعادل عام للقيمة التبادلية : " ثم إن الله تعالي خلق الحجرين المعدنيين من الذهب و الفضة قيمة لكل متموِّل ، و هما الذخيرة و القنية لأهل العالم في الغالب . وان اقتني سواهما في بعض الأحيان ، فإنما هو لقصد تحصيلهما بما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق التي هما عنها بمعزل ، فهما أصل المكاسب و القُنية و الذخيرة " . و يوضح أنهما "قيمة لكل متمول و هما الذخيرة و القنية لأهل العالم في الغالب" . هذه الجملة تعرِّف الوظائف الاقتصادية الثلاث المتراكبة فوق بعضها للذهب و الفضة : المعادل العام للسلع "قيمة لكل متمول " ، و القيمة المكتنزة "الذخيرة" ، و الحُلية النفيسة "القنية" . و في العراق لدينا المثل الشعبي : "الذهب زينة و خزينة" .
ثم تأتي ثلاثة مقولات خلدونية غاية في العبقرية الاقتصادية ، أولاهما : " وان اقتني سواهما في بعض الأحيان ، فإنما هو لقصد تحصيلهما بما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق التي هما عنها بمعزل " و التي توضح الدور الخاص الذي يلعبه الذهب و الفضة كمعادل عام في الأسواق : استقلال قيمتهما النسبية عن بقية السلع التي تكون أقيامهما أكثر عرضة للصعود و الهبوط حسب التفاوتات بين العرض و الطلب عليها : "بما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق " . لذا ، فإن الميل العام في الاستثمار المضمون نسبياً أنما هو : الاستثمار في الذهب و الفضة لتجاوز تذبذب القيم التبادلية لغيرهما من السلع المعرضة لتذبذب الاسعار . هذا الميل الخلدوني في الاستثمار بالمعادن النفيسة بفضل الثبات النسبي على المدى الطويل لأقيامهما التبادلية مستمر إلى يومنا هذا .
بعدها تأتي الجملة : " إذ ليس هناك إلا العمل ، و ليس بمقصود بنفسه للقنية " و التي توضح حقيقة أن الوظيفة الأصيلة للعمل البشري إنما هو انتاج وسائل العيش و ليس اكتناز الأموال (الأثراء) الذي هو وظيفة أجنبية طارئة أقحمها الجشع الأنوي لبعض الأفراد على المجتمع . و عند ربط هذه الجملة بزبدة هذا النص الخلدوني ككل نجد أنه يقرر هذه الحقيقة البسيطة : أن الجنس البشري يجب أولاً وقبل كل شيء أن يأكل ويشرب ويمتلك المأوى والملبس قبل ممارسة كل و أي نشاط آخر .
ثم تأتي هذه الجملة : " وقد يكون (العمل) مع الصنائع في بعضها غيرها مثل النجارة و الحياكة معهما الخشب و الغزل ؛ إلا أن العمل فيهما أكثر فقيمته أكثر " التي تميز لأول مرة في تاريخ علم الاقتصاد بين العمل "البسيط" و "المركب" .
و أخيراً يأتي هذا القانون الخلدوني : المال المكتنز (القنية) هو "قيمة عمل مجمَّدة" : " وان كان من غير الصنائع ، فلا بد من قيمة ذلك المفاد و القنية من دخول قيمة العمل التي حصلت به ، إذ لولا العمل لم تحصل قنيتها ."
يُتبع ، لطفاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جيم ميم لام -- بعير
فؤاد النمري ( 2021 / 2 / 26 - 18:03 )
يذكرني حسين علوان بقصة الولد الذي أرسله والده إلى الكتّّاب ليتعلم فعلمه المعلم جيم ميم لام جمل إلا أن الولد أصر على القول بعير فطرده المعلم من الكتاب
لسنا نحن من يطرد حسين علوان من مدرسة الماركسية بل حسين نفسه من يفعل ذلك
فائض القيمة الماركسي يتشكل من الفرق بين سعر قوى العمل الأدنى وسعره الأعلى
حسين علوان يحسب أن فائض القيمة هو أن الإنسان ينتج أكثر مما ي
حتاج
لكن الإنتاج في الاقتصاد الريعي وفي الزراعة والبستنة لا يمثل قوى العمل

قيمة قوى العمل في المنتوجات الزراعية والحيوانية لا تشكل جزءاً كبيراً
من المعيب ابتذال الماركسية لمثل هذا الحد

اخر الافلام

.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا