الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعة مشروطة أو بدون شروط

محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا

2021 / 2 / 27
التربية والتعليم والبحث العلمي


تعتبر الجامعة من المؤسسات الرئيسية التي تساهم في تطوير وتحديث المجتمع والتغيير الاجتماعي عبر خلق قادة الفكر في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية _ التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وعبر المساهمة في البحث العلمي، وخاصة في ظل الثورة المعلوماتية والمعرفية، والتقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصالات. ومن المعروف تاريخياً أن الجامعات في أوروبا قامت منذ نشأتها على الاستقلال عن السلطة الزمنية _ السياسية، والسلطة الروحية _ الدينية، ولذلك تحولت إلى مؤسسات علمانية تنتج الفكر الحر. لكن الجامعات في العالم العربي، التي كان لها طابعاً دينياً في الإسلام _ الجوامع، والمؤسسات الدينية نشأت في ظل السلطة الزمنية _ السياسية، وخاصة بعد أن قام الإسلام على العصبية القبلية وليس على العصبية الدينية مع مؤتمر السقيفة، ثم تكرست السلطة الزمنية مع معاوية والدولة الأموية التي كرست السلطة الدينية لخدمة السلطة السياسية، وحولت السلطان إلى ظل الله على الأرض.
ويمكن القول إن الباشا محمد علي أنشأ أول نظام تعليمي مدني في العالم الإسلامي، وكان ذلك لخدمة احتياجات جيشه من الإداريين، فأسس مدرسة الهندسة 1816، ومدرسة الطب، وأنشأ الطهطاوي مدرسة الألسن 1836. كما أن الاستعمار الأوروبي للبلاد العربية حارب التعليم الجامعي إلا بما يخدم مصالحه الاستعمارية، وبالتالي عمل على جعل الجامعة تنتج الموظفين والإداريين البيروقراطيين المرتبطين به من أجل تأمين مصالحه السياسية والاقتصادية. وعلى طريق الاستعمار في محاربة الجامعة عملت الأنظمة الوطنية التي ورثت حكم البلاد بعد تحقيق الاستقلال، على أن تكون الجامعة أيضاً مكاناً لتخريج الموظفين البيروقراطيين، حتى أنها أصبحت مثل المؤسسات الرسمية مكاناً للبطالة المقنعة: مكاناً لمكافأة الأنصار والمؤيدين. وبذلك انحصر دور الجامعة في العمل الإداري، وابتعدت عن التقدم العلمي والتكنولوجي والبحث العلمي، وتكرست عزلة خريجي الجامعة بحيث أصبح كل همهم هو الحصول على الشهادة الجامعية لتأمين وظيفة تحقق الحد الأدنى من العيش الكريم من جهة، ومن جهة أخرى مجالاً للتسلق الوظيفي والاجتماعي. ويمكن القول إن وجود الجامعة في العالم العربي هو أقرب إلى الوجود الهامشي، فهي بعيدة عن الفعالية الفكرية والاجتماعية، ويكاد دورها ينحصر في العمل البيروقراطي لإدارة مؤسسات المجتمع المدني والمجتمع السياسي بما يخدم استقرار تلك الأنظمة الحاكمة في حكمها الذي هو حكم استبدادي لا يهمه إلا تأبيد وجوده في السلطة السياسية. رغم أنه يمكن الاستفادة من التجربة الآسيوية في عمل الجامعة، كما يقول الدكتور مسعود ضاهر، على خلق الإنسان الواعي والمبدع، والقضاء على كل مظاهر الأمية، وتوسيع دائرة الأبحاث والمراكز العلمية وتوظيف نسبة كبيرة من الدخل القومي لأغراض البحث العلمي.
وفي حوار أحمد الشيخ مع الدكتور زكي نجيب محمود ضمن الكتاب الحواري " الاستشراق والاستغراب المثقفون العرب والغرب "، يقول الدكتور " إننا لو حللنا ما يعرض طلابنا في المدارس والجامعات لوجدنا أن الكثير جداً من المادة المعروضة هي ذاتها ما يعرض على الطلاب في الجامعات الأوروبية.. كل فلسفات الغرب أيضاً بجميع تياراتها تجدها موضوعاً للدراسة عند طلابنا بصورة رسمية على أيدي أساتذة أفاضل يتفرقون شيعاً ومذاهب ". ولكن ذلك لم ينتج مفكرين على مستوى مفكري الغرب، وهذا ما يسندركه الدكتور زكي في كتابه " مجتمع جديد أو الكارثة " حيث يقول: " ماذا تكون الجامعة إذا لم تجعل من نفسها حامية تذود عن العقل، حتى لا يعتدي عليها أعداؤها بهدم حصونها من الداخل والخارج. ويلاحظ أن الجموع من طلابنا منجرفة في تيار من اللاعقل يغمرنا. مما يجعلنا أمتين لا أمة واحدة، نعيش في عصرين لا في عصر واحد: تلك هي بلوانا، والدواء مرهون بإصلاح التعليم عامة، والتعليم الجامعي بصفة خاصة ومباشرة ". والدكتور فؤاد زكريا يظهر عقم دراسة الفلسفات الغربية في الجامعات العربية، حيث تحولت إلى مادة استهلاكية تم التعامل معها من أجل التخرج من الجامعة لا من أجل خلق فلسفة عربية، ويقول " فإذا كان المناخ نفسه فاسداً، وإذا كان التكوين نفسه ناقصاً، وإذا كان الإنسان لم يستوعب بعد الفلسفات الموجودة جيداً، فكيف يمتلك المقدرة على التجاوز والابداع وتقديم الإضافات الجديدة، وهذا مستحيل، فالعلوم التكوينية هي أهم العلوم، والملاحظ الآن أن هذا الجيل المسيطر في الجامعات ومراكز البحوث هو جيل هش وهزيل ويعيش عالة على الآخرين، وهذه أزمة ثقافية وتعليمية في آن واحد ". ويعتبر سميح فرسون في ذات الكتاب أن الجمعات العربية " لا تزال تخرج أعداداً هائلة من الطلبة من ذوي الثقافة المحدودة، ولا تصل إلى مستوى ثقافة تسأل سؤالاً وتبحث عن جوابه، بل ثقافة تردد ما صدر. إنها تنتج ثقافة شبه سلفية، ولكن عن أشياء حديثة وبمضمون غربي ذي طبيعة وظيفية، فلا توجد جامعة من هذه الجامعات منذ الحرب العالمية الثانية، نجحت في تأسيس جامعات ومعاهد بحث ودراسة ". لكن أنطون مقدسي في حواره يرى أن التقاليد العلمية البحثية بدأت تتكون في العالم العربي، ونحن أمة في مرحلة تعيد تكون نفسها، ومراحل التكوين دوماً صعبة.
ويلاحظ إن أهم الكتب في العصر العربي الحديث والمعاصر التي كان لها أكبر الأثر في الفكر العربي هي كتب رفاعة الطهطاوي "مناهج الألباب في مباهج الآداب العصرية، المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين "، وكتب طه حسين. " في الشعر الجاهلي "، وتلك الكتب كانت على خلفية مدرسية _ جامعية، فالطهطاوي وضع كتبه من وحي البعثة إلى فرنسا لتدرس في مدرسة الألسن المصرية. فقد أنشاً الباشا محمد علي مدرسة الألسن عام 1835 باسم مدرسة الترجمة باقتراح من الطهطاوي. قبل أن يصبح اسمها مدرسة الألسن وكان الإشراف عليها أيضاً للطهطاوي. وتم إرسال البعثات إلى أوروبا وتأليف الكتب حسب الحاجة المدرسية، والفكرية الاجتماعية _ الضرورية لتقدم الجيش المصري، وأيضاً لتقدم المجتمع العربي. وطه حسين هو الآخر وضع كتبه أيضاً لضرورات جامعية، فقد وضع كتابه " في الشعر الجاهلي " كدروس لطلاب الجامعة قبل أن يصدر في كتاب، كما وضع لضرورات فكرية اجتماعية أيضاً، ومثل الطهطاوي كان يسعى لتنوير المجتمع العربي، ومن المعروف أن طه حسين أول من حاز على درجة الدكتور في الأدب من الجامعة المصرية قبل أن ينالها أيضاً من فرنسا، ويصبح من الجهاز الوظيفي الرسمي والتدريسي في الجامعة. فأين الفكر الجامعي اليوم؟
معروف من التاريخ أن الاستعمار الأوروبي لم يهتم بالتعليم، وخاصة التعليم الجامعي، إلا من جهة خلق موظفين لإدارة أعماله ومصالحه وتنفيذ سياساته الاستعمارية التي كانت تقوم على تكريس التخلف والجهل. ويذكر سلامة موسى في تربته " وكان الانجليز يحاربون شيئين في الأمة لا ثالث لهما، وكانوا يكفلون بقاءنا في الجهل والفقر بهذين الشيئين، وهما التعليم والصناعة. وكان _ كرومر_ استعمارياً مسرفاً في الاستعمار، فمنع التعليم، وخاصة تعليم المرأة، وقتل الصناعة المصرية، واحال القطر المصري إلى مزرعة للقطن. والغريب أن الأنظمة العربية التي استلمت السلطة السياسية بعد الاستقلال نابعت سياسة الاستعمار في الموقف من التعليم، وخاصة أيضاً التعليم الجامعي، وتحولت الجامعة إلى مؤسسة لخدمة المجتمع السياسي وليس لخدمة المجتمع المدني، وتحول قبول الطلاب في الجامعات يمر عبر الجهات الأمنية، حتى أن المدرسين في الجامعات أيضاً لم يعد مطلوباً فيهم الكفاءة العلمية بل الاندماج في العبودية الطوعية للأنظمة السياسية الحاكمة. ولذلك أصبح الفكر الجامعي اليوم بلا فعالية، حتى أن طه حسين يقول لغالي شكري في آخر مقابلة معه: " الجامعة كانت في زماننا محراباً للفكر، كانت قدس أقداس الحرية. أسمع الآن أنها تحولت إلى شيء شبيه بالمدارس الثانوية أو المدارس المهنية المتوسطة ". ولن ننسى أن الدكتور طه اتهم بالكفر بعد مصادره كتابه " في الشعر الجاهلي " بعد أن قدم طالب من الأزهر شكوى إلى النيابة العامة بالكتاب، رغم أن الكتاب ألقي كمحاضرات في الجامعة ولم يثر معركة جامعية. ورغم أن طه حسين تمت تبرئته، فقد كان المجتمع المدني ما يزال حراً، ولم يصبح بعد تحت الوصاية السياسية للمجتمع السياسي، لكن طه حسين أصدر طبعة جديدة من الكتاب تحت عنوان " في الأدب العربي " ألغى فيه القضايا التي تخص أسباب الدعوى القضائية، وكانت تتعلق بالدين الإسلامي. ويقول الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه " حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية": " ونحن لو استعرضنا حالة الأكاديميين في جامعاتنا لوجدنا أن أفضل حالات الموقف من الحداثة هي الحياد.. السلبي ". ويقول الدكتور نصر حامد أبو زيد في كتابه " التفكير في عصر التكفير ": " لكن الغريب والعجيب أن مناخ الحرية داخل دائرة التعليم الجامعي تتناسب عكساً مع مناخ الحرية المتاح خارج الجامعة بشكل خاص وخارج التعليم بشكل عام.. إن نظامنا التعليمي الحالي بكل مستوياته من الحضانة إلى الجامعة.. هو نظام يرسخ بكل قوة وإصرار القيم المناقضة للحرية ". وتقول الدكتورة رضوى عاشور في مقابلة مع جريدة العربي العدد 1208 / 2008 أن التعليم الأكاديمي كارثي، وتتابع " هناك انعدام للديمقراطية في الجامعة، أقصد القيادات المعينة، إضافة إلى الاستبداد الإداري وتدخل الأمن في نشاط الطلاب، باختصار لا يتوفر للجامعة لا الاستقلال ولا الحد الأدنى المطلوب لتوفير مساحة معقولة للتعليم والبحث الجامعي.. فهل يمكن أن تصلح التعليم وتعليمنا مؤسس على الخوف ". وقد يكون السبب موجود في قول سيد القمني " لم تسع السلطات في بلادنا قط لتنمية المعرفة نظرية أو علمية أو تقنية إلا بما يدعم وجودها عن طريق تحويل المثقفين الملتحقين بها لضرورة العيش إلى موظفين بيروقراطيين ". ومن متابعة الأخبار الجامعية العربية نجد أن الوضع أصبح لا يطاق، حالة الدكتور نصر حامد أبو زيد في مصر وحالة الدكتور عبدالله الغذامي في السعودية، اللذين تم تشبيه محنتهما بمحنة الدكتور طه حسين في معركة كتاب " في الشعر الجاهلي ".
حكاية الدكتور نصر حامد أبو زيد، التي سجلها في كتابه " التفكير في زمن التكفير، ضد الجهل والزيف والخرافة "، فقد بدأت عندما تقدم للجامعة للترقية من استاذ مساعد إلى درجة الاستاذ، فتقدم الدكتور عبد الصبور شاهين بتقرير يكفر الدكتور نصر عن إنتاجه العلمي المقدم، وثم نقلها الدكتور شاهين إلى المساجد ومن ثم إلى المنابر الإعلامية قبل أن تنتقل إلى المحاكم. فقد نشر أحد الأساتذة المساعدين في الجامعة كتاباً بعنوان " مطاعن أبو زيد في القرآن والسنة والصحابة وأئمة المسلمين "، واتخذ الكتاب وثيقة لرفع دعوى قضائية للتفريق بين الدكتور أبو زيد وزوجته على أساس أنه مرتد عن الإسلام. لقد رفضت المحكمة الدعوى، لكن محنة الدكتور أبو زيد استمرت تتفاعل سلباً عليه حتى أنه هاجر إلى أوروبا.
أما حكاية الدكتور عبد الله الغذامي فقد بدأت بعد نشر كتابه " الخطيئة والتكفير، من البنيوية إلى التشريحية ". كان الكتاب يطرح نظريات ما بعد البنيوية، وما أن نزل الكتاب إلى الأسواق حتى بدأت معه معركة لم تهدأ أبداً. وقد سجل الدكتور الغذامي حكايته أيضاً في كتاب " حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية "، ويقول الدكتور الغذامي عن إرهاب الجامعة في فقرة معركة الجامعة من الكتاب: ".. لقد تعرض زملاء لي من أقسام الإعلام والاجتماع والتاريخ لمحاسبة شرسة على زيارتهم لي والتحدث معي.. ولم ليمنعهم أي شيء عن ممارسة أي شيء ضدي. بداية من إلصاق قصاصات الجرائد على باب مكتبي، حتى لقد امتلأ الباب بالقصاصات ضدي.. كانوا يكتبون التقارير ويرسلونها إلى كل مكان يخطر لهم على بال، من دوائر رسمية وأمنية ودينية وإعلامية.. أما طلابي النجباء فويل لهم من حساب عسير، حتى لقد كان أحد الأساتذة يتعمد ترسيب كل طالب يأخذ عندي امتيازاً.. إلا أنني علمت أن الجامعة كانت تعاني من.. خوف اجتماعي أو هو حرج مكبوت..، حول، ترشيحات لي في مواقع الجامعة.. وزملاء ساعدتهم ليكونوا أساتذة في القسم فتحولوا متآمرين علي.. وأرى أن الحل هو بالانتقال للرياض، محافظة على ما بقي من عقلي وصحتي ".
ويمكن القول إن الجامعات العربية ساهمت في عملية التطبيع مع " إسرائيل " كدولة شرق أوسطية وليس كدولة محتلة لأرض عربية_ فلسطين، مما مهد الطريق لدول الخليج، وربما يكون للبترودولار الخليجي دور في عملية تخريب تلك الجامعات وتحويلها إلى أبواق تطبيع، ومن متابعة جريدة أخبار الأدب نجد أن أساتذة الجامعيين يغيرون خرائط مصر بحيث أنهم يجعلون إسرائيل دولة عربية، إنهم يزيلون فلسطين عن الخرائط، حتى غزة لا أثر لها على تلك الخرائط. وقد صدر العدد من جريدة أخبار الأدب رقم 871 / 2010 تحت عنوان: " إسرائيل دولة عربية في مناهج الجامعة، وإخلاء سيناء في خرائط وزارة السياحة ". بل أن هناك أساتذة جامعيين حسب أخبار الأدب أيضاً العدد 875 / 2010 يسرقون من كتب الآخرين، بل أنهم يسرقون من رسائل طلابهم الذين أشرفوا عليها في الجامعة، وتقول الدكتورة رضوى عاشور في المقابلة حول السرقات العلمية في الجامعة " تتزايد السرقات العلمية يوماً بعد يوم.. وفي بعض الأحيان نجد أن السارق يعين مسؤولاً في الكلية ".
في هذه الظروف تم إفراغ الجامعة من المدرسين أصحاب الفكر العقلاني الحر، الأمر الذي ترك فراغاً، خاصة وأن الدولة لا مشروع ثقافي وحتى سياسي اجتماعي لها على مستوى الجامعة، هذا الفراغ ملأه فكر الإسلام السياسي التكفيري، بحيث أصبح التعليم الجامعي، كما يقول الدكتور كمال مغيث في جريدة العربي العدد 1205 / 2010 " لا يرسي المواطنة، وهو يخرج متطرفين دينياً. ويقول الدكتور مراد غالب في حوار مع محمود المراغي " أقول ابتداء: إننا، وبشكل نسبي لما يجري في العالم المتقدم نعيش في القرون الوسطى.. وبعد الثورة العلمية والتكنولوجية أصبحنا خارج العصر.. فالجهل ما زال مسيطراً، والجهل قرين التخلف، فلا يوجد علم وتخلف ". طبعاً، يعود ذلك بشكل أساسي إلى غياب التعليم الديمقراطي، حيث ما يزال التعليم يقوم على ما أقره الاستعمار: الحفظ والاستظهار. كما أن تراجع دور الجامعة في المجتمع على مستوى البحث العلمي، تلك الجامعة التي تحولت إلى مؤسسة بيروقراطية بعد ارتبطت بالسلطة السياسية التي أصبحت تعين المدرسين، وتتدخل في قبول الطلاب بحيث الجهات الأمنية هي التي تشرف على الجهاز التدريسي والطلابي. وهذا كله أدى إلى تدني مستوى التدريس، وتدني مستوى الجامعات، حيث لا نجد جامعة عربية ضمن التصنيفات حول أفضل الجامعات في العالم، وحسب بيانات نشرها معهد اليونسكو فإن دول العالم العربي لا تسهم إلا بنسبة0,8% من جهود الأبحاث والتطوير على مستوى العالم. كما أن المجتمع العربي بعد أحداث " الربيع العربي " الذي أنتج خراب ودمار المدن العربية والمؤسسات المدنية والأهلية، وخاصة المدارس والجامعات أفقر التعليم بكافة مستوياته، وخاصة التعليم الجامعي، ويبدو مصير الجامعة العربية في الظلام كمصير المجتمع العربي، ولن يكتب للجامعة لزمن طويل، بعد تدمير الجامعات وهجرة العقول الجامعية وضياع الطلاب في متاهة الحروب الأهلية، أن تقوم بدورها التنويري في المجتمع. ". ولقد قال غودوين يوماً " التعليم القسري لا يقل رداءة عن الحكومة القسرية، ولا بد أن تكون له نتائج كنتائجها "، تدمير المجتمع.
في عام 2000 حضر دريدا إلى القاهرة بدعوة من المجلس الأعلى للثقافة، وتم تكريمه تحت عنوان " جاك دريدا والتفكيك ". وفي اللقاءات والمناقشات الفكرية طرح دريدا موضوع الجامعة، ويبدو مما جاء في الصحف التي غطت الزيارة والحوارات مع مفكري مصر أن دريدا استعاد ما كان طرحه حول الجامعة في محاضرة بعنوان " جامعة بدون شرط " ألقيت في جامعة ستانفورد 1998 وهي منشورة في كتاب " استراتيجية تفكيك الميتافيزيقيا. يطرح دريدا رؤيته لدور الجامعة في بناء إنسان المستقبل، والعقبات التي تعترض طريقها لتحقيق ذلك الدور التنويري، وهو يطالب بحرية مطلقة للجامعة، " الجامعة غير المشروطة "، جامعة بلا قيود تهتدي بالعقل من أجل الحقيقة والتنوير. كما يطالب دريدا أن يكون للتفكيكية دور أساسي في جامعة المستقبل لمواجهة كل ما يعيق تحقيق الديمقراطية، ويقول في هذه المحاضرة: " تقتضي هذه الجامعة، كما يجب عليها، أن تتعرف على ذاتها داخل حرية غير مشروطة للمساءلة والاقتراح، فضلاً عن الحرية الأكاديمية، وأن تعبر علانية عن كل ما يطلبه البحث والمعرفة وفكرة الحقيقة. ورغم غموضها، فإن الإحالة إلى الحقيقة تبدو أساسية وتوجد إلى جانب التنوير، ضمن الشعارات الرمزية لأكثر من جامعة ". ويتابع دريدا " ما نستنتجه من هذه الأطروحة، هو أن بإمكان هذه المقاومة اللامشروطة أن تجعل الجامعة معارضة لعدد كبير من السلطات مثل: سلطات الدولة، أي السلطات السياسية للدولة الوطنية ووهم السيادة غير القابلة للقسمة لديها. وهو ما يعني أن الجامعة ستكون بشكل مسبق ليس فقط كوسموسياسية ولكن أيضاً كونية وتمتد إلى ما وراء المواطنة العالمية والدولة الوطنية عموماً. والسطات الاقتصادية، أي تمركز الرساميل الوطنية والدولية. والسلطات الإعلامية والأيديولوجية والدينية والثقافية.. وباختصار لكل السلطات التي تحد من الديمقراطية المنتظرة ". والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع الجامعة العربية أن تقوم بدورها في مواجهة كل تلك القوى؟ وذلك بغض النظر عن أن كون دعوة دريدا تصب في فتح الطريق للهيمنة الأمريكية كما يقول د عبد العزيز حمودة، أو أنها دعوة صادقة لقيام الجامعة بدورها التنويري في عالم متخلف مثل العالم العربي. والجواب إنها لن تقدر أن تقوم بدورها التنويري، فالجامعة العربية _ ولنتجاوز المعوقات الخارجية، ونركز على المعوقات الداخلية_ هي جامعة مشروطة، وليست جامعة بدون قيود، فهي غير مستقلة وتابعة للسلطات العربية الحاكمة، وهي سلطات مستبدة، وتعمل لصالح تلك السلطة السياسية المستبدة من أجل تثبيت سلطتها واستبدادها وليس من أجل البحث والتطوير العلمي. كما أنها، جهة أخرى، لم تتحرر من السلطة الدينية، بحيث كل خطوة لا تتوافق مع نظرة تلك السلطة الدينية المتخلفة عن العصر الحديث _ العقل والعلم سوف تقابل بالرفض والتكفير، إن الجامعة لن تقدر أن تقوم بدورها العلمي التنويري إذا لم تتحول إلى " معبد ثقافي " في مجتمع مدني قادر حماية الجامعة كمؤسسة مستقلة عن المجتمع السياسي بأجهزته السياسية الأمنية، وكذلك عن المجتمع الديني بأجهزته الروحية التقليدية، " مؤسسة ثقافية " مستقلة تعمل ب " ذاتها " ول " ذاتها " بحيث تتمكن من السير بالمجتمع على طريق العقل والعلم، طريق التحديث والحرية والعدالة الاجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة