الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول السلطة و القانون و المجتمع

احمد المغربي

2021 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


هذا النص إهداء : لروح جميع شهداء الحراك الثوري في الشرق الأوسط و شمال افريقيا - لجميع الجنود الشرفاء الذين قُتلوا لرفضهم قتل شعوبهم - لجميع الأقلام و الاصوات الحرة و الشريفة - لجميع من ظلوا أوفياء للكفاح من أجل عالم أفضل
________________________________________
تؤثر السلطة في العديد من الميادين و الجوانب المهمة في حياة الإنسان و تتجسد في عدة أشكال تؤثر في بعضها البعض و بشكل عام ففي المجتمعات البرجوازية المتقدمة تؤثر السلطة الاقتصادية في السلطة السياسية كما تتأثر هذه الأخيرة بالسلطة الشعبية و حالة المجتمع(قوة – ضعف – نشاط - خمول) التي هي بدورها غير محمية من تأثير سلط معنوية كالإعلام و الصحافة التي تستعمل هي بدورها كسلاح في يد قوى مختلفة و متناقضة إلا أننا سنركز على السلطة السياسية نظرا لوظيفتها التشريعية و التنفيذية و بصفتها السلطة القانونية و الرسمية من جهة و نظرا لأهميتها و للصراع التاريخي بين القوى الاجتماعية حولها من جهة أخرى فمنذ بروز البرجوازية أو الطبقة الثالثة في ساحة المجتمع الاقطاعي القديم استطاعت بفضل وزنها اكتساب موقع مميز حتى قبل أن تصبح سيدة المجتمع الجديد لكن مسألة السلطة السياسية و الوضع الحقوقي و القانوني ظلت قضايا نما النضال حولها مع نمو قوة البرجوازية و نمو وعيها بأهميتها بالنسبة لمصالحها الاقتصادية و قد كان وضعها الحقوقي و القانوني في المجتمع القديم حاجزا كان هدمه شرطا ضروريا لنموها و تحقيق تقدمها الاقتصادي و الاجتماعي
و قبل الثورة الفرنسية بوقت قليل عبّر جوزيف سييس في كتيبه "ما هي الطبقة الثالثة؟" عن ذروة وعي البرجوازية بوزنها في المجتمع القديم و تطلعاتها نحو التغيير و الاصلاح السياسي فقال :
"ماهي الطبقة الثالثة؟ كل شيء"
"ماذا كان لديها حتى الآن في النظام السياسي؟ لا شيء"
"ماذا ترجو أن تكون؟ أن تكون شيئا..."
"من يجرؤ على القول أن الطبقة الثالثة لا تمتلك كل ما يلزم لتشكيل أمة تامة؟ انها الرجل القوي و المتين الذي لا زالت ذراع منه مكبلة فاذا نُزعت الطبقةُ صاحبة الامتيازات لا تخسر الأمة شيئا بل انها تزداد غنى و هكذا ما هي الطبقة الثالثة؟ هي كل شيء انما كل شيء معطل و ماذا تصبح بدون الطبقة المحظوظة؟ كل شيء انما كل شيء حر و مزدهر و لا شيء يسير بدونها و كل شيء يسير بنوع أفضل بما لا نهاية له بدون الآخرين"
و قدمت الثورة العظمى للبرجوازية مفتاح السلطة السياسية الذهبي الذي فشلت المفاوضات الاصلاحية في الحصول عليه و منحها مارد الثورة السخي القصر رغم أن طلبها قبل الحصول على المصباح السحري لم يتجاوز الحصول على غرف منه
و كذلك بعد بروز الطبقة العاملة كقوة في ساحة المجتمع الرأسمالي استطاعت بفضل نضالها الحصول على بعض الغرف من قصره لكن الرأسمالية ليست نهاية التاريخ و كما سبق لماركس و انجلز أن أشارا في البيان الشيوعي "فالمجتمع البرجوازي العصري الذي قام على أنقاض المجتمع الاقطاعي لم يلغ التناحرات الطبقية بل أحل فقط محل الطبقات القديمة طبقات جديدة و حالات اضطهاد جديدة و أشكال جديدة للنضال" و بالإضافة لهذا فنتيجة للتطور المركب و الغير متساوي بين البلدان و لمصالح الامبريالية في مستعمراتها القديمة لم تُرافق الحرية السياسية نمط الانتاج الرأسمالي الذي يزعم أنصاره أنه مرادف لها بل كان القضاء عليها شرطا لوجوده في جزء كبير من كوكبنا(امريكا الجنوبية – افريقيا...) و كانت جماهير الشرق الأوسط و شمال افريقيا من بين هؤلاء الذين فُرض عليهم البؤس لإسعاد الرأسمال فبالإضافة لاستغلال الرأسمالية و غياب التنمية عانت جماهير هذه المنطقة لعقود من إجرام أنظمة استبدادية أعدمت حريتها و داست على كرامتها من أجل حماية النهب و الاستغلال
لكن في ظل ظروف كهذه حيث يحيط البذخ بالبؤس و تحيط الديمقراطية بالديكتاتورية و حيث يغري التقدم التخلف و يستفزه فقد كان من البديهي أن تلد الضغوط الاستبدادية الانفجارات الثورية و هذا ما حدث فشوارع المنطقة التي ساد فيها الصمت القسري و عربدة الاستبداد لعقود صار يملأها هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام" بين ليلة و ضحاها و الرؤساء الذين عاشوا في القصور و جلسوا فوق العروش لعقود أجبرتهم الثورة الشعبية على الهروب في الطائرات و العيش في الزنازين و الاختباء في الأنفاق و قد صنعت جماهير الشرق الأوسط و شمال افريقيا ملحمة ثورية عظيمة كانت الشجاعة بطلتها الرئيسية و لم تنحصر نور و نيران تلك الشجاعة في استبداد الأنظمة بل شملت حتى ما كان يُعتبر من المحظورات و المحرمات في المجتمع إلا أن ما غاب عنها لأسباب موضوعية و ذاتية هو مسألة السلطة السياسية فرغم جرأتها في استهداف مسائل جذرية لم يكن الاستيلاء على السلطة من أهداف تلك النيران حتى في الظروف التي كانت ملائمة لها و لم يكن إغفال هذه المسألة أمرا ثانويا بل خلق ثغرة تسلل من خلالها الارتباك لمعسكر الثورة فبقوتها و صمودها استطاعت الجماهير اسقاط الطغاة لكن هذا لم يكن سوى غاية من غايات ثورتها أما الغايات الأخرى التي كان أهمها الحصول على كنوز الديمقراطية الاجتماعية و السياسية فقد كانت هناك وسيلتان لتحقيقها الأولى هي الحصول على مفتاح صندوق الكنوز عن طريق الانتصار في المواجهة مع سارقيه و الثانية هي الضغط عليهم و التفاوض معهم ليتنازلوا عن بعض الكنوز و رغم أن سير الجماهير في طريق الثورة كان يعني تبنيها للوسيلة الأولى إلا أن عدم طرح استيلاء الجماهير على مفتاح السلطة السياسية باعتباره الوسيلة الوحيدة للحصول على الكنوز سمح لبعض الاصلاحيين بالتدخل وسط المواجهة و الترويج للوسيلة الثانية باسم الواقعية و قد أثبتت كل ثورات التاريخ و المنطقة طوباوية واقعيتهم
و للسلطة السياسية أهمية كبيرة يوضحها تاريخ جميع الثورات و المجتمعات ففي الاتحاد السوفياتي مثلا ظهرت إيجابيات القضاء على الرأسماليين و التأميم و التخطيط لكن برزت أيضا سلبيات إقصاء الجماهير من ممارسة السلطة فظل احتكار البيروقراطية للسلطة عقبة و حاجزا أمام التطور الايجابي نحو الاشتراكية و وفر المناخ المناسب لنمو جميع أنواع أشجار الشر التي تسمم المجتمع
و نظرا لوزنها و دورها في تقرير مصير ملايين الناس فبالنسبة للقوى الثورية الهادفة لبناء مجتمع جديد يجب أن تكون السلطة السياسية و الإدارية عبأ على حاملها فتكون مصدرا للمسؤولية لا مصدرا للامتيازات و لتحصين السلطة باعتبارها وسيلة لخدمة مصالح المجتمع لا مصالح البيروقراطيين و السياسيين يجب تقليص أجورهم للحد الذي لا تتجاوز فيه ضعف الحد الأدنى لأجر المواطنين الذي يفترض تمثيلهم فبهذا الإجراء تتقلص إمكانية جذب الوصوليين للسلطة و يكون نمو الفرد مشروطا بنمو المجتمع لأن هذا الأخير لا يمكنه أن يراهن فقط على حسن نية و نزاهة الأفراد الذين منحهم ثقته لنيابة عنه في القيام بالمهام الإدارية
ففي بداية الحركات الدينية و السياسية التي يكون الانتماء لها خطرا على أعضائها يكون المنتمين لها مؤمنين بمبادئها لكن بعد انتشارها و انتصارها تصبح جذابة لكل الانتهازيين من أعدائها نفسهم فتلاميذ المسيح يختلفون عن كهنة كنيسة الإمبراطورية الرومانية و يختلف من أسلموا في مكة عن المنافقين الذين أسلموا في المدينة كما يختلف البلاشفة الذين ناضلوا في عهد القيصر و قاتلوا في الحرب الأهلية عن البيروقراطيين و الانتهازيين الذين انضموا للحزب الشيوعي المنتصر
و اختلفت تلك الحركات لكن لم يختلف السبب الرئيسي لانضمام المنافقين و الانتهازيين لها فبعد انتصار تلك الحركات كان السبب المباشر لانضمام أعدائها هو تحولها لمصدر امتيازات و صار هذا السبب من أسباب خرابها أما الأسباب الأخرى فمنها أن أوائل المنتمين لتلك الحركات نفسهم يتغيرون فحتى أول الصحابة الذين هاجروا مع الرسول دخلوا في صراعات ضد بعضهم بعد وفاته كما أن ستالين الذي أعدم رفاقه كان من البلاشفة القدماء و لهذا لا يمكن للمجتمع أن يراهن فقط على نقاء ممثليه وثباتهم على مبادئهم فينبغي أن يكون له سلطة حقيقية على من ينوبون عنه في ممارسة السلطة الإدارية و السياسية و تحقيق هذا بصفة قانونية مشروط بقوة المجتمع و تنظيمه و وعيه فالقانون نفسه يعبر عن القوة السائدة و تتغير القوانين بتغير موازين القوة بين هذه القوى المتصارعة في المجتمع فمسألة القوانين نفسها لم تخلوا أبدا من الصراع الطبقي بل كانت دوما تعبيرا عنه ففي الثورة الفرنسية مثلا حاولت البرجوازية الارستقراطية إقصاء الجماهير الشعبية التي سمتها بالمواطنين السلبيين و أرادت في دستورها الأول تشريع قانون يجعل حق المشاركة في الحياة السياسية محتكرا للأثرياء فقط و في عصر الرأسمالية تمحورت قوانين العمل دوما حول الصراع بين حرية العمال أو رجال الأعمال و ما يسمى بالقانون الذي ينادي بعض الليبيراليين باحترامه و تقديسه لم يكن دوما التعبير عن العدل الأسمى كما يروجون بل كثيرا ما كان تعبيرا عن الظلم و الاضطهاد و استمرار قانون الظلم أو انتهائه أمر تُحدده نتيجة الصراع بين الدولة والمجتمع فحرية التعبير و التجمع و تأسيس النقابات الحرة ينتزعها المجتمع من دولة( أ) و يفرض الاعتراف بحقه فيها قانونا بينما تجرم دولة(ب) حرية التعبير و تغرقها في قانونها الرسمي بالقيود فتعتبر كل نقد إهانة للمقدسات و المؤسسات و كل تجمع فوضى و تهديد لسلامة الدولة و تلغي حقوق المجتمع بقانونها المفروض عليه بالقوة و ليس بشيء آخر و بدون قوة يبقى كل قانون حبرا على الورق فإن نظم مجتمع الدولة(ب) نفسه و بادرت قواه الحية في خرق ذلك القانون بشكل جماعي ستواجه القوى التي تحميه بالقوة و ستكون الكلمة الأخيرة للمنتصر الذي سيفرض قانونه و قد سبق لمارا شهيد الثورة الفرنسية أن قال تعليقا على قانون الانتخاب حسب المِلكية الذي أقصى الفئات الشعبية : "على كل حال لا سلطة للقوانين إلا بمقدار ما تريد الشعوب أن تخضع لها"
و بالرغم من أن أغلب شعوب العالم استطاعت انتزاع الاعتراف الرسمي بحق المشاركة في الحياة السياسية فقد كانت و لازالت إبعاد الشعوب عن السياسة هي السياسة الرسمية للأنظمة الأوتوقراطية التي ترتدي جلباب الثيوقراطية أحيانا و ترتدي البدلات التكنوقراطية في أحيان أخرى فبالإضافة لوسائل العنف تسعى الدول المستبدة لاحتكار المعرفة و لإقصاء الجماهير من المشاركة في الحياة السياسية عن طريق تنفيرها من هذه الأخيرة بتمييعها و بخلق الطروف القاسية التي تلهي عموم الكادحين عن الانخراط فيها فيسعى محتكري المال و السلطة لإقناع الجماهير عبر وسائل إعلامهم بعدم جدوى الاهتمام بالسياسة و يحاولون إيهامهم بأن الداء (السلبية السياسية) هو الدواء فتسعى الأقلية الأوتوقراطية المرعوبة من القوة الحقيقية للجماهير للهيمنة عليهم ايديولوجيا لإدراكها أن لتأثير القمع البوليسي و العسكري حدودا لا تصمد أمام شعب مصمم و عازم على القتال من أجل حريته فهي دوما تسعى لزرع اليأس و الإحباط واللامبالاة لتأمين انفرادها بالسلطة السياسية باعتبار هذه الأخيرة أفضل وسيلة لخدمة مصالحها و ضمان سيطرتها الاقتصادية و الاجتماعية و لهذا فلا بديل ولا غنى عن خوض صراع إيديولوجي يهدم قيود الاحباط و السلبية و يوضح ضرورة الكفاح ضد الاستبداد و الديكتاتورية من أجل الحصول على الحقوق الاجتماعية كما أنه لا غنى أيضا عن تسليح الجماهير الشعبية بإيديولوجية ثورية تكون أساس الأمل و العمل لسحق الأوتوقراطية (الثيوقراطية و التكنوقراطية) و لتفادي طغيان البيروقراطية
و يجب اعتبار تثقيف الجماهير ضرورة ملحة لا توجد في غيابها السلطة الشعبية الحقيقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن