الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون السلطة القضائية والحاجة إليه

سالم روضان الموسوي

2021 / 3 / 5
دراسات وابحاث قانونية


اثأر مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا الذي يتم التصويت عليه خلال هذه الأيام الجدل بين الأوساط القانونية والسياسية والرأي العام العراقي، ومن بين تلك الأمور التي لفتت الانتباه وجود عنوان (رئيس السلطة القضائية) الوارد في المادة الأولى من مشروع القانون لكن لم يبين أو يوضح ذلك القانون ماهية مهام وصلاحية رئيس السلطة القضائية الذي أشار إليه، وحيث أن فن الصياغة التشريعية يعتبر كل كلمة موضوعة في النص القانوني ذات دلالة مؤثرة وترتب أثار قانونية، لذلك وجودها دون بيان ماهية صلاحياتها يجعل منها عبث تشريعي لا مسوغ له ويشير فقهاء القانون الدستوري الى وجوب ان يدل النص على مقصد وغاية القانون، أي أن يؤدي النص المعنى الذي يرمي إليه المشرع، ووجود عبارة (رئيس السلطة القضائية) دون تحديد ماهية هذا المركز القانوني فانه بلا أدنى شك سيثير اللبس والغموض ويقود إلى تأويلات وتفسيرات ربما تحرف النص عن غايته، وحيث إن السلطة القضائية تتكون من جناحين متساويين في المركز والترتيب الدستوري ومختلفين من حيث الصلاحيات فان المحكمة الاتحادية العليا سموها على مجلس القضاء الأعلى ناتج عن صلاحياتها وولايتها على عموم العراق وعلى كافة السلطات التي تخضع لقراراتها، لذلك لابد من وجود تنظيم للعلاقة بين مكونات السلطة القضائية، وحيث إن العراق مكون من ثلاث سلطات وعلى وفق ما ورد في (47) من الدستور التي جاء فيها الآتي (تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات)، فان باقي السلطات نظمت علاقاتها دستورياً، ومثال ذلك العلاقة بين مكونات السلطة التنفيذية وهي رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ونظمها الدستور في عدة مواد ، أما على مستوى السلطة التشريعية فان الدستور قسمها إلى جناحين وهم مجلس النواب ومجلس الاتحاد الذي سوف ينظم عمله بقانون وهو ما زال لم يظهر إلى الوجود كما تن تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والدور الرقابي المتبادل بنهم، اما السلطة القضائية فان العلاقة بين مكوناتها وجناحيها لم تنظم بأي تشريع او نصوص دستورية، لذلك لابد من وجود قانون ينظم هذه العلاقة ويقطع دابر الخلاف مثال ذلك ما الذي شهدناه أخيراً وانعكس بشكل سلبي على الحياة السياسية والعامة وتعطيل للمصالح الدستورية والقانونية، فضلاً عن اهمية وجود نص تشريعي يتولى بيان كيفية محاسبة ومراقبة أعمال القضاة العاملين في جناحي السلطة القضائية وان نوحد النصوص التشريعية النافذة، حيث لم نجد أي نص قانوني يبين كيفية مساءلة أعضاء المحكمة الاتحادية العليا في حال توجيه اتهام لهم عن سلوكهم القضائي فأنهم يبقون بشر من بني ادم والرسول الكريم يؤكد بحديثه الشريف (كل بني آدم خطاء, وخير الخطّائين التوابون) ويشير احد الكتاب بان القاضي ليس آلة صماء لا تعقل ولا تحس بل هو بشر يتأثر بالظروف المحيطة به، فقد يغضب بحيث يخرج عن طوره العادي، وقد تأخذه العاطفة أياً كان سببها إلى أن يخرج عن هذا المبدأ الذي يجب السير فيه ألا وهو مبدأ (حياد القاضي) إذ إن القاضي لو انحاز لأحد الخصوم ضد الآخر فان العدالة حينئذ تصبح مهدورة ويصبح القضاء مصدر ظلم وطغيان لا مصدر عدلٍ وإحسان. والتأثير في القضاة يكون من مصادر مختلفة، فقد يكون من الخصوم أنفسهم وقد يكون من تلقاء القاضي نفسه، لذلك وجدت النصوص التشريعية التي تراقب وتحاسب القاضي وفي القضاء الاعتيادي توجد هيئة الإشراف القضائي التي تعد من مكونات السلطة القضائية ولها شخصية معنوية مستقلة عن مجلس القضاء الأعلى على وفق ما جاء في المادة (1) من قانون هيئة الإشراف القضائي رقم 29 لسنة 2016 التي جاء فيها الآتي (تشكل في مجلس القضاء الأعلى هيأة تسمى هيأة الإشراف القضائي تتمتع بالشخصية المعنوية وتعد من مكونات السلطة القضائية الاتحادية وتتألف من رئيس ونائب للرئيس وعدد كاف من المشرفين القضائيين( ولهذه الهيئة مهام عديدة منها الرقابة والإشراف على حسن الأداء في المحاكم الاتحادية عدا المحكمة الاتحادية العليا على وفق ما جاء في المادة (3/اولا) من قانون الإشراف القضائي أعلاه، وبذلك خرجت تلك المحكمة برئيسها وأعضائها من نطاق هيئة الإشراف القضائي، كذلك محكمة التمييز الاتحادية فان رئيسها وأعضائها لا يسري عليهم قانون هيئة الإشراف القضائي ولا يخضعون لرقابة تلك الهيئة وإنما يخضعون لرقابة رئيس محكمة التمييز وعلى وفق ما جاء في المادة (55/أولا/ح) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل التي جاء فيها الآتي ( يكون التفتيش على أعمال محكمة التمييز والإشراف على قضاتها، من قبل رئيسها على ان يقدم تقريرا سنويا عن أعمال المحكمة الى وزير العدل ومجلس العدل) وهذا النص أصبح معطل حكماً لان رئيس محكمة التمييز الاتحادية أصبح هو رئيس مجلس القضاء الأعلى وعلى وفق أحكام المادة (2/أولاً/2) من قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017، وبذلك اتحدت صفة رئيس محكمة التمييز الاتحادية بشخص رئيس مجلس القضاء الأعلى والذي هو أصلاً حل محل وزير العدل، وبذلك انعدم الدور الرقابي على عمل محكمة التمييز لان نص المادة (55/أولاً/ح) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل كانت ترسم آلية المحاسبة حيث يقدم رئيس محكمة التمييز تقريره إلى وزير العدل الذي بدوره يرفعه إلى الرئيس الأعلى للبلاد، أما الآن إلى من يرفع رئيس محكمة التمييز تقريره هل يرفعه الى نفسه، ومن يتولى المحاسبة إذا ما وجد خرق قانوني في عملها أو في سلوك احد أعضائها؟ فهل يعقل ان يرفع الشخص تقريره الى نفسه ، إما إذا طالته هو او الاعضاء المحاسبة فمن يتولى محاسبتهم، فهذا نقص كبير في التشريع ناتج عن عبثية السياسة التشريعية التي خلقت لنا فراغاً تشريعياً في هذا الباب، مما أصبح يتعارض مع أهم مبدأ في الدستور وهو (المساواة ) وكذلك مبدأ (سيادة القانون) ففي باب المساواة فإننا قد ميزنا أبناء الطبقة الواحدة حيث منح رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا ورئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية حصانة مطلقة من أي محاسبة بينما زملائهم في بقية المواقع القضائية يخضعون إلى المراقبة المؤسساتية والمحاسبة القانونية، كذلك تميزهم عن أقرانهم في السلطات الأخرى، فرئيس السلطة التشريعية (رئيس مجلس النواب) معرض للمساءلة وحجب الثقة عنه بموجب الدستور وبموجب المادة (12) من النظام الداخلي لمجلس النواب النافذ التي جاء فيها الآتي (لمجلس النواب إقالة أي عضو من هيأة رئاسته وفق القانون.) ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فأنهم يخضعون للمساءلة عن أخطائهم ، إلا رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا ورئيس وأعضاء محكمة التميز الاتحادية فأنهم مصونون غير مسؤولين وهذا يتقاطع مع مبدأ المساواة بين العراقيين الوارد في المادة (14) من الدستور التي جاء فيها الآتي (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي) كذلك يتقاطع ويخرق مبدأ سيادة القانون لان من أوجه السيادة خضوع الجميع للقانون وبذلك يصبح الحال القائم الآن يتقاطع مع هذا المبدأ الوارد في المادة (5) من الدستور التي جاء فيها الأتي (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية.)، والمتابع للعملية التشريعية في العراق سيجد إن الحال لم يكن يخلوا من وجود آلية محاسبة لأعضاء ورئيس محكمة التمييز إلا في الفترة التي تلت صدور أمر سلطة الائتلاف المنحلة رقم (35) لسنة 2003 الملغى، ومن الأمثلة التي وردت في الدساتير العراقية ما جاء في دستور تأسيس الدولة العراقية (القانون الأساسي) لعام 1925 حيث جاء في المادة (81) الآتي (تؤلف محكمة عليا لمحاكمة الوزراء، وأعضاء مجلس الأمة، المتهمين بجرائم سياسية، أو بجرائم تتعلق بوظائفهم العامة، ولمحاكمة حكام محكمة التمييز عن الجرائم الناشئة من وظائفهم، وللبت بالأمور المتعلقة بتفسير هذا القانون، وموافقة القوانين الأخرى لأحكامه) ثم توالت النصوص القانونية التي تؤكد على مبدأ المساءلة والمحاسبة لحين القطع الذي حصل بسبب الفراغ التشريعي، ومن خلال العرض أعلاه نرى إن الضرورة أصبحت ملحة وقائمة لتشريع قانون للسلطة القضائية تجمع فيه النصوص القانونية التي تنظم عمل المحاكم والهيئات القضائية في العراق وتعيين رئيس السلطة وصلاحياته وكيفية المحاسبة والمراقبة لأعمال جميع القضاة بدون استثناء، ويدرس الآن مجموعة من الحقوقيين والمحامين والقضاة المتقاعدين وبعض الجهات والشخصيات الحقوقية والسياسية في العراق فكرة تقديم مقترح إلى مجلس النواب عبر المنافذ التشريعية لإصدار مثل هذا القانون الضروري ومن بين الأفكار الواردة فيه تحديد مكونات السلطة القضائية وعلى وفق الآتي (تتكون السلطة القضائية من : 1- المحكمة الاتحادية العليا 2- مجلس القضاء الأعلى 3- محكمة التمييز الاتحادية رئاسة الادعاء العام 4- رئاسة هيئة الإشراف القضائي 5- المحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفق أحكام القانون) كذلك منح رئيس السلطة القضائية صلاحية دعوة رؤساء مكونات السلطة القضائية لاجتماع نصف سنوي أو اجتماع طارئ لوضع إستراتيجية العمل في السلطة القضائية ومناقشة الميزانية العامة للسلطة القضائية او عند ظهور التحديات التي تواجه السلطة القضائية او احد مكوناتها لوضح الحلول والمعالجات على وفق مقتضى الدستور والقانون، وان يعين رئيس مجلس القضاء عن طريق الاقتراع السري المباشر من قبل الهيئة العامة للقضاة المستمرين في الخدمة وقت التصويت وبأغلبية ثلثي عدد القضاة المستمرين بالخدمة، وتحديد آليات مراقبة عمل كل المحاكم والهيئات القضائية بما فيها المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية، وتحديد آليات المساءلة في حال وجود خلل يوجب ذلك سواء كان من الرؤساء أو الأعضاء، وان تكون الجهة المسؤولة عن ذلك هيئة قضائية مشتركة من جناحي السلطة القضائية ومن مكوناتها الأخرى وبرئاسة رئيسها، فهذه أفكار ما زالت قيد التداول والإنضاج من اجل تقديمها إلى الجهات التشريعية المختصة ونتمنى أن تكون لمكونات السلطة القضائية دور في مناقشة تلك الأفكار من اجل سد كل فراغ تشريعي يحصل لاحقاً، لان ذلك سيعزز من حصافة التشريع ورصانته، وكلنا أمل في قيام مجلس النواب بمهامه التشريعية على وفق ما يميله عليه الدستور والمسؤولية الوطنية تجاه العراق وشعبه.
قاضٍ متقاعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل