الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرح الجسد

نانسي كايزن
د نانسي كايزن دكتوراه في فلسفة الفنون

(Dr Nancy Mohammed Aly)

2021 / 2 / 28
الادب والفن


 

الجسد من اقدم الوسائل التي استخدمها الانسان لتحقيق اغراضه فقد بدا مع الانسان البدائي الذي ابتدي بالحركه قبل الكلمه كاداه للتواصل وهكذا كانت الحركه هي الاداه الاولي والوحيده لديه لنقل كل شيء من افكاره واحاسيسه ؛للتعبير عن شقائه او غضبه ؛فكذلك بدات الحركه مع بدا حياه الانسان والتي استخدمها الانسان البدائي للتحدث لمن حوله من خلال افكاره وطريقته البدائيه ؛وهناك رسوم توضيحيه علي جدران بعض الكهوف في فرنسا لرجال ماقبل التاريخ تستعرض بالاداء الصامت للتاثير علي الحيوانات وكان الرقص هاما في التعبير عن صيد ثمين .

.يقول احد اليونانيين المشهورين في القرن الاول الميلادي عن فن الرقص ان الرقص من خلال حركاته يمثل عاطفه ؛او شعورا ما ؛ او انفعالا فالانسان اذا ماشعر بفرح عامر ؛ او الم شديد يحتاج الي التعبير عنه ؛ ليس بالكلمات فحسب ولكن بحركات الجسم ايضا (1)

ماهو مسرح الجسد

بدا تعبير الانسان عن نفسه في حاله الفرح بالرقص منذ القدم ثم تحول الي رقص جماعي في مناسبات اهمها رقصت الانتصار علي الحيوان بعد مغامره صيده في الغابات ثم تنوعت اشكال التعبير فرحا بالرقص في مناسبات الزواج جنبا الي جمب مع التعبير عن الفرح بالرقص في مناسبات متفرقه منها رقصه الاستعداد للحرب بين القبائل البدائيه من بيئه الي اخري ؛ ولذلك تنوعت اشكال الرقص عند الانسان والجماعات بين القبائل البدائيه من بيئه لاخري ؛ ولذلك نجد شكل الرقص او الوان الرقص عند الشعوب الافريقيه مختلفه عنها عند الشعوب الاسيويه وعند امريكا الاتينيه خاصتا الهنود الامريكان السكان الاصليين للامركتين .اخنلفت كذلك اشكال الرقص في حاله التعبير عن الفرح الي حاله الاغراء والمتعه مثال (الرقص العثماني التركي وهو الرقص الذي اشتهر في تركيا العثمانيخ في عصر الخلافه والجواري ثم انتقل عند الاحتلال العثماني التركي الي مصر في ذلك العصر ونسب ظلما الي مصرومازال يمارس بتا ولذلك تشبعت الوان الرقص مابين الرقص التعبيري الفردي او الجماعي مابين الجديه والمجون ()

تنوعت الؤي لمسرح الجسد الذي تحرر من قيود الكلمه وقد خضع الجسد لتدريبات كثيره واصبح جسد الممثل يتمتع بفلسفه خاصه في المدارس الحداثيه وقد اهتم المسرح النظر للممثل كاله قادره علي التعبير والتواصل استغلال امكانيات الجسد في كثير من الفنون كالرقص والمايم والجمباز وغيرها استغلال طاقه الجسد (3)وتكويناته في الفراغ المسرحي اعتبر الجسد اداه مكمله للكلمه وربما تفوق اهميتها واعتبر السيناريو ماهو الا اداه لوصف الحركات البشريه وباقي العناصر من ديكور وملابس وموسيقي دخلت مع الجسد في علاقه جدليه (3)

وجسد الممثل لايمكن فصله عن جهزه العقلي وظهرت كثير من المصلحات للمفهوم منها (السيكولوجيه العقليه) (المرجع نفسه بيتر بروك)

 

 اهميه مسرح الجسد

 

.و يمكن أن نتحدث عن الجسد من الإشكالية الفلسفية التي وضعها سارتر أثناء تحديده لمفهوم الآخر بحيث أصبح الوجود لا يكتمل إلا من خلاله وبالتالي من خلال رؤيته وحكمه… فيصبح الأنا آخر، والآخر أنا في نفس الآن… في هذا السياق ، لا يمكننا أن نتحدث عن الجسد في المسرح إلا من خلال هذا الاندماج الذي يحققه الممثل مع ذوات أخرى من خلال التشخيص والتقمص: ذَاتٌ أو ذََوَاتٌ في ذَاتِ الممثل! بحيث الجسد في المسرح عبر منطق مزدوج: جسد الممثل وجسد المتفرج. يشكل الكل وحدة مجردة من خلالها تحقق مبدأ الفرحة كلحظة من النشوة والتسامي مع الذات من خلال الآخر، كما أن تسامي هذا الآخر لا يكتمل إلا عبر حضوري كمتفرج.

 تشكل لحظة انتظار بدئ العرض المسرحي (الدقات الثلاثة) أو إعلان انتهائه (إسدال الستار)، فعلا وجوديا تتحقق عبره كينونة الجسد وذلك من خلال تحرر الجسد، لحظة البحث عن الاندماج، لحظة التقمص بكل ما تحمله الكلمة من معان روحية متعددة تبدأ من المقدس وتنتهي في المدنس.

- يتحدد الجسد في المسرح أيضا عبر لحظة مشاهدة وجودية : إن إغلاق فضاء العرض، والتأثيرات الضوئية والهندسات الركحية والماكياج والتموجات الموسيقية والملابس… عوامل تؤدي إلى تحقيق الحلم عبر المشاهدة من خلال اتجاه واحد: جسد الممثل... إنها اللحظة التي تجعل المتفرج يُلاَحِظ التفاصيل دون أن تُلاَحَظ تفاصيله. تخضع هذه العملية في المسرح لقراءة معكوسة، فالمتفرج يُشَاهِد ولا يُشَاهَد، والممثل يُشَاهِد ويحب أن يُشَاهَد، الجميع يدخل في إننا نصطدم بحب استعراض الفرجة، وحب ملاحظتها عبر الآخر، فنصبح أمام استعراضية متداخلة... تتحول عبرها اللعبة إلى طابع المرآوية: من يرى من؟ هل يرى المتفرج جسده من خلال جسد الممثل؟ أم أن الممثل يشخص دورا يمكن أن ينطلي على أحد المتفرجين؟ ألا يجسد الممثل نفسه؟

3- تشكل اللحظة الوجودية  جزءا من اليومي والمعيش، جزءا من الواقع… فما الذي يميز تحولات الجسد عن تحولاته الواقعية؟ ما الخيط الفاصل بين اللحظتين؟ لمعالجة هذا السؤال، لا بد أن نسلم جدلا بأننا نتحدث عن معيش جسدي فوق فضاء ركحي موسوم بتحولات رمزية ودلالية اصطناعية بفعل تدخل جهات متعددة في صناعة وانتقاء «الواقع المسرحي». يمكن أن يخضع الجسد لهذه التدخلات فتتحول «القراءات البلاغية» باستمرار، تتضح وتختفي من خلال القرب أو البعد من "الواقع الحقيقي" (الثابت والدائم) للجسد. لا يدرك المتفرج ذلك الواقع الجسدي المتجسد إلا عبر المسافة الفاصلة بينه وبين الممثل، وعبر.

عندما نتحدث عن المسرح الاستعراضي، الذي يكون فيه السرد غالبا غير حكائي، لا يتطلب الأمر تحديد هوية، بل تأملا من نوع آخر: الجسد والموت، الجسد والعري، الجسد الراقص،  الجسد الآخر الغريب... ينضاف المسرح إلى فنون بصرية أخرى (سينما، تصوير فوتوغرافي، نحث، تشكيل...) ليحتفي بالاستعراضية بكل تلاوينها: أن تضع نفسك أمام الآخر الغريب... وفي التواءات الفرجة تلك، يتسلل عنف العين إلى الدواخل فيتعرى الإنسان!

على الجسد الحامل له من جهة ثانية: من يتكلم؟ هل الحامل أو المحمول؟ أين تبدأ العلاقة بينهما وأين تنتهي؟ لإظهار الالتباس أكثر، نحيل إلى مسرح العرائس والدمى.

5- تعددت استراتجيات التعامل مع الجسد كطابو " Tabou"، وتعددت رمزية العري من شعب إلى آخر, بل من عرق إلى آخر إذا ما حللنا الظاهرة من وجهة نظر إثنولوجية. لقد أضحى الجسد بؤرة للرمزية بامتياز. نقل المسرح طقوس الولادة والموت والفرح في مختلف تدرجات الإنسان العمرية، ونَقَلَ صورة الجسد في كل الطبقات الاجتماعية, لحظة لحظة, فثبت أنطروبولوجيا أن الإنسان ميال إلى الاستعراء والاستعراضية ""، مع تعميقٍ أكثر لإشكالية حدود الفطري والمكتسب في الذات الإنسانية؟ الإنسان حيوان استعراضي. الممثل يستعرض ويعرض، يلبس، يتجمل، يتأوه، يتألم، يئن، يغني، يرقص؛كل ذلك من خلال الجسد وتعبيراته

في المسرح تخضع لتأثير هذه الإشكالية المتجدرة في مسار الفكر الإنساني عامة.

6- يحدد الجسد علاقتنا بالعالم ويحدد وجودنا فيه. يظهر أن الجسد أخذ ما يستحق من الاهتمام في تاريخ الفكر والفلسفة من خلال دراسة إشكالية الروح (الفكر) والمادة (الجسد). تباينت الآراء حوله فكان حبسا للروح، وكان ملاذا للذة، وعالما للزوال والنجاسة، عبره يمر التطهير... بدا الخطاب حول الجسد يتجه صوب الجانب الرمزي فيه، فأصبح الحديث عنه كمؤسسة تشير إلى الوحدة والانسجام خاصة على المستوى اللغوي. إن دراسة الجسد في المسرح لا يمكنه. نلاحظ أن دراسة العواطف والميولات والأهواء والنزوعات قد طفت على السطح عوض الدراسات الميكانيكية للجسد (الجسد كآلة)... هكذا وضحت دراسات نيتشه وفرويد ومارسيل موس... تداخل العلائق الاجتماعية والثقافية والنفسية اللاشعورية في تحديد علاقتنا بالجسد. يقول ميرلوبونتي: "يشكل الجسد رسوخنا في العالم»[2]. انطلاقا من المعطيات الفكرية السابقة، يقدم الجسد نفسه -أو نقدم أنفسنا من خلاله- أثناء  العرض المسرحي، كتجمع هندسي فَارِهٍ، تنتظم من خلاله الأعضاء الظاهرة، فتنحل إلى خلايا لامتناهية ونصبح أمام اللامتناه واللامرئي واللامجسد... إن هذا الكل الهندسي، يجعل الجسد "مكانا" للمعالجة السينوغرافية اللامتناهية. الجسد طافح بالإيماءات والحركات، كما أن أية إضافة إليه من الخارج، تشحذ عناصر التعبير فيه، وتذكي هواجس ومتطلبات الفرجة المسرحية التي تجعل الجسد في بؤرة الحبكة الفنية... كل التقنيات تحاول السيطرة على « فضاءاته» وتصبح المساحة الركحية مرسومة وفق تنقلاته وخاضعة لتمدداته وتقلصاته... وبهذا تبقى الحركات الجسدية فوق الخشبة ثاوية وضامرة وغارقة في ترسانة مفاهيمية غنية تجعله ينبني من خلال التناقض: العري/الحجاب،  الموت/الحياة، الظهور/الاختفاء، السقوط/النهوض، الضحك/البكاء، التنفس/الاختناق... لا نستطيع أن نفهم جسد الممثل إلا من خلال هذه التقابلات التي تشكل الإحساس الحميمي بحقيقته المتحققة من خلال تداخل البيولوجي بالنفسي، فالزفرة عملية بيولوجية تنبني على إدخال عنصر الأكسجين من أجل السير العادي للجسم، لكنها تتحول إلى دلالة معقدة عندما يكون الممثل فوق الركح: تتحول الزفرة إلى إحساس وتفريج وسخرية... تتحول إلى زفرة جماعية...

إذا كان الفلاسفة (أفلاطون، ديكارت...) قد ركزوا على تحديد الروح من خلال العقل, والجسد عبر التمدد، فإن الجسد ينسل من منظومة الأجسام عموما، ولا يُفهَمُ إلا عبر التمدد والتقلص على الخشبة، لكن امتداده شبيه بامتداد الزئبق، يستحيل القبض على دواخله والوصول إلى خلجان أحاسيسه البعيدة العميقة.

7- في كثير من المسرحيات التجريبية التي تعتمد الحركة أكثر من الحوار، يمتلك الجسد ويجمع كل السلط: القفز ارتماء في الفضاء وصراع ضد قانون الجاذبية، الجري فوق الخشبة معاكسة لريح الفرجة المستعصي... فهل الروح قائدة للجسد نحو هذا الدمار الجميل؟ أم أن الجسد يقود الروح نحو شتات فوق الخشبة؟ أم أن الكل يتساوق من أجل تكسير الجدار؟ والانعتاق بالتالي نحو مدارات ومجرات إنسانية مستقلة تجلس على مقربة من ذاك الخراب الفرجوي؟

هل مهمة المخرج توجيه الجسد؟ يظهر الأمر بسيطا على المستوى الظاهري، وملتبسا على المستوى الباطني، في بعض الأحيان نرى "الممثل-الجسد" يسير نحو تحقيق غاية واضحة، وفي أحيان أخرى، يسعى إلى إدماج الآخر في اللعبة من أجل خلق وحدة متعددة الوظائف. يجب على الجسم أن يعيش العلاقات وينظمها حسب امتلاكه الخاص للعالم[3]. يتحدد الجسم عبر شبكة من العلاقات، ولا يتم فهمه إلا من خلالها: علاقة الجسم المُشَخصِ من خلال محيطه (ديكور, إنارة، اكسسوار...)، وعلاقة الممثل بالأجساد الأخرى (ممثلون، تقنيون، جمهور...).

8- أصاب شكسبير حينما ذهب إلى ما مفاده أن الحياة مسرح كبير، كل منا يلعب دورا فيه... فالفرد بهذا المعنى, يختار دورا يلعبه في الحياة, مما يجعل حدود الفصل بين الحياة الواقعية والحياة المسرحية أمرا نسبيا. يشكل  الفضاء  المسرحي اختيارا لأدوار دون سواها، لكن هذا الاختيار يكون دالا, حيث ينتقي أجسادا مناسبة لتقمص الدور المنتقى... المسرح  فضاء. فضاء مدنس. فضاء مكرس. فضاء أفرزته إكراهات الحياة[4]. لا شك أن لهذا الفضاء تأثير على الجسد الذي يؤثثه، بل لا قيمة للجسد دون هذا الفضاء، ولا قيمة للركح دون جسد. فالفضاء متعدد تتقاطعه أجساد يمكن إدخالها في ثلاث خانات: كواليس (تقنيون، إداريون...) خشبة (مكان العرض...)، كراسي (متفرجون، صحافة، نقاد...).

لكل هذه الأجساد تأويلاتها وتمثلاتها للعبة الظهور والاختفاء، لكل فرد زاوية ووجهة نظره, الشيء الذي يجعل التحليل التأويلي للرموز صعبا لا يقبل المنهج الواحد نظرا لاستشكال العلاقة بين الجسد واللغة: [حركة/كلام, إيماءة، إشارة – غناء/رقص، ضحك/بكاء...[.

يقع الممثل, بصفته وقود الفرجة, جسدا وروحا, عرضة للمفارقة والتضاد؛ فهو مطالب بتنفيذ تعليمات المخرج والخضوع لإدارته الفنية، وبتحقيق التميز الفردي في آن واحد، كل ذلك بجسد واحد! أما تطلعات  المتفرج، فتلك هواجس لا يتحمل ثقلها إلا جسد الممثل فوق خَشَبَةٍ

لا وسيلة أخرى لديه للخطاب فوقها ما عدا جسده: مصدر الفرجة.

 إن السؤال المطروح: هل يصلح الجسد لتقمص جميع الأدوار؟ ألا تمثل عملية اختيار الممثلين تعاملا خالصا مع الجسد؟ أليست الخبرة الجسدية هي الوحيدة التي تؤهل الممثل لخوض غمار الأدوار التمثيلية؟ للإجابة عن هذه الأسئلة لا بد من الاتفاق على أن الشخصيات وقائع ممكنة التحقق، ملموسة، تتجسد عبر أجساد. الجسد  يحدد الموقع والانتماء والهوية والذاكرة... يتحول الجسد الواحد إلى شخصيات متعددة عبر المرور من طقوس الفرجة المسرحية كلها. يخضع الجسد لتحولات النص، وبالتالي فهو ظاهرة فرجوية يصنعها النص. إن المؤلف لا يكتب إلا من خلال خبراته الجسدية التي تتراكم عبر مواقف حياتية. لا يكتب المؤلف في الأخير إلا "جسده"، فتبدأ اللعبة في الانكشاف: يُسَلم "المكتوب-الجسد" إلى المخرج الذي يسعى بدوره إلى إضافة خبراته الجسدية ويقدمها إلى الممثل الذي يصوغها على شكل  عرض يلخص كل الخبرات الجسدية السابقة. يصبح الممثل بهذا المعنى سجلا تاريخيا لأجساد متداخلة.

 لا يملك الممثل إمكانيات ووسائل غير تلك التي تؤثث جسده كالملابس والأكسسوارات وغيرها، أو تلك التي يتحرك داخلها كالديكورات، أو تلك التي ترافقه (حتى لا يصبح غريبا) كالموسيقى والإنارة... هل الممثل أعزل فوق الخشبة؟!

9- هل الجسد رغبة، لذة، إشباع...؟ أكد فرويد[5] أن للجسم الحسم في التطور الليبيدي للفرد، خاصة فيما يتعلق بالأعضاء التي لها علاقة بتلك الطاقة كالفم وغيره. الجسد مرتع اللذة. قد لا يجادل المرء في أن الجسد يحقق على الخشبة لذة المتفرجين، كل حسب ميولاته وقدراته على التذوق الجمالي، للجسد مباهجه ومفاتنه. لم يعد الجسد في العصر الراهن، لا سيما في الحضارة الغربية، يخضع لأخلاقيات التحريم بحدة خصوصا على مستوى الغرائز المكبوتة. تقر العلوم الإنسانية بان هناك صعوبة بالغة في فصل النفسي عن الجسدي، لأن لعبة التأويل تقتضي معنى ينطلق من الجسدي, فالممثل يجسد موقفا معينا خلال تقمص الشخصية، أو عبر دقات القلب قبل وأثناء وبعد العرض المسرحي، أو من خلال الاندماج في الشخصيات المجسدة... الإنسان كائن تتآلف فيه الحاجات النفسية والجسدية كما أن لهما حق واحد أثناء  الانتباه والفكر[6]. فهل يستطيع الممثل بدوره أن يحق هذا التآلف؟ هل لا يخضع هذا التآلف للسياقات الاجتماعية والثقافية؟ تشير الدراسات السوسيولوجية التي  تهتم  بسوسيولوجيا الجسد، إلى أن  للمكون السوسيو-ثقافي دوره في تشكيل خريطة تحركات الجسد داخل الجماعة  التي ينتمي إليها، فالتنشئة الاجتماعية تلعب دورا مهما في استدماج الجسد (الفرد) لقيم المجتمع الذي ينتمي إليه. وبالتالي يصبح المرء حبيس الأدوار التي تحددها الجماعة له, وبما أن المسرح إبداع، فالجسد يكسر حواجز الجماعة، ويبلور قيم جديدة على أنقاض قيمها الثابتة، المسرح حياة بديلة، عبر الجسد ننتقد القيم السلبية وننشر القيم الإيجابية, عبر الجسد نختلف من أجل أن نتآلف.(3)

تاريخ تطور مسرح الجسد

يعتبر استخدام الجسد هو الحركه الاولي التي ظهرت من 25 قرنا في رقصات اليثورامبوس استمر الاهتمام بالجسد حتي بدايات القرن العشرين وقد ظهر العديد من النظريات النتعلقه بالجسد مثل الطبيعيه التطوريه والرياضيه وابحاث ودراسات لداروين وفشر وويتمان وكريج وغيرهم  وقد خضع جسد الممثل للعديد من التجارب والبحوث حول الجسد (4)

وبظهور عصر التمدن في العصر الحديث تطور فن العبير الجسدي من خلال الرقصات امتزج بالوان الفلكلور خاصيه العبير الجسدي الراقص بين الشعوب كحتغالات الربيع في الصيف في اوروبا ومع تطور الثقافات وظهور الهويات القوميه بين شعوب الارض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا اشكالا اكثر رقيا للتعبير الجسدي الراقص بوساطه العبير الثنائي في احتفالات جماعيه في القصور الملكيه وقصور النبلاء ثم راينا الرقصات الفلكولوريه والجماعيه المعبره عن هويات كل شعب ولايمنع ذلك من وجود بعض التشابهات في تفصيلات التعبير الجسدي بالرقص مابين شعب وشعب علي سبيل المثال منطقه سوريا الكبري رقصه الدبكه واحده مع اختلافات (لبنان؛ سوريا ؛ العراق ) وكذلك عند اليونان

ومع انتشار فنون الاستعراض الدرامي استفادت العروض الاستعراضيه بفن العبير الجسدي الراقص كذلك وظفت بعض العروض المسرحيه خاصتا في مجال الكوميديا الموسيقيه الاستعراضات الجماعيه الراقصه التي تدخل في نسيج البناء الدرامي للعرض او التي تدمج كفقره من فقرات العرض المسرحي لمجرد التنويع وخلق حاله من الفرجه والمتعه ترويحا عن الجهور

ولم يمنع ذلك عند عدد من شعوب من انتشار فرق مستقله للتعبير الجماعي الراقص مثلما الحال في مصر (فرقه رضا للفنون الشعبيه الفرقه القومي للفنون الشعبيه وكذلك بعض البلاد العربيه الاخري خاصتا لبنان مثال ( فرقه الرقص التي شاركت في غالبيه مسرحيات واوبريتات الرحبانيه وظل هذا منتشرا في العروض المسرحيه والعالميه مثل مسرحيات  ( the cat) في المسرح البريطاني وكذلك مسرحيه (hear) البؤساء وغيرهم  وانتشر هذا اللون كذلك في العروض المسرحيه الامريكيه ولاننسي اذدهار هذا الفن الشعبي في الاتحاد السوقيتي عن طريق اهم فرقه شعبيه روسيه حتي ان خبراء هذه الفرقه هم من ضربو راقصي الفرقه القوميه التي تاسس عليها فرقه رضا للفنون الشعبيه ومع نهايه القرن العشرين بدا الانفصال العبير بلغه الجسد متضامنا مع لغه السينوغرافيا وفنون الشكيل والموسيقي بالاستقالال عن الكلمه والحوار فوجدنا عروض تعتمد في التجسيد الدرامي لموضوع العرض علي لغه الجسد ولغه الصوره مع تهمييش دور النص المسرحي الادبي من هنا ظهر مايعرف بفن التعبير الجسدي ()

 

الهدف من مسرح الجسد

التجديد هو اصل في طبيعه الحياه الانسانيه ومع تداخل الثقافات وتداخل الفنون واستعانت المسرح بفنون التعبير الجسدي واحجام الشعوب في اوقات الحرب والازمات بدا البحث عن طرق جديده للتعبير تحل محل لغه الكلام والحوار وهنا ظهرت الحاجه الي التعبير بالجسد والميل الي مسرح الصوره كذلك والمشهديه المسرحيه (الفرجه ) وبذلك ظهر تعريف التعبير الجسدي بحيث يصبح بديلا في العبير عن المعني الدرامي للحدث بلغه الصوره من هنا ظهر مصطلح الصوره وظهرت له ريادات اوروبيه خاصتا عند الفنانيين التشكليين البولونديين ( باربا مونجيينك كانتور ) خاصتا مع ظهور فكره موت المؤلف في مجال من خلال كتابات الفرنسي (لوران بارت )

وانتشار نظريه المسرح الفقير عند (جروتوفسكي البولندي) ومن قبله ظهور فكره مسرح الصوره والاهتمام بالمنظر المسرحي مع تهميش دور الممثل 0ادوارد جوردن كريج) ()

اسباب ظهور مسرح الجسد

اختلاف ايقاع العصر ثانيا ظهور التكنولوجيا وتوظيفها في المسرح ثالثا نفور الجمهور من عروض الكلمه والحوار وميله الي الفرجه اكثر من ميله الي لغه الحوار والكلام والفكر المباشر .وهنا نصل الي مابعد الحداثه الذي يعتمد علي تهميش النص تماما ويمزج مابين الفنون (سنيما رقص استعراض ارتجال فنون المبارزه ) مع الاستعانه ببعض فقرات من نصوص اخري قليله بحيث تصبح الصوره وتوظيف التكنولوجي للاجهزه هيا اهم مميزات ذلك العرض ومعني ذلك اعتماد هذا النوع من المسرح علي سيناريو حركي تكون فيه لغه الجسد والفن التشكيلي بالدور الرئيسي للعرض ()

مسرح الجسد ومابعد الحداثه

اهتمت المناهج الاخراجيه الحداثيه بالجسد اكثر من الصوت فقد تمركز التوجه الاساسي للمناهج الحداثيه ليس فن النقل من الواقع ولكن التعامل مع الواقع وهناك العديد من التدريبات التي استخدمها مخرجو الحداثه ومنها بروك مع ممثليه وفيها يجلس الممثل في طرف من الحجره مواجهها الجدار جسديا وفي الطرف الاخر يجلس ممثل اخر ينظر الي ظهر الاول دون ان يسمح له بالحركه يجب علي الممثل الثاني ان يجعل الاول يطيع اوامره والتي تتطلب فعلا جسديا معينا وحين يدير الممثل الاول جسده  فليس امام الثاني من طريقه توصيل رغباته سوي اصدار الاصوات فقط لان الكلمات غير مسموح بيها ةليست مقبوله وفي هذا التدريب لوحظ النتائج من صمت طويل تركيز عميق وقد حصد بروك من هذا التدريب نتائج ناجحه من التهيئه الذهنيه وفك شفرات الصوت وليس الكلمات (5)

وقد عمل مخرجو الحداثه علاقه تحكم الصوت بالصوره وتختلف من مخرج لاخر ففي ظل التاكيد الجسدي الحركي في المسرح الحداثي لايكن التعامل مع صوت الممثل كونه اداه مستقله بل هو مكمل للصوره الجسديه ومن ثم لايمكن دراسه صوت الممثل صوت الممثل في المناهج الحداثيه بمعزل عن جسده حيث يقدم كصوره صوتيه مجسده علي خشبه المسرح

أمثلة على الرقص المسرحي :

في عرض الفراشة العذراء يوظف وليد عوني في سيناريو تتداخل فيه فنون صندوق الدنيا مع شاشة سينما قديمة مكان ستارة المسرح الرئيسية ويسقط البها خطوط شغبطة مثل ساسة سينما في حي ستبي وصوت آلة العرض السبنمائي مرتفع مزعج للجمهور والمؤدون يشخصو، ن ادوارا ميلودرامية بالمايم ومقاطع عناء تنزل لعض كلماتها تلي الشاشة ومجموعة فصص تؤدي صامتة للمثلين من خلف الساسة فيتميز الجمهور هل هو أمام عرض يبنمائي أم هو عرض مسرحي مزج تقنيات مسرح بالأداء التمثيلي الصامت مع تقنيات شكلية من أمثلة الألية السينمائية .

وكذلك في عرض شهرزاد حيث تحاور مشاعرنا بلغة الرقص الحديث إذ رأى أن تجسد شخصية السياف مسرور امرأة وليس رجلا ،  فقد اراد ابراز عبقرية المراة وسطوتها على الرجل من خلال ذكاءها الخارق . ليلقي الضوء على الدور القيادي للمرأة في تطلعات المجتمع الشرقي القديم في ظل تلك الصحوة الحضارية ؛ إلا أن ذلك التصوير فيه إدانة للمرأة حيث جعلها تصارع النساء الأخريات من أجل الحصول على الرجل بدافع الغيرة التي قد تجعلها تقتل منافستها بشراسة .

ان شهرزاد وليد عوني تتبع شهريار فى كل العصور رغم انها تحاول السيطرة عليه ، شهرزاد هنا إلها تنتعل حشاء مارلين مونرو لتصبح شهرزاد العصرية حيث الكعب العالى التطلعي ، وفي نفس الوقت تتنقاد مشاعرها في بحثها عن الأمير الجذاب  .

ففي هذا العرض تجانست الشخوص فرأينا مسرور سفاح الغذائي امرأة تزاحم شهرزاد وتنافسها في الفوز شهريار ، ورأينا شهرزاد متعددة عبر عصور الشرق والغرب ورأينا شهريار عباسي وفاطميا وهو في كل العصور قامع شهرزاد عصره .

 

 

المراجع

سلسله كتب قطاع الفنون الشعبيه ؛وزاره الثقافه ؛ستينيات ؛الفين

الجسد في المسرح ؛لعبه المعني والامتداد ؛محمد اشوبيكيه

هاري ويلز ؛بافلوف وفرويد ؛-الجزء الثاني؛ترجمه شوقي جلال القاهره ؛ الهيئه المصريه للكتاب 1978 ؛ص43

عبد القادر منلا ؛فلسفه الجسد عند جروتوفسكي ؛القاهره حالهيئه العامه المصريه للكتاب مجله الثقافه المسرحيه ؛العدد 78؛ مايو 1995؛ص26

ابراهيم حماده ؛طبيعه الدراما؛القاهره ؛دار المعارف ؛ سلسله كتابك العدد 26 ح1977؛ص6

بيتربروك ؛الاعمال الكامله ؛المساحه الفارغه ؛ترجمه ؛فاروق عبد القادر ؛دار الهلال ؛2002 ؛ص174؛175

راجع بيتر بروك ؛الاعمال الكامله –المساحه الفارغه ؛مرجع سبق ذكره ص 240

مجد القصص ؛رواد المسرح والرقص الحديث في القرن العشرين  (النظريه والتطبيق )وزاره الثقافه عمان الاردن الطبعه الاولي 2009

 




 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في