الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليبيا .. ضرورة رؤية يسارية للمستقبل

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 3 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كارثة فبراير المجيدة
٣ - ضرورة حوار "يساري" شامل في ليبيا
بطبيعة الحال لقد رددنا هذا الكلام مرارا وتكرارا وفي عدة مواقع وليس هناك جديد تحت الشمس بخصوص هوية النظام أو اللانظام القائم حاليا في ليبيا، بل يستعد الإسلاميون والإخوانيون منذ عدة سنوات لترسيخ النظام الإسلامي وذلك عن طريق مشروع الدستور الذي يجهزون لللإستفتاء عليه قريبا. حيث ينص هذا الدستور في المادة الثانية المتعلقة بالهوية واللغة : " تعتبر ليبيا جزء من الوطن العربي وأفريقيا والعالم الإسلامي ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط "، وينص في المادة السادسة على أن " الإسلام دين الدولة والشريعة اإسلامية مصدر التشريع ". وللإسلاميون النية لتثبيت هذه الهوية إلى يوم القيامة، حيث تنص الفقرة الثانية من المادة ١٩٣ بخصوص آليات تعديل الدستور على أنه : " لا يجوز المساس بالمبدأ الذي تقوم عليه المادة الثانية من هذا الدستور، ولا بالمبدأ الذي تقوم عليه المادة السادسه .. إلا بغرض تعزيزها ". وبهذا المنطق التعسفي، تصبح الهوية الليبية ومصدر التشريع أمورا إلهية ومقدسة ويحرم المساس بها أو تعديلها في المستقبل القريب أو البعيد، وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلا كما رفضه العديد من الليبيين والليبيات، وبالذات المكون الأمازيغي للمجتمع الليبي، نظرا لتهميش اللغة والثقافة الأمازيغية وعدم الأخذ في الإعتبار التاريخ الليبي الأمازبغي قبل الغزوات العربية لشمال أفريقيا.
ولذلك يجب القيام بحملة واسعة لتجميع القوى التقدمية المشتتة والشروع في حوار واسع لتحليل الفترة الراهنة ومناقشة الخيارات المصيرية ومحاولة الوقوف في وجه هذه العاصفة الرملية القادمة من الصحراء العربية. بطبيعة الحال من الضرورة في البداية أن نعمل مسحا شاملا لكل وجهات النظر التقدمية والتي ترتكز على أسس إجتماعية وعلمية والهدف منها فك الحصار عن هذا المجتمع وفتح كل الأبواب وتحطيم كل الأسوار والبوابات من أجل أن يتنفس الجميع هواء الحرية والعدالة الإجتماعية ونعيش جميعا في مجتمع يخلو من الفقر والجهل والعقد النفسية.
وهذه بعض النقاط التي نتمنى أن تطرح للنقاش والحوار داخل المجتمع الليبي :
أولا : فصل الدين عن الدولة
نريد مجتمعا مدنيا يخضع للقوانين الوضعية التي يتفق عليها المجتمع الليبي، وفصل الدين عن الدولة فصلا كاملا وجذريا ونهائيا، وبناء دستور علماني تقدمي يخلو من ظلاميات العصور الوسطى.
ثانيا : المساواة التامة بين كل المواطنين والمواطنات
أن ينص هذا الدستور على المساواة الكاملة والتامة بين كل أفراده، من الرجال والنساء والأطفال، ممن يحملون الجنسية الليبية ومن لا يحملها، أي المساواة التامة بين كل من يعيش ويشتغل على الأرض الليبية، نفس الحقوق ونفس الواجبات، لا نفرق بين المواطنين لا باللون ولا بالأصل ولا بالجنس ولا بالثروة ولا بالسن ولا بالدين أو اللغة .. الكل سواسية أمام القانون.
ثالثا : نظام إقتصادي يخلو من الرأسمالية والإستغلال
أن يتم الإتفاق على نظام إقتصادي مبني على المساواة والعدالة وعدم الإستغلال، وتوزيع ثروة البلاد بطريقة سليمة وعادلة بين جميع أفراد المجتمع، مع توفير الخدمات الأساسية مجانا، كالماء والكهرباء والطاقة عموما ووسائل الإتصال والتنقل والتعليم والصحة ..إلخ. باختصار، بناء هيكل ونظام إقتصادي وإنتاجي تمنع فيه الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وتكون فيه المؤسسات الإقتصادية السيادية أو الأساسية والضرورية لكل مواطن ملكا عاما للمجتمع وفي خدمة الجميع ـ وليس ملكا لعائلة أو قبيلة أو حكومة ـ
رابعا : حرية الرأي وحرية التعبير
أي حرية التفكير والإعتقاد، حرية الإعلام وحرية الكتابة والنشر، حرية السينما والمسرح والفنون البصرية عموما بدون رقابة وبدون حواجز من أي نوع.
خامسا : إنشاء قانون للأحوال المدنية ينظم العلاقات بين أفراد المجتمع فيما يخص العائلة، من زواج وطلاق وأطفال وميراث إلخ مبني على المساواة التامة بين الأفراد، وترسيم الإرتباط الإختياري بين الأفراد خارج حدود الدين، وترسيم الزواج المدني كعقد وحيد معترف به قانونيا، وهذا بطبيعة الحال لا يمنع الزواج الديني لمن يرغب، غير أن ذلك لن يكون له تداعيات قانونية كالإرث وتعدد الزوجات وغيره ..
وكذلك تعديل مبدأ الحصول على الجنسية الليبية، وتفضيل حق الأرض على حق الدم، أي أن كل من يولد على التراب الليبي فهو ليبي وله الحق في الجنسية الليبية، وكل من يولد من أب أو أم ليبية فهو ليبي، بدون النظر إلى الدين أو اللغة أو الجنسية.
سادسا : إعلان ليبيا دولة مسالمة غير عسكرية.
أي تسريح الجيش وتدمير كل الأسلحة المتراكمة في ليبيا ـ أو توظيفها في عمل فني عملاق وسط الصحراء الليبية ـ حيث أنه لا فائدة من الجيوش عموما، وكارثة المجتمع الليبي ترجع أساسا للجيش الذي جاء منه العقيد القذافي ثم العقيد حفتر. نريد مجتمعا يخلو من العسكر ومن المؤسسات العسكرية، مجتمعا مسالما بدون أعداء. وهذا لا يعني بطبيعة الحال إلغاء المؤسسات الأمنية الداخلية ومؤسسة الجمارك لتنظيم حركة الدخول والخروج على الحدود الجوية والبرية والبحرية.
سابعا : مراجعة المحتوى الفكري والإيديولوجي للتعليم.
بمعنى مسائلة البرامج التعليمية الإسلامية التي تدرس في المدارس منذ المدارس الإبتدائية حتى الجامعة، وضرورة إلغاء تدريس مادة الدين كما هي عليه الآن، وإعتبار الدين مادة تاريخية أو أنتروبولوجية وثقافية ولا تتعلق بالإيمان أو عدمه. وبالتالي يجب تصحيح محتوى مادة التاريخ وبالذات فترة الغزوات العربية لشمال أفريقيا، وتصحيح الأخطاء التاريخية مثل أسطورة الفتح الإسلامي وغيرها من الأكاذيب. أي يجب تسمية الأشياء بأسمائها وتدريس التاريخ الأمازيغي والأفريقي وإعطاءه الأولوية على تاريخ الجزيرة العربية.
ثامنا : إلغاء عقوبة الإعدام
بحسب منظمة العفو الدولية هناك : ١٠٦ دولة لا يسمح فيها القانون باستخدام عقوبة الإعدام، 8 دول لا تسمح بعقوبة الإعدام إلا للجرائم الخطيرة في ظروف استثنائية، كتلك التي ارتكبت في أوقات الحرب، 28 دولة لديها عقوبة الإعدام في القانون، ولكنها لم تنفذها بحق أي شخص لمدة عشرة سنوات على الأقل، أو تتبع سياسة رسمية بعدم تنفيذها أو عدم الالتزام بها، 56 دولة تحتفظ بقوانين عقوبة الإعدام وتنفذ عمليات إعدام. أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للإمم المتحدة صرح بأنه "حاليا، هناك حوالي ١٧٠ دولة ألغت عقوبة الإعدام أو أوقفت إستخدامها". علما بأنه هناك أربع دول مسؤولة عن أكثر من ٨٠٪ من عمليات الإعدام في العالم، هي السعودية والعراق وإيران ومصر. ومن الدول التي ما تزال تستخدم هذه العقوبة الهمجية هناك الصين والولايات المتحدة وباكستان والصومال واليمن. ونحن نأمل أن تصبح ليبيا من الدول التي تلغي هذه العقوبة العبثية من قوانينها.
هذه مجرد نقاط أولية مبعثرة وغير منظمة، نطرحها للنقاش، وبطبيعة الحال هناك العشرات من المسائل الأخرى ذات الأهمية الإجتماعية والسياسية والإقتصادية يجب إضافتها وتحليلها مع أخذ رأي الخبراء والمتخصصين في القانون والإقتصاد والتاريخ والإجتماع .. إلخ، لتنظيم حوار مدني شامل حول مستقبل ليبيا، بدون إقصاء أية مواضيع أو ملفات مهما كانت صعوبتها وإشكاليتها. وقد تستمر هذه المناقشات شهورا أو سنوات، المهم أن نخرج في النهاية بنظرة مستقبلية علمية عقلية وتقدمية بعيدا عن الخرافات الدينية، الوطنية والجهوية أو الإثنية.
وهذا الحوار يتطلب منذ البداية إبعاد النظرة الإيديولوجية الرجعية الخرافية، وإقصاء الخطاب الديني وكل الذين يبدأون الحوار بـ " بسم الله الرحمن الرحيم .." أو بـ " قال الله تعالى "، وذلك ليس رغبة في إقصاء الإسلاميين من الحوار أو لإيماننا بمبدأ سان جوست " لا حرية لأعداء الحرية "، ولكن لضرورة تكوين نظرة تقدمية شاملة لمستقبل ليبيا، ولا يمكن إدخال الخطاب الإسلامي في حوار من هذا النوع، لأنه ما أن يتدخل الله في الأمر حتى يقفل الحوار ويصبح مستحيلا، لأنه بالطبيعة لا أحد يستطيع أن يضاهي الله في الحكمة والقدرة ومعرفة ما يصلح لعباده. ولأننا لسنا عبيدا لا لله ولا لمن يدعون تمثيله على الأرض، فمن الأفضل أن نبقى بين البشر لندبر أمورنا البشرية بأنفسنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدوله المدنيه دولة المواطنه والقانون الفباءالدوله
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2021 / 3 / 2 - 02:47 )
في عصرنا ولقد ان الاوان لتنخرط جميع الدول المسماة العربيه او الاسلاميه في هذا النظام الذي تاخرنا طويلا في الدخول ضمنه وهو الكفيل لضمان حقوق الجميع افرادا وجماعات خاصة ولان دولة المواطنه والقانون هي دولة الدمقراطيه ولنستفد من تجارب البلدان الناجحه والمرفهة في العالم التي سبقتنا في بناء دولها الحره المتحضره المتمدنه-تحياتي

اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم