الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسياد الحرب لا يستسيغون السلام

جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)

2021 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



طالما شهد التاريخ بروز جماعات تتخصّص بالحرب وتجني من ورائها امتيازات وفوائد شتّى، فلا تستسيغ السلام إذ ترى فيه سبباً للتقليل من شأنها وتقليص ما تتمتّع به. والحقيقة أن «أسياد الحرب» ظاهرة قديمة قِدَم الحروب في تاريخ البشرية، ومن المعلوم أن تسمية الإقطاع باللغة العربية إنما تحيل إلى تقسيم الأراضي إلى إقطاعات يسيطر على كل منها سيد حرب. ومع انتقال المجتمعات من اقتصاد قائم على الزراعة بصورة أساسية إلى اقتصاد مدينيّ المحور، زال الإقطاع القديم الذي كان قائماً على التحكّم بالأرياف. بيد أن «أسياد الحرب» ما زالوا موجودين، وسوف يبقون ما دامت هناك ظروف تستمدّ منها جماعات متخصّصة بالحرب سلطتَها وما ينجم عن هذه السلطة من مكاسب.
وثمة فرق في هذا الصدد بين الجيوش النظامية والجيوش غير النظامية، أو «الموازية» القائمة على أداء وظيفة حربية. فإن الجيوش النظامية تفضّل السلام الذي يوفّر لها خير الظروف للتمتّع بالامتيازات التي تجنيها من الدولة لقاء دورها الرسمي في حراسة أمنها ومصالحها. لذا قيل إن جنرالات الجيوش النظامية غالباً ما يكونون أقل حماساً للحرب من الساسة المدنيين الذين لا يتعرّضون لمشقّاتها (نُقِل عن مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في إدارة بيل كلنتون، تعليقها على تذمّر البنتاغون من رغبتها بزجّه في الحرب في البلقان قولها ما مفاده: «لمَ نقتني آلة عسكرية بهذه الضخامة إن كنّا لا نريد استخدامها؟»).
أما الجيوش غير النظامية المتخصّصة بممارسة الحرب، وليس بالاستعداد الدفاعي وحراسة مصالح الدولة وحسب، فلا تستسيغ السلام الذي يُبطل وظيفتها الخاصة بها ويزيل سبب وجودها، بما يؤدّي إلى تعرّضها للضغط من أجل حلّها وضمّها إلى القوات النظامية. فلنأخذ «حزب الله» على سبيل المثال، وقد نشأ في لبنان في إطار تخصّص قتالي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الناتج عن اجتياح الأراضي اللبنانية في عام 1982. وبدعم مالي وتسليحي وتدريبيّ من الدولة الإيرانية، بات لدى الحزب جيشٌ كبير تتمحور حوله أجهزة وخدمات من شتى الأنواع، بما شكّل شبه دولة في إطار الدولة اللبنانية، يتمتّع المشرفون عليها بامتيازات وفوائد وأرباح جمّة. لذا حرص «حزب الله» على التأكيد على ديمومة وظيفته إثر انسحاب الجيش الصهيوني من لبنان في عام 2000، جاعلاً من «مزارع شبعا» (التي تحتلها إسرائيل ويتنازع لبنان والدولة السورية ملكيتها الشرعية) ذريعة للحفاظ على قوته العسكرية كاملة واستقلالها عن الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى موضوع السجناء اللبنانيين لدى إسرائيل.
فاستمرّ الحزب يحافظ عمداً على اتّقاد حدود لبنان الجنوبية، مثل من يحرّك الجمر بين حين وآخر كي يبقيه مشتعلاً. وقد جاءت في هذا الإطار عملية خطف الجنود الإسرائيليين التي نفّذها الحزب في صيف 2006 والتي انتهزتها الدولة الصهيونية كي تشنّ عدوانها المدمّر على لبنان. وقد اشتهر اعتراف أمين عام الحزب في مقابلة أجريت معه بعد انتهاء حرب الـ33 يوماً، عندما صرّح: «لو كنتُ أعلم بأن عملية الخطف هذه ستؤدّي الى حرب بهذا الحجم بنسبة واحد بالمئة فقطعاً لما فعلنا لأسباب إنسانية وأخلاقية وعسكرية واجتماعية وأمنية وسياسية».


وبينما رأى الحزب في حرب عام 2006 تعزيزاً لشرعية احتفاظه بسلاحه، رأى فيها أخصامه السياسيون في لبنان حجة إضافية للمطالبة بوضع سلاحه تحت أمرة الجيش النظامي تفادياً لتسبّبه بمزيد من الكوارث. وبعد ست سنوات، رأى «حزب الله» في تدخّله في الحرب الدائرة في سوريا إلى جانب نظام آل الأسد وتحت إشراف طهران، فرصةً جديدة لتعزيز دوره العسكري، بل وتبرير هذا الدور بحجة حماية لبنان من خطر مزعوم من قِبَل جماعات سنّية متطرّفة، على غرار ادّعاء النظام السوري أنه حامي الأقليات الطائفية.
والحال أن «حزب الله» اللبناني ليس سوى الفصيل الأبرز بين فصائل شتّى ناشطة في الأراضي الممتدة بين حدود إيران مع العراق وشاطئ المتوسط، تشكّل جميعاً أذرعا محلّية لـ«فيلق القدس» جناح العمليات الخارجية في جيش «حرّاس الثورة الإسلامية» الإيراني. أما هذا الجيش الموازي للجيش الإيراني النظامي، فقد أصبح يُشرف على إمبراطورية اقتصادية ضخمة شبيهة بالإمبراطورية الاقتصادية التي تشرف عليها القوات المسلّحة المصرية، مع فرق هام هو أن هذه الأخيرة هي الجيش النظامي في مصر، التي ليس فيها جيش موازٍ. ومع انتهاء الحرب مع العراق في عام 1988 ومن ثم إسقاط الاحتلال الأمريكي لنظام صدّام حسين، عدوّ النظام الإيراني اللدود، غدت وظيفة «حرّاس الثورة» العسكرية الرئيسية تتمثّل في العمليات الخارجية التي يديرها «فيلق القدس» وقد عظم بالتالي شأن هذا الأخير في الدولة الإيرانية كما بيّنته ردود الأفعال على اغتيال قائده قاسم سليماني.
أما معارضة الجناح المتشدّد في الحكم الإيراني، الذي ينتمي إليه «حرّاس الثورة» للاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس الإيراني حسن روحاني في عام 2015 مع إدارة باراك أوباما الأمريكية وسائر القوى العظمى، فكانت من وحي عدم استساغة «أسياد الحرب» للسلام. وإذ حسم «المرشد الأعلى» علي خامنئي الجدال في حينه لصالح الاتفاقية، أملاً بأن فوائدها الاقتصادية، الناجمة عن تخفيف العقوبات المفروضة على إيران، سوف تدعّم ركائز النظام التي بدأت تتخلخل منذ حراك عام 2009 الاحتجاجي، صعّد «حرّاس الثورة» نشاطاتهم الخارجية التوسّعية إثر الاتفاق، تعزيزاً لمكانتهم في الدولة الإيرانية.
ولذا أيضاً نراهم اليوم ومعهم سياسيي الجناح المتشدّد الممثّلين لهم في المجلس النيابي، يسعون جهدهم لعرقلة تجاوب روحاني مع عرض إدارة جو بايدن التفاوض من أجل إحياء العمل بالاتفاقية النووية وعودة الولايات المتحدة إلى الانضمام إليها. فقد فرض المتشددون على روحاني وحكومته شرطاً تعجيزياً للقبول بالتفاوض مع الإدارة الجديدة، هو أن تبدأ واشنطن بإعادة العمل بالاتفاقية بلا شروط، إذ يدركون أن إدارة بايدن تنوي المطالبة بضمانات جديدة متعلّقة بنشاطات إيران الإقليمية، وهو ما غضّت إدارة أوباما الطرف عنه في عام 2015 بما أدّى إلى نتائج أخذها عليها حلفاء واشنطن الإقليميون. وعلاوة على الشروط التعجيزية، يقوم «حرّاس الثورة» وتقوم أذرع «فيلق القدس» الإقليمية بأعمال استفزازية شتّى توتيراً للأجواء بما حدا إدارة بايدن على القيام بضربة شبه رمزية في منطقة الحدود بين سوريا والعراق، قصدت منها توجيه رسالة مفادها أن الإدارة الجديدة لن تكرّر سكوت إدارة أوباما عن تصرّفات طهران وأذرعها خارج الحدود الإيرانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط