الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاثبات امام محاكم مجلس الدولة العراقي

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني

(Ahmed Talal Albadri)

2021 / 2 / 27
دراسات وابحاث قانونية


من مقتضيات مبدأ الشفافية ان تكون وسائل الاثبات الإداري واضحة ومفهومة ودقيقة حتى يتمكن الطاعن من الدفاع عن نفسه، اذ تنقسم مذاهب الاثبات في القوانين المختلفة إلى ثلاث مذاهب هي : مذهب الاثبات الحر ومذهب الاثبات المقيد ومذهب الإثبات المختلط، وقد استقر القضاء الإداري على الأخذ بمبدأ الاثبات الحر ويعزى السبب في ذلك إلى أمرين الأول : الطبيعة الخاصة للدعاوى الإدارية التي يختل فيها التوازن بين طرفي الخصومة، والأمر الثاني : عدم وجود قانون مستقل للإجراءات الإدارية والاثبات كما هو الحال في مصر والعراق ، وبسبب غياب قواعد الاثبات نجد أن القضاء الإداري في مصر اعتنق مذهب حرية القاضي الإداري في تكوين عقيدته، فجميع الادلة تتساوى أمام القاضي الإداري ويستخلص عقيدته من اي دليل يطمئن اليه بمراعاة حقوق الدفاع، فجميع القوانين المتعاقبة لمجلس الدولة لم تبين طرقاً معينة للإثبات امام القضاء الإداري، وقد استفاد القضاء الإداري مما يتمتع به من سلطات إستيفائية ايجابية مستمدة من الصفة الايجابية للإجراءات، ولذلك فهو يقوم بدور ايجابي في الدعوى الإدارية بصفة عامة وفي مجال الاثبات بصفة خاصة فالقاضي الإداري له سلطات واسعة في اللجوء إلى وسائل الاثبات دون ان يكون ملزماً بها.
أما في العراق : نجد ان قانون مجلس الدولة لم يتضمن وسائل معينة للإثبات، وإنما في نص المادة (7/حادي عشر) من قانون مجلس الدولة رقم(65) لسنة 1979 المعدل على سريان قانون الإثبات المرقم (107) لسنة 1979 على الاجراءات التي تتبعها محاكم مجلس الدولة فيما يتعلق بالإثبات، ولنا على مسلك المشرع العراقي الملاحظات الاتية :
أ- من مراجعة الأسباب الموجبة لقانون الإثبات رقم(107) لسنة 1979 نجد أن الهدف الاساس الذي دعى المشرع لإصدار هذا القانون هو توحيد احكام الإثبات في المسائل المدنية والتجارية في قانون خاص تقوم قواعده على تبسيط الشكليات واقرار مبدأ المساواة بين المتقاضين، ولذلك حددت المادة (11) من هذا القانون نطاق سريانه على القضايا المدنية والتجارية والمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية المالية منها وغير المالية ما لم يوجد دليل شرعي خاص أو نص في قانون الاحوال الشخصية يقضي بخلاف ما ورد في هذا القانون، وهذا يعني أن هذا القانون وضع لتنظيم الاثبات في مسائل معينة لم يكن من ضمنها الاثبات أمام القضاء الإداري.
ب– إن هذا القانون حدد وسائل الاثبات على سبيل الحصر في الباب الثاني منه تحت عنوان (طرق الاثبات) وهي (الدليل الكتابي- الاقرار- الاستجواب- الشهادة- القرائن القانونية- اليمين- المعاينة- الخبرة)، كما حدد قيمة كل منها من الناحية القانونية وبذلك يكون المشرع العراقي قد اخذ بمذهب الاثبات المقيد أو (القانوني) وهنا تنعدم حرية القاضي في مجال الاثبات لتحديد القانون ادلته التي لا يجوز له ان يحيد عنها ، مع وجود بعض الاستثناءات في مسائل الاحوال الشخصية المتعلقة بالحل والحرمة وقضايا النفقة وعائدية الاثاث الزوجية لوجود المانع الأدبي ، وهذا المذهب في الاثبات يتعارض مع الدور الاستقصائي للقاضي الإداري الذي يقوم على اتخاذ المبادرات ووسائل البحث والاستقصاء للكشف عن الحقيقة والتدخل التلقائي بأعمال البحث والتحقيق وتقدير عدم التوازن بين الاطراف ومحدودية الطرف المقابل للإدارة في الاثبات ، في حين ان قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل أخذ بالإثبات الحر، اذ يكون للقاضي دوراً ايجابياً وله سلطة تقدير الادلة وتحديد قيمتها (وزن الادلة)، كذلك له سلطة استخلاص القرائن، وتكوين عقيدة الخاصة في الاثبات، كتقدير قيمة الشهادة وتجزئتها، وتقدير قيمة الاقرار وتجزئته .
ج– إن قانون الاثبات رقم (107) لسنة 1979 القى عبء الاثبات على المدعي استناداً للقاعدة (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) وهذا ما نصت عليه المادة (7) من القانون المذكور والتي جاء فيها (اولاً: البينة على من ادعى واليمين على من انكر، ثانياً : المدعي هومن يتمسك بخلاف الظاهر، والمنكر هو من يتمسك بإبقاء الاصل) لكون المدعي هو من يدعي خلاف الوضع الثابت اصلاً أو عرضاً أو ظاهراً وهذه هي القاعدة العامة في الاثبات، أما على مستوى القضاء الإداري، فان اعمال القاعدة العامة في الاثبات ليس مطلقاً، فقد يقتضي دوماً تدخل القاضي الإداري لتوزيع عبء الاثبات على طرفي الدعوى الادارية، حيث يكون المدعي او المعترض هو موظف والمدعى عليه او والمعترض عليه هي الإدارة والأخيرة في مركز اقوى قد تمتنع عن تقديم المستندات والوثائق التي تقوي حجة الموظف في الاثبات، وهنا يجب ان يتمتع القاضي الإداري بسلطات تخوله نقل عبء الاثبات إلى الإدارة وتكليف الإدارة بتقديم المستندات التي يراها لازمة لاستيفاء ملف الدعوى، حتى ان المحكمة الإدارية العليا في مصر عدت امتناع الإدارة عن تقديم البيانات والمستندات أو التسبب في فقدها قرينة لصالح المدعي، وهي قرينة مؤقتة تزول بتقديم المستندات ، كما يجب ان يتمتع القاضي الإداري بصلاحية الأمر بإجراء التحقيق وتعد هذه الوسيلة من الوسائل النادرة في الاثبات يلجأ اليها القاضي الإداري للوصول إلى الحقيقة، وهذه الوسيلة في الاثبات يفتقر اليها نظام الاثبات امام محاكم مجلس الدولة في العراق في حين ان هذا الاجراء معمول به في فرنسا ومصر وان كان نادراً ، اذ نصت المادة (32) من قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة 1972 المعدل على (وإذا رأت المحكمة ضرورة اجراء تحقيق باشرته بنفسها في الجلسة أو قام به من تندبه لذلك من اعضائها أو المفوضين).
د– وجود بعض النصوص في قانون الاثبات تحظر على الإدارة باعتبارها شخص معنوي ان تستجيب للمحكمة، وحتى في حال وجود ممثل قانوني للشخص المعنوي فأنها لا تملك إلزامه بالإقرار أو تقديم شهادة دون موافقة مرجعه الإداري ، حيث نصت المادة (60/ثانياً) من قانون الاثبات المرقم (107) لسنة 1979 على ان (لا يصح اقرار الموظف أو المكلف بخدمة عامة مالم يكن مأذون بذلك)، كذلك نصت المادة(88) من نفس القانون على ان (لا يجوز للموظفين أو المكلفين بخدمة عامة افشاء ما وصل إلى علمهم اثناء قيامهم بواجبهم من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني ولم تأذن الجهة المختصة في اذاعتها ولو بعد تركهم للعمل ومع ذلك فلهذه الجهة أن تأذن لهم بالشهادة بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم)، وفي حال امتناع الإدارة عن تخويل ممثلها القانوني صلاحية تقديم الشهادة أو الاقرار في موضوع الدعوى لا يملك القاضي الإداري مُكنة إلزامه بذلك وترتيب الاثار عليها، كما هو الحال في حالة انكار الإدارة وجود المحرر أو الوثيقة الرسمية المتعلقة بموضوع الدعوى فلا يمكن توجيه اليمين الحاسمة للإدارة أو ممثلها القانوني عملاً بالقاعدة العامة المتعلقة في الاثبات (اليمين على من أنكر)، فالقاضي الإداري لا يملك ان يلزم الإدارة بالأذن لممثلها القانوني بتقديم الشهادة أو الاقرار في موضوع الدعوى، كما لا تملك توجيه اليمين لممثلها القانوني لأنه يمثل اصلاً إرادة الشخص المعنوي ولا يمثل نفسه، وكل ما تملكه المحكمة في هذه الحالة تثبيت انكار الإدارة على لسان ممثلها بمحضر الجلسة .
هـ- إن القواعد العامة في الاثبات لا يمكنها مواجهة العوامل المؤثرة في اثبات الدعوى الإدارية ، كامتيازات الإدارة التي تقوم على سمو المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ومنها حيازة الاوراق الإدارية، وسرية عمل الإدارة، والنصوص التشريعية التي تحمي سرية عمل الإدارة والتي أمست تتعارض مع مبدأ الشفافية والافصاح عن المعلومات، وأيضاً قرينة صحة القرارات الإدارية المطعون فيها وامتياز التنفيذ المباشر وحالة الضرورة ، من هذا يتطلب تدعيم دور القاضي الإداري الايجابي بموجب أطر تشريعية تسمح له بنقل عبء الاثبات إلى الإدارة بالقدر اللازم لإثبات الدعوى وتحقيق المساواة بين طرفي الخصومة الإدارية، ولذلك نجد ان القضاء الإداري في فرنسا ومصر أقر لنفسهِ بسلطة إلزام الجهات الإدارية بأن تقدم إلى المحكمة ما قد يكون في حيازتها من مستندات منتجة في الدعوى وضرورية للإثبات فيها استثناءً من قاعدة حضر توجيه الاوامر من القاضي الإداري إلى الإدارة، حيث اعترف القضاء الإداري لنفسه بهذا الحق قبل أن يتدخل المشرع ويقنن سلطة القضاء في هذا المجال بنصوص قانونية صريحة .
لما تقدم نرى من الضروري وضع قانون ينظم الاثبات الإداري امام محاكم مجلس الدولة العراقي لخصوصية المنازعة الإدارية وما يترتب على هذه الخصوصية من تأثير على طرق الاثبات الإداري، ولا مانع من الرجوع إلى القوانين الاجرائية العامة في كل مالم يرد به نص خاص في قانون الاثبات الإداري وتحقيق التكامل في وسائل الاثبات بين القضاء الإداري والقضاء العادي على ان يكون الاصل وجود قواعد تنظم الاثبات الإداري والاستثناء هو بالرجوع إلى قوانين الاجراءات المدنية أو الجزائية فيما لم يرد به نص خاص وليس العكس ، د.احمد طلال البدري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يونيسف: نحو 4 ملايين طفل دون الـ 5 يعانون من سوء التغذية


.. مراسل الجزيرة: أي غارة إسرائيلية على رفح توقع شهداء وجرحي لت




.. لحظة اعتقال مواطن روسي متهم بتفجير سيارة ضابط سابق قبل أيام


.. واشنطن: طرفا الصراع في السودان ارتكبا جرائم حرب




.. عام على الحرب.. العربية ترصد أوضاع النازحين السودانيين في تش