الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الكونية مرحلة اللاعودة

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 3 / 3
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


مقدمة كتاب قبل فوات الأوان مقدمة
النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الكونية مرحلة اللاعودة
تعريب: فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن
الطبعة الأولى (2021)
من منشورات دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن

يجمع علماء وظائف العقل البشري بأن الحالة الوضعية الوحيدة التي قد تجمع بني البشر على اختلاف عناصر التفاوت فيما بينهم سواء كانت قَبَلِيَّةً أو مناطقية أو إثنية أو جغرافية أو لغوية أو دينية أو مذهبية هي الارتكاس الدماغي الفطري والغريزي حينما يشعر أولئك البشر مجتمعون بتهديد وجودي ينذر بإفنائهم جميعاً ككائنات حية من وجه البسيطة، مما يجعلهم ينحون تجاه تحييد كل عوامل وصدوع الاختلاف والشقاق التي تفرقهم لصالح توحيد جهودهم وتوجيهها في هدف واحد هو السعي لحفظ وجودهم البيولوجي من الانقراض، وهو الضالة الأساسية التي يسعى إليها فطرياً وغريزياً كل ما يدب على سطح الأرض، أو يسري في بواطنها أو يطير في أجوائها من كائنات حية في مملكة الحيوان، ومن ضمنهم جنس الإنسان العاقل Homo Sapiens الذي ينتسب له جميع أبناء البشر المعاصرين؛ وهو ما استبطن عضوياً وبشكل بنيوي في عمق الدارات الدماغية التكوينية لكل منهم بحسب ما أثبتت كشوفات علم وظائف الدماغ البشري المعاصرة.
وتلك المقدمة لا بد منها كتوطئة ضرورية لمحاولة تصوير عمق وهول ورعب الكارثة البيئية المحدقة بكوكب الأرض خلال بضع سنوات فحسب جراء ازدياد حرارة كوكب الأرض والتي قد تحول الحياة فيه إلى جلجلة نموذجها اليومي هروب من مصيبة طبيعية بانتظار حلول أخرى سواء كان ذلك على شكل طوفانات صاعقة من أمطار في غير موسمها، أو جفاف و قحط لا يبارح، أو أعاصير عرمرمة تأكل الأخضر واليابس، أو حرائق تبز نيران نيرون الذي أحرق روما، واستنساخاته المعاصرين، أو جفافاً في موارد المياه الصالحة للشرب مهددة مئات الملايين من البشر في غير بقعة من أرجاء الأرضين بالموت الماحق عطشاً و ظمأً، أو ارتفاعاً في مستويات البحر إلى ما قد يصل إلى عشرة أمتار لتغمر فيها المياه الزاحفة صعوداً مئات الحواضر وتحول حياة البشر الهاربين منها إلى جحافل من اللاجئين البيئيين الذين قد لا يجدون أبواباً يطرقونها للجوء إليها.
وهي الكارثة الكليانية التي تحدق بكوكب الأرض، والتي لم تعد خطراً محتمل الحدوث في المستقبل القريب أو البعيد، وإنما خطراً حقيقياً متكاملاً ومتحققاً بشكل عياني مشخص يفقأ العين ويفطر القلب في تمظهراته التراجيدية في كل لحظة وفي غير موضع من أرجاء المعمورة، جراء تفاقم مفاعيل ظاهرة تَسَخُّنِ كوكب الأرض Global Warming بسبب الإفراط المنفلت من كل عقال في الإسراف في استخراج وحرق كل أشكال الوقود الأحفوري بأشكاله المختلفة، وخاصة تلك الأكثر تلويثاً للبيئة بسبب ما تصدره من كميات أعلى من غاز ثاني أكسيد الكربون المسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، بالإضافة إلى تحريرها لأكداس هائلة من العناصر السمية التي كانت مختزنة في تلك النماذج من الوقود الأحفوري، وعلى رأسها الفحم الحجري، والنفط الصخري. وأهم تلك العناصر التي يطلقها إلى الغلاف الجوي حرق تلك النماذج من الوقود الأحفوري الزئبق، والكادميوم، والرصاص، والزرنيخ؛ وجميعها معادن مسؤولة عن حدوث سلسلة لا تنتهي من الأمراض المزمنة المقعدة، والكثير من الأمراض القاتلة المهولة، والتي قد يكون أهمها ازدياد وقوعات مرض السرطان على المستوى الكوني، وازدياد معدلات الإصابة بشتى الأمراض التنكسية الدماغية وخاصة مرض ألزهايمر، والعته الدماغي عند الكهول الذين قد لا يبصرون فرصة للوصول إلى مرحلة الشيخوخة بسبب ما قد يستقيم توصيفه بأنه تجارة خاسرة مع الشيطان يقايض فيها بنو البشر رفاهية التنعم بمنافع استخدام الوقود الأحفوري بشكل جائر قصير النظر والاستبصار بعقود من الحياة الصحية والعافية التي لا يقطعها معاناة النضال للبقاء على قيد الحياة عند إصابة أي منهم بأي مرض عضال من تلك القائمة المقيتة.
وذلك التوصيف الأخير يستدعي من كل عاقل حصيف التوقف هنيهة للتفكر فيما يفعله بجسده راهناً، وفي التركة التي سوف يتركها لذريته من بعده، والتي لا بد أن تكون نموذجاً من المعاناة السرمدية التي حالها اليومي هروب من كارثة بانتظار وقوع أخرى ما لم يقم بنو البشر بالنظر إلى أن تلك الكارثة البيئية التي قد تدخل مرحلة اللاعودة خلال بضعة سنين فحسب قد لا تتعدى السنوات السبعة كحد أقصى بأنها أم معارك بني البشر الوجودية، والتي قد يصبح التخفيف من مفاعيل حلولها مستحيلاً في حال التواني عن مواجهة استحقاقات تلك المعركة دون أي تسويف، جراء تفاقم مفاعيل عناصر الحلقة الشيطانية المعيبة التي تحركها، والمتمثلة أساساً في ذوبان الكتلة الجليدية والطبقات الترابية المتجمدة في القطب الشمالي والمناطق المحيطة به، إذ أن تراجع المساحة التي تغطيها المسطحات الجليدية سوف يفضي إلى استبدالها بمسطحات تملؤها مياه البحر، أو إخراج يابسة جرداء من تحتها كما هو الحال في ذوبان الجليد المتسارع في غرينلاند Greenland أكبر جزر العالم، وفي كلا الحالتين سوف يتم استبدال اللون الأبيض للمسطحات الجليدية الذي يتمتع بقدرة عكس أشعة الشمس إلى الفضاء الخارجي، بألوان قاتمة معتمة تتمتع بقدرة عالية على امتصاص أشعة الشمس والاحتفاظ بطاقتها الحرارية، مما يزيد من سخونة المحيطات، ويزيد من تسارع ذوبان الكتلة الجليدية في حلقة معيبة جهنمية تغذي وتقوي نفسها بنفسها، وهو ما قد يؤدي في المآل الأخير إلى ذوبان الجزء الأكبر من الكتلة الجليدية على المستوى الكوني في كوكب الأرض، مما سوف يؤدي حتمياً إلى ازدياد مستويات المسطحات المائية في الكرة الأرضية لبضعة أمتار قد تصل إلى عشرة أمتار في نهاية القرن الحالي، وهو ما يعني اندثار دول بأكملها كهولندا، وأكثر من ثلثي بنغلاديش، وأجزاء واسعة من إندونيسيا، وحواضر عربية كبرى مثل أبو ظبي والبصرة والإسكندرية وقرطاج وغيرها من المدن التي إن لم تندثر جراء غمرها بمياه البحر سوف تصبح مناطق يستحيل الحياة فيها بسبب ارتفاع درجات الحرارة ومعدلات الرطوبة إلى مستويات تجعل من المستحيل على الجهاز القلبي الدوراني في جسم أي شخص تحملها مهما كان قوي البنية الجسدية، وهو ما سوف يكون حال جل مناطق شبه الجزيرة العربية وإيران وباكستان وأفغانستان وأجزاء واسعة من شبه القارة الهندية، أو بسبب موات إمكانية زراعة أي من الزراعات الأساسية التي تمثل مورد رزق وعيش الملايين الذين يعيشون في الكثير من المناطق الحضرية والزراعية المحيطة بحوض المتوسط في جنوب أوربا وغرب آسيا، وشمال إفريقيا، والتي سوف تصبح مناطق قاحلة يزحف التصحر عليها ليبتلعها ويحيلها إلى موات كلياني لا حياة فيه أشبه بواقع صحاري الربع الخالي وعفار والصحراء الكبرى.
هذا كله عدا عن الهول الأكبر الذي سوف يتمثل بذوبان الجبال الجليدية العملاقة التي تمثل مصدر الأنهار الكبرى في العالم، كما سوف يكون حال تلك الكتل الجليدية في جبال طوروس في آسيا والهملايا في شبه القارة الهندية وجبال الأنديز في أمريكا اللاتينية، وهو ما سوف يجفف أنهاراً كثيرة يشرب ويزرع منها أكثر من نصف بني البشر، ومن ضمنها نهري الفرات ودجلة اللذين يبدو أن مصيرهما سوف لن يكون بأفضل من مصير نهري الخابور والبليخ الذين أصبحا محض ساقيتين بائستين للصرف الصحي وحسب، وهو ما يهدد بعطش عشرات الملايين في بلاد الشام ووادي الرافدين، أسوة بأقرانهم من بني البشر الذين ينتظرون أوان إطباق العطش المقيم على حيواتهم وحيوات أبنائهم وزرعهم وضرعهم في غير موضع من أرجاء الأرضين.
وازدياد الحاجة للمياه العذبة والتصحر وزيادة معدلات الحرارة والاستبخار سوف يزيد من تسارع انخفاض مستويات نهر النيل ويقوي احتمالات تصارع الشعوب المفقرة المتشاطئة عليه مما قد يُصَعِّدُ معاناتها لتفصح عن نفسها بشكل حروب جهنمية عدمية يقتل فيها الفقراء فقراء آخرين دون أن تستطيع سيول دماء الأشقاء وأبناء العمومة الذين سوف يذبحون بعضهم متقاتلين على ما تبقى من رحيق النيل الذاوي من تعويض منسوبه المتآكل إلى شفا الموات العميم.
وهو واقع بائس بدأ يفصح عن وجهه الدميم في كل تفاصيل حيوات بني البشر، وجلُّهم متفرغون لحروبهم البينية الكارثية دون الالتفات إلى أن المنتصر في تلك الحروب سوف يكون كذلك الذي تَسَيَّدَ على عروش خاوية وأرض بور وبشر ينتظرون بفارغ الصبر رحيلهم عن معاناتهم السرمدية التي لم يعد يحتمل إطاقتها إلى دار آخرة قد تكون جهنمها أقل بؤساً وإيلاماً من معاناتهم اليومية للبقاء على قيد الحياة وإطعام أولادهم وعدم تركهم ينفقون جوعاً وعطشاً.
والحقيقة الدامغة بأن لعنتي النفط والجغرافيا ظلتا تلاحقان أبناء العالم العربي بشكل مهول منذ مطلع القرن العشرين، فعدا عن كون المنطقة العربية جسر الوصل بين الشرق والغرب، خاصة في ضوء المكانة الاستثنائية التي أضافتها قناة السويس، والتي جعلت ممن يسيطر على تلك المنطقة ممسكاً بتلابيب طرق الملاحة التجارية العالمية، فإن لعنة النفط قد تكون أم اللعنات التي حلت على تلك المنطقة الجغرافية من العالم، إذ أنها أصبحت المفتاح الذي يُمَكِّنُ من يسيطر عليه من السيطرة على محرك الاقتصاد العالمي، ورافعة تمكن من يهيمن عليها من خنق أو إنعاش مجتمعات واقتصادات بعينها عبر منحها فرصة الوصول إلى ذلك النفط أو حجبه عنها، مما جعل المنطقة العربية عرضة إلى التحول إلى ساحة لتصارع كل الأقوياء الراغبين بالاستحصال على حق الهيمنة الكلياني على مزايا الجغرافيا وثروات الوقود الأحفوري خاصة النفطية منها في المنطقة العربية، وهو ما عقّد فرص التحول الديموقراطي في المنطقة، وأبقاها أسر غيلان طغاة الاستبداد والدول الأمنية الذين يعمل جلهم نواطير مفوضين بشؤون حماية وتسيير مصالح أسيادهم من الأقوياء في الهيمنة على مقدرات المجتمعات التي يتغولون عليها وخاصة ثرواتها الطبيعية، ومصادر الثروة الأخرى فيها؛ وهو واقع بائس أفضى إلى حقيقة أن جل الشعوب العربية لم تنتفع بأي شكل ذي معنى من ثرواتها الباطنية التي لم يتم الاستفادة منها بأي شكل تنموي حقيقي ملموس على شاكلة بنى تحتية متطورة، سواء كانت سكك حديد محلية، أو عابرة للعالم العربي، أو نظماً تعليمية وصحية متناسبة مع احتياجات الشعوب التواقة لتحسين مستوى حيواتها، أو جسوراً وطرقاً وشبكات للصرف الصحي الحقيقي الذي لازالت حواضر عربية كبرى تنهض فيها قلاع من الأبراج المشيدة لما تتنعم بأساسياته، وما زالت تدفن نفاياتها في حفر فنية في بواطن أرضها. هذا عدا عن مفاعيل التلوث البيئي العميم الذي جلبته صناعة استخراج الوقود الأحفوري على مجتمعات عربية بأسرها، بالإضافة إلى مأساة تضييع الرهط الأعظم مما تم مراكمته من ثروات فائضة جراء استخراج تلك الثروات على نزعات استهلاكية غير إنتاجية، وتكديس أسلحة لا طائل منها، وحروب على شاكلة حرب داحس والغبراء بين الأشقاء وأبناء العمومة، وتبذير ما تبقى منها في استثمارات خاسرة في سندات وخزائن السادة الأقوياء، وهو ما أفصح عن نفسه في الحقيقة المرة أن معظم الاقتصادات العربية التي كانت قائمة على الريع النفطي البائس مفلسة أو في طور الإفلاس الذي ينتظر تكامله خلال سنين قليلة.
وعلى المقلب الآخر فإن هناك ثروتين طبيعتين فائقتين مضمرتين يتعامى الكثير من أبناء العالم العربي عنهما لانشغالهم راغمين غير مخيرين بالصراع اليومي للبقاء على قيد الحياة، ومكابدة مفاعيل الإفقار والتهميش والاستبداد وتغول النظم الأمنية على كل مفاصل حيواتهم عمقاً وسطحاً. ولكن الواقع المهول الذي ينذر بتحول تلك المنطقة في المستقبل القريب وليس البعيد إلى مناطق غير صالحة للحياة فيها، ويعدم فرص حياة الأجيال المستقبلية حتى لو بالشروط البائسة التي يعيشها جل أبناء العالم العربي راهناً، وهو ما يجعل من ضرورة تكثيف الجهود لتعميم المعرفة بتلك الثروتين الطبيعتين جهداً واجباً من كل قادر عليه بالتوازي مع الجهد اللازم دائماً في مجابهة فساد وإفساد وطغيان الاستبداد والنظم الأمنية بكل ما هو ممكن حتى لو كان قيد أنملة.
وأعني هنا بالثروتين الطبيعتين الشمس الساطعة في جل أرجاء العالم العربي، والريح المشرئبة في القرن الأفريقي وساحل المغرب العربي الكبير على المحيط الأطلسي. وبشكل مبسط يمكن الإشارة إلى أن صحراء الربع الخالي فقط إذا تم استثمارها بشكل متعقل لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية التي تغمرها فإنها سوف تكفي لتزويد الكرة الأرضية بأسرها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً بما تحتاجه من طاقة كهربائية. والتوصيف لا يختلف كثيراً في حالة توليد الطاقة الكهربائية من الرياح سواء عبر منصات بحرية أو في المناطق القاحلة الجرداء غير الصالحة للزراعة في البقاع العربية التي تشتد الرياح فيها. وهو ما يعني أن هناك إمكانية واقعية لتحقيق نهضة في صناعة الطاقة بشكل غير مضر بالبيئة لا بد أن يفضي إلى تراكم ثروة اقتصادية حقيقية لا تنضب في المنطقة العربية قد تسهم في انتشالها في حد أدنى من مخالب معاناة الإفقار والضنك المقيم في حيوات مئات الملايين من أبناء العالم العربي. وهي جهود لا بد من الاشتباك مع إلحاحيتها الاستثنائية دون توانٍ لنقلها من حيز الممكن إلى حيز الوقع العياني المشخص، بالتوازي مع محاولة تركيز عدم هدر المتبقي من الثروات التي راكمها العرب جراء استخراج الثروات الطبيعية من أرضهم، بعد أن ضيعوا جلها في حروبهم البينية، وفي خزائن أولياء أمور طغاتهم ومستبديهم في المجتمعات الغربية، ومحاولة استثمار ذلك المتبقي من الثروات لمحاولة تحقيق تبدل جذري في آلية إنتاج الطاقة على المستوى العربي بحيث يتم استثمار ذلك المتبقي من الثروات في صناعة وتوطيد البنى التحتية اللازمة لتوليد طاقة نظيفة سواء من الطاقة الشمسية أو من طاقة الرياح، والتوقف عن المناكدة، ودفن الرأس في الرمل على طريقة النعامة، والإصرار على زيادة استخراج الثروات الطبيعية لتصحيح حالة الإفلاس الاقتصادي المريع التي يعاني منها جل اقتصادات الريع النفطي لأسباب بنيوية عضال فيها وفي تكوين ما تعتمد عليه لإنتاج الثروة.
والواقع المحزون الذي وصلت إليه البشرية جراء إيغالها في التعامل مع النظام البيئي لكوكب الأرض على أنه بئر لا قعر له لاستخراج الثروات الباطنية من جوفه، وأن كل أحيازه هي عبارة عن مكبات عملاقة لإلقاء النفايات فيها بكل الأشكال المنفلتة من أي عقال منطقي أو أخلاقي، أوصل التوازن البيئي المرهف الذي دونه قد يتم تحويل جل أرجاء المعمورة إلى بقاع غير صالحة لحياة البشر كحد أدنى بالشكل المنظم الذي نتصوره للمدنية راهناً إلى شفا الانهيار المطلق، وهو ما لا بد أن يدفع بكل عاقل لم يدفن رأسه بعد في رمال التصحر الزاحفة من كل حدب وصوب على مبدأ «اليوم خمر وغداً أمر»، أو «من بعدي فليأت الطوفان» إلى النظر الذي لا بد منه إلى إلحاحية الكارثة البيئية المحدقة بأنها «أم المعارك» التي لا بد للبشرية ككل من خوضها للحفاظ على إمكانيات استمرارها بالشكل الذي نعرفه راهناً، وتفادي احتمالات تحول حيوات بني البشر إلى شكل من «جهنم العيانية المشخصة»، وهو منظار يقتضي أيضاً اجتهاد الكل بأقصى ما هو قادر عليه «قبل فوات الأوان»، ودخول الكارثة البيئية مرحلة اللاعودة والتي قد يصبح من العسير بعدها إيقاف عجلتها المهولة كما أشرنا إليه آنفاً. وهو اجتهاد لا بد أن يتحلى بكل سمات الرشاد والتعقل والموضوعية التي لا بد منها لضمان تكامل وتعاضد كل جهود بني البشر في اتجاه واحد هدفه الأساسي الحفاظ على الجنس البشري من الانقراض، أو بالحد الأدنى الحفاظ على ما وصل إليه من مدنية وعدم تركها للاندثار والتقهقر جراء مفاعيل الكارثة البيئية المحدقة، والتي قد تعيد الكثير من البشر في حال تكاملها إلى حال أعقد وأصعب حتى من اشتراطات حياة البشر في العصر الحجري. وذلك التصور للمعركة الوجودية التي لا بد للجنس البشري من خوضها بكل أعراقه وأقطاره وأمصاره وتلاوينه لا بد أن تلزم كل عاقل أو جامح على الترفع عن كل عناصر الشقاق القصيرة الأمد والتي ما فتئت تدفع بالبشر لتقتيل وترهيب وإفناء بعضهم البعض، وهم غير مدركين لأنهم أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من تحقق كارثة بيئية شاملة لا تبقي ولا تذر سوف تحولهم جميعاً غالبين أو مغلوبين في معاركهم السالفة إلى ضحايا ينتظرون أوان رحيلهم عن وجه البسيطة سواء بطوفانات عرمرمة، أو أعاصير فتاكة، أو حرائق ماحقة، أو قحطٍ عميمٍ، أو عطشاً وجوعاً، أو غيرها من مفاعيل الكارثة البيئية المحدقة بكوكب الأرض، والتي لن ينفع مع حلولها كل ما راكمه قصيرو النظر من ثروات هي عبارة عن أرقام في كشوفات مصرفية سوف تصبح هباءً منثوراً حينما تتآكل المدنية التي نعرفها راهناً لتحول بني البشر إلى لاجئين مزمنين لا هم لهم سوى الخروج أحياء من مصيبتهم الراهنة بانتظار حلول التالية لها.
وهو تصور لا بد أن يحيل كل عناصر التفارق بين بني البشر سواء كانت عرقية، أو إثنية، أو دينية، أو مذهبية، أو حتى فكرية وإيديولوجية إلى مرتبة ثانوية لا قيمة لها في ميزان المعركة الوجودية التي أصبح ضجيج قرعها أبواب المدنية البشرية يصم الآذان دون أن تجد من ينصت إليها، والكل مشغول ولاهث للفوز بمعاركه الصغيرة الموضعة دون الالتفات إلى الصورة الكبيرة والتي فيها الكل كأنه قابيل محتفلاً بنصره على شقيقه هابيل، دون أن يدرك بأن زرعه وضرعه قد نفق، وتحول كل ما يبصره وقد يستطيع الوصول إليه إلى هشيم وحطام لا يكفي للمنتصر للبقاء على قيد الحياة للاحتفال بنصره «الخلبي».
والحقيقة المُرة في العالم العربي تكمن في معاناة مزدوجة شعبتاها الكارثة البيئية المحدقة والتي قد تحول جل الجغرافيا الناطقة بلسان الضاد إلى أرض غير صالحة لحياة بني البشر، والاستبداد ومفاعيل الدول الأمنية العربية التي أرغمت المواطن العربي المقهور المحسور على اعتبار ضالته الوجودية «المشي بجانب الحائط والدعوة بالستر»، وعدم انكشافه فريسة لغيلان الطغيان وبصاصيه وعسسه ومرتزقته وجلاديه وجلاوزته. وهو واقع قاتم لا يمكن مقاومته إلا بشكل شمولي يضع مهمات مناهضة الاستبداد والسعي إلى الانعتاق من أحابيله وقيوده، واشتراطات السعي الدائب والمجتهد وغير المتواني للقيام بكل ما يمكن القيام به قبل فوات الأوان وتحقق الكارثة البيئية الشاملة في بوتقة واحدة لا بد من مواجهة ما فيها في حزمة واحدة، وهي مواجهة لا يمكن لأي عاقل من التقليل من صعوبتها وتعقيدها وهول ما قد يحتمل مكابدته في سيرورة السعي في دربها. ولكن الواقع المحزون الذي وصلت البشرية إليه والشعوب الناطقة بلسان الضاد من ضمنها يحتم على تلك الأخيرة السير في درب «الجلجلة» مرغمة «لا بطلة» إن كان هناك صوت في ضمير تلك الشعوب ينادي بحق الأجيال القادمة بحد أدنى من الحياة الطبيعية، دون أن يكون لعن وتحقير أسلافهم الذين أوصلوهم إلى ما هم فيه من بؤس مقيم أول ما يتبادر إلى أذهانهم وأكثر ما يتصدر ألسنتهم وعقولهم.
و مشروع «قبل فوات الأوان- النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الكونية مرحلة اللاعودة» يمثل خلاصة حوارات تم إعدادها وتجميع المادة العلمية الأساسية فيها أساساً باللغة الإنجليزية لتكون بمثابة مدخل معرفي لا بد لكل عاقل ومهتم بالحفاظ على حياته وحياة ذريته من بعده الاطلاع عليها لتكون بمثابة المفاتيح المعرفية التي تمكنه من تفهم عمق الكارثة البيئية الكليانية التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى، بحيث يكون ذلك مقدمة ضرورية لا بد أن يتبعها رسم خطة عملية للعمل والاجتهاد بكل ما هو ممكن حتى لو كان قيد أنملة، وعدم الركون والقعود بانتظار حلول تلك الكارثة بحجة الحسرة وقلة الحيلة، إذ أن الصبر لم يعد ترياقاً لحل المشاكل العضال التي تعاني منها البشر أفراداً ومجتمعاتٍ، فالكارثة المحدقة لن تعني ضيقاً يمكن احتماله كما هو العادة بالصبر عليه، وإنما سوف يعني اندثاراً شاملاً لمقومات الحياة بشكل يجعل الرحيل عنها السبيل شبه الوحيد للخروج من ضنكها، وهو ما يعني بأن المواجهة مع أسبابها وكل من ساهم في تقويتها معركة وجودية لا بد من خوضها على جبهتين في آن معاً أولاها «التوقف عن الإيغال في استخراج الوقود الأحفوري وترك ما تبقى منه في باطن الأرض»، والثاني هو السعي لاستثمار موارد الطاقة البديلة خاصة الشمسية تلك المتولدة بطاقة الرياح الوافرة في المنطقة العربية لتلبية احتياجات الطاقة والتنمية بالإضافة لما يمكن أن تحققه من بحبوحة اقتصادية محتملة في حال السعي في دربها بالشكل الملائم.

والشكر موصول لإدارة دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع التي تفضلت مشكورة بتحمل أعباء تعريب النص الأصلي من اللغة الإنجليزية إلى العربية لتقديمه بشكل ميسر ومجاني للقارئ العربي المكرم، على أمل أن يكون ذلك مساهمة متواضعة في نهج الاجتهاد الذي يجب على البشر الانخراط فيه، وعلى عجل، ودون توان، مترفعين عن صراعاتهم البينية الصغرى، لأجل التكاتف والتعاضد والتآزر بين كل الأفرقاء السابقين لمواجهة الخطر الوجودي المحدق الذي قد يذهب بهم وبذريتهم من بعدهم، وذلك قبل فوات الأوان وضياع فرصتهم الأخيرة في توحيد جهودهم، والتي لن ينفعهم بعدها التوجع والتفجع والتحسر على إيغالهم في صم آذانهم عن كل محاولات إيصال النداء الأخير إلى ضمائرهم وقلوبهم وعقولهم، قبل دخول الكارثة البيئية القائمة مرحلة اللاعودة التي لن ينفع البشر في كنفها التفجع بالندم والعويل والتحسر على ما ضيعوه من بين أيديهم من حياة طبيعية كانوا يتنعمون بها في سالف الأيام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت