الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أولاد الناس- ثلاثية المماليك لريم بسيوني

محمد حسن خليل

2021 / 3 / 1
الادب والفن


في ثلاثية المماليك تقدم لنا ريم بسيوني ثلاثية تاريخية رائعة. ونحن نعرف الثلاثيات في الأدب المصري بدءا من ثلاثية نجيب محفوظ وحتى ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور، وكذلك في الأدب والعالمي مثل ثلاثية إيزابيل الليندي التي تناولت تاريخ شيلي منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى سبعينيات القرن العشرين.
الرواية التاريخية مأزق في حد ذاتها، فهي عادة ما تغطى فترة زمنية طويلة مع إبراز خلفيتها السياسية والاجتماعية، ولكنها بالقطع تختلف عن كتاب التاريخ في أنها عمل أدبي. كتابة التاريخ لها مقومات من الأمانة في الأحداث الكبرى، وتحتوي على وجهة نظر في تفسير التاريخ، وبالتالي بالطبع تتأثر بوجهة نظر الكاتب. أما في حالة الرواية التاريخية فهي في المحل الأول رواية. حقا أنها لا يسمح لها بتجاوز الأمانة التاريخية في الأحداث الرئيسية ولكنها لابد وأن تحتوي على المقومات الأدبية للرواية وإلا سقطت أدبيا حتى لو نجحت تاريخيا.
في ثلاثية ريم بسيوني نرى تضفيرا جميلا متناسقا بين العناصر الأدبية والعناصر التاريخية. مثل المسار التقليدي لكل ثلاثية نجد توازيا في العرض بين فترة تاريخية طويلة، وعادة فترة مختارة مليئة بأحداث هامة، مع قصة أجيال من أسرة تتوازى وتتقاطع مع الأحداث الاجتماعية والتاريخية، مع العناصر الأدبية متمثلة في خلق وتصوير الشخصيات، وحبكة المواقف، والتفاعل المتبادل بينها وبعضها وكذلك بينها وبين الأحداث الاجتماعية والسياسية، وتطور كل هذا في الزمن، بما يشبع ذوقنا الأدبي والتاريخي معا.
تختار ريم بسيوني لرواياتها الثلاث، ثلاث فترات من تاريخ مصر المملوكية تمتد لأكثر من قرنين منذ أوائل القرن الرابع عشر وحتى أوائل القرن السادس عشر. الفترة التاريخية الأولى هي فترة ولاية الناصر محمد بن قلاوون بالذات في فترة حكمه الثالثة بين عاميّ 1309 و1341. الفترة الثانية هي فترة حكم السلطان برقوق بين عامي 1382 و1399، ثم الفترة الثالثة وفيها غزو الأتراك لمصر في فترة السلطان قنصوة الغوري وطومان باي عام 1516- 1517.
وللحكام المماليك الثلاثة تميز شديد باعتبار فترات حكمهم هي أفضل ما حكم المماليك رغم سوءات الحكم في تلك الفترة. تكفي نظرة واحدة على شارع المعز لدين الله الفاطمي ومنطقة مصر الفاطمية والمملوكية لمشاهدة جوامع وخانقاه وسبل قلاوون وبرقوق، ومسجد السلطان حسن لندرك "العمائر التي تخلد اسم من بنوها" على حد تعبير المؤلفة. كما تبرز دعوى تبرير حكم المماليك الرئيسية بأنهم هم، كمقاتلين محترفين، من يدافعون عن البلاد ضد الصليبيين والمغول، ثم العثمانيين، حتى تسقط تلك الحجة في النهاية عندما تحتدم المعركة الأخيرة مع العثمانيين الذين وصلوا إلى عقر الديار، فيفتح المماليك الجيش أمام العامة، فإذا بهم يحسنون القتال على عكس تصورات المماليك، ويستبسلون في الدفاع عن بلدهم، ويصل عددهم إلى نصف الجيش، ليجترحوا بطولات شديدة رغم الهزيمة ومقتل السلاطين الغوري وطومان باي.
ولكن العلاقة بين المماليك والعامة ليست مجرد حماية، فهناك بالطبع الاضطهاد والاستغلال والنهب الصريح الذي يترافق ويتقاطع مع فترة المماليك ويتزايد بشدة تحت حكم أسوأهم وهم كثر. ولكن بين المماليك الحكام الذين خطفوا من الخارج وتمت تربيتهم العسكرية والدينية ليصبحوا محاربين محترفين، والعامة من شعب مصر تبرز طبقة ثالثة تحتوي على "أولاد الناس" عنوان رواية المؤلفة، وهم أبناء المماليك الذين ولدوا في مصر من أمهات مصريات أو غير مصريات ولكن لم يولدوا كمماليك في الخارج، كما تحتوي تلك الطبقة على العلماء، وهم "ضروريون لحكم المماليك للعامة" كما تقول المؤلفة، كما أن هناك منهم الشجعان الذين يتحدون ظلم المماليك، وقد دخلوا التاريخ بسيرتهم.
من التفاعل بين سلسال من أسرة أحد العلماء التي تتوارث العلم وتفاعلهم مع الحكام المماليك يتم نسج الروايات الثلاث المنفصلة المتصلة. وتتراوح علاقة الحكام بالعلماء بين الصداقة والتنكيل، ومن خلال كليهما توضح الكاتبة النسيج الاجتماعي والصراع السياسي في مصر في مختلف الفترات.
تبدع المؤلفة في تصوير الأنثى الخالدة في أجمل تجلياتها، سليلة أفروديت وهيرا وسافو، من خلال ثلاث شخصيات رئيسية، هم على التوالي في الروايات الثلاث هم زينب وضيفة وهند. نرى هنا صورة المرأة المتعلمة المثقفة، والقوية صاحبة الرؤية والقرار، وعلاقتها بأحد أبرز مقاتلي المماليك، علاقة صراع وحب، وقوة وخضوع، علاقة تحتوي على كل ما تحتوي عليه تعقيدات النفس والحياة الإنسانية.
كما تمتلئ الرواية بحكم الزمن التي توضح كل من الحس الإنساني والفكري الراقي لدى المؤلفة، من نوع ".. الحياة التي لا يخرج منها مهزوما إلا من خسر نفسه"، و"..الانتصار الحق هو الإبقاء على ذكرى القبح والظلم والخير والحنو، الانتصار هو تقبل الماضي دون الغوص في الهزيمة، فالدنيا محاولة قصيرة للوصول لا أكثر، لو بترنا نصفها ماذا يتبقى لنا". كما يتبدى كذلك نزوعها الصوفي في موقفها من القدر واقتباسها من أشعار الإمام الشافعي "دع المقادير تـجري في أعنتها ... ولا تبيتن إلا خالي البالِ، ما بين غمضة عين وانتباهتها ... يغير الله من حالٍ إلى حالِ".
تنساب الرواية في سلاسة تربط بها القارئ عبر صفحاتها السبعمائة والستين، تشد وتربط وتعطى وجبة أدبية فنية تاريخية رائعة، لا يجب أن تفوت على مثقف. ونلاحظ نحن الصراع بين الثلاثي: الحكام المقاتلين بحلوهم ومرهم، والشعب "العامة"، والطبقة الوسطى بما فيها مثقفيها وعلماءها، هو مسار متكرر لا يقتصر على فترة المماليك: نراه في فترة محمد على وأبنائه، وبالطبع في فترات أخرى كثيرة في تاريخ مصر.
دكتور محمد حسن خليل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته


.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202