الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا حيوان ليش ما قلت انك -مو منهم-؟

راتب شعبو

2021 / 3 / 5
الادب والفن


لو لم تسقط بلوزة أحمد عن حبل الغسيل المنصوب على برندة الطابق الثالث إلى الأرض المهملة المحيطة بالبناية، لما كان لهذه القصة أن تكون.
ريح الربيع تسقط البلوزة، الزوجة تنادي زوجها أحمد وتطلب منه إحضار البلوزة، الزوج يتردد ويطلب مهلة للتفكير، تنقضي المهلة ويقول الزوج إنه يفضل خسارة البلوزة على أن يغامر بحياته إذا نزل لإحضارها من أسفل البناية. الزوجة تهدئ مخاوف الزوج بالقول إن اللجان الشعبية تملأ المدينة بالحواجز، فلا تمر سيارة أو بسكليت أو رجل أو امرأة دون أن يتم تفتيشه على أحسن وجه، حتى أنه يجري تفتيش السيارة عدة مرات على الحواجز المتعاقبة، وذلك قبل أن يبتكروا طريقة رفع ممسحة الزجاج الأمامي للسيارة كدلالة على أنها خضعت للتفتيش على الحاجز السابق.
حدث ذلك حين غزت المدينة كائنات بشرية يصعب تمييزها عن أهل المدينة، كائنات بشرية ترتدي ملابس أهل المدينة وتتكلم كلامهم وتركب السرافيس وتتناول السندويش حتى تكاد لا تفرق بينها وبين أهل المدينة بشيء، سوى أنها تضمر الشر لهم. التلفزيون السوري حذر من هذه الكائنات التي غزت المدينة، وراح يبث على الهواء مباشرة شهادات من شاهد هذه الكائنات وأفعالهم الغريبة. أحد الشهود قال إنه رأى في الصباح رجلاً متوسط العمر يرتدي قميصاً أحمر ويقف أمام الفرن ينتظر دوره بطريقة مريبة، غير أن نظراته والتفاتاته فضحت أنه "منهم"، فألقي القبض عليه وتبين أنه من محافظة أخرى ويخفي حقيقة نشاطه بأن يعمل حارساً لإحدى البنايات. الحواجز الشعبية أمسكت الكثير منهم: بائعون متجولون، طلاب جامعات، سائقو سيارات أجرة، عمال نجارة بيتون، أصحاب مكاتب عقارية ..الخ، ولم يُعرف ماذا تكشف بالضبط بعد التحقيق معهم. كما أن بعض هذه الكائنات هرب من حصار الحواجز الشعبية إلى الريف واتخذ هيئة تشبه هيئة أهل الريف تماماً.
بين ليلة وضحاها اكتشف الأهالي أنه ما من شيء بريء في هذه المدينة. الشاب الذي يدخن على مقعد في حديقة عامة، قد يكون "منهم"، وكذلك الصبي الذي يدور على البسكليت من حاوية زبالة إلى أخرى يجمع الكرتون والبلاستيك، أو الرجل الذي يدفع عربة اللوز الأخضر، الحقيقة التي استقر عليها أهالي المدينة هي أنه يجب أن لا تثق بأحد، حتى بجارك الذي عشت معه سنوات طويلة.
في هذه الأجواء تقرر أخيراً أن ينزل أحمد لإحضار البلوزة. كان الوقت مساء والأرض مهجورة، وكان أحمد يمشي بحذر شديد وهو يمد جسده للأمام بحثاً عن البلوزة، حين لمحه فتى صغير ممن شغلهم موضوع الغزو الغريب الذي يتكلم عنه الجميع، وقرر أن يثبت أن حرصه على مدينته لا يقل عن حرص الكبار، فرأى أن فرصته قد حانت، وصاح بحماس: "رأيته، الحقوني".
ركض مجموعة من الشباب الذين ندبوا أنفسهم لحماية الحي باتجاه أحمد الذي لم يدرك ما يجري حوله إلا حين سمع صراخ التهديد يقترب منه وسمع صوت تلقيم مسدس، عندها نسي البلوزة وزوجته وحبل الغسيل، ولَبَدَ في مكانه بانتظار أن يتبين إذا ما كان هو المقصود بهذه الهجمة.
بعد لحظات يضطر أحمد إلى تذوق التراب جراء رفسه قوية على الظهر جعلت فمه يلتصق بالأرض. وبحركة سريعة شاهدها كثيراً في أفلام الأكشن، انقض أحد الشباب المهاجمين وثبت يديه خلف ظهره بمهارة.
كان أحمد على وشك أن ينال جزاء أن يكون "منهم"، لولا أن زوجته خرجت إلى البلكون لتستطلع سبب هذه الجلبة وصرخت: "دخيلكن هادا زوجي". توقف الرهط عن متابعة إجراءات القبض على من افترضوه "منهم"، وصرخ به الشاب الذي رفسه، ويبدو أنه قائد المجموعة: "يا حيوان، ليش ما قلت إنك مو منهم؟" فنظر إليه أحمد بانكسار وقال له بصوت يكاد لا يسمع: "أنا خفت تكونو انتو منهم".
يوليو/تموز 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى