الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسار الدول الضامنة - لعبة مكشوفة

حسن خالد

2021 / 3 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقول المثل الايطالي :
"التاريخ أكبر مُعلم ، إن لم تستفد من دروسه ، فسيكون سعيداً أن يُعيدها عليك"
لن نخوض في الأسباب التاريخية للعداء "العثماني - الصفوي - العربي" لأن هذا الثالوث يتوافق في نقطة مشتركة بدون جدال مهما اختلفوا وتنازعوا في قضايا تُفرّقهم!
ففي البيان الختامي لمسار سوتشي / استانا / 15/ والذي يقتصر على الثلاثي الضامن "تركيا" عن سوريا المعارضة و "إيران" وروسيا عن "سوريا النظام" كما حضرت بعض دول الجوار بصفة مراقب من بينها "العراق" والذي يُركّزون فيه دائما على نقطتين تتكرران في كل بيان ختامي :
* - التأكيد على "عروبة" و وحدة أراضي الجمهورية "العربية" السورية.
* - رفض "الأمر الواقع" والإدارة الذاتية التي أعلنها الكرد.
يُفهم أن الغاية الأساسية التي أدت إلى إنشاء هذا المسار سوتشي/أستانا ، هو الالتفاف على (مسار جنيف) "المشرّعن دوليا" عبر قنوات تمثل الشرعية الدولية وتحالفات القوى التي تساوم في منبره على قضايا ومصير الشعوب واضعين في الحسبان على أقل تقدير مسألة السلم والأمن الدوليين بعين الاعتبار ، و محاولة تلك المسارات الجانبية وضع العصي في عجلة التدويل وتأجيل الحل الدولي للقضية السورية لما تحمله من تعقيد في الحسابات لمجمل الأطراف "المحلية والإقليمية والدولية" وتاليا سعي تلك الأطراف إقصاء الولايات المتحدة الأمريكية وشركاءها عبر استحداث مسار جديد في لعبة تصفية حسابات ساحتها الجغرافية السورية وأدواتها الأطراف السورية
إن مفهوم "الدول الضامنة" إنما هي محاولة ما يجمع المختلفين تاريخيا خاصة إيران وتركيا التي تستثمر في تناقضات "الكرد والعرب" و هي السعي لمحاصرة القضية الكردية بالدرجة الأولى والأخيرة ، إذ تحاول الدول التي تقتسم جغرافية كردستان وبشتّى الطرق ل "وأد " كل مولود كردي يلوح وإن كانت خارج حدود الدولة المعنية ، فليس محض صدفة أن تتلاقى وجهات النظر ( التركي. الإيراني. السوري والعراقي إلى حدّ بعيد ) في الانتقال من المرحلة السرية لمحاربة المنجز الكردي وفي أي جزء منها ، إلى مرحلة المجاهرة وبصوتٍ عالٍ ببذل المزيد من الجهود وعقد الاتفاقيات الأمنية العابرة للحدود أو فرض أمر واقع لمحاربة الطموح الكردي (المسالم ) والذ يجاهر بالحل ضمن الجغرافيا الوطنية في الدول التي تتحكم في الحلم والمصير الكردي.
فبعد أحداث حرب الخليج الثانية وبروز النجم الكردي في إقليم كردستان العراق وتطوراته التي تمتد إلى بدايات القرن التاسع عشر وعبر مسار كفاحي مستمر انتهت بإعلان منطقة حظر جوي وتأسيس سلطة كردية والانتقال من منطقة حكم الذاتي"حبرا على ورق" إلى إقليم فدرالي وما تلاه من اعتراف دستوري بالمنجز الكردي هناك رغم وجود عداء مبطن لشركاء الوطن وسعيهم للقضاء عليه كعدوان 16 أكتوبر 2017 ، أو الحد من ميزاته و صلاحياته الدستورية عبر قطع وتقليص الميزانية أو من خلال السعي للعودة إلى نظام المحافظات للنيل من هيبة الإقليم ، و المماطلة في تطبيق المادة 140 التي يمكن أن تكون حلا تاريخيا لتطبيع الأوضاع والتقدم خطوة نحو حلٍ لغالبية المشاكل البينية في عراقٍ فدرالي .
كما إن مراجعات حزب العمال الكردستاني في بعد اعتقال زعيمه في نيروبي وزجه في المعتقل (وتخفيف حكم الإعدام عليه إلى المؤبد ) لمجمل توجهاته الفكرية واستراتيجياته و تكتيكاته الميدانية وسياساته التي تتفاعل مدّا وجذرا ، إن في معاقله في شمال كردستان ، أو في ساحاته الخلفية في باقي الأجزاء الأخرى، خاصة بين كرد سوريا عبر مقاربة جديدة في خطابه يدعو ( للأمة الديمقراطية وإخوة الشعوب ) محدثا بذلك قطيعة مع خطابه وممارساته "العنفية" الذي كان يتصدر المشهد قبل اعتقال زعيمه.
تطورات أحداث الربيع العربي وخاصة في سوريا كانت نكسة حقيقية له ، ففي تونس ومصر ولاحقا ليبيا لم تتطور تفاعلات القطيعة بين "السلطة والشعب" في تلك الدول ، إلى الدرك الذي وصلته في سوريا ، الفارق الجوهري في تلك المعادلة هو انحياز المؤسسة العسكرية إلى صفوف الشعب ، إلا في الحالة السورية انحازت تلك المؤسسة للسلطة/ النظام ، فمارست فائض العنف بطريقة كيدية على الشعب وابدعت في استحداث فنون القتل واختطاف واعتقال المعارضين للسلطة ، وحتى انها تفننت في اختراق صفوف "المعارضة" التي كشفت عن وجهها المذهبي المقيت في مراحلها المبكرة عندما اتخذت من المسجد "بيت الله" منطلقا لتحركاته في تسمياته أيام الجُمع بأسماء إسلامية وتسمية الفصائل والألوية العسكرية بأسماء تراثية ، وتمت أسلمة الثورة بصبغة طائفية "سرقتها"
انتقلت القضية الكردية في سوريا إلى مرحلة اللاعودة مع تلك التطورات التي حدثت بين معارضة طائفية وسلطة دموية ، فحدثت قطيعة بين "طرف أكثر فاعلية في الجغرافيا الكردية" وبين الطرفين المتاحين "النظام والثوار" فكان خيار "الخط الثالث" إنما مع الخصوصية لأبناء ومكونات هذه المناطق عبر تحالفات تكتيكية / واستراتيجية ، مع مكونات المنطقة "كرد - عرب – كلدو- آشوري " يتماشى مع "مشروع أخوة الشعوب"
هذا الحياد بالذات ، ولّد هاجس الخوف لدى أعداء القضية الكردية من مشروع جديد مختلف بخطاب جديد وأدوات غير مألوفة سابقا حامله الكرد السوريين فكانت القضية الكردية بوصلة التحركات التركية في مقاربتها للقضية السورية عموما خاصة وأن وحدات حماية الشعب والمرأة فرضت نفسها أثناء و بعد أحداث مقاومة كوباني ضد داعش المشروع الذي تحالف فيه "التطرف الديني والقومي" من جهة ، والاستخبارات العالمية من الجهة الأخرى ، في توليفه وتوجيهه بحسب مقتضيات المصلحة والصراع بين تلك الأطراف
وظهرت قوة "البتر ودولار" جليا في بروز وإفول نجم "داعش"
كان خيار الخط الثالث مرعبا لتركيا وللنظام في سوريا ولأعداء قضية الكرد وخاصة أن هذا الحامل "مجلس سوريا الديمقراطي" وجناحه العسكري "ق س د " استطاع السيطرة وبحكم عوامل ذاتية و موضوعية على ثلث الجغرافيا السورية الحيوية بالموارد الاستراتيجية السطحية والباطنية ، وتعتبر المناطق التي تحت سيطرتها هي الأفضل ( أمنيا وخدماتيا وتنظيميا على ما يعتريها من نواقص وفساد )
وما سرّع أكثر من وتيرة ظاهرة "الكرد وفوبيا" لدى تلك الأنظمة ، التي تجمعها هاجس تحول"المنجز الكردي" إلى أمر واقع وفي "أي جزء" هي الارتباطات الفكرية و "العسكرية" لبعض كرد سوريا ، مع حزب العمال الكردستاني والذي استطاع مدّ أذرعه في كل الأجزاء الكردستانية ، حتى بات الوصول إلى البحر يدغدغ الحلم و الذاكرة الكردية...
ويمكن اعتبار مسار المصالحة الكردية البينية زيادة في جرعة "الكرد وفوبيا " بالنسبة لأعداء القضية الكردية على امتداد جغرافية الشرق الأوسط
ولم يعد خافيا على أعداء الكرد أن تناغم "هولير - قنديل " سينتج وبالضرورة مزيدا من المكاسب لكرد سوريا
هذا التفضيل و "الاستقرار النسبي" عن باقي المناطق إن كانت تلك التي تحكمها الجماعات التي تتبع تركيا بما فيها جبهة النصرة ، أم تلك المناطق التي يتحكم بها النظام تجعلها مشروعا يسيل لعاب الجهات الفاعلة التي تبحث عن مكان لها في الحفلة السورية !!
فكان لابد من تحرك ما في صيغة مساومات بين الأطراف الفاعلة في الحدث السوري عبر وسطاء محليين فكان التلاقي التركي الروسي ولاحقا الإيراني على تشكيل تكتل ضامن لخفض مناطق التصعيد في المناطق التي تشهد تصعيدا خطيرا فكانت الصفقات في "ظاهرها" تخفيف للحرب والمواجهة المسلحة ، وفي "باطنها" تغيير الهندسة السكانية من تمشيط وتطهير وتغيير ديمغرافي ، خاصة مبادلة سكان "مناطق الفوعة و كفريا و القلمون والغوطة...
فكانت "غصن الزيتون " وكان "درع الفرات" بمساومة تركية سورية عبر روسيا في غرب الفرات ، وكانت نبع السلام بمباركة أمريكية في شرقها ، لأن النظام الطائفي يلتقي مع تركيا في سعيها لإسكان مكون سوري في الشمال وتأمين سوريا الحيوية وبمباركة ايرانية ، وفي الوقت عينه تقوم تركيا ببناء سدّ ديمغرافي "عربي تركماني" لتقطيع أوصال الجسم والجغرافيا الكردية بين " كرد سرخت وبنخت" ، حتى الثقافة والتاريخ لم يسلم من محاربة كل ما يؤشر لكردية المنطقة عبر سرقة ما يمكن من آثار تاريخية وتدمير ما لم يُسرق ، حتى القبور لم تسلم من التدمير وقطع الشجر والترهيب والنهب والخطف بنية الفدية والاغتصاب ، حتى الإيزيديين كمجموعة لها خصوصيتها الدينية ضمن القومية الكردية لم تسلم من تلك السياسات فبات الغبن والظلم الممارس عليها مزدوجا ، لتكون الهجرة القسرية خيارا مكرها ضمن معادلة غير متكافئة في نظرية المجابهة والندية
باتت تسمية "الدول الضامنة" كرديا مجرد استدارة لمحاربة كل ما يمت للكرد بصلة ثقافة وتاريخا ووجودا كأولوية...
إن تكتل "الدول الضامنة" يفقد شرعيته القانونية يوما بعد يوم لأن الولايات المتحدة لم تحضر في نسختها الأخيرة ، فهل هي بداية رفع الغطاء عنه؟
أم أن "أمريكا البايدنية" لها نية تفعيل مسار جنيف كونه المسار الذي توافق عليه جميع الأفرقاء الفاعلين في الجغرافيا السورية ، لأن منح أدنى فرصة لإنجاح الحوار السوري - السوري لن يكون إلا بتوافق اللاعبين الفاعلين "المحليين و الإقليميين والدوليين".
وحده مسار جنيف يستطيع أن يشرعن إلتقاء هذه الأطراف ويقدم مسار الحل ، ويمهد لمراجعة تشكيل اللجنة الدستورية وإضافة " الفاعلين على الأرض- المغيبين " بالفيتو من أطراف خارجية ، لا تريد الخير للقضية السورية عموما ، إنما باتت تلك القضية مطية البحث عن مصالح تلك الأطراف على حساب المزيد من المعاناة للشعب السوري ...
عقد كامل من الصراع يستلزم مراجعة جميع الأطراف لسياساتها وسلوكياتها ، في تغيير أنماط الحكم المركزي الذي أثبت فشله لأن "الوطن" يبنى بالشراكة في مجتمع متنوع لبناء دولة لا مركزية عصرية تراعي الخصوصية القومية والدينية والثقافية ، ينتفي فيها "لعبة الأكثرية و الأقلية" في بلدٍ ينشد العدالة والمساواة والسيادة ، يكون الفرد فيه إنسانا بكل ما تحمل الكلمة من معنى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإيراني يحتفل بيومه الوطني ورئيسي يرسل تحذيرات جديدة


.. زيلينسكي يطلب النجدة من حلفائه لدعم دفاعات أوكرانيا الجوية




.. الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 14 جنديا جراء هجوم لحزب الله الل


.. لحظة إعلان قائد كتيبة إسرائيلية عن نية الجيش اقتحام رفح




.. ماذا بعد تأجيل الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية؟