الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع على الوطن العربي بين الإمبريالية الغربية وأدواتها الرجعية وبين العثمانية الجديدة

عليان عليان

2021 / 3 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


الصراع على الوطن العربي بين الإمبريالية الغربية وأدواتها الرجعية وبين العثمانية الجديدة
(بعد مرور عقدٍ كاملٍ، على اندلاع الانتفاضات العربية ضد أنظمة الاستبداد والتبعية في كلٍ من مصر وتونس واليمن، ومرور عقدٍ على المؤامرة العدوانية على سورية، يحضرنا دور الوكيل (الخادم) للغرب الاستعماري الذي لعبته دولُ الخليج، وخاصةً السعودية وقطر، وقبل أن تلتحق الإمارات بهما، وكذلك الدور الذي لعبته تركيا – أردوغان في التآمر على هذه الانتفاضات وأهدافها، محولةً هذه الانتفاضات إلى خريفٍ بائسٍ وإلى شتاءٍ أسود، وما تضمنه من فتنٍ واقتتالٍ تحت عناوينَ مذهبيةٍ وعرقية وطائفية).
لقد تماهت قطر مع تركيا في خدمة المشروع الإسلاموي، إثر وصول الرئيس الأسبق محمد مرسي للسلطة في 30 يونيو (حزيران) 2012، بدعمٍ من الإدارة الأمريكية في إطار توجهها آنذاك لاستثمار الإسلام السياسي وتوظيفه، حين قدمت قطر وتركيا كلَ أسباب الدعم والتمكين لحكم الرئيس محمد مرسي، واحتضنتا قياداتِ الإخوان المسلمين بعد إقصاء مرسي عن السلطة، إثر انقلاب وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو (تموز) 2013، وناصبتا العداءَ للنظام الجديد في مصر.
حقائق لا يمكن تدجاوزها
وقبل الدخول في تفاصيل الصراع التركي الخليجي على المنطقة العربية، لا بد من تثبيت حقائقَ أوليةٍ لا يمكن دحضها أو تجاوزها:
1-أن الانتفاضات العربية في تونس ومصر واليمن، كانت انتفاضاتٍ عفوية، ولم يكن مخطط لها في سياق المؤامرة، ولم تكن ثوراتٍ ملونة، بل كانت انتفاضاتٍ حقيقيةً لعب مثقفون ينتمون للطبقة الوسطى دوراً أساسياً في إشعالها، ومن ثم جرى التآمرُ عليها والانقلابُ على أهدافها، وتفريغها من مضامينها من قبل الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفائها، وفي الذاكرة تصريح "توني بلير" رئيس وزراء بريطانيا الأسبق في نيسان (أبريل) 2011 "بأن الدول الغربية، لن تسمح لهذه الانتفاضات بأن تهدد مصالحها"، وذلك في إشارةٍ واضحةٍ للعمل من أجل إفشال أهداف هذه الانتفاضات. وبالفعل عملت الولايات المتحدة وحلفائها لإفشال هذه الانتفاضات، بالاعتماد على دور الإخوان المسلمين والدولة العميقة لنهج كامب ديفيد في مصر، وبالاعتماد على الدولة العميقة والأحزاب الرئيسية، التي كانت في عهد نظام زين العابدين بن علي في تونس وحزب النهضة الإخواني لاحقاً، وبالاعتماد على أدوات السعودية في اليمن والإخوان المسلمين، وبالاعتماد على أداتها (مجلس التعاون الخليجي) لإفشال انتفاضة 14 فبراير 2011 م في البحرين.
2-جرى استثمارُ مناخ الانتفاضات العربية، باتجاه الدفع بحراكٍ شعبيٍ ظاهرياً، لإسقاط نظمٍ وطنيةٍ معاديةٍ للسياسات الأمريكية والصهيونية في سياق المؤامرة (ليبيا وسورية).
3-أن الدخول الخليجي على خط الأزمات والانتفاضات التي عمت المنطقة، كان بتوجيهٍ أمريكيٍ وبدعمٍ صهيوني، لعبت فيها دولُ الخليج دور الوكيل (الخادم) للأصيل الإمبريالي الأمريكي والغربي، يضاف إلى ذلك بأن دولَ الخليج استعملت سياسةَ الضغط الاقتصادي على بلدان عربيةٍ أخرى، لتقدم خدماتٍ لوجستية لمؤامراتها، وفي الذاكرة غرفة "الموك" وغيرها.
4-أن تركيا أردوغان تحالفت مع دول الخليج، في استثمار الأزمات والحراك الشعبي في العديد من الدول العربية، من منظور مصالحها ومشروعها "العثمانية الجديدة"، ولم تلعب دور الوكيل لأمريكا والغرب عموماً، في تدخلاتها العسكرية في المنطقة العربية، بل كان لها مشروعها الاستعماري العثماني الخاص بها، وإن كانت استثمرت الدور الخليجي والأمريكي لمصلحتها في مرحلةٍ من المراحل.
أردوغان والمشروع العثماني من البوابتين المصرية والسورية
وجدت تركيا في نظامٍ إخوانيٍ يحكم مصر، فرصتها الذهبية للتمدد بمشروعها العثماني الجديد في العالم العربي بحكم موقع مصر الجيوسياسي، وما تمثله مصر على الصعيد الديمغرافي والسياسي، وخسارتها لهذا الموقع دفعها مجدداً للتآمر على مصر من بوابة سورية (أولا) من بوابة ليبيا لاحقاً.
لقد لعبت تركيا مع قطر والسعودية وبدعمٍ هائلٍ من الإدارة الأمريكية - التي شكلت تحالفاً من 60 دولة - دوراً مركزياً في التآمر على سورية لإسقاط نظام الحكم الوطني فيها، من خلال دعمها وتسليحها لفصائلَ إرهابيةٍ مسلحة "إخوانية الانتماء"، وفي الذاكرة مقابلة رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم مع فضائية "بي بي سي" في ديسمبر (كانون أول) 2016، التي شرح فيها تفاصيل المؤامرة القطرية التركية على سورية، عبر إنشاء وتسليح عشرات التنظيمات المسلحة، وانضمام السعودية وغيرها للمؤامرة لاحقاً عبر تشكيل فصيل حمل اسم "جيش الإسلام"، مشيراً إلى أنه تم صرف (138) مليار دولار على هذه الفصائل، وعلى كل من ينشق عن الجيش والنظام السوري ليختم مقابلته الشهيرة بقوله: "اختلفنا مع الأخوة في السعودية على الصيدة، والصيدة فلتت منا".
السعودية - "قطر وتركيا": تحالف وصراع
في بداية الانتفاضاتِ العربية، خضعت العلاقاتُ التركية مع الجامعة العربية - التي خضعت للهيمنة القطرية أولاً وللسعودية لاحقاً- لقانون التحالف من أجل إسقاط النظام في سورية، ثم الصراع ليس على اقتسام الكعكة، بل على الكعكة بمجملها، فتركيا أرادت السيطرة على سورية كمحطةٍ مركزية، لانطلاق العثمانية الجديدة في الوطن العربي، بعد فشلها في مصر، ولم تكن قطر سوى أداةٍ من أدواتها، في حين سعت السعودية إلى إسقاط النظام السوري خدمةً للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، نظراً لما يمثله هذا النظام من توجهٍ رجعيٍ نقيضٍ لسياساتها على الصعيد القومي، إن على صعيد دعم المقاومة في فلسطين ولبنان أو على صعيد تحالفها مع إيران وروسيا، حيث ترى السعودية في ايران وليس في (إسرائيل) عدواً لها.
ولا ننسى كيف وقفت السعودية ومشايخ الوهابية مع (إسرائيل) إبان حرب تموز 2006، حين توسلوا رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك "يهودا أولمرت" الاستمرار في الحرب حتى القضاء على حزب الله، في الوقت الذي كان فيه أولمرت يبحث عن مخرجٍ من الحرب، بعد الهزيمة التي لحقت بالكيان الصهيوني من قبل المقاومة اللبنانية.
عندما اندلعت الأحداث في درعا في شهر مارس (آذار) 2011على خلفية شعارات الحرية والعدالة وإطلاق المعتقلين من السجون، كانت الرجعيةُ الخليجيةُ وتركيا قد جهزت مجاميعَ مسلحةً في سورية، من خلال تنظيم الإخوان المسلمين، لاستثمار الحراك السلمي وتحويله إلى حربٍ إرهابيةٍ على النظام في سورية، وانطلقت أجهزةُ الاعلام في كلٍ من الرياض وقطر وتركيا، تسوق ما يدور في سورية بأنه انتفاضة، على النحو الذي حصل في مصر وتونس، في حين انبرت قطر ومن خلفها السعودية لقيادة دفةِ الجامعة العربية، عبر وضع اشتراطاتٍ على النظام السوري واجبةِ التنفيذ، من ضمنها إجراء محادثاتٍ مع زعماء المعارضة خلال 15 يوماً كحدٍ أقصى، ولاحقاً ارسال مراقبين عرب لمراقبة الأحداث في سورية دون أية ضوابط.
وأمام عدم تنفيذ سورية لهذه الاشتراطات، كونها تنتقص من السيادة السورية، جرى تجميدُ عضوية سورية بتاريخ 16 تشرين ثاني (نوفمبر)2011، وفرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ ودبلوماسيةٍ عليها بتاريخ 25 تشرين ثاني (نوفمبر)، حيث تقرر سحبُ سفراء الدول العربية منها، وبدأت الجامعة بعرابيها سعود الفيصل وحمد بن جاسم، تتعامل مع المعارضة العميلة التي دخلت في ائتلافات "مجلس إسطنبول"، "ائتلاف المعارضة"، "مؤتمر الرياض".. الخ، بأنها الممثل الشرعي لسورية، لدرجة أنها سمحت لقائد الائتلاف "أحمد معاذ الخطيب" أن يجلسَ على مقعد سورية في الجامعة العربية في مارس (آذار) 2013، وأن يرفعَ علم المعارضة المزعومة "علم الانتداب" محل العلم السوري.
ما يلفت النظر، التصريحات التي جاءت من بعض الدول الغربية التي أكدت أن ما حصل في سورية كان مؤامرةً وليس ثورة، وخاصةً تلك التي صدرت عن وزير خارجيةِ فرنسا الأسبق "رولان دوما" في مقابلة له مع قناة "أل سي بي LCP " بتاريخ 15 حزيران (يونيو) 2013، التي أكد فيها بأن المؤامرةَ على سورية، بدأت من قبل بريطانيا منذ مطلع عام 2011، لتدميرها وعزل نظامها، بسبب مواقفه المعارضة (لإسرائيل (مشيراً إلى أن مسؤولين بريطانيين، طلبوا منه خلال زيارةٍ له إلى بريطانيا عام 2011، أداء دور في هذه العملية ضدَّ سورية، لكنه رفض "وأن نتنياهو أبلغه بأن (إسرائيل) ستتكفل بالدول المجاورة ومن لم تتمكن منها – في إشارة إلى سورية – ستحاربها".
وفي مواجهة مؤامرة هذا الحلف الرجعي الأمريكي التركي الصهيوني الغربي على سورية المكون من (70) دولة تدور في فلك الولايات المتحدة، حملت اسم "مجموعة أصدقاء سورية"، مهمتها تقديم كل أشكال الدعم لما أسمته بالثورة السورية، والعمل على حل الأزمة السورية بعيداً عن مجاس الأمن، الذي تصدت روسيا والصين من خلاله عبر "الفيتو المزدوج" لكافة مشاريع القرارات التي تدين النظام السوري، وفي مواجهة هذا الحلف الذي شن حرباً كونيةً على سورية على مدى عشر سنوات، دخلت دولٌ وقوى حليفةٌ لسورية على الخط، بناءً على طلب الحكم السوري، فكان الدخولُ الإيرانيُ ودخولُ حزب الله والدخول الروسي عام 2015، ما أدى إلى قلب الطاولة على رؤوس المتآمرين وتحقيق الهزائم الكبرى لفصائل الإرهاب، وتحرير معظم الأراضي السورية، وعلى رأسها مدينتي حلب ودير الزور.
وأمام هزيمة الوكيل؛ اضطر الأصيل (أمريكا) أن يتدخل، فبالإضافة لاستثماره في الإرهاب عبر داعش وأخواتها، تدخل مباشرة بقواته الاحتلالية التي احتلت مساحةً واسعةً في شمال شرق وشرق سورية، وأقامت نقاطاً ارتكازيةً لها، وقاعدةً عسكريةً كبرى في منطقة التنف، ووضعت يدها على آبار النفط من خلال بيدقٍ عميلٍ له "مجلس سورية الديمقراطي الكردي" وأداته العسكرية " قسد".
أما أردوغان الذي أعلن مراراً وتكراراً، أنه ماضٍ في مشروعه العثماني، لإسقاط نظام الرئيس الأسد والصلاة في الجامع الأموي، فقد اندحر مشروعه جراء صمود وبسالة الجيش العربي السوري، بدعمٍ من الحلفاء، لكنه عمل على تعويضه في منطقة إدلب عبر دعم وتبني الفصائل الإرهابية، وعبر استثمار اتفاق "سوتشي" "لإنشاء اتفاق منطقة منزوعة السلاح بإدلب" في 17 سبتمبر( أيلول) 2018، ومن ثم تمكنت قوات الاحتلال التركية من السيطرة لاحقاً على مساحاتٍ واسعة في الشمال السوري، عوضت فيها عن خسارتها الناجمة عن "اتفاقيات خفض التصعيد" المتفق عليها في مؤتمر أستانة (4) مع روسيا وتركيا في الرابع من أيار (مايو) 2017، تلك الاتفاقيات التي مكنت سورية من التفرغ لتحرير معظم أراضيها.
وتراهن تركيا من خلال سيطرتها على مساحةٍ واسعةٍ من الشمال السوري، عبر الفصائل الإرهابية الموالية لها، أن يكونَ لها دورٌ في تقرير مستقبل سورية من خلال اللجنة الدستورية، علها تحقق بالمفاوضات ما عجزت عن تحقيقه بالحرب.
الصراع على ليبيا
قانون التحالف والصراع الذي حكم دور القوى المتآمرة على سورية، هو ذات القانون الذي سبق تطبيقه في ليبيا: اتفاق على اسقاط النظام، وصراع تناحري على الكعكة بمجملها، بدايةً بين فرنسا والولايات المتحدة، ولاحقاً بين العثمانية الجديدة وقطر من جهة، ومصر والسعودية والإمارات بدعم روسي وفرنسي من جهة أخرى.
لقد كشفت الوثائقُ الدورَ الاستعماري الفرنسي والصهيوني والأطلسي والقطري، في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، ما يؤكد أننا لم نكن أمام ثورة شعبية، بل أمام مؤامرة غربية لتقسيم البلاد والسيطرة على مقدراتها.
ووفقاً للتفاصيل التي نشرها "سيدني بلومنتال" مستشار وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، والخاصة بالإيميلات التي نشرتها وزيرة الخارجية الأمريكية سابقا، حول دعم المخابرات الفرنسية "لميليشيات" بنغازي في أوائل 2011، ومدها بالأموال مقابل تعهد قياداتها، بتفضيل الشراكات الفرنسية في مختلف صفقات الدولة الليبية مستقبلا.
وبينت الوثائق التي نشرتها صحيفةُ "فيتيران توداي "الأميركية، أن الصهيوني برنار هنري ليفي كان مساهماً في خطط ساركوزي لتشريع التدخل في ليبيا، وفي إنشاء غرفة عمليات بنغازي، وفي تشكيل المجلس الوطني الليبي الذي قاد عمليةَ التمرد، مشيرةً إلى أن ضباط المخابرات الفرنسية التقوا مع مصطفى عبد الجليل وعبد الفتاح يونس في فبراير (شباط) 2011، بعد انشقاقهما عن القذافي وقبل بداية عمليات القصف الفرنسي، وسلموا أموالاً لهذين الشخصين، وتم الاتفاق بين فرنسا وبين قيادات المجلس الوطني تخصيص 35 في المائة من إجمالي النفط الخام للفرنسيين، مقابل الدعم العسكري اللامحدود لميليشيات المجلس والاعتراف به كممثلٍ شرعي لليبيا، حيث تم وضع الجامعة العربية وقطر بصورة الاتفاق.
لقد لعب رئيسُ وزراء قطر حمد بن جاسم في الجامعة العربية، ومعه سعود الفيصل دوراً مركزياً في توظيف أمين عام الجامعة آنذاك "عمرو موسى"، كأداةٍ رخيصةٍ للغرب الاستعماري، ليطلبَ تدخل "قوات حلف الناتو" لإسقاط نظام القذافي، مع ضرورة الإشارة هنا إلى اختلاف الأهداف بين كلٍ من السعودية وقطر، رغم أنهما لعبا دورَ الوكيل (الخادم) للأصيل الغربي وللكيان الصهيوني.
وأمام تطور الأمور في ليبيا لاحقاً، وبعد الإطاحة بمرسي، وبعد فشل اتفاق "الصخيرات" عام 2015 لتشكيل حكومة ومجلس قيادة بين طرابلس وبنغازي، ونشوء التحالف القطري التركي، وإثر إعلان الإمارات عن إفشال انقلابٍ للإخوان المسلمين فيها، وانقلاب السعودية على تحالفها مع الإخوان، تبدلت خارطة القوى المتنازعة على ليبيا، فكان أن اصطفت مصر والسعودية والإمارات بدعمٍ من روسيا وفرنسا، إلى جانب المشير خليفة حفتر وحكومة بنغازي برئاسة عبد الله الثني ورئيس البرلمان "عقيلة صالح"، واصطفت تركيا وقطر إلى جانب حكومة طرابلس برئاسة فايز السراج، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن هدف تركيا من تدخلها في ليبيا يتجاوز طمعها في ما تكتنزه من ثروات نفطية، باتجاه محاصرة مصر والتدخل في شؤونها، على أمل إعادتها للحظيرة الإخوانية العثمانية.
لقد تمكنت قوات حفتر من محاصرة طرابلس، لكنها تراجعت وتعرضت لهزائم كبيرة بعد التدخل التركي، حين دفع أردوغان بمجاميعَ إرهابيةٍ مواليةٍ له في شمال سورية للقتال إلى جانب حكومة فايز السراج، لكن تطورَ الأحداث ودخولَ الاتحاد الأوروبي على خط الأزمة، وانعقاد مؤتمر برلين لحل النزاع في 19 يناير (كانون ثاني ) 2020، وتدخل الأمم المتحدة في سياق متصل، أسفر عن تشكيل حكومةٍ مؤقتة ومجلسٍ رئاسيٍ في الخامس من فبراير (شباط ) 2021م، ما أدى إلى تقزيم المشروع العثماني في ليبيا، لكن دون أن يضع نهاية له، بحكم أن وجود الإخوان المسلمين في الحكم يظل رأس جسر للتدخل التركي في ليبيا في مراحل لاحقة.

المبادرة الخليجية لاحتواء اليمن
بعد أن نجحت السعودية في احتواء الانتفاضة اليمنية التي اندلعت بتاريخ 11 فبراير 2011، عبر تمكين عبر ربه منصور هادي من تبوأ موقع الرئاسة في اليمن كبديلٍ للرئيس علي عبدالله صالح، في انتخاباتٍ جرت بتاريخ 21 فبراير (2012)، وفقاً للمبادرة الخليجية السعودية بتاريخ 3 أبريل (نيسان) 2011، ونشوء الخلاف الدامي بين الحوثيين "أنصار الله" وحلفائهم من جهة، وبين عبد ربه منصور هادي والإخوان المسلمين من جهة أخرى، جراء الخلاف العميق على الدستور، الذي صيغ على نحوٍ يخدم مالح الحكم السعودي، وجراء اندغام هادي في المشروع السعودي، تمكن الجيش اليمني الموالي "لأنصار الله" واللجان الشعبية من حسم المعركة عسكرياً ضد الرئيس هادي وحلفائه في 21 سبتمبر 2014، اللذين فروا باتجاه عدن و السعودية، وبدأوا بإنشاء قواتٍ عسكرية ومجاميع مرتزقة، بهدف العودة إلى صنعاء وهزيمة السلطة الجديدة.
هذا التطور في الأزمة اليمنية دفع السعودية إلى تشكيل تحالف "عربي" في25 مارس (آذار) 2015، وهو في الجوهر "تحالف سعودي إماراتي"، بدعمٍ عسكريٍ هائل من الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني والدول الغربية، والقوى الرجعية في المنطقة، فكان أن شنت السعودية والإمارات عدوانها الإجرامي على اليمن، ففي حين تكفلت الإمارات بغزو جنوب اليمن والسيطرة على باب المندب وجزيرة سوقطرة، وخلق صنيعة لها "مجلس الحكم الجنوبي الانتقالي"، تكفلت السعودية بشن الهجمات البرية والجوية على اليمن، التي طالت جميع البنى التحتية والاقتصادية، وأمام فشل هذه الهجمات لجأت إلى ارتكاب جرائمَ حربٍ غير مسبوقة ضد الشعب اليمني، راح ضحيتها ما يزيد عن 130 ألف شهيد، ناهيك عن الآلاف الذين توفوا، جراء نقص الغذاء والدواء وإصابتهم بالكوليرا والكورونا، إضافةً إلى أن أكثر من 22 مليون يمني، أي أكثر من ثلثي السكان، باتوا بحاجةٍ ماسةٍ إلى المساعدة الإنسانية والحماية العاجلة، حيث تصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ في العالم.
لكن هذا العدوان السعودي الإماراتي الصهيو أميركي تكسر أمام صمود الجيش واللجان الشعبية، ولم تتوقف الأمور عند الصمود المدعوم من إيران على غير صعيد، بل تطورت الأمور باتجاه نقل الحرب إلى أراضي دولة العدوان السعودية، من خلال منظومة الصواريخ والطائرات المسيرة، التي دكت ولا تزال تدك المطارات السعودية والمنشآت النفطية السعودية – الأمريكية، ناهيك عن التوغلات العسكرية للجيش واللجان الشعبية في مناطق نجران وغيرها، وتمكنها من أسر مجاميع عسكريةٍ كبيرة من الجيش السعودي والمرتزقة جرى بثها بالصوت والصورة، ناهيك عن تحطيم المحاولات اليائسة للجيش السعودي وقوات هادي، في منطقة نهم والحديدة وغيرهما من المناطق اليمينية.
لقد باتت أهداف تحالف العدوان السعودي الإماراتي على اليمن واضحةً للعيان، خاصةً بعد اتفاقيات التطبيع الأخيرة على نحو: إبقاء اليمن حديقة خلفية للسعودية، وتحويل البحر الأحمر إلى بحيرةٍ أمريكيةٍ إسرائيليةٍ، والسيطرة على مضيق باب المندب.
لكن الصراع لم ينتهِ بعد، وكل المؤشرات تشير إلى أن هذه الأهداف لن تتحقق، بعد أن لاحت في الأفق تباشير هزيمة تحالف العدوان ومن يقف وراءه، فتصريحات الرئيس الأمريكي "جوزف بايدن" ووزير خارجيته "أنتوني بلينكن" بشأن وقف الدعم العسكري للسعودية في حربها على اليمن، والتراجع عن قرار "ترامب" بتصنيف "حركة أنصار الله" كتنظيمٍ إرهابي، لم تعكس جانباً إنسانياً للإدارة الأمريكية، بل تعكس سعياً منها إلى إنجاز تسويةٍ تحقق بعضَ مصالحها، وتحفظ ماءَ الوجه لدولِ العدوان.
انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة