الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مزيفو التاريخ (المذكرة التاريخية لعام 1948) – الجزء 3 / ترجمة عزالدين الحديدي

جوزيف ستالين

2021 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


III – فرض العزلة على الاتحاد السوفيتي / معاهدة عدم الاعتداء السوفييتة - الألمانية

بعد احتلال تشيكوسلوفاكيا، بدأت ألمانيا الفاشية في الاستعداد للحرب بشكل علني أمام أعين العالم بأسره. لم يعد هتلر يكترث، بعد التشجيع الذي حظي به من إنجلترا وفرنسا، وتوقف عن التظاهر بأنه مؤيد للتسوية السلمية للمشكلات الأوروبية. كانت الأشهر الأكثر دراماتيكية لفترة ما قبل الحرب قد بدأت. في ذلك الوقت، كان من الواضح أنه مع مرور كل يوم، كانت البشرية تقترب من كارثة عسكرية غير مسبوقة.

فماذا كانت آنذاك سياسة الاتحاد السوفيتي من جهة، وسياسة بريطانيا العظمى وفرنسا من جهة أخرى؟
إن محاولة التهرب من الإجابة على هذا السؤال، التي قام بها مزورو التاريخ في الولايات المتحدة، تظهر فقط أن ضميرهم غير مرتاح.

الحقيقة هي أن إنجلترا وفرنسا، بدعم من الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة، في تلك الفترة المصيرية من ربيع وصيف عام 1939، عندما دقت الحرب الباب، لا زالتا تتبعان الخط القديم لسياستهما. كانت سياسة استفزاز تدفع ألمانيا الهتلرية ضد الاتحاد السوفيتي. ولتمويه الأمور، كانوا يحجبون هذه السياسة ليس فقط بعبارات منافقة من قبيل إعلان الاستعداد للتعاون مع الاتحاد السوفيتي، ولكن أيضا من خلال بعض المناورات الدبلوماسية المكشوفة بغرض إخفاء الطابع الحقيقي لسياستهم عن رأي الشعوب.

تمثلت هذه المناورات في المقام الأول في محادثات عام 1939، التي قررت إنجلترا وفرنسا الانخراط فيها مع الاتحاد السوفيتي. من أجل خداع الرأي العام، حاولت الدوائر الأنجلو-فرنسية الحاكمة تقديم المحادثات على أنها محاولة جادة لمنع تقدم العدوان الهتلري. ولكن، في ضوء كامل مجرى الأحداث اللاحق، صار من الواضح تمامًا أن هذه المحادثات، بالنسبة للأنجلو-فرنسيين، كانت، منذ البداية، مجرد حركة جديدة في لعبتهم المزدوجة.
كان هذا واضحًا أيضًا لقادة ألمانيا الهتلرية الذين لم يكن معنى المحادثات التي بدأتها حكومتا إنجلترا وفرنسا مع الاتحاد السوفيتي سراً بالطبع. إليكم، على سبيل المثال، ما كتبه ديركسن، السفير الألماني في لندن، حول هذا الموضوع في تقريره بتاريخ 3 أغسطس 1939 والموجه إلى وزارة الخارجية الألمانية كما يتضح من الوثائق التي استولى عليها الجيش السوفيتي أثناء هزيمة ألمانيا هتلر:
"ساد الانطباع هنا بأن الروابط التي أقيمت في الأشهر الأخيرة مع الدول الأخرى ليست سوى وسيلة احتياطية من أجل المصالحة الحقيقية مع ألمانيا وأن هذه الروابط ستختفي بمجرد أن نحقق الهدف الوحيد المهم الذي يستحق الجهد: الاتفاق مع ألمانيا."

يشترك جميع الدبلوماسيين الألمان الذين راقبوا الوضع في لندن مع هذا الرأي تمامًا.
في تقرير سري آخر أرسل إلى برلين ، كتب ديركسن:
"من خلال تسلحها واكتساب الحلفاء، تريد إنجلترا زيادة قوتها والارتقاء إلى مستوى قوة المحور. في الوقت نفسه، تريد السعي للتوصل إلى اتفاق مع ألمانيا من خلال المفاوضات. [31] "
إن مشوهي ومزيفي التاريخ يودون إخفاء هذه الوثائق لأنها تلقي ضوءاً مبهرا على الوضع الذي كان سائداً في الأشهر الأخيرة من فترة ما قبل الحرب. لكن، من دون التقدير الصحيح لهذا الوضع، من المستحيل فهم ما قبل تاريخ الحرب الحقيقي. فمن خلال الدخول في محادثات مع الاتحاد السوفيتي ومنح ضمانات لبولندا ورومانيا وبعض الدول الأخرى، كانت إنجلترا وفرنسا، بدعم من الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة، تلعب لعبة مزدوجة بهدف إبرام اتفاق مع ألمانيا الهتلرية لتوجيه عدوانها نحو الشرق ضد الاتحاد السوفيتي.

بدأت المفاوضات بين إنجلترا وفرنسا، من ناحية، والاتحاد السوفيتي من ناحية أخرى، في مارس 1939 واستمرت قرابة 4 أشهر.
لقد أظهر كل سير هذه المحادثات أنه في حين أراد الاتحاد السوفيتي التوصل إلى اتفاق على قدم المساواة مع القوى الغربية، اتفاقية يمكن أن تمنع ألمانيا، ولو في اللحظة الأخيرة، من شن حرب في أوروبا - كانت لحكومتا إنجلترا وفرنسا، مستندتين على دعم الولايات المتحدة، أهدافًا أخرى تمامًا. فقد حاولت الدوائر الحاكمة الأنجلو-فرنسية، التي اعتادت على جعل الآخرين يسحبون عنها الكستناء من النار، فرض التزامات على الاتحاد السوفيتي يتحمل هذا الأخير العبء الأكبر من التضحيات التي ستكون ثمنا لردً العدوان الهتلري المحتمل. بينما لا تتعهد إنجلترا ولا فرنسا بأي التزام تجاه الاتحاد السوفيتي.

لو نجحت تلك المناورة للحكام الأنجلو-فرنسيين، لكانوا اقتربوا جدًا من تحقيق هدفهم الرئيسي، وهو دفع ألمانيا والاتحاد السوفيتي ضد بعضهما البعض في أقرب وقت ممكن. غير أن الحكومة السوفيتية كانت قد تفطنت لهذا المخطط اوعارضت في جميع مراحل المفاوضات المناورات الدبلوماسية ومراوغات القوى الغربية بمقترحاتها الصريحة والواضحة والتي كان هدفها الوحيد هو الدفاع عن قضية السلام في أوروبا.

ليست هناك حاجة لذكر كل حيثيات هذه المحادثات. من الضروري فقط تذكر مراحل معينة مهمة بشكل خاص. يكفي أن نتذكر الشروط التي صاغتها الحكومة السوفيتية أثناء المفاوضات : التوقيع بين إنجلترا وفرنسا والاتحاد السوفيتي على معاهدة فعالة للمساعدة المتبادلة ضد العدوان ؛ تقديم ضمان من إنجلترا وفرنسا والاتحاد السوفيتي إلى دول وسط وشرق أوروبا، بما في ذلك جميع الدول الأوروبية، دون استثناء، المحاذية للاتحاد السوفيتي. ؛ توقيع اتفاقية عسكرية ملموسة بين إنجلترا وفرنسا والاتحاد السوفياتي بشأن أشكال ونسب المساعدة الفورية والفعالة التي يمكن أن تقدمها هذه السلطات لبعضها البعض وكذلك للدول المستفيدة من الضمان في حالة العدوان [32].

في الدورة الثالثة لمجلس السوفيات الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في 31 مايو 1939 أشار ف. مولوتوف إلى أن مبدأ المعاملة بالمثل الأولي والمساواة في الالتزامات، وهما عنصران ضروريان لأي اتفاقات تبرم على أساس المساواة، كانا غائبين في بعض المقترحات الأنجلو-فرنسية التي تمت صياغتها خلال هذه المفاوضات.
قال ف. مولوتوف : "في حين يؤمنون أنفسهم ضد الهجوم المباشر من قبل المعتدين باتفاقيات المساعدة المتبادلة فيما بينهم ومع بولندا، ويطلبون مساعدة الاتحاد السوفياتي في حالة هجوم من قبل المعتدين على بولندا ورومانيا، أبقى الإنجليز والفرنسيون المسألة معلقة بخصوص ما إذا أمكن للاتحاد السوفيتي بدوره الاعتماد على المساعدة منهم في حالة تعرضه لهجوم مباشر من قبل المعتدين. وبالمثل، فقد تركوا المسألة معلقة بخصوص ما إذا كان بإمكانهم المشاركة في ضمان الدول الصغيرة المتاخمة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية ضد العدوان وتغطية حدوده الشمالية الغربية في حالة عجز تلك الدول عن الدفاع عن حيادها ضد هجوم المعتدين. لذلك كان الوضع يتضمن عدم مساواة بالنسبة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية. [33] "

حتى عندما بدأ الممثلون الأنجلو-فرنسيون يقبلون بالكلمات مبدأ المساعدة المتبادلة بين إنجلترا وفرنسا والاتحاد السوفيتي، من باب المعاملة بالمثل، في حالة هجوم مباشر من قبل المعتدين، فقد أبدوا عددًا من التحفظات جعلت من مثل هذه الاتفاق اتفاقا وهميا.
بالإضافة إلى ذلك ، تضمنت المقترحات الأنجلو-فرنسية تقديم المساعدة من الاتحاد السوفياتي للبلدان التي قدم لها الإنجليز والفرنسيون وعود ضمان، دون أن تذكر شيئا عن مساعدة الانجليز والفرنسيين للبلدان الواقعة على الحدود الشمالية الغربية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، أي لدول البلطيق، في حال كان هؤلاء ضحايا لهجوم من المعتدي.
وعلى أساس الاعتبارات المبينة أعلاه، أعلن ف. مولوتوف أن الاتحاد السوفيتي لا يمكنه تحمل التزامات تجاه دول معينة دون أن تمنح ضمانات مماثلة للدول الواقعة على الحدود الشمالية الغربية للاتحاد السوفيتي.

لنتذكر من ناحية أخرى كيف سأل سفير بريطانيا لدى موسكو، سيدس Seeds، في 18 مارس 1939، مفوض الشعب للشؤون الخارجية عن موقف الاتحاد السوفيتي في حال اعتداء هتلر على رومانيا، وقد كان البريطانيون على علم بالتحضير لذلك العدوان، لكن لما سأله الجانب السوفيتي عن موقف إنجلترا من هذا الاحتمال، تهرب مشيرا إلى أنه "من وجهة نظر جغرافية، رومانيا أقرب إلى الاتحاد السوفيتي منها إلى إنجلترا" !.
وهكذا، فمنذ الخطوة الأولى، اتضحت رغبة الدوائر الحاكمة الإنجليزية في إلزام الاتحاد السوفييتي بالتزامات محددة مع استثناء أنفسهم. ثم تكررت هذه العملية، الساذجة بالأحرى، بشكل منهجي مرارًا وتكرارًا خلال مسار المحادثات.

وردا على الطلب البريطاني، اقترحت الحكومة السوفيتية عقد مؤتمر لممثلي الدول المعنية أكثر من غيرها، ولا سيما بريطانيا العظمى وفرنسا ورومانيا وبولندا وتركيا والاتحاد السوفيتي. وحسب وجهة نظر الحكومة السوفيتية فإن هذا المؤتمر كان سيوفر حظوظا أكبر لتوضيح الوضع الحقيقي وتحديد مواقف جميع المشاركين فيه. لكن الحكومة البريطانية ردت بأنها تعتبر الاقتراح السوفيتي سابق لأوانه.
وبدلاً من عقد مؤتمر كان من شأنه أن يجعل من الممكن الاتفاق على موضوع التدابير الملموسة لمكافحة العدوان، اقترحت الحكومة الإنجليزية على الحكومة السوفيتية، في 21 مارس 1939، التوقيع معها بالاشتراك مع فرنسا و بولندا، على إعلان تلتزم فيه الحكومات الموقعة "بالتشاور مع بعضها البعض بشأن الإجراءات التي يجب اتخاذها بهدف مقاومة مشتركة" في حالة "تهديد استقلال أي دولة".
وأصر السفير البريطاني، في سعيه لإثبات وجاهة اقتراحه، بشكل خاص على فكرة أن الإعلان تمت صياغته بعبارات غير ملزمة بدرجة كبيرة !

كان من الواضح أن هذا البيان لا يمكن أن يسهم بشكل جدي في مكافحة تهديد وشيك من جانب المعتدي. ومع ذلك، ومفترضة أن هذا الإعلان، على الرغم من الأمل الضئيل الذي يقدمه، قد يمثل خطوة معينة إلى الأمام في كبح جماح المعتدي، وافقت الحكومة السوفيتية على تبني الاقتراح البريطاني. ولكن بحلول 1 أبريل 1939، أبلغ السفير البريطاني في موسكو أن إنجلترا تعتبر مسألة الإعلان المشترك قد وقع التخلي عنها.
بعد أسبوعين آخرين من المماطلة، قدم وزير الخارجية الإنجليزي هاليفاكس للحكومة السوفيتية، من خلال السفير البريطاني في موسكو، اقتراحًا جديدًا يتمثل في أن تصدر الحكومة السوفيتية إعلانًا بموجبه:
"في حالة وقوع عمل عدواني ضد أي دولة أوروبية مجاورة للاتحاد السوفيتي وتبدي تلك الدولة مقاومة، يمكن الاعتماد على مساعدة الحكومة السوفيتية، إذا كانت هذه المساعدة مرغوب فيها."
كان المعنى الرئيسي لهذا الاقتراح هو أنه في حالة قيام ألمانيا بعمل عدواني ضد لاتفيا، ليتوانيا، إستونيا وفنلندا، فإن الاتحاد السوفيتي يكون ملزما بمنحهم المساعدة دون أي التزام من جانب إنجلترا بمنحهم المساعدة من جانبها. وهذا يعني دخول الاتحاد السوفييتي في حرب بمفرده مع ألمانيا. أما بالنسبة لبولندا ورومانيا، اللتين كانت إنجلترا قد أعطت ضمانها لهما، فقد كان الاتحاد السوفييتي مجبرا في هذه الحالة أيضًا على أن يساعدهما ضد المعتدي. ولكن حتى في هذه الحالة، لم ترغب إنجلترا في تحمل أي التزام، مهما كان، محتفظة بيديها طليقة وبمجال حر لأي مناورة، ناهيك عن أنه، وفقًا لهذا الاقتراح، فإن بولندا ورومانيا، وكذلك دول البلطيق، لم تقدم أي التزامات تجاه الاتحاد السوفيتي.

ومع ذلك، لم ترغب الحكومة السوفيتية في تفويت أي إمكانية للتوصل إلى اتفاق مع القوى الأخرى بشأن النضال المشترك ضد العدوان الهتلري. فقدمت للحكومة البريطانية، دون تأخير، اقتراحًا مضادًا.
كان هذا الاقتراح على النحو التالي: أولاً، يتفق الاتحاد السوفيتي وإنجلترا وفرنسا بشكل متبادل على تقديم المساعدة الفورية لبعضهم البعض، بما في ذلك المساعدة العسكرية، في حالة تعرض أي من هذه الدول للاعتداء ؛ ثانياً، تعهد الاتحاد السوفيتي وإنجلترا وفرنسا بتقديم كل المساعدات، بما في ذلك المساعدة العسكرية، إلى دول أوروبا الشرقية الواقعة بين بحر البلطيق والبحر الأسود والمتاخمة للاتحاد السوفيتي في حالة العدوان على هذه الدول ؛ ثالثًا، يتعهد الاتحاد السوفيتي وإنجلترا وفرنسا بتحديد نسب وأشكال المساعدة العسكرية في غضون مهلة قصيرة، ستمنح لكل من هذه الدول في الحالتين المذكورتين أعلاه.
كانت هذه أهم نقاط الاقتراح السوفيتي. ليس من الصعب رؤية الاختلاف الجذري الذي كان قائماً بين الاقتراحين السوفيتي والبريطاني، باعتبار أن الاقتراح السوفييتي احتوى في حد ذاته على إجراءات فعالة فعلاً من أجل المقاومة المشتركة للعدوان.

خلال ثلاثة أسابيع، لم يتم تقديم أي رد على هذا الاقتراح من قبل الحكومة البريطانية. حتى أن هذا الصمت تسبب في قلق متزايد في إنجلترا نفسها، لدرجة أن الحكومة الإنجليزية اضطرت في النهاية إلى اللجوء إلى مناورة جديدة لخداع الرأي العام.
ففي 8 مايو، وصل الرد الإنجليزي إلى موسكو ؛ سيكون من الأصح قول المقترحات الإنجليزية المضادة ؛ اقتُرح مرة أخرى على الحكومة السوفياتية إصدار إعلان من جانب واحد، حيث:
"سيتعهد الاتحاد السوفيتي، في حالة دخول بريطانيا العظمى أو فرنسا في العمليات العسكرية تنفيذاً للالتزامات التي قطعتها [تجاه بلجيكا وبولندا ورومانيا واليونان وتركيا] بمساعدتها على الفور إذا ثبت أن تلك المساعدة مرغوب فيها، على أن يتم ضبط طبيعة هذه المساعدة والظروف التي ستتم فيها بموجب اتفاقية. "
ومرة أخرى، في هذا الاقتراح، كان الأمر يتعلق بالتزامات أحادية الجانب على عاتق الاتحاد السوفيتي. إذ عليه أن يلتزم بمساعدة إنجلترا وفرنسا، اللتين لم تلتزما بدورهما تجاه الاتحاد السوفيتي فيما يتعلق بجمهوريات البلطيق. بهذه الطريقة، اقترحت إنجلترا وضع الاتحاد السوفيتي في حالة عدم مساواة غير مقبولة وغير جديرة بأية دولة مستقلة.

من السهل أن نفهم أن الاقتراح الإنجليزي، كان في الواقع موجهاً إلى برلين أكثر منه إلى موسكو. فهم يدعون الألمان لمهاجمة الاتحاد السوفيتي وفي نفس الوقت يقع إفهامهم أن إنجلترا وفرنسا ستظلان محايدتين، بشرط أن يقع العدوان الألماني عبر دول البلطيق.

في 11 مايو، نشأ تعقيد آخر في المحادثات بين الاتحاد السوفيتي وإنجلترا وفرنسا بعد تصريح السفير البولندي في موسكو، غريزبوفسكي، الذي أفاد بأن:
"بولندا لا ترى أنه من الممكن إبرام ميثاق مساعدة متبادلة مع الاتحاد السوفيتي. "
وغني عن البيان أن هذا التصريح الذي أدلى به الممثل البولندي لا يمكن أن يتم إلا بمعرفة وموافقة الدوائر الحاكمة في إنجلترا وفرنسا.

كان سلوك الممثلين البريطانيين والفرنسيين في محادثات موسكو استفزازيًا بشكل واضح لدرجة أنه حتى في المعسكر الحاكم للقوى الغربية كان هناك أشخاص ينتقدون بشدة مثل هذه اللعبة الفظة. في صيف عام 1939 ، على سبيل المثال، نشر لويد جورج مقالًا لاذعًا في جريدة Ce Soir الفرنسية هاجم فيه قادة السياسة الإنجليزية. ومتحدثا عن أسباب المماطلة اللامتناهية التي انزلقت فيها المحادثات بين إنجلترا وفرنسا من ناحية والاتحاد السوفيتي من ناحية أخرى، كتب لويد جورج أنه لا يمكن أن يكون هناك سوى إجابة واحدة على هذا السؤال:
"إن نيفيل تشامبرلين، هاليفاكس وجون سيمون لا يريدون أي اتفاق مع روسيا. "
وغني عن البيان أن ما كان واضحًا بالنسبة إلى لويد جورج لم يكن أقل وضوحًا لقادة ألمانيا الهتلرية، الذين كانوا مدركين تمامًا أن القوى الغربية لم تكن تفكر في أي اتفاق جاد مع الاتحاد السوفيتي، بل كانت تسعى لتحقيق هدف مختلف تمامًا. كان هذا الهدف هو حمل هتلر على مهاجمة الاتحاد السوفيتي في أسرع وقت ممكن، بأن يضمنوا له، إذا جاز القول، جائزة على هذا العدوان، حيث سيتم وضع الاتحاد السوفيتي في أسوأ الظروف في حالة الحرب مع ألمانيا.

بالإضافة إلى ذلك، قامت القوى الغربية بإطالة المحادثات مع الاتحاد السوفيتي إلى أجل غير مسمى، في محاولة لإغراق القضايا الجوهرية في مستنقع التعديلات الصغيرة والتغييرات التي لا حصر لها. كلما طُرحت مسألة حول أي التزامات حقيقية، إلا وتظاهر ممثلو هذه القوى بعدم الفهم.
ومع نهاية شهر مايو، تقدمت إنجلترا وفرنسا بمقترحات جديدة تضمنت تحسينا إلى حد ما للعرض السابق، لكنها، مع ذلك، تركت السؤال، المهم بشكل أساسي للاتحاد السوفيتي، بشأن الضمان لجمهوريات البلطيق الثلاث الواقعة على حدوده الشمالية الغربية معلقا دون حل.
وهكذا، ورغم موافقة حكام إنجلترا وفرنسا على بعض التنازلات اللفظية، تحت ضغط الرأي العام في بلدانهم، واصل هؤلاء الحكام بعناد إتباع خطهم الأول من خلال إحاطة مقترحاتهم بالتحفظات التي تجعلها غير مقبولة للاتحاد السوفيتي.

أصبح سلوك الممثلين الأنجلو-فرنسيين خلال المحادثات في موسكو غير محتمل لدرجة أن مولوتوف وجد نفسه مضطرًا، في 27 مايو 1939، للتصريح للسفير الإنجليزي Seeds وللقائم بالأعمال الفرنسي Payart بأن مسودة الاتفاقية التي قدموها حول موضوع المقاومة المشتركة للمعتدي في أوروبا لم تنص على أي خطة لتنظيم مساعدة متبادلة فعالة، وأن تلك المسودة لا تدل على أن الحكومتين الإنجليزية والفرنسية تُظهر اهتمامًا جادًا لإبرام مثل تلك الاتفاقية مع الاتحاد السوفيتي. في الوقت نفسه، تم التأكيد بشكل مباشر على أن الاقتراح الأنجلو-فرنسي يوحي بأن حكومتي إنجلترا وفرنسا كانتا أكثر حرصًا على المحادثات المتعلقة بالاتفاقية من الاهتمام بالاتفاقية نفسها. ربما كانت هذه المحادثات ضرورية لإنجلترا وفرنسا لأغراض معينة، لكن هذه الأهداف مجهولة للحكومة السوفيتية. وهذه الأخيرة ليست مهتمة بالحديث عن الاتفاقية، ولكن بتنظيم مساعدة متبادلة فعالة بين الاتحاد السوفيتي وإنجلترا وفرنسا ضد العدوان في أوروبا. وقد تم تحذير الممثلين الأنجلو-فرنسيين من أن الحكومة السوفييتية لا تنوي المشاركة في محادثات حول اتفاقية مجهولة الأهداف للاتحاد السوفيتي، وأن الحكومتين الإنجليزية والفرنسية يمكنهما إجراء هذه المحادثات مع شركاء يسايرونهم في لعبتهم أكثر من الاتحاد السوفيتي.

استمرت محادثات موسكو إلى ما لا نهاية. وقد تم الكشف عن أسباب هذا التأخير غير المقبول من قبل صحيفة The Times of London التي كتبت:
"إن التحالف السريع والحازم مع روسيا قد يمنع إجراء مزيد من المحادثات ... [34]"
من خلال حديثها عن "محادثات أخرى"، كانت التايمز تشير بلا شك للمفاوضات بين روبرت هدسون، وزير التجارة الخارجية مع الدكتور هيلموت فولتات Hellmut Wohltat، المستشار الاقتصادي لهتلر، حول امكانية الحصول على قرض بريطاني كبير جدًا لألمانيا الهتلرية، والذي سنتحدث عنه لاحقا.
بالإضافة إلى ذلك، كما نعلم، في اليوم الذي دخل فيه الجيش الهتلري إلى براغ، كان وفد من اتحاد الصناعة الإنجليزية يتفاوض في دوسلدورف، وفقًا لتقارير صحفية، على إبرام اتفاق واسع النطاق مع الصناعة الكبيرة الألمانية.
ما لفت الانتباه أيضًا هو حقيقة أنه تم تكليف شخصيات من الدرجة الثانية لقيادة المحادثات نيابة عن بريطانيا في موسكو، بينما سافر تشامبرلين نفسه من إنجلترا إلى ألمانيا، في أكثر من مرة للتفاوض مع هتلر.
من المهم أيضًا ملاحظة أن المندوب للتفاوض مع الاتحاد السوفيتي البريطاني سترانج Strang، لم يكن مزودًا بصلاحية توقيع أي اتفاقية على الإطلاق مع الاتحاد السوفيتي.

كما دعا اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية حكومتا إنجلترا وفرنسا إلى إجراء محادثات ملموسة بشأن تدابير عسكرية للتصدي لمعتد محتمل، وكان عليهما الموافقة على إرسال وفودهم العسكرية إلى موسكو. لكن هذا استغرق وقتًا أطول من اللازم للوصول إلى موسكو. وعندما وصلوا، اتضح أنهم مؤلفون من شخصيات ثانوية ولم تكن لديهم، علاوة على ذلك، سلطات التوقيع على أي اتفاق على الإطلاق. في ظل هذه الظروف، اتضح أن المحادثات العسكرية غير مثمرة أيضا مثل المفاوضات السياسية.
أظهرت الوفود العسكرية للقوى الغربية منذ البداية أنها غير راغبة في مناقشة وسائل المساعدة المتبادلة بجدية في حالة العدوان الألماني. استند الوفد العسكري السوفيتي إلى حقيقة أنه إذا اندلعت الحرب، فإن الاتحاد السوفيتي الذي لا يملك حدودا مشتركة مع ألمانيا، يمكن أن يساعد إنجلترا وفرنسا وبولندا فقط إذا سمح للقوات السوفيتية بعبور الأراضي البولندية. لكن الحكومة البولندية أعلنت أنها لا تقبل المساعدة العسكرية من الاتحاد السوفيتي، مما دل على أنها تخشى تقوية الاتحاد السوفيتي أكثر من العدوان الهتلري. وقد أيدت البعثتان الإنجليزية والفرنسية موقف بولندا هذا.
في سياق المحادثات العسكرية، وقع طرح مسألة حجم القوات المسلحة التي سيكون على المشاركين في الاتفاقية نشرها في الميدان على الفور في حالة وقوع عدوان. فكان أن عرض البريطانيون رقما ضئيلا، معلنين أنه بإمكانهم نشر 5 فرق مشاة وفرقة آلية واحدة. اقترح البريطانيون ذلك رغم إعلان الاتحاد السوفيتي عن استعداده لأن يرسل إلى الجبهة ضد المعتدي 136 فرقة و 5000 مدفع متوسط وثقيل وحوالي 10000 دبابة وتانكيت وأكثر من 5000 طائرة مقاتلة ... إلخ. يبين ذلك مدى جدية موقف الحكومة البريطانية تجاه المحادثات بشأن إبرام اتفاقية عسكرية مع الاتحاد السوفيتي.

إن البيانات المذكورة أعلاه كافية لتأكيد الاستنتاج الذي يتبادر إلى الذهن بشكل طبيعي. إليكم هذا الاستنتاج :
1 - سعت الحكومة السوفياتية طوال فترة المفاوضات، بصبر غير عادي، لتأمين تفاهم مع إنجلترا وفرنسا بشأن موضوع المساعدة المتبادلة ضد المعتدي على أساس المساواة وبشرط أن تكون هذه المساعدة فعالة بالفعل، أي أن إبرام المعاهدة السياسية يكون مرفوقا بتوقيع اتفاقية عسكرية تحدد نسب وأشكال وآجال المساعدة. ذلك أن مجريات الأحداث السابقة قد أظهرت بطريقة واضحة بما فيه الكفاية أن مثل هذه الاتفاقية وحدها يمكن أن تكون فعالة وقادرة على ردع المعتدي الهتلري، الذي ترعرع عبر سنوات طويلة من الإفلات التام من العقاب وسياسة عدم التدخل من القوى الغربية.
2. إن سلوك إنجلترا وفرنسا أثناء المحادثات مع الاتحاد السوفيتي أكد تمامًا أنهما لم يفكرا مجرد التفكير في اتفاق جاد معه لأن السياسة الإنجليزية والفرنسية تسعى إلى أهداف أخرى لا علاقة لها بمصالح السلام ومكافحة العدوان.
3. كان المخطط الغادر للسياسة الأنجلو-فرنسية هو جعل هتلر يفهم أن الاتحاد السوفيتي ليس لديه أي حلفاء، وأنه معزول وأنه يمكنه مهاجمة الاتحاد السوفيتي دون المخاطرة بمواجهة مقاومة من إنجلترا وفرنسا.

في ظل هذه الظروف، لا ينبغي أن يكون مفاجئًا انهيار المحادثات الأنجلو-فرانكو-سوفيتية. لم يكن هذا الفشل عرضيًا بالتأكيد. فقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن ممثلي القوى الغربية، في لعبتهم المزدوجة، عملوا بأنفسهم مقدمًا على إفشال هذه المحادثات. في الواقع، وبالتوازي مع المفاوضات مع الاتحاد السوفيتي التي كانت تجري بصورة علنية، كان البريطانيون وراء الكواليس يجرون محادثات مع ألمانيا يعلقون عليها أهمية أكبر بما لا يقاس.
فإذا كانت الدوائر الحاكمة للقوى الغربية تسعى قبل كل شيء، من خلال محادثاتها في موسكو، إلى إضعاف يقظة الرأي العام في بلدانها وإلى خداع الشعوب التي سيقع جرها إلى الحرب، فإن المفاوضات مع الهتلريين كانت ذات طبيعة مغايرة .
إن برنامج المحادثات الأنجلو-ألمانية قد تمت صياغته بعبارات واضحة بما فيه الكفاية من قبل هاليفاكس، وزير الخارجية البريطاني، الذي كان يوجه دعوات لا لبس فيها لألمانيا الهتلرية في الوقت الذي يواصل فيه موظفوه مفاوضاتهم في موسكو.
لنأخذ مثلا حديثه في مأدبة عشاء أقيمت في المعهد الملكي للعلاقات الدولية في 29 يونيو 1939، حيث أعلن هاليفاكس استعداده للتفاهم مع ألمانيا بشأن جميع المسائل "التي تزعج العالم". قال على وجه الخصوص:
"في مثل هذا الجو الجديد يمكننا دراسة مشكلة المستعمرات، مشكلة المواد الخام، مشكلة الحواجز التي تعيق التجارة، مشكل" المجال الحيوي"، مشكل الحد من التسلح وكل المشاكل الأخرى التي تهم الأوروبيين. [35] "

إذا تذكرنا الطريقة التي تناولت بها صحيفة ديلي ميل Daily Mail المحافظة، المرتبطة بهاليفاكس، مشكلة "المجال الحيوي" في وقت مبكر من عام 1933، حيث اقترحت على الهتلريين أن يقيموا مجالا حيويا في الاتحاد السوفيتي، فلن يكون هناك أدنى شك في البعد الحقيقي لتصريح هاليفاكس ذاك. لقد كان هذا عرضًا صريحًا لألمانيا الهتلرية للموافقة على تقسيم العالم ومناطق النفوذ، ولحل جميع المشاكل بدون الاتحاد السوفيتي وبالخصوص على حسابه.
منذ يونيو 1939، دخل ممثلو إنجلترا في محادثات مع ألمانيا في سرية تامة، بواسطة فولتات Wohltat، الذي جاء إلى لندن كمندوب لهتلر لخطة السنوات الأربع. وأجرى محادثات مع هدسون، وزير التجارة الخارجية الإنجليزي، وج. ويلسون، مستشار تشامبرلين المقرب. لا يزال موضوع محادثات حزيران يكتنفه غموض السجلات الدبلوماسية. لكن في يوليو عاد فولتات إلى لندن واستؤنفت المحادثات. لكن موضوع هذه الجولة الثانية من المفاوضات أصبح معروفًا الآن بفضل الوثائق التي تم الاستيلاء عليها في ألمانيا والتي هي في أيدي الحكومة السوفيتية والتي سيتم نشرها قريبًا.
اقترح هدسون وج. ويلسون على فولتات ثم على ديركسن، السفير الألماني في لندن، بدء محادثات سرية لإبرام اتفاق كبير وبعيد التأثير من شأنه أن يتضمن اتفاقًا على تقاسم مجالات النفوذ على النطاق العالمي وإنهاء "المنافسة القاتلة على أسواق مشتركة". كان يعرض أن تكتسب ألمانيا نفوذًا مهيمنًا في جنوب شرق أوروبا. ففي تقريره إلى وزارة الخارجية الألمانية بتاريخ 21 يوليو 1939، أشار ديركسن إلى أن البرنامج الذي ناقشه فولتات وويلسون شمل قضايا سياسية وعسكرية واقتصادية. من بين المسائل السياسية، تم إفراد مكان خاص لمعاهدة عدم الاعتداء، بما في ذلك ميثاق عدم التدخل، والتي ستتضمن :
"ترسيم حدود المساحات الحيوية بين القوى العظمى، خاصة بين إنجلترا وألمانيا [36]".
وعند مناقشة المشاكل المتعلقة بإبرام هاتين الاتفاقيتين، كان الممثلون البريطانيون قد وعدوا أنه في حالة التوقيع على الاتفاقيات المذكورة، فإن إنجلترا ستتخلى عن الضمانات التي منحتها مؤخرا لبولندا.
وإذا ما اتفق الطرفان الانجليزي والألماني، فإن البريطانيين على استعداد للسماح للألمان بتسوية مشكلة دانزيج بمفردهم مع بولندا وكذلك مشكلة الممر البولندي، ويتعهدون بعدم التدخل في هذه التسوية.
علاوة على ذلك، يصادق ويلسون، مثلما هو ثابت وثائقيا من خلال تقارير ديركسن التي سيتم نشرها قريبًا، على أنه إذا وقعت إنجلترا وألمانيا على المعاهدات المذكورة أعلاه، فسيتم التخلي فعليا عن السياسة الانجليزية المتعلقة بالضمانات.
"في هذه الحالة، ستبقى بولندا - كما يكتب ديركسن في تقريره -، إذا جاز التعبير، وجهاً لوجه مع ألمانيا. "

كل ذلك يعني أن حكام إنجلترا كانوا مستعدين لتسليم بولندا لقمة سائغة لهتلر في حين لم يجف بعد الحبر الذي وقعت به الضمانات الإنجليزية لبولندا.
في الوقت نفسه، إذا تم التوصل إلى اتفاقية أنجلو-ألمانية ، فإن الهدف الذي ترمي إليه إنجلترا وفرنسا عندما دخلتا في محادثات مع الاتحاد السوفيتي سيكون قد تحقق ولأصبح من الأسهل تسريع النزاع بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي.
وأخيرًا، كان من المزمع إكمال الاتفاقية السياسية بين إنجلترا وألمانيا باتفاقية اقتصادية تشتمل على صفقة سرية بشأن المسائل الاستعمارية، وتوزيع المواد الخام، وتقاسم الأسواق...الخ، وأيضًا على قرض إنجليزي كبير لألمانيا .
هكذا إذن، كان حكام إنجلترا يتصورون اللوحة الجذابة لاتفاق راسخ مع ألمانيا وما يسمونه "توجيه" العدوان الألماني نحو الشرق، ضد بولندا التي منحوها مؤخرا "ضمانات" وضد الاتحاد السوفيتي.

لا عجب أن مشوهي ومزيفين التاريخ يتسترون بعناية ويسعون لإخفاء هذه الحقائق الحاسمة لفهم كامل لوضع أصبحت فيه الحرب حتمية.
لم يعد هناك أي شك في ذلك الوقت في أن إنجلترا وفرنسا، فعلتا كل ما في وسعهما لإثارة ألمانيا الهتلرية ضد الاتحاد السوفيتي عن طريق مشاورات وصفقات سرية ممارسين كل الاستفزازات الممكنة. وأنهما أبعد ما يكون عن نية القيام بأي عمل جاد لمنع ألمانيا الهتلرية من شن الحرب.

إن المزورين أيا كانوا، لن ينجحوا في أن يمحوا من التاريخ أو من وعي الناس الحقيقة الحاسمة المتمثلة في أنه في ظل تلك الظروف، وجد الاتحاد السوفيتي نفسه أمام هذا الخيار:
- إما قبول، لغرض الدفاع عن النفس، الاقتراح الذي قدمته ألمانيا للتوقيع على ميثاق عدم اعتداء وبالتالي ضمان تمديد السلام للاتحاد السوفيتي لفترة زمنية معينة، والتي ستستخدمها الدولة السوفيتية لتحسين تحضير قواتها للرد على هجوم محتمل من قبل المعتدي ؛
- أو رفض اقتراح ألمانيا بشأن ميثاق عدم الاعتداء وبالتالي السماح لمحرضي الحرب من معسكر القوى الغربية بجر الاتحاد السوفيتي فورًا إلى صراع مسلح مع ألمانيا، وذلك في وضع غير ملائم تمامًا للاتحاد السوفيتي الذي سيجد نفسه في عزلة كاملة.
في ظل هذه الظروف، اضطرت الحكومة السوفيتية إلى اتخاذ خيارها وتوقيع ميثاق عدم اعتداء مع ألمانيا.
كان هذا الاختيار عملاً حكيمًا واستشرافيا للسياسة الخارجية السوفيتية في الوضع القائم آنذاك. لقد أدى هذا العمل الذي قامت به الحكومة السوفيتية، إلى حد كبير، إلى النتيجة الإيجابية للاتحاد السوفيتي ولجميع الشعوب المحبة للحرية في الحرب العالمية الثانية.
سيكون من الافتراء الفاضح الادعاء بأن إبرام اتفاق مع الهتلريين كان جزءًا من خطة السياسة الخارجية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية. على العكس من ذلك، فإن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية قد سعى دائمًا للتوصل إلى اتفاق مع الدول الغربية غير العدوانية ضد المعتدين الألمان والإيطاليين، بهدف ضمان الأمن الجماعي على أساس المساواة. لكن الاتفاقية هي فعل قائم على أساس المعاملة بالمثل. ففي حين كان الاتحاد السوفيتي يسعى للتوصل إلى اتفاق بشأن محاربة العدوان، كانت إنجلترا وفرنسا ترفض ذلك بشكل منهجي وفضلتا تنفيذ السياسة الهادفة إلى عزل الاتحاد السوفيتي، وسياسة التنازلات للمعتدين، وسياسة توجيه العدوان نحو الشرق ضد الاتحاد السوفيتي. وعوض أن تعارض الولايات المتحدة الأمريكية هذه السياسة الكارثية، دعمتها بكل الوسائل. أما بالنسبة لأصحاب المليارات الأمريكيين، فقد استمروا في استثمار رؤوس أموالهم في الصناعات الثقيلة الألمانية، وساعدوا الألمان على تطوير صناعتهم الحربية وبالتالي تسليح العدوان الألماني، ولسان حالهم يقول :
"حاربوا، أيها السادة الأوروبيون على راحتكم ، قاتلوا بعون الله بينما نحن، أصحاب المليارات الأمريكيين المتواضعون، سنثري أنفسنا بفضل حربكم، من خلال الحصول على مئات الملايين من الدولارات من الأرباح القصوى! "
من المفهوم أنه، بالنظر إلى حالة الأمور في أوروبا، لم يكن أمام الاتحاد السوفييتي سوى مخرج واحد: قبول الاقتراح الألماني المتعلق بإبرام معاهدة. وكان ذلك أفضل مخرج ممكن.

كما حدث في عام 1918، ونتيجة للسياسة العدائية للقوى الغربية، وجد الاتحاد السوفيتي نفسه مضطرًا لإبرام اتفاق سلام بريست مع الألمان، كذلك في عام 1939، بعد 20 عامًا من سلام بريست، اضطر الاتحاد السوفيتي لعقد اتفاق مع الألمان نتيجة لنفس السياسات العدائية لإنجلترا وفرنسا.
إن الأقاويل التشويهية من جميع الأنواع التي تدعي أن الاتحاد السوفييتي ما كان ينبغي له، مع ذلك، الذهاب إلى حد اتفاق مع الألمان، لا يمكن إلا أن نعتبرها مثيرة للضحك. إذا كانت بولندا التي لها حليفين مثل إنجلترا وفرنسا، ذهبت إلى حد اتفاق عدم اعتداء مع الألمان في عام 1934، فلماذا لا يستطيع الاتحاد السوفيتي، الذي وجد نفسه في ظروف أقل ملاءمة، الوصول إلى الاتفاق نفسه في عام 1939؟ لماذا تمكنت إنجلترا وفرنسا، اللتان كانتا تمثلان القوة المهيمنة في أوروبا، من إصدار إعلان عدم اعتداء في عام 1938 مع الألمان، في حين أن الاتحاد السوفيتي المعزول بفضل السياسة العدائية التي انتهجتها إنجلترا وفرنسا لا يمكنه الذهاب إلى حد المعاهدة مع الألمان؟
أليست حقيقة أن الاتحاد السوفييتي، من بين جميع القوى الكبرى غير العدوانية في أوروبا، كان آخر من أبرم اتفاقًا مع الألمان؟

بالطبع، مزيفو التاريخ والرجعيون الآخرون ليسوا سعداء لأن الاتحاد السوفيتي نجح بمهارة في استخدام المعاهدة السوفيتية الألمانية لتعزيز دفاعه. لأنه نجح في تحريك حدوده بعيدًا غربًا وفي سد الطريق أمام تقدم العدوان الألماني شرقًا دون عوائق. لأن القوات الهتلرية أُجبرت على بدء هجومها شرقًا، ليس من خط نارفا - مينسك - كييف، ولكن من خط يبعد مئات الكيلومترات إلى الغرب. لأن الاتحاد السوفيتي لم تستنزف دماؤه في الحرب الوطنية، لكنه خرج منتصرا من الحرب. ومع ذلك، فإن هذا السخط يندرج ضمن الغضب اليائس للسياسيين المفلسين.
لا يمكن أن نعتبر السخط المسعور لهؤلاء السادة إلا كدليل على هذه الحقيقة التي لا جدال فيها، وهي أن سياسة الاتحاد السوفيتي كانت ولا تزال صحيحة.

عزالدين بن عثمان الحديدي – مارس 2021

[31] تقرير ديركسن "حول تطور العلاقات السياسية بين ألمانيا وإنجلترا خلال مهمتي في لندن" ، الذي كتب في سبتمبر 1939.
[32] انظر تقرير ف. مولوتوف إلى الدورة الثالثة لمجلس السوفيات الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. بتاريخ 31 مايو 1939 ، ص. 8.
[33] المرجع نفسه.
[34] سايرز وكان ، المؤامرة الكبرى. الحرب السرية ضد روسيا السوفيتية ، ص. 329.
[35] "خطاب اللورد هاليفاكس حول السياسة الدولية" ، أكسفورد. لندن ، 1940 ، ص. 296.
[36] تقرير ديركسن ، السفير الألماني في إنجلترا ، بتاريخ 21 يوليو 1939 ، أرشيف وزارة الخارجية الألمانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب