الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبن خلدون الصائغ الأول لقانوني القيمة وفائض القيمة 5-5

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2021 / 3 / 5
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


أعيد في أدناه إيراد الفقرة الخلدونية التي تصف شكل فائض القيمة القائم في عصره :
" الفصل الخامس في أن الجاه مفيد للمال
وذلك إنا نجد صاحب المال و الحظوة في جميع أصناف المعاش أكثر يساراً و ثروة من فاقد الجاه . و السبب في ذلك أن صاحب الجاه مخدوم بالأعمال يُتقرب بها إليه في سبيل التزلف و الحاجة إلى جاهه . فالناس معينون له بأعمالهم في جميع حاجاته من ضروري أو حاجي أو كمالي فتحصل قيم تلك الأعمال كلها من كسبه . و جميع معاشاته أن تبذل فيه الأعواض من العمل يستعمل فيها الناس من غير عوض فتتوفر قيم تلك الأعمال عليه . فهو بين قيم للأعمال يكسبها و قيم أخرى تدعوه الضرورة إلى اخراجها فتتوفر عليه . و الأعمال لصاحب الجاه كثيرة فتفيد الغنى لأقرب وقت و يزداد مع الأيام يساراً و ثروة . و لهذا المعنى كانت الإمارة أحد أسباب المعاش كما قدمناه . و فاقد الجاه بالكلية و لو كان صاحب مال فلا يكون يساره إلا بمقدار ماله و على نسبة سعيه و هؤلاء هم أكثر التجار . و لذا تجد أهل الجاه منهم يكونون أيسر بكثير . و مما يشهد لذلك إلا أن كثيراً من الفقهاء و أهل الدين و العبادة إذا اشتهروا ، حَسُن الظن بهم ، و اعتقد الجمهور ان معاملة الله في أرفادهم ، فأخلص الناس في اعالتهم على أحوال دنياهم و الاعتمال في مصالحهم و أسرعت إليهم الثروة و أصبحوا مياسير من غير مال مقتني الا ما يحصل لهم من قيم الأعمال التي وقعت المعونة بها من الناس لهم . رأينا من ذلك أعداداً في الأمصار و المدن ، و في البدو يسعى لهم الناس في الفلح و التجر وكلٌ هو قاعد بمنزله لا يبرح من مكانه فينمو ماله و يعظم كسبه و يتأثل الغنى من غير سعى . و يعجب من لا يفطن لهذا السر في حال ثروته و أسباب غناه و يساره ."
انتهى .
يوضح النص أعلاه أن إبن خلدون يسمى فائض القيمة في عصره بـ "استعمال (أي تشغيل) الناس من غير عوض (بدون أجر) في جميع المعاشات التي تبذل فيها الأعواض من العمل" ، أي : بانخراط البشر في أعمال السخرة (الطوعية أو الاكراهية) لإنتاج الأقوات لحساب الغير مجاناً . كما أنه يحدد ثلاث طبقات اجتماعية من المستفيدين من فائض القيمة هذا : أصحاب الجاه بضمنهم أصحاب الإمارة ، الفقهاء و أهل الدين و العبادة إذا اشتهروا و حسن الظن بهم ، و في البدو . و يوضح أن العمل المجاني لمصلحة أصحاب الجاه إنما يحصل "في سبيل التزلف و الحاجة إلى جاههم" ؛ و لحساب رجال الدين لاعتقاد "الجمهور ان معاملة الله في أرفادهم" ؛ و لا يورد هنا الحافز لأعمال السخرة عند البدو لوضوح كونه لحساب شيوخهم و المتنفذين فيهم . ثم يوضح التأثير الاقتصادي جراء تحصيل فائض القيمة هذا : تملك "الثروة و الغنى و اليسار من غير سعي" ، أي : التمايز الطبقي .
و لكن ما الذي قاد إبن خلدون لاكتشاف أشكال فائض القيمة القائمة في عصره ؟ الجواب هو لاكتشافه الفذ أولاً حقيقة كون العمل البشري النافع على الموارد الطبيعية كضرورة معاشية لمواصلة الحياة هو وحده خالق القيمة . لذا فإن كل قيمة زائدة (ثروة) متراكمة عند أي طبقة اجتماعية إنما هي نتاج عمل بشري منجز و إن تم نهبه أو سرقته أو احتياله أو غصبه أو التوفر عليه بأي ذريعة أو عرف أو شريعة كانت . لقد أدرك إبن خلدون بأن القيمة هي أساساَ تلك العلاقة المصيرية القائمة بين العمل البشري للفرد و بين الثروات الطبيعية لإنتاج الخيرات المادية لمواصلة العيش ؛ و لكنها ما أن تكتسب فوق قيمتها الاستعمالية هذه قيمتها التبادلية في الاقتصاد حتى تنقلب من علاقة أحادية بين الفرد و الطبيعة إلى علاقة اجتماعية بامتياز ، ليصبح الاستحواذ عليها أعظم مصدر لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان ، و السبب المستتر و المكين الأوحد للتمايز الطبقي .
لم يقيض لكارل ماركس الاطلاع على التحليل الخلدوني للقيمة و لفائض القيمة ، لذا نجده يقول في الجزء الأول من "رأس المال" :
"إن شكل القيمة ، الذي تتخذ هيأته المطوَّرة بالكامل شكل النقود ، بسيط جدًا و ضئيل المحتوى . مع ذلك ، فقد سعى العقل البشري عبثًا لأكثر من 2000 سنة لإدراك حقيقة أمره ؛ في حين أن الأشكال الأكثر ثراءً في المحتوى من شكل القيمة و الأكثر تعقيدًا منها قد حظيت في الأقل على تقريب للتحليل الناجح لها . "
و يأتي هذا الاستعصاء أساساً من القيمة التبادلية للقيمة "التي تتخذ هيأته المطوَّرة بالكامل شكل النقود" مثلما يوضح ماركس ، و هو ما أغرى عديد المفكرين منذ زمن أرسطو بربطها بالأسعار و ليس بالعمل البشري الغائي . و هذا ما عبر عنه أبن خلدون بنصه المقتبس سابقا الذي يقرأ : "وقد تخفى ملاحظة العمل كما في أسعار الأقوات بين الناس ، فان اعتبار الأعمال و النفقات فيها ملاحظ في أسعار الحبوب كما قدمناه" .
و هو ما يوضحه ماركس في الجزء الأول من "رأس المال" بعنوان "مقياس القيمة" بالقول :
"ليس النقد هو ما يجعل السلع متكافئة ـ بل العكس تماماً . لأن جميع السلع ، كقيم ، هي عمل بشري ، و هي بالتالي قابلة للقياس ؛ لذا يمكن قياس قيمها بسلعة خاصة واحدة ليتم تحويل الأخيرة إلى مقياس مشترك لقيمها ، أي إلى نقود . النقد كمقياس للقيمة ، هو الشكل الهائل الذي يجب بالضرورة أن يفترضه مقياس القيمة الجوهري في السلع : وقت العمل ."
عرضت في هذه الورقة باختصار شديد لعمق و أصالة التحليل الخلدوني في وصفه للقيمة وعلاقتها بالعمل و علاقتهما بفائض القيمة ، و هو ما يلقي الضوء على الكيفية التي يكتسب فيها قانون القيمة أنظمة تشغيل غير رأسمالية تتطلب المزيد و المزيد من البحوث التحليلية لفهم مختلف أنماط الإنتاج غير الرأسمالي .
غير أن مساهمة إبن خلدون غير المسبوقة في علم الاقتصاد لا تقتصر على اكتشافه المبكر لقانوني القيمة و فائض القيمة و حسب ، بل و تتعداهما لوصف آليات العرض و الطلب و الأسعار و المنافسة و الاحتكار و الأرباح و التجارة الخارجية ، و كذلك اكتشاف نظرية تراكم رأس المال وعلاقته بصعود وسقوط السلالات الحاكمة ، و نظريته في الضرائب ودور الحكومات ، و نظرية التكاليف النسبية ... و غيرها الكثير من الكنوز الاقتصادية العلمية المغمورة تحت غبار السنين لحد الآن . و هو ما يتطلب انجاز العديد من البحوث النوعية الدقيقة و المتتبعة لإعطاء هذا العالم الجليل محله المستحق كأب لعلم الاقتصاد ، ناهيك عن تأسيسه الواضح لعلم الاجتماع و لفلسفة التاريخ و لعلم الأنثروبولوجيا .
المصادر :
مقدمة أبن خلدون .
Adam Smith, An Inquiry into the Nature and Causes of the Wealth of Nations, ed. by Edwin Cannan. New York: Random House, 1937.
David Hume, Political Discourses. Edinburg: R. Fleming, 1752.
Karl Marx - 7. Marx’s Theory of Surplus Value (ernestmandel.org)
Economic Manu-script-s: Theories of Surplus-Value by Karl Marx 1863 (marxists.org)
Economic Manu-script-s: Capital Vol. I - Chapter Three (marxists.org)
Karl Marx, Capital, Volume I, Penguin ed. 1976.
Karl Marx, Capital, Volume III, Penguin ed. 1981.
https://ar.wikipedia.org/wiki/ ابن خلدون
https://en.wikipedia.org/wiki/Law_of_value
https://www.fff.org/explore-freedom/article/economic-ideas-plato-aristotle-ancient-greeks-part-1/

إنتهت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قانون القيمة
فؤاد النمري ( 2021 / 3 / 5 - 17:52 )
قانون القيمة لم يعرف إلا في النظام الرأسمالي الذي يقوم على المتاجرة بقوى العمل وعي أصل القيمة
الأنظمة السابفة للنظام الرأسمالي لم تقم على حقيقة العمل المأجور
فلا العبد كان مأجوراً من قبل السيد
ولا القن كان مأجوراً من قبل الإقطاعي
قانون القيمة يصوغه ميزان العمل المأجور
ابن خلدون يقول .. عديم الجاه يتقرب لذي الجاه متزلفاً

العمل المأجور ليس في الوارد

تحياتي البولشفية للرفيق العزيز حسين علوان

اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا