الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللباس والشرف المفقود.!!

وفي نوري جعفر
كاتب

(Wafi Nori Jaafar)

2021 / 3 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الصعب جداً أن تناقش مثل هذه المواضيع في مجتمعات يكون الدين هو من يحكم عقولها ويستدر عاطفتها بالإضافة إلى العادات والتقاليد القبلية الذكورية التي يتمٌ تلقينها وزقها في عقول الأفراد منذ الصغر، لكل إنسان الحق فيما يلبس ويتجمًل، لكن هذه الحقوق في الغالب تكون مسلوبة وتخضع إلى قمع وإنتهاك شديد، تارةً بإسم الدين وتارةً أخرى بإسم العرف والتقاليد المجتمعية والمناطقية.!!

ومما يلفت الإنتباه، أن مفهوم اللباس عند نفس هذه المجتمعات كان ولا يزال مختلف، فمثلاً في زمن الخمسينات والستينات والسبعينات، كانت أغلب النساء في المجتمعات العربية لا ترتدي الحجاب ولا اللباس "المحتشم" الطويل (الخاضع للمقاييس الدينية والعرفية)، فقد كانت نظرة الناس وبالأحرى الشباب لهنً بإحترام وتقدير، ولم يكن التحرش سائداً في ذاك الوقت، بل على العكس فقد كان أغلب الشباب والرجال أصحاب نخوة ورجولة وشهامة، وآنذاك أيضاً لم تنتشر في الأوساط الإجتماعية مصطلحات سيئة وبذيئة بسبب عدم إرتداء الحجاب مثل (الدياثة، القوادة، العهر، الخلاعة، العري والشرمطة و و و)، وإلى يومنا هذا في بعض الدول العربية والإسلامية نجد لباس المرأة مُشابهاً لتلك الفترات، ففي عدة محافظات ومناطق النساء لا ترتدي الحجاب ولا اللباس "المحتشم"، ومع ذلك فالأمر طبيعي تقريبا (أقول في بعض المناطق للدول والمجتمعات العربية خصوصاً في العواصم، وطبعاً مع التحفظ)، فالمرأة تلبس براحتها وتضع المكياج بشكل طبيعي.!!

لكن على الجانب الآخر أي في نفس هذه الدول أو بعض مناطقها الإجتماعية، سادت مفاهيم وممارسات عجيبة وغريبة، أغلب هذه الممارسات والمفاهيم سببها التأثير الديني والتلقين المُتعمًد لأحكام الدين ولشريعة الأعراف والتقاليد القبلية، وهذا التأثير أصبح يتنامى ويتصاعد بعد ما يُسمًى بالصحوة الإسلامية التي إنطلقت في أواخر السبعينات وتحديداً في بعض الدول كالسعودية وإيران وأنتشر تأثيرها كإنتشار النار في الحطب اليابس في بقية الدول والمجتمعات العربية، مما تركَ آثاراً سيئة جداً على المجتمعات نفسها وعلى كلا الجنسين (المرأة والرجل)، فقد تركًز مفهوم اللباس الديني "المحتشم" والحجاب على النساء بشكل فظيع وبأساليب مختلفة، كالتهديد بالعذاب والحرق في يوم القيامة، أو الترغيب في دخول الجنًة والتنعم بممارسة الجنس المتأخر من قبل زوجها (لأًنه سينشغل بنكاح العديد من الحوريات)، بالإضافة إلى أكل لحم الطير وما تشتهي وكذلك الشرب من أنهار العسل والخمر واللبن، وأحياناً كثيرة تخضع الفتاة والمرأة إلى تهديد من قبل الأهل (الأب والأخ والأم وحتى الإبن) حينما ترفض (الفتاة - المرأة) لبس الحجاب أو ترفض الخروج بدون وضع المكياج أو العطور، وكل هذا يتم من خلال التهديد والترغيب والتلقين المتعمد والزائد من كل حدب وصوب، فرجل الدين ينفث سموم أحكامه الدينية الزائفة، والأب والأخ والأم والإبن ينفثون في عقل البنت مفاهيم الأنوثة والعفة والشرف والطهارة، ناهيك عن المراء والنفاق الإجتماعي والديني، وتفعيل العمل بمقولة "حشرٌ مع الناس عيد"، فالمحيط الإجتماعي يرفض خروج المرأة بلباس طبيعي دون حجاب، وفي بعض الأحيان يكون التشدد على أعلى المعايير بحيث لا يمكنها وضع المكياج أو التعطُر.!!

هذه الصحوة الدينية التي أشاعت هذه المفاهيم المغايرة لما كانت عليه المجتمعات آنذاك، قد كرًست الحرمان والكبت والقيود والهيمنة بأبشع الأشكال، ونشرت مفاهيم مغلوطة أثًرت كثيراً في عقول أفراد تلك المجتمعات رجالاً ونساءً، كما أن القيم والأعراف والتقاليد القبلية الذكورية المزعومة أستغلًت المرأة إستغلالاً بشعاً، هذه الأعراف والقيم جعلت الذكور يفرضون سيطرتهم ورأيهم على أخواتهم وبناتهم وأمهاتهم وزوجاتهم، جعلتهم يتحكًمون بمصائرهنً وبتصرفاتهن، لقد سلبت حقوقهن الطبيعية ودمًرت نفسياتهنً، بحجة الإلتزام بالدين وبالقيم والأعراف، والمفارقة أنً هذه المجتمعات المحافظة التي تدًعي العفة والطهارة والشرف والإلتزام بالتقاليد والأعراف والأحكام الدينية ولأسباب عديدة، تجد فيها إنتشار مظاهر التحرش الجنسي (حتى وإن كانت النساء محجًبات ومستورات، فلم ينفعهنً حجابهنً ولا اللباس الساتر الطويل) بالإضافة إلى إنتشار العلاقات العاطفية والجنسية، وهذه المظاهر تنتشر في خلف الكواليس وبقدر عالي من السرية، خوفاً من النتائج الكارثية المؤدية في الغالب لقتل الفتاة والتخلص من عارها.!!

وللأسف فإنً مفاهيم الشرف والعفة والطهارة في هذه المجتمعات قد تمً تغيير بوصلتها بشكل كامل، فالشرف والعفة والفحولة تنحصر بين أفخاذ النساء فقط، وإن المرأة عندهم عبارة عن عورة متحركة، فلا توجد مشكلة كبيرة في إنتشار السرقات والفساد والتعاطي بالرشاوى وعدم الإلتزام بالعهود والأمانات وعدم إحترام حقوق الآخرين أو التدخل في شؤونهم، هذه الأمور وغيرها غير مهمة لا تمس الشرف والعفة والطهارة، أمًا أن تخرج الفتاة بدون حجاب أو تضع المكياج والعطر، هنا في نظرهم سوف يتم إفساد المجتمع والأمة، وستنهار كل القيم الأخلاقية لهذه المجتمعات، هؤلاء الذكور المساكين أصحاب تلك العقول المؤدلجة والمنتفخة، بحاجة إلى توعية حقيقية، وبحاجة إلى تنظيف مما تكلًسَ في عقولهم من مفاهيم مغلوطة وقيم زائفة، لإفهامهم بأن مفهوم الشرف لا ينحصر بين أفخاذ المرأة ولا في جسدها، يجب أن تتخلص هذه المجتمعات من الأمراض والعُقد النفسية التي سبًبها لهم الدين والتي فرضتها القيم والأعراف البيئية والمناطقية المخادعة، مجتمعاتنا بحاجة إلى صحوة حقيقية تُخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن العبودية إلى التحرر، ومن الإنغلاق إلى الإنفتاح، ومن الجهل إلى العلم بحقائق الأمور.!!

الشرف عند المجتمعات والبيئات الأخرى المتحضرة مُختلف تماماً، الشرف هو في حسن المعاملة مع الآخر وفي الإلتزام بالقوانين ورفض السرقات وإنتشار الفساد وعدم قبول التعاطي بالرشاوى ولا الإضرار بالآخرين أو في أملاك الدولة أو سرقة أموال الشعب، الشرف عندهم إحترام الكلمة والموعد والعمل بجدية والحفاظ على النظافة في الشارع وفي الأماكن العامة، الشرف عندهم هو سيطرة الرجل على نفسه وإحترام كيان المرأة مهما لبست أو تصرًفت، المرأة في تلك المجتمعات المتحضرة إنسانة تتمتع بحقوقها وتتصرف بجسدها كما يتصرًف الرجل، لا فضل لجنس على جنس آخر، مثلما يحق للرجل ما يلبس ويتصرف، كذلك المرأة لها الحق في إرتداء اللباس الذي يعجبها ولها الحق في إنشاء العلاقة العاطفية مع الشخص الذي يناسبها دون أن تمارس هذه الأشياء بالخفية أو بسرية، المرأة تمشي في الشارع ليلاً ونهاراً لا أحد يتحرش بها أو يلمس جسدها دون أذنها أو رغبةً منها، ومن يفعل ذلك فهذا يُصنًف بأنه مريض نفسي ومهووس جنسي يجب معالجته أو معاقبته، فالعيب ليس في المرأة ولا في لباسها، بل العيب كل العيب في من يتحرًش بها أو يغصبها على فعل شيء دون رغبتها.!!

والمحزن جداً في هذه المجتمعات المنغلقة والمحافظة، أن بعض الذكور لا يحملون فكراً ولا ثقافة ولا أي قدر من التعليم، تجدهُم يفرضون رأيهم على بعض النساء المتعلمات والمثقفات من أصحاب الشهادات العليا، بحيث ينتهي بهنً الأمر إلى الجلوس في البيت وعدم الخروج منه، لا يحق للمرأة منهنً أن تدرس أو تعمل، وظيفتها فقط هي خدمة البيت وخدمة الذكر، وكما أسلفتُ فحجًة هؤلاء الذكور المنتفخة ذواتهم، هي التقاليد والأعراف السائدة وما تلقُنوه من أحكام دينية ونصوص مقدًسة بنظرهم لا يمكن تخطئتها أو رفضها من قبل المرأة، أما آن الأوان ليفهم الذكور أن شرف المرأة هو رجاحة عقلها وإتزانها، وإنً شرفها يكمن في أنوثتها وإنسانيتها وعطاءها، متى يعرفوا ويفهموا بأنً شرف المرأة وأخلاقها لا يحدده اللباس ولا المكياج ولا العطر، فكم من سافرة ومتعطرة سيدة نفسها، وكم من متنقبة ومحجبة إنتقصت وأذلت نفسها يا عبيد.!!
نعم لو كانت الفتاة غير متوهمة ومقتنعة بشكل تام بأن عليها لبس الحجاب وإرتداء الملابس الطويلة دون خضوعها إلى نبز أو تهديد وقمع عائلي أو إستغفال ديني، فهذا يبقى حقٌ لها كامل الإختيار فيه، ولكن دعونا نكون منصفين ومتجردين ونسأل من خلال تجاربنا ومعايشتنا في أوساط تلك المجتمعات لسنين طويلة:

أولاً: هل إطًلع كثيرٌ منهنً على الموروث الديني والتفاسير ليعرفنَ متى تمً فرض الحجاب وكيف وعلى من؟؟
ثانياً: هل يعلمنَ تماماً بأن الحجاب الديني المعروف في يومنا هذا هو تأويل فاسد من قبل رجال الدين؟؟ أو هل يعلمنَ إختلاف التفسيرات والآراء في شأن الحجاب الديني المفروض على أكثرهنً؟؟
ثالثاً: هل حقاً أنً أغلب النساء المحجًبات فعلاً مقتنعات وبشكل تام بإرتداء الحجاب؟؟ أي بدون ضغط أو تهديد ديني وتأثير من قبل العائلة والمجتمع؟؟
رابعاً: هل أن إرتداء الحجاب وعدم إظهار الشعر وبعض من أجزاء جسم المرأة، أو عدم وضع المكياج والعطر يتوافق مع رغبتها ودوافعها وغريزتها الإنثوية الطبيعية والبايلوجية؟؟
خامسا: وهو الأهم، ماذا يفعل الذكور في حياتهم اليومية؟؟ ما هو لباسهم وما هي القيود المفروضة على أكثرهم؟؟ ما هي ممارساتهم وسلوكياتهم أزاء الفتيات والنساء كل يوم؟؟ هل يحفرون لهنً كل يوم حفراً عميقة وبأساليب رخيصة؟؟ هل يزحفون زحفاً عليهنً؟؟ هل يُمارسون العهر والإزدواجية في أقوالهم وأفعالهم؟؟ هل الرغبة والإشتهاء والحرارة والغريزة تتدفق في قضبانهم فقط؟؟ ماذا بشأن النساء؟؟

هذا الموضوع فيه تشعبات كثيرة ونقاط أخرى لم أتطرًق إليها، لأنً دائماً مقالاتي طويلة ومملة، لهذا أكتفي بهذا القدر، وبالنسبة للمتصيدين في الماء العكر، أقول لهم: هذا المقال ليس دعوة للتعري أو الإنحلال، وليس لإشاعة مفاهيم الدياثة والقوادة المغلوطة كما يحاول البعض فهمها وتصويرها، بل غايته تسليط الضوء على بعض المفاهيم المغلوطة في مجتمعاتنا، وتذكيرهم بما كانت عليه مجتمعاتنا قبل عدة عقود من الزمن، تُرى ما عدا مما بدا؟؟
بالإضافة إلى أنه محاولة لإنصاف الكائن الضعيف الذي يعيش بيننا والذي يتمثل بكيان المرأة، هذه الإنسانة التي تستحق منًا كل الإنصاف والتقدير، فهي نصفنا الثاني الذي لا يمكن الإستغناء عنه، هي أصل الحياة فهي الأم والزوجة والحبيبة والأخت والبنت، ولا بدً من الإهتمام بها والوقوف دوماً بجانبها.!!
ه==============================ه
ملاحظة: كل الأديان على الأرض هي من صنع البشر.!!
وفي نوري جعفر.
محبتي واحترامي للجميع.
https://www.facebook.com/Wafi.Nori.Jaafar/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..


.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام




.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-


.. #shorts - 14-Al-Baqarah




.. #shorts -15- AL-Baqarah