الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجاب والاسلام

هيثم بن محمد شطورو

2021 / 3 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أصبح شائعا في العالم اليوم، اقتران الهوية الإسلامية بالمرأة المحجبة، وهو التوصيف الهووي الذي عمل على شيوعه الإسلام السياسي بمختلف ألوانه، أي الوهابي والأخواني والشيعي الخميني. وبالفعل فاليوم في أوربا أو روسيا أو أمريكا تجد الحجاب علامة على الهوية الإسلامية.
هذه الهوية التي تبدو كأنها هوية أبدية ثابتة لقرون من جهة ومن جهة أخرى تستبطن الحجاب كتميز إسلامي ذو دلالة على العفة والطهارة والنفس المؤمنة الراضية المرضية. وفي اللغة العربية العجيبة فكلمة المرضية إذا كانت الراء ساكنة فهي ذات دلالة ايجابية تـفيد الصحة النفسية وإذا كانت الراء ممتدة بفتحة فهي تغدو ذات دلالة سلبية تـفيد الاعتلال والمرض، ومن هنا فهل أن الحجاب كهوية إسلامية دلالة على الصحة أم المرض؟
فبالنسبة للمسلمين وغيرهم كثيرون، وبما أن الثـقافة السطحية هي التي تغطي الجموع، فإن الحجاب أو الخمار أو النقاب يتم اعتباره خاصية إسلامية وتميزا إسلاميا واستـفرادا إسلاميا بكل ما يمثله من نزعة خضوعية للمرأة تجاه الرجل، وبالتالي فالإسلام هو دين إهانة للمرأة ودين التميـيز السلبي لها تجاه الرجل، وبالتالي هو دين متوحش ودين المتوحشين وهو ما يغذي نرجسية الثـقافة الأوربية المعاصرة التي تغض النظر عن تاريخها.
وبرغم أن القرآن لم يحدد أي شكل في اللباس وخاصة ما يُعرف اليوم بالحجاب كلباس إسلامي بينما هو استـنساخ لحجاب الراهبات المسيحيات في الأديرة ولا علاقة له بالتراث العربي الإسلامي في اللباس، فإن التعامل بإيديولوجية ذكورية مع النص القرآني وتأويله في مصلحة تلك النظرة، إضافة إلى أن تلك النظرة الذكورية انتـقـلت إلى إيديولوجية سياسية واضحة المعالم في إرادة السلطة والثروة، فإنها دعمت النظرة التـقديسوية للحجاب بغض النظر عن النظر العلمي للقرآن وللتاريخ الإسلامي واختلافاته عبر مختلف العصور والبلدان، ففي النهاية لم يوجد قط على مدة أربعة عشر قرنا إسلاما واحدا على امتداد الرقعة الإسلامية. لكن، تجدر الإشارة بوضوح أن القرآن حتى في سياق التأويلات الذكورية له فإنه لم يجعل المرأة آثمة إن لم تتبع الوصايا الربانية فهو يعقب آياته دوما بالقول أن الله رحمان رحيم وليس أن لم تـفعلوا ذلك فالله شديد العقاب. أي أن جميع ما ورد بخصوص المرأة ورد إن صح التعبير بمنطق إرضاء العقلية الذكورية فقط وهي التي تسم ثـقافة العالم برمته حينها وليس الثـقافة العربية التي خاطبها القرآن أساسا. وبالتالي فحتى إن كان الحجاب فريضة إسلامية وفق التأويل الاسلاموي اليوم أو الأمس فانه بالمنطق الفقهي الإسلامي هو من باب الاستحباب وبالتالي فعدم ارتداء المسلمة للحجاب لا يُعد إثما كبيرا أو صغيرا..
لكن بالعودة إلى القرآن فأغلب ما ورد يهم نساء الرسول مثل الآية 33 من سورة الأحزاب التي تقول : "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا". فأهل البيت هم بيت الرسول. ورغم ذلك فعائشة زوجة الرسول لم تلتـزم بها بشكل واضح في حدث تاريخي معلوم وهو خروجها في معركة الجمل ضد علي ابن أبي طالب، وهذا الحدث التاريخي الذي لا ينكره أي مفسر إسلامي يخفي ورائه أمورا واقعية كثيرة تدل على انعدام العمل بالآية المذكورة وفق التفسيرات التي تجعلها ركيزة لسجن المرأة في البيت، هذا إذا أضفنا معطى أساسي وهو أن أغلب آيات القرآن لها أسباب نزول، وبالتالي فهذه الآية جاءت نتيجة حدث واقعي معين، كانوا يعلمونه حينها،ولكن بشكل عام فلم تكن النظرة إلى القرآن جزئية أي التعلق ببعضه دون كله، وكان التعامل مع الآيات القرآنية بأريحية كبرى لأنهم كانوا يفهمون جيدا كونه أساسا الإيمان بالله الواحد الأحد وليس التعلق ببعض الجزئيات هنا وهناك ناتجة عن أوضاع ووقائع كانوا يعلمونها. لكن من خلال هذا الحدث العام نستـنتج أن هذه الآية لم تطبق من عائشة وبالتالي لم تطبق بحذافيرها من جميع نساء الرسول سواء في حياته أو بعد مماته.. هذه الآية بنا عليها الفقه والواقع الإسلامي فيما بعد ثـقافة وتاريخ سجن المرأة في البيت في كثير من البلدان الإسلامية في عصور مختلفة خاصة في عصر الانحطاط العربي الإسلامي..
إضافة إلى ذلك فالرسول لم يكن مهتما بتحجب نسائه وإنما عمر ابن الخطاب كان هو الدافع إلى نزول آيات تحجب نساء رسول الله حسب ما ورد في صحيح البخاري القائل:
"حدثنا يحيى بن بكير ، قال حدثنا الليث ، قال حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة: أَنَّ أَزواج النبي صلعم كُن يخرجنَّ بالليل إِذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أَفيَّح فكان عمر يقول للنبي صلعم : احجب نسائَك ، فلم يكن رسول الله صلعم يفعل.! فخرجت سودة بنت زمعة ، زوج النبي صلعم ، ليلة من الليالي عِشاءً ، وكانت إِمرأة طويلة ، فناداها عمر : أَلا قد عرفناك ياسودة ، حِرصاً على أَن ينزل الحجاب ، فأَنزل الله آية الحِجاب."
يبدو ان عمر ابن الخطاب كان يمثل الثـقافة الذكورية السائدة وتأثيرها في النبي وفي القرآن حتى من باب محاولة احتوائها، ولكن المؤكد أن كل ما ورد كان بصيغة التوصية والاستحباب وان المخالفة لم يذكر أنها تُعد إثما، وإنما دوما تُرفق تلك الآيات بالتـذكير بالرحمة الإلهية، أي بالسماح بوجه من الوجوه..
ومن هنا، فإن المسألة لا تـتعلق بآية واحدة وإنما تتعلق بطريقة التـفكير أو إعادة بناء طريقة تـفكير جديدة تكون ذات مصداقية مع النفس المسلمة المتواجدة في هذا العصر ليخرج المسلم من ازدواجيته وفوضاه الفكرية وبالتالي الحياتية..
الثـقافة الإسلامية مشبعة بالمغالطات والجهل. ففيما يخص وضعية المرأة بشكل عام، والتي تم رفعها إلى درجة اعتبارها عنوانا للهوية الإسلامية بشكل عام يبعث على الغثيان. فهل هو تميز إسلامي تاريخيا أم هو تماشيا مع ثقافة عامة عربيا وعالميا؟ وإذا كان تماشيا مع ثـقافة عالمية فلماذا يتم اعتبار الحجاب عنوانا للهوية الإسلامية؟
يقول الدكتور المصري "إمام عبد الفتاح إمام" في كتابه "الفيلسوف المسيحي والمرأة":
" يروي المؤرخون أحداثا كثيرة تدل على الوضع المتدني للمرأة الرومانية ـ على الأقل في عصورها الأولى ـ فهذا زوج يطرد زوجته من بيته لأنه رآها تسير في الشارع دون خمار.."
" فرضت الشريعة اليهودية على الزوجة أن تغطي شعرها علامة على ملكية الزوج لها وعلى خضوعها وانقيادها وانكسار شوكتها، وذهب بعضهم إلى حد إرغامها على ستر جسدها بملاءة عدا ثـقبا واحدا تـنظر من خلاله لترى الطريق.. فالرجل اليهودي يصلي في صلاة الصبح داعيا وشاكرا الله بالقول: أحمدك يا رب أنك لم تخلقـني امرأة..".
القديس بولس الذي يُعتبر هو باني المسيحية الكنسية قال " فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. أما المرأة فهي مجد الرجل.. لهذا ينبغي أن يكون لها سلطان على رأسها.. أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما يليق بالعيشة في الرب. اخضعن لرجالكن كما للرب، لأن الرجل هو رأس المرأة..".
فهل حجاب المرأة وخضوعها للرجل الذي يكون من باب العبادة للرب هو هوية إسلامية متميزة إذن؟
أليس ما يُدرج بكونه هوية إسلامية يبلغ مدى إثارته للغربـيـين في كونه يذكرهم بتاريخهم المظلم، تاريخ استعباد المرأة ولذلك يثيرهم الحجاب في كونه عنوان لتاريخ طويل من الاضطهاد للمرأة؟ ذاك التاريخ الطويل من الإظطهاد بجعله هوية إسلامية أليس حطا من الإسلام وتغطية على موقفه القرآني الفعلي من مسألة الحجاب بل حتى مسألة الجنس بشكل عم ومسألة مساواته الفعلية بين الرجل والمرأة بقوله مثلا "المؤمنين والمؤمنات"؟
الحقيقة أن الهوية الإسلامية مغالطة كبرى، فالإسلام دين وليس هوية وهو ثـقافة واسعة مشتملة على تـنوع كبير وليس هوية محددة. الحاصل هو الضياع الحضاري وضياع النحن العربي المتميز في عالم اليوم. ضياع العربي المقتدر والعربي الفاعل في التاريخ والعربي باعتبار الإسلام روح العروبة هو الضائع في هذا العصر وهو الذي لم يخلق نفسه في هذا العصر ولذلك يصنع لنفسه هوية زائفة، وهو بذلك يقوم بإخراج نفسه من التاريخ، ويجعل نفسه عنوانا لمظالم القرون الماضية عالميا، عوض أن يجعل من نفسه كينونة مستـنيرة عقلانية فاعلة في التاريخ ومقتدرة، مثل المسلمين الأوائل..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكاتب المحترم
ادم عربي ( 2021 / 3 / 2 - 11:03 )
الدين هو الثقافة وما دام المسلمون يعيشون مرحلة الاقطاع فلم العجب من الحجاب ؟ مودتي لك


2 - تعليق 1
محمد البدري ( 2021 / 3 / 2 - 12:51 )
تحياتي للفاضل / استاذ هيثم بن محمد شطورو والي الصديق العزيز ادم عربي وشكر لهذا المقال الذي ياتي بما في بطن التاريخ من امور يجب علينا تجاوزها وليس استعادتها.
صحيح ان الحجاب عادة ثقافية مجتمعية قديمة تنتمي الي عصور ذات نمط انتاجي يختلف جذريا عما نحن فيه لكن فضح الحجاب الاسلامي امر ضروري لانه يبدو كمسلمة ثقافية بدوية قبلية نشأت في ظل الاسلام فان عدم مكافحتها ستؤدي الي اعادة تنميط المرأة والرجل علي السواء الي عادات هي لا تنتمي الي عصرنا الحالي.
السكوت عنها ارتداد الي الهمجية العربية، فما هو الجانب الهمجي فيها؟
اتمني ان يعود السيد شطورو الي نصوص الحجاب في سورة الاحزاب والتأمل جيدا فيها مع شرح اسبابها كما جاءت في الكتب الفقهية.
فبدءا من الاية 28 وحتي الاية 35 يهدد ويتوعد ويرغب ويرهب نبي الاسلام نساؤه من اجل تطويعهن لقبول زواجه من زينب بنت جحش. لانها الزيجة المثيرة للكثير من الاقوال عن رغبات محمد الجنسية التي كان الله دائما راعيا ومحققا لها في جميع الحالات تبريرا وتسويغا لها.
تليها مباشرة الاية 36 حيث الامر الصادر بان يطيع الجميع دون اي اعتراض فالاية 37 بتسويغ الزواج وقضاء الوطر ... يستكمل


3 - تعليق 2
محمد البدري ( 2021 / 3 / 2 - 12:52 )
واستمرت تسويغات التهديد والوعيد والتبرير وتضخيم الذات المحمدية في ضرورة طاعته حتي الاية 52
لكن كل هذا لم يكن كافيا فاعين الرجال لها اهدافها. وكما يقال يندب فيها رصاصة
في تفسير اسباب النزول وحسب رواية بنت جحش صاحبة الواقعة والشاهدة عليها قالت ان النبي اولم وليمة، يخزي اعين المتطفلين بها، لكن ثلاثة من المدعويين للوليمة ظلوا جلوسا ربما لاسباب بها الكثير من النوايا ... وكلما فرغت الاطباق يطلبون طعاما جديدا كل هذا ونبي الاسلام يراقب ويمتلئ قلبه بالريبة وهو في انتظار اللحظة التي اقرها الله له من فوق سبع سماوات وعندما نفذ صبره اسعفه جبريل كالعادة بالاية 53 وهي الاية الـ CLIMAX في هذه الملحمة الزواجية من امرأة قيل يوم ان دخل نبي الاسلام بيتها في غيبة زوجها، سبحان مثبت القلوب.
ما كان يعتمل في قلب النبي اثناء التحضير للزواج والتخوف من اعين الرجال اتت به الاية 54 بوضوح وصراحة غير مسبوقة. معتبرا ان ما يضمرة الرجال في الوليمة يوذي الرسول حيث قال : تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا . وهنا ناتي لامر ... يستكمل


4 - تعليق 3
محمد البدري ( 2021 / 3 / 2 - 12:52 )
آخر يستحق النظر لما فيه من اشياء اتت بنتائج كارثية علي نسائه فيما بعد، ففي قوله في الاية 53 وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا، المقصود بها بعده اي بعد الوليمة خاصة وان كل ما في هذه الايات يخص تلك المرأة التي لم تثبت القلوب وتلك الاحتفالية ام المقصود بها بعد وفاته وهو ما ذهب اليه جميع المفسرين والفقهاء خشية ان ينكشف كثير من المستور في هذه الايات وفي الوليمة وفي ذلك الزواج الذي اصبح اشهر زيجة في الاسلام. فاعين الثلاثة وطلبهم اطباق الاطعمة واحدا تلو الاخر وتاني بها الزوجة وهي ليست من وراء حجاب والتي لم يثبت قلب النبي عند رؤيتها امر يثير الكثير من القيل والقال.
استغفر الله العظيم ولا حول ولا قوه الا بالله فما انا الا مجتهد اتمني ان يجزيني الله باجرين وليس باجر واحد كما هو حال جميع المفسرين والفقهاء.

اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة