الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحامي والوقار

خالد خالص

2021 / 3 / 1
دراسات وابحاث قانونية


تنص المادة الثالثة من القانون المنظم لمهنة المحاماة على أن المحامي يتقيد في سلوكه المهني بمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة.

كما يقسم المحامي قبل البدء في ممارسة المهنة على أنه سيمارسها بشرف وكرامة وضمير ونزاهة واستقلال وإنسانية وأن يحافظ على السر المهني وألا يبوح أو ينشر ما يخاف القوانين والأنظمة والأخلاق العامة.."

وتنص المادة 31 من النظام الداخلي الموحد لهيئات المحامين بالمغرب على أنه "يجب على المحامي أن يتصرف بكل ما يوحي بالثقة والاحترام في اللفظ والمظهر أثناء ممارسته لمهامه وفي حياته الخاصة وأن يتقيد في جميع أعماله بمبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة".

فالمحاماة تهتم بظاهر المحامي وبباطنه أيضا حيث أن الباب الرابع من القانون المنظم لمهنة المحاماة ينص على أن من واجبات المحامين التشبث بالوقار وبالسر المهني.

والوقار خلق من الأخلاق الحميدة يقال عنه خلق الوقار وهو الثقل في الشيء والعظمة. كما أن الوقار صفة من صفة الأنبياء والعلماء.
والوقار لغة هو الرزانة والحلم. كما يعني الوقار اصطلاحا سكون النفس وثباتها عند الكلام وعند الحركات. والتأني في الحركة سمة من سمات الوقار لقوله صلى الله عليه وسلم "إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا." فالإسراع والركض أمر غير مستحب لان للمشي آدابه وهو الطمأنينة والوقار.

والمحامي الوقور أو الوقار هو الشخص الرزين المتحفظ، الغير متسرع، القليل الغضب، دائم الإصغاء عند الاستفهام، الغاض البصر، الماسك عن كثرة الحركة والإشارة، المتأني في التوجه نحو المطالب.

كما يجب التركيز على أن فضول الكلام والثرثرة تذهب الوقار عن المحامي وأن عليه من تم أن يبتعد عن الإسراف في الكلام لان من شأن ذلك سقوطه في الأخطاء وزلات اللسان التي هو في غنى عنها. وطبقا للحديث فإنه "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه".

وإذا كانت الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبرها صدقة فإن على المحامي استعمالها في موضعها وعدم الاندفاع في الكلام وعدم أحذ الكلمة إلا بعد تفكير والتزام بقول الحق وعدم مدح شخص بما ليس فيه لان ذلك يضعف هيبته ووقاره أمام محيطه وحتى أمام الانسان الممدوح عن غير حق.

والوقار أيضا سمة من السمات التي تدفع الناس إلى الاطمئنان إلى المحامين والى مهنتهم. فالمحامي الوقور هو المحامي صاحب حلم ورزانة يلجأ إليه المواطن للاحتماء به.

ولا يعني الوقار بالنسبة للمحامي الغلظة والفظاظة وجفاء الطبع وعباسة الوجه وتقطيب الجبين لان مثل هذا السلوك ليس من محاسن الأخلاق ولا من أخلاق المحامين. بل الوقار هو عكس الطيش والخفة وكثرة السؤال والقيل والقال واللهو وسفاسف الأمور والمزاح العابث.
ويذهب الوقار تجاهل آداب الحديث وتجاهل آداب المرافعة والمبالغة في رفع الصوت والصراخ والاستخفاف بالآخرين ومقاطعتهم والسخرية منهم وشتمهم وعدم الإنصات لهم واتخاذ موقع الحكيم الناصح الأمر الناهي.

كما أن الوقار هو الترفع عن الفحشاء والابتعاد عن الشبهة والإعراض عن اللغو وأحاديث الناس. والمحامي الوقور هو ذلك الإنسان الرزين في مجلسه الهادئ في تصرفاته تعلوه الهبة ويتفادى وضع نفسه موضع التهمة لكيلا يساء به الظن لأن "مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار" طبقا للحديث الشريف.

والمحامي هو الذي يوقر الكبير ويرحم الصغير، وهو الشجاع، الحكيم المتواضع، المتسامح الكاتم للغيض.
حقيقة أنه من الصعب تجميع كل هذه الصفات في شخص واحد سواء كان محاميا أو طبيبا أو غيره لأنه لا يتصف بجميعها سوى الأنبياء. ولكن الهيبة والوقار لن يتأتوا في غياب الكثير منها. فعلى المحامي العمل للتحلي بالبعض منها على الأقل ومحاولة عدم وضع نفسه موضع الشبهات ولا سيما عدم التواجد في الأماكن التي من الممكن أن تكون سببا في إيذائه وإيذاء سمعته. فمن وضع نفسه موضع التهمة فليس من حقه أن يلوم من أساء به الظن.

والمحامي إنسان مركب من عقل وشهوة ويصعب عليه في بعض الأحيان كبح شهواته إلا أن "من ابتلي منكم فليستتر" وإلا أحل للناس عرضه. ومن ستر عورته وعورة أخيه ستر الله عورته يوم القيامة. ولا حاجة للتذكير بخطورة التباهي بالمعاصي لان نتيجة ذلك هو التقليل من قيمة الإنسان ومن هبته ووقاره.

ومن جهة أخرى فان على المحامي عدم الاكتفاء بسلوكه المبني على الأخلاق بل عليه الاعتناء بلباسه ومظهره الخارجي لان "الله لا يحب الدحس ولا التفحش" حسب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما. كما عليه الاعتناء ببذلته التي يجب أن تكون في مظهر لائق ومحترم غير وسخة وغير ممزقة حتى لا تثير التهكم والسخرية وارتدائها بعيدا عن أعين العموم.

والمحامي هو الذي يعتني بالبذلة وما تحت البذلة حيث يبرز دوقه الراقي من خلال مظهره الخارجي والاهم من كل ذلك هو وقار ونظافة ملابسه.
والى جانب البذلة وما تحت البذلة ودون الدخول في الجزئيات فإن المحامي ملزم باتخاذ مسكن بعيد عن أماكن الشبهات وينطبق الأمر أيضا على مكتبه.

أما فيما يتعلق بالجانب العملي الصرف فإن على المحامي، وطبقا للقانون؛ تجنب ممارسة أي عمل يستهدف جلب الأشخاص واستمالتهم أو القيام بأي إشهار كما أن عليه تجنب السماسرة الذين لن يجني من ورائهم سوى فقد هبته ووقاره ..ليبقى وقار المحامي وباقي مواصفاته الأخرى تشكل جزء من رأسماله اللامادي الذي يجعل المتقاضين يلجؤون إليه مقتنعين ومطمئنين وراضين وليبقى المحامي محافظا على أنفته وعلى سمعته وعلى كرامته سواء أمام موكليه أو أمام المجتمع برمته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل