الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظلال الاسم الجريح.

عبداللطيف الحسيني
:(شاعر سوري مقيم في برلين).

2021 / 3 / 2
الادب والفن


عبداللطيف الحسيني والظل الممتد بجرحه.
بقلم الصحفي ماجد ع محمد .اسطنبول.

يرى المفكر اللبناني علي حرب في نقد الحقيقة "بأن القراءة التي ترمي الى قراءة نفس ما قرأه مؤلف النص بحرفيته لا مبرر لها أصلاً"، ومن هذا المنطلق ربما ستكون قراءتنا مغايرة للزاوية التي نظر منها حتى الشاعر نفسه، وربما نختلف أيضاً في القراءة عمَن سبقنا إليه في تناول نصوص عمل الشاعر عبداللطيف الحسيني" ظلال الاسم الجريح.
فبعد عدة كتب كسيرة المدينة (عامودا) ومجموعة شعريَّة صدرت في التسعينيات تحت عنوان (نحت المدن الصغيرة) يعود الشاعر عبد اللطيف الحسيني سليل العائلة اللغوية بكتاب جارح، يضم نصوصا متنوعة الرؤية والاشارات والمضامين، وهو "ظلال الاسم الجريح".
فأن يكون المرء ظلَ جرحٍ هو بطبيعة الحال ليس بالأمر السهل اطلاقاً، فكيف الحال إذن عندما يكون ظلاً دائماً لملة جريحة منذ عصور، ويبدو أن عبد اللطيف الحسيني ومن خلال نصوصه المطعونة بحِراب الوقائع يحمل صليباً يعجز عن حمله عشرات الكتاب والفنانين، إذ ليس سيزيف وحده من لا يزال يحمل صخرته وهو يتدحرج بها كلما صعد نحو القمة، فثمة من لا يزال يحمل مثله الأطنان من متاعب الملة على كاهله، رغم أنه بالكاد أن يكون قادراً على حمل هموم بدنه، إنه سيزيف معاصر ولا يقل أسىً وتعباً ومحنةً عن صاحب الاسطورة، فأن لا تفارق ظل اسمٍ جريح هو بحد ذاته الوجع المتجدد مادامت دناءة الساسة والانظمة لا تزال في تأججٍ دائم، باعتبار أن أصحاب القرارات المصيرية لا يزالون حاملينَ مشارطهم وينزلون تجريحاً بمن يُشغلون تضاريس تلك البقعة من جغرافية الأنين الممتد الى عصورٍ لا يسبر غور وجعها مسبارٌ أو غواص.
ففي نص "لقطة" تزدحم تفاصيل الحياة الخادشة لشغاف الابتهاج منذ أن يغدو مجذوباً وكأنه مغناطيس العُسر جزءٌ من تكوينه، إذ وسرعان ما يرمي بغمٍ حتى ترى الهموم كلها مجتمعة في صحن داره، ليغدو مع الأضياف عريسَ الشقاء، وفي نص " البرق" تبدو حياته رهينة مِدية الوجود المُر الذي لا يتغذى إلا من كرب جسد الشاعر، وهو يتعفر بغبار الحياة كما تتقلب الدجاجة المشوية على نار الحقيقة، بينما في نص الوجوه فلا يود الشاعر الوقوف ملياً أمام وجهٍ بعينه إذ غناء المسكونة بأنواع الوجوه، يدفع بالشاعر الى أن يمر بهم كما تمر برجكتورات مخافر الحدود على أجساد المتسللين من مناطق نفوذهم، كما أن الوقت وطبيعة الاطلالة لا تسمح بالوقوف طويلاً على أبدانٍ المارين من أمام عدسة الشاعر، لذا يسلط الضوء على أهم ما يظهر منهم، أما في نص" اليأس" فنقرأ جملة تستغني عن عشرات الجمل حين يختم نصه بها قائلاً: (أنا الرجل الذي تمدد فوق سكة القطار ولم يمنعه أحد) فالجملة تختزل يأس عشرات اليائسين من الشعب السوري الذي غدا القنوط جزءاً أساسياً من غذائه اليومي، ولا ينفك السوري من هذا الاحباط حتى يلحقها الشاعر بنص" الحطام" فيختزل شاعرنا المدمرات الذاتية والموضوعية كلها في جملة واحدة وهي " إنه العيد الذي مات فيه كل الأحبة"، وفي نص بيت جدي نحاول أن نستنبط شيئاً مختلفاً من النص ألا وهو حرص هذا الجد بأن لا يتشبه به أحد، وهو كما هو ملاحظ فليس من باب التعظيم الفرداني للذات لا يحب أن يشبهه أحد من ذريته، إنما العكس تماماً الذي يقلق الجدَ، هو خوف الجد وحرصه على أن لا يبتلي الاحفاد بما كان يعانيه، وهو يخشى من أن يجلب لهم الاسم لاحقاً الكثير من المنغصات التي عاشها وعايشها الجدُ،& وفيما يتعلق بنص تسونامي وبالرغم من أن الشاعر كان يعول على التجريف الذي سيقوم به تسونامي سوريا، إلا أن النص يعيدنا الى الكواكبي وقوله فيما معناه أن المستبد او الطاغية لوجوب إزاحته يتطلب الأمر ربما اقتلاع آلاف الشروش معه، طالما أنه مع فروعه وامتداداته متجذرٌ في التربة حتى الأعماق، والخوف من أن لا يقدر هذا التسونامي الولوج الى الأعماق، إنما أن يقوم فقط بجرف ما كان على السطح وحده، وهذه بحق واحدة من أكبر التحديات بالنسبة لتسونامي سوريا، حقيقة كل نص من نصوص الشاعر يحتاج الى وقفة مطولة وتفحص ما جاء في سياقها، وهذا ربما يكون مكانه دراسة جادة عن العمل ككل وليس كتابة مقالة عن العمل كما هي حالتنا الآن، وبودنا لو سمحت الظروف بأن نقدر على سبر أغوار كل النصوص الواردة في ظلال الاسم الجريح، ولكننا نكتفي بهذا القدر في تناول النصوص وننتقل الى محور آخر ألا وهو إمكانية قراءة الواقع من خلال النصوص ومدى الترابط بين النص والوقائع التي جرت و لا تزال تجري في سوريا.&&&&&&&
ففيما يتعلق بالأحداث الجارية والمتعلقة بالجرح السوري النازف، والواقعية في ديوان الشاعر عبداللطيف الحسيني:
&فنقرأ في نص امرأة من بيّاضة ثمة امتثال حقيقي لمقولة: "اذا أكرمت الكريم ملكته"، فالسارد صاحب نخوة ولا ينسى فضل المرأة التي ناولته كوب ماءٍ في ظهيرة يومٍ حار، وقد كان الكوب زمزماً لا ينضب دفقه لدى الراوي، لذلك فعندما قدمت نسوة تلك المدينة الى بلدته لاجئات يبحثن عن ظل أمانٍ لهن الى أن تزول غيوم الطاغية، فقد رأى الشاعر كل النسوة على هيئة تلك التي مدت إليه بجام الزمزم في أحلك الأيام، هي عادة الأصيل الذي لا ينسى الأفضال ولا يجحد بحق من أحسن إليه مهما كان المُقدمُ بنظر الغير ضئيلاً، كما يتم استحضار المشهد أو المقطع المضاد من البيت الشعري "وإذا أكرمت اللئيم تمردا" وذلك لما جرى مع المرأة في منطقة أخرى ولكن بخلاف ما كان عليه طبع وخصال الراوي لدى الشاعر، ومنه ما حدث مع سكان الزبداني وأبناء وبنات لبنان، وذلك عندما لجأ اللبنانيون عام 2006 الى الزبداني هرباً من الحرب في بلادهم، وقد قام الاهالي حينها بإيوائهم في بيوتهم، وراح كل واحد منهم تاركاً بيته للنازحين لينام هو وعائلته في الغرف التعيسة في الحقول اكراماً بالضيوف، ليكون بيته طوع بنان هؤلاء الهاربين من جحيم الحرب في لبنان، وقد حضنت الزبداني بكل حب النساء والاطفال في بيوتهم، إلا أن& أولئك الاطفال اليوم بدل الشكر نكثوا العهد ونسيوا الماضي بسرعة روائح السياسة والغرام الطائفي، وعادوا الى الزبداني ليقتلوا أهلها كرمى خصيان طاغية دمشق وإرضاءً لنزوات الشيخ حسن، فالذي كان طفلاً في 2006 هو نفسه الذي جاءها مدمراً، عاد اليوم ليقطع الايادي التي مُدت اليهم بالخير في الأمس، ليقابلوا الكرم بالجحود واللؤم والخيانة، لذا فقام الشاعر بوضع الواقع المُعاش على المشرحة من خلال مشهدين متضادين مؤلمين في نصٍ واحد.
بينما في قصيدة يا أبي فالشاعر من إغناء الدلالة لديه ومن خلال دعوة الاب الى التمسك بوحدته، يجعلنا نتذكر عشرات الحالات المماثلة، ومنها على سبيل الذكر وليس الحصر محاولة حضَ الشاعر الماغوط صديقه الراحل بدر شاكر السياب "زميل التسكع والحرمان" ومطالبته بأن يتشبث بموته، كما يطالب شاعرنا هنا أباه بأن يتكيف ويندمج مع وحدته ويتشبث بها أكثر حتى اشعارٍ آخر.
قولياً يصرح الشاعر في النصِ التاسع عشر بأنه ليس ملك ذاته، مع أنه عملياً هو ملك الناس منذ القصيدة الاولى، منذ أن اختزن آلامهم وتمثل جراحاتهم وتحمّل لوحده عبء مصائرهم، وكأن ما من أحدٍ غيره مسؤول عن حمل هذا الثقل التاريخي، فشعور المسؤولية الفردية عن هموم الجماعة قلّ ما نجده لدى الكثير من الشعراء المنشغلين بذواتهم، إذ قد ترى الواحد منهم يركل العالم كله كرمى صعود أناه، بينما عبداللطيف يعول على الايثار الشعري المنعكس لواقعيته، ويدوس على أناه فدوى إعلاء شأن أنوات الجموع الذين لا يقدر الفكاك عنهم، وذلك حتى يعيش في برجه المطل عليهم كما يفعل سواه.
وأكاد أقترب من تخوم الجزم عندما يقول الشاعر بأنه ليس له، بكونه عود نفسه على تمثل أنوات العشرات من الناس غيره، فلكل واحدٍ منهم حصتهم فيه، وأي خللٍ فيهم يحزنه، وأيةُ لعنةٍ عليهم تكربه، لأن ثمة أكثر من شخصٍ يسكنه.
ففي الاسم الكردي الجريح يستنطق الشاعر مع ذاته الآخر والمكان من حوله، يقلقه هذا التعارض، حيث الكردي دائماً ما يبقى متشظياً، وخصوصاً سماء وأجواء عامودا التي كانت من أولى المدن التي انتفضت بوجه النظام استجابة لجرح وصرخة درعا، مع ذلك يرى السموم العنصرية تشك حتى بنية أبنائها البررة في المشاركة والتآزر الوجداني لأبناء الوطن الواحد، مع أنه يقهره عدم الانتفاض بالشكل المطلوب مُجلداً ذاته لأنه لم يكن كما ينبغي، مع أنه استجاب لنداء الواجب من تلقاء ضميره ولم يشعر بالفرق بين جرحه المستدام والنزف الجديد الذي أصاب خاصرة تلك الجغرافية المبتلاة بسموم الشموليات، ومع كل ذلك هو متسامح مع شكوك واتهامات الشريك المفترض، طالما لديه خلفية مشهدية موثقة في ذاكرته ولم تبارح أحداث 2004 مخيلته، ومعرفته الجيدة بهذا الشريك الذي رغم توحده مع جرحه الآن، فلا يغيبن عن باله بأن بعض من شركائه المنتفضين حالياً كانوا في السابق، إما مشاركين في وضع الشِراك أمامه أو كانوا متفرجين على جرحه بلا مبالاة وهو ينزف، فهو غير نادم على روح المؤازرة لديه متمسك بها لإزاحة الكابوس عن صدر البلد وناسه، لأن الحس الانساني والشعور بالآخر قناعةٌ ومبدأٌ واسلوبَ حياة لديه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى