الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغارات الوهابية وهجمات الاخوان السعودية على العراق بين عامي 1785 – 1930 .

سلمان رشيد محمد الهلالي

2021 / 3 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


شكلت الحركة الوهابية واحدة من اهم التحديات الوجودية التي انتابت المجتمع العراقي خلال القرون الاخيرة , فاذا كان هذا المجتمع قد تعرض الى تحديات ثقافية واخلاقية وسياسية وتاريخية كبيرة من قبيل الاحتلال العثماني والاستبداد والطائفية والعنصرية , فان الحركة الوهابية وما افرزته من تداعيات التكفير الديني والغارات العسكرية والابادة المنظمة والتنظيمات السرية , قد شكلت تحديا وجوديا خطيرا لمدن وعشائر العراق في الوسط والجنوب . وقد استندت هذه الحركة في هجماتها وغاراتها المباشرة على اسس من التكفير الديني والاختلاف المذهبي ودعوى التوحيد الخالص ومواجهة الشرك المتمثل في نظرهم بالشفاعة وزيارة المراقد المقدسة والتبرك بالائمة والاولياء والصالحين وغيرها . ورغم ان البنية الاصلية والاسباب الجوهرية وراء تلك الغارات هو المتخيل التاريخي البدوي على منطقة الهلال الخصيب (العراق وبلاد الشام) الحضارية والسهلية والقائمة على الاستحواذ والغنائم والسلب والنهب والتمدد القبلي والنفوذ السياسي , الا ان هذا لايمنع من ان يكون للجانب العقائدي والايديولوجي سطوة كبيرة تمظهرت بحالات لاتعد من الغارات الدموية وتدمير المراقد المقدسة وسط هتافات وشعارات واهازيج دينية تحث على قتال المشركين والمخالفين . وبهذا الصدد يقول الدكتور علي الوردي مستعرضا هذا الجانب (لقد الصقَ الوهابيون نزعة التكفير لكل من عاداهم وأعطتهم الحجة لقتال المخالفين لهم ولولاها لما تهافتت القبائل البدوية على الدخول في الدعوة ، فالبدو الذين قامت ثقافتهم الأجتماعيه على الغزو والنهب منذ قديم الزمان , لا يمكن ان يتركوا ذلك مالم يجدوا مجالاً آخر يعوضهم عنه ، والواقع أن الدعوة ألوهابيه أشغلت البدو بغزوٍ أوسع نطاقاً وأكثر غُنماً مما كانوا اعتادوا عليهِ من قبل ، إنها فتحت أمامهم المجال لغزو البلاد المجاورة بدلاً من غزو بعضهم بعضاً ، فأنثالوا على تلك البلاد يغنمون منها مالم يكن يحلمون بهِ في غزواتهم السابقة ) . كما شكلت الحركة الوهابية في المتخيل العراقي هواجس من الرعب والقلق والتوجس الدائم يمكن استثارتها باي وقت بسبب قوة اكتساح تلك الغارات وشمولية القتل والذبح الذي لايرحم للرجال والنساء والاطفال , فضلا عن سلب الممتلكات وتدميرها . وكانت عشائر العراق المستوطنة في جنوب وغرب البلاد الهدف الاول لتلك الغارات التي بدات البواكير الاولى لها على ضواحي مدينة سوق الشيوخ في المنتفك والابيض في السماوة عام 1798 وبلغت ذروتها وقمتها في الهجوم على كربلاء واحتلالها عام 1802 استمرت حتى بعد تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 .
تعتبر الحركة الوهابية امتدادا عقائديا وايديولوجيا للحركة السلفية التي تبلورة الملامح الاولى لها ضمن مدرسة اهل الحديث او اهل السنة في القرن الثالث الهجري في بغداد لمواجهة الشيعة والمتكلمين والمعتزلة الذين ازداد نشاطهم بعد تبني بعض الخلفاء العباسيين لمذهبهم وعلى راسهم الخليفة المامون (786-833). وقد ترأس مدرسة اهل الحديث احمد بن حنبل (780-855) الذي حصل على دعم الخليفة العباسي المتوكل (822 – 861) وتاييده المطلق في انهاء مذهب الاعتزال والقضاء عليه . وقد اعلن ابن حنبل أن منهجه قائم على الرجوع الى مذهب السلف الصالح وهم في نظره الصحابة و التابعين وتابعي التابعين .
انحسرت السلفية بعد ذلك اثر انتشار ألاشعرية (نسبة الى ابو الحسن الاشعري(874 -936) التي برزت في القرن الخامس الهجري في بغداد والعالم الاسلامي , واستمر هذا الحال حتى ظهور رجل في بلاد الشام كان له الدور الابرز ليس في انبعاث السلفية فحسب , بل والتنظير العقائدي والايديولوجي لها وتاصيلها دينيا ومذهبيا وهو الشيخ تقي الدين احمد بن عبد الحليم الحراني المعروف اختصارا (ابن تيمية )(1263 – 1328) المولود في حران عام 661 هجرية , الذي عمد الى احياء الفكر السلفي والقيام باكبر عملية تكفير للمذاهب والافكار والشخصيات والمناهج والتوجهات المخالفة , داعيا الى احياء منهج السلف الذي وصفه بالصالح. وقد اثارت دعوته في بلاد الشام شيوخ الاشعرية والتصوف واصحاب الطرق في مصر وسوريا حتى افتوا ببطلانها وتكفيرها وابتعادها عن الاسلام . وهو ما ادى الى الزج به في السجن بقلعة دمشق حتى وفاته سنة 728 هجرية . وقد تأثر بآراء ابن تيمية العديد من طلبة العلم واشهرهم في ذلك الذهبي (1274 – 1348) و ابن قيم الجوزية (1292 – 1350) . ثم شهدت السلفية بعد ذلك انحسارا مرة اخرى بسبب انتشار الطرق الصوفية وبروز الدولة العثمانية التي كانت تقف بالضد من التوجهات السلفية حتى القرن الثامن عشر الميلادي , بظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي اعاد بعث الحركة السلفية في العالم الاسلامي الحديث و المعاصر.
ولد محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي في قرية (العينية ) في منطقة شبه الجزيرة العربية سنة 1703 . وقد نشأ وسط عائلة دينية تتبع المذهب الحنبلي الذي كان منتشرا انذاك في نجد. وتذكر المصادر انه درس الحديث والتفسير على وفق العادة القديمة . وتنقل بين مدن وعواصم العالم الاسلامي ابتداءا من المدينه ثم البصرة وبغداد وانتهاءً بالموصل وحلب والقاهرة , واستمرت تلك الرحلات ما يقارب (13) عاما متواصلة , حتى عاد الى الجزيرة العربية واعلن دعوته السلفية في نجد عام 1730 واخذ يبشر بمذهبه الجديد الذي يعده قائما على التوحيد الخالص ونبذ الشرك , وبدأ تلك الدعوة في بلدة تسمى (حريملاء ) داعياً الى التماهي مع تفسيره الخاص الى الدين الاسلامي والذي يقوم على الامتناع عن الدعاء او طلب البركة عند المراقد المقدسة سواء أكانت للائمة او الصحابة او حتى التابعين . إلا ان والده الشيخ عبد الوهاب بن سليمان طلب منه عدم التمادي بهذه الدعوة والتطرف بها لان ذلك قد يثير عليه الناس واتباع التوجهات المذهبية الاخرى , الا انه لم يركن الى تلك النصيحة والدعوة واخذ بطرح افكاره المتشددة بعد وفاة والده , مما اثار تذمر الاهالي والسكان . فتعرض الى محاولة اغتيال في مدينة (حريملاء) ادى به الى تركها والانتقال الى مسقط رأسه في (العينية ) , التي حصل فيها على دعم اميرها (عثمان بن حمد بن معمر) . وشرع الشيخ عبد الوهاب بتطبيق اراءه عملياً وعلى ارض الواقع من خلال هدم قبور الصحابة وبعض الاولياء كقبر (زيد بن خطاب) واقامة الحدود وتطبيق العقوبات الشرعية على المتجاوزين وفتح المدارس الخاصة بتعليم المنهج السلفي الجديد .
ويبدو ان لتلك الاجراءات وقع كبير على المجتمع النجدي , دفع بزعيم الاحساء والقطيف انذاك (سليمان بن محمد الحميدي ) الى ان يبعث رسالة الى امير العينية يأمره فيها بإخراج الشيخ منها او قتله . الامر الذي جعل الشيخ يغادر الى الدرعية سنة 1744 , فوجد لدى اميرها (محمد بن سعود ال مقرن)(1697 – 1765) النصرة والدعم والاسناد . وتم الاتفاق والعهد بين الرجلين على اساس (المذهب والسيف) . اذ يقوم محمد بن سعود بنشر الحركة السلفية بنسختها الوهابية الجديدة في الجزيرة العربية , فيما يقوم محمد بن عبد الوهاب بالاستقرار في الدرعية ونشر دعوته فيها وتوفير الغطاء الديني للسلطة السعودية القائمة . بمعنى ان الاتفاق جرى ان تكون الامور السياسية في الدولة لمحمد بن سعود وذريته المعروفين باسم (ال سعود) , فيما تكون الشؤون الدينية لمحمد بن عبد الوهاب وذريته المعروفين باسم ( ال الشيخ ) .
توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرعية سنة 1792 وقد ترك العديد من الكتب والمؤلفات والرسائل ضمنها اراءه السلفية الجديدة .
اتفق الباحثين على تقسيم الادوار اتي مرت بها الدولة السعودية الى ثلاث مراحل توافقت مع تشكيل تلك الدولة , او تحديداً تقسيمها الى ثلاث دول هي :
1- الدور الاول (او الدولة الاولى) . و تبدأ بعام 1744 حين عقد الاتفاق بين محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب واعلان قيام الدولة السعودية الاولى . والذي يمتد حتى عام 1818 حين سقطت هذه الدولة على يد القوات المصرية بقيادة ابراهيم باشا . و تعود جذور الحكم عند اسرة آل سعود الى جدهم (مقرن بن مرخان ) الذي اختار الدرعية عاصمة له عام 1682 وظلت حتى عهد حفيده محمد بن سعود .
2- الدور الثاني (او الدوله الثانية) . ويبدأ بحكم تركي بن عبد الله (1755 – 1834) عام 1818 مؤسس الدولة السعودية الثانية وتنتهي بمغادرة عبد الرحمن بن فيصل آل سعود الرياض عام 1891 (والد عبد العزيز مؤسس الدولة الثالثة والحالية) والاستقرار في الكويت لاحقا , وسيطرة آل رشيد امراء حائل على الرياض .
3- الدور الثالث (او الدولة الثالثة والحالية) . ويبدأ عام 1902 حين تمكن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود (1876 – 1953) من استعادة الرياض من آل رشيد اولا , ومن ثم سائر بلاد نجد في القصيم والاحساء وعسير وحائل والحجاز ثانياً , وتكوين مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها ثم المملكه العربية السعودية عام 1932 . ويستمر هذا الدور حتى يومنا هذا .
يعد الاتفاق بين محمد بن سعود و الشيخ محمد بن عبد الوهاب البداية الحقيقية لقيام كيان سياسي في نجد , توج بقيام الدولة السعودية الاولى . وأصبح محمد بن سعود اول امير وهابي سعودي في نجد . و اصبحت الدرعية اول عاصمة دينية و سياسية وعسكرية في آن واحد . الامر الذي ادى الى تحسن كبير في احوالها الاقتصادية بعد الغنائم الكبيرة التي حصلت عليها . وبهذا الاتفاق والتحالف توحدت القوة الروحية لمحمد بن عبد الوهاب مع قوة السيف لمحمد بن سعود , الامر الذي اكسب الدعوة الوهابية - التي احتفظت بمظاهرها الدينية - نفوذاً سياسياً كبيرا, تزايد بمرور السنين حتى وصل قمته مع تراكم انتاج النفط وتصاعد موارده في المملكة السعودية . وهكذا حقق التعاون بين ال سعود ومحمد بن عبد الوهاب نتائج مهمة للجانبين , فقد كان ابن سعود يبحث عن اساس ديني يستعين به لكسب الاتباع ومقاومة الاعداء . في الوقت نفسه كان عبد الوهاب بحاجة الى قوة سياسية وعسكرية تحقق طموحه الديني في الانتشار والتمدد . فجاء هذا التحالف ملبياً تطلعات الطرفين وطموحهم الشخصي , لاسيما ان عبد الوهاب سبق ان تعاون مع ( عثمان بن حمد بن معمر) في بداية الامر من اجل نشر دعوته ومنهجه . وهذا يعني انه مستعداً للتعاون مع أي زعيم او قائد من اجل تحقيق هدفه . وقد وضع الاتفاق موضع التنفيذ عن طريق الغزوات والحملات الذي قام بها الوهابيون في عهد دولتهم الاول. فقد خرجت اول غزوة من الدرعية بعدد قليل جدا لم يتجاوز سبعة من راكبي الجمال الذين وجدوا ضالتهم في جماعة من البدو , سرعان ما عادوا بالغنيمة الاولى .
تمكن محمد بن سعود من اخضاع معظم المناطق المحيطة بالدرعية من خلال العمليات العسكرية المباشرة , كان قسم منها بقيادته والقسم الاخر بقيادة ولده عبد العزيز , وشملت مدن العارض والمحمل وسوير والوشم . ولم تصمد بوجوههم إلا امارة الرياض , حتى سنة 1773 عندما هرب زعيمها الامير دحام بن دواس واستولى عليها ال سعود . ثم استكمل عبد العزيز بن محمد بن سعود خطة ابيه من اجل نشر الدعوة الوهابية في حائل والاحساء . ويبدو ان السيطرة على الاحساء قد اثار حفيظة الدولة العثمانية لما يشكل ذلك خطورة على سلطتها في البصرة والفرات الاسفل . فقامت بتنظيم ثلاث حملات عسكرية متتالية في الاعوام ( 1786-1797-1798) الا انها انتهت جميعها بالفشل . وهو ما ادى الى تشجيع الوهابيون للقيام بحملات وغارات ضد ولايات ومدن الدولة العثمانية بالعراق والحجاز وبلاد الشام , لعل اخطرها هجومهم على مدينة كربلاء في عام 1802 و تهديم قبة الامام الحسين وقتل ما يقارب الفي شخص داخل الضريح .
تسلم سعود بن عبد العزيز مقاليد الحكم (1803-1814) بعد مقتل والده على يد رجل شيعي ثأراً لعائلته التي قتلت اثناء الهجوم على مدينة كربلاء , وسار على نهج والده بالتوسع حتى سيطر على الحجاز عام 1806 وعين عليها الشريف عبد المعين بن مساعد اميرا على مكة , عند ذلك اعتبرت الدولة العثمانية هذه الاعمال تجاوزاً لايجب السكوت عليها , لاسيما وان الحجاز تضم الرموز الاسلامية الاساسية , مما يعني اضفاء المشروعية لحركة ال سعود والاضرار بمكانة الدولة العثمانية بالعالم الاسلامي . فعملت على شن حملة اعلامية كبيرة عليهم , كانت بدايتها دينية من خلال تعبئة علماء الدين والقاء الخطب وتأليف الكتب المضادة للحركة الوهابية . وكلفت والي مصر محمد علي باشا بمهمة القضاء على الخطر الوهابي عسكرياً وإنقاذ الحرمين من سيطرتهم . فنظمت حملات كبيرة متعددة اهمها تحت قيادة ابراهيم باشا , تمكنت في النهاية من اسقاط الدرعية العاصمة السياسية والدينية للحركة الوهابية وتدميرها و اسقاط الدولة السعودية الاولى عام 1818.
لقد استند الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نشر دعوته ومنهجه على مبدأ (التكفير والقتال) . وهذا يعني ان دعوته لم تكن فقط قد انحصرت ضمن الاطار النظري فحسب , بل تجاوزت الى الاطار العملي من خلال حمل السيف ومحاربة المخالفين وغزو القبائل والحواضر المجاورة , من اجل الحصول على المكاسب والغنائم , والترويج ان تلك المعارك والغزوات كانت من اجل محاربة البدع . وأما مبدأ (الامامة) فقد اكد الوهابيون على ضرورة وجود الامام الذي ينفذ الاحكام الشرعية ويوحد المسلمين ويقودهم ضد الاعداء والمخالفين. ويرى الشيخ عبد الوهاب بان اطاعة الحاكم واجبة وان كان جائرا او فاسقا , وان امره يجب ان يطاع . لذا اعلنوا تحريم الخروج على الحاكم او القيام باي ثورة مسلحة او سلمية ضده . وهذا المفهوم قد تبلور في الاساس من اجل اعطاء الشرعية الدينية لعائلة ابن سعود وافضاء القدسية لهم باعتبارهم ولاة الامر الذين يجب طاعتهم والصبر على تجاوزاتهم , حتى لو ادى بهم الى الخروج على بعض احكام الشرع الاسلامي . وهذا الحكم الاخير هو الذي جعل التحالف بين الحركة الوهابية وال سعود صامداً وقائماً طوال اكثر من (250) عام .
كان من اهم نتائج التحالف بين الحركة الوهابية وآل سعود هو تأسيس حركة الاخوان 1911 _ 1930 التي اتخذها عبد العزيز ال سعود الذراع العسكري - الديني للتوسع والحرب الهيمنة خلال المراحل الاولى من تأسيسه للدولة السعودية الثالثة التي بدأت باحتلال الرياض عام 1902.
تعود فكرة تأسيس حركة الاخوان الى قاضي الرياض عبد الله محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ (من ذرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب) والشيخ عبد الكريم المغربي الذي كان المعلم الاكبر للشيخ فالح السعدون شيخ المنتفك (المتوفي 1908) الذي غادر العراق الى نجد عارضاً خدماته على ال سعود , وأصبح هناك داعياً ومعلماً لحركة الاخوان في صورتها الاولى . واشتقت كلمة الاخوان من(المؤاخاة) في الاسلام , اذ وجد عبد العزيز ال سعود ان اتباعه ينقسمون الى فئتين : اقلية من المزارعين وسكان المدن والاكثرية من البدو الرحل , وهم المحاربون الاساسيون في الدولة السعودية . واذا كان بوسع ابن سعود الاطمئنان الى الفئة الاولى وضمان ولائها . الا ان الفئة الثانية تكون اصعب في خضوعها للنظام او القانون ما دامت متنقله على الدوام وتأبى الاستقرار . فظهرت فكرة توطين هذه القبائل في اماكن وقرى محددة في الصحراء محددة تسمى (هجرة) وجمعها (هجر) . وظهرت اول هجرة في الارطاوية عام 1913 . وتصاعدت عام 1929 الى حوالي (120) هجرة من قبائل شمر وحرب ومطير وعتيبة وسبيع والسهول وكنعان والدواسة وبنو خالد والعمان والعوازم والظفير وغيرها . وارسل ابن سعود الى الهجر المطوعين أي (الوعاظ) من اجل تعليمهم الدين الاسلامي بنسخته الوهابية الجديدة والطاعة لعبد العزيز ال سعود. واخذوا يطلقون على انفسهم تسمية (الاخوان) وقاموا بارتداء العمائم البيضاء بدلاً من العقال , واصبحوا السلاح الضارب لابن سعود وجيشه غير النظامي , إلا انهم من جانب اخر قد تطرفوا في تبني المفاهيم الاسلامية المتشددة وازداد التكفير عندهم , واعتبروا كل الحضر وأهل القبائل الاخرى هم كفره ومرتدين عن الاسلام . فكان من ابرز زعماء القبائل في الهجر هو فيصل الدويش (1880 – 1931) زعيم قبيلة مطير في الارطاوية الذي استاء من عبد العزيز ال سعود لعدم اعطائه امارة المدينة المنورة بعد احتلالها , وانضم اليه شيخ العجمان ضيدان بن حثيلين وشيخ عتيبة سلطان بن بجاد الذي كان طامعاً بأن يكون اميراً على الطائف , والذين اجتمعوا في مطلع عام 1926 وكتبوا انتقادات لعبد العزيز ال سعود كان من اهمها سفره الى مصر وإرسال ابنه فيصل الى بريطانيا (أي التعاون مع الشرك) واستخدام التلغراف والتلفون والسيارة وفرض الرسوم على البضائع والتسامح مع الخوارج (الشيعة) في الاحساء والقطيف .
ادرك عبد العزيز آل سعود ان استياء الاخوان اتخذ طابع الانتفاضة , فعاد من الحجاز الى الرياض مطلع عام 1927 ودعا ثلاثة ألاف من الاخوان للمناظرة والمكاشفة , وقدم زعمائهم المطالب الخاصة بهم , واستطاع ان يجد حلولاً وسط للاشكالات المتعلقة , واقنع الحضور على مبايعته ملكاً على الحجاز ونجد وملحقاتها . وفي شباط 1927 اصدر علماء الرياض فتوى مهمة وقعها خمسة عشر رجل دين قرروا فيها تأييد عبد العزيز آل سعود في اعمالهِ السياسية والادارية , وانه الشخص الوحيد المخول في اعلان القتال والجهاد.
لم يستسلم فيصل الدويش لتلك الفتاوى وقام بغارات على العراق والكويت رغم ان عبد العزيز ال سعود سبق ان عقد معاهدة جدة عام 1928 التي اكدت الحدود السياسية والادارية بين الدول الثلاث ومن خلال وساطة الحكومة البريطانية وضغطها المباشر . واتهموا ابن سعود بأنه متسامح ولا يحارب اعداء الله . لذا سعى الاخوان الى اقتسام المملكة في بينهم بحيث يكون الدويش حاكماً على نجد , وابن بجاد حاكماً على الحجاز , وابن حثيلين حاكماً على الاحساء. عندها عاد عبد العزيز ال سعود الى الرياض وعقد مرة اخرى مؤتمراً حضره زهاء (800) شخص من زعماء الاخوان والإشراف ورجال الدين , وأعلنوا ان ابن سعود هو الحاكم الوحيد للبلاد , وأنكروا وجود أي زعيم اخر من الاخوان . إلا انهم استمروا بحملاتهم العسكرية ضد العراق , ما اضطر ابن سعود القيام بحملة عسكرية ضدهم انتهت بهزيمتهم في معركة (السبلة) , وهروبهم الى اماكن اخرى متفرقة , وأصيب الدويش بجروح خطيرة وطلبوا العفو من ابن سعود واستسلموا لسلطته. إلا ان الدويش عاد بعد شفائه الى غزو الاراضي العراقية وقطع الطرق وإعلان التمرد , فعاد ابن سعود مرة اخرى في تموز 1929 الى الرياض ونظم جيشاً حديثاً مع عدة سيارات , واشتبك مع الاخوان بقيادة الدويش الذي حلت به هزيمة منكرة , اضطر بعدها اللجوء الى الكويت ثم العراق , وطالب ابن سعود من بريطانيا بتسليمه , وبعد مفاوضات وافقت الاخيرة على تسليم الدويش الى ابن سعود شرط الحفاظ على سلامته. وتم نقله الى الرياض وسجن هناك وتوفى عام 1931 في السجن. وهو ما يعد نهاية الاخوان الذين تلاشت حركتهم ودخلوا ضمن اعمال وقوانين الدولة السعودية الحديثة .
لقد كانت الدوافع الاساسية من تأسيس ال سعود وحلفائه من ال الشيخ لحركة الاخوان والهجر سياسية واقتصادية وعسكرية , إلا ان الدافع الديني هو الاهم عند الطرفين , اذ رغب عبد العزيز ال سعود في الاستفراد بقيادة الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية , لذا وجد من الضروري ان يلقن البدو التقاليد الوهابية المشوبة بالولاء الخالص والكامل لآل سعود, فكان العلماء (المطاوعة) يغرسون افكاراً دينية في عقول الناس عن ابن سعود , وانه سيكون قائداً روحياً وشيخاً في وقت واحد. لكن تمادي الاخوان وتطرفهم جعل السلطة السياسية عند عبد العزيز ال سعود والسلطة الدينية عند ال الشيخ في موقف محرج , بدعوى ان الاخيرين قد خرجوا عن المبادئ الوهابية الاصلية القائمة على التكفير والغزو والحصول على الغنائم وعدم مهادنة الحضر والأجانب , لذا حصل الاتفاق والتحالف بين الاسرتين على انهاء الاخوان دينياً وسياسياً وعسكرياً , وهو ما حصل عام 1930 الذي اعتبر التاريخ الرسمي لنهاية الاخوان ومن ثم التمهيد لاعلان قيام المملكة العربية السعودية عام 1932 .
ترجع بدايات التوتر بين الحركة الوهابية وال سعود من جهة وبين السلطات العثمانية في العراق من جهة اخرى الى زمن حكم المماليك في عهد سليمان باشا الكبير بين عامي (1779 – 1802) , الذي وصلته رسالة من عبد العزيز بن محمد بن سعود ومعها (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) للشيخ محمد بن عبد الوهاب , وقد طلب في رسالته من سليمان باشا ان يدعو علماء بغداد لمناقشة هذا الكتاب وبيان رايهم فيه , وكان هدف ابن سعود هو التعريف بالمذهب الوهابي والدعوة له بصورة غير مباشرة , الا ان رد علماء بغداد كان الانتقاد الشامل للكتاب وتسفية اراءه , الامر الذي الذي ادى الى تازيم العلاقة وفتح الباب على مصرعيه للاحتراب والانقسام بين الطرفين . كما حصلت مراسلات ونقاشات بين الامام محمد بن سعود امير الدرعية (1745 – 1765) الحليف الرئيسي للشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين الشيخ جعفر الجناحي الملقب بكاشف الغطاء المرجع الديني لمدينة النجف حول الامور العقائدية , تميزت بالموضوعية والعلمية , الا انها لم تصل الى نتيجة حاسمة ولم يقتنع احدهما براي الاخر . ويمكن تقسيم الهجمات الوهابية على العراق الى قسمين :
اولا : الهجمات الوهابية
ثانيا : هجمات الاخوان
اولا : الهجمات الوهابية : وهى الهجمات والغارات التي قام بها الوهابيون على العراق ابان تاسيس الدولة السعودية الاولى (1744- 1818) والثانية (1818-1891) . والمفارقة ان اول اعتداء تعرض له العراقيون على يد الوهابيون كان في داخل الجزيرة العربية وليس في داخل العراق. فقد تعرضت قافلة عراقية عام 1785 الى السلب والقتل وهى في طريقها الى حائل على يد امير القصيم الموالي لابن سعود , الامر الذي دفع السلطات العثمانية الى تكليف ثويني ين عبد الله السعدون امير المنتفك للقيام بحملة عسكرية ضد الوهابيين , ساندها والي بغداد سليمان باشا الكبير بالمال والسلاح , واستطاعت الوصول الى القصيم عام 1786 واحتلال العديد من القرى وتاديبها , الا ان حدوث الفتن العشائرية في الجنوب ادى به الى الانسحاب والعودة للعراق , ومن ثم فشل الحملة في القضاء على الحركة الوهابية .
شكلت تلك الحملة العسكرية ذريعة لعبد العزيز بن محمد بن سعود في الهجوم على العراق . وقاد الحملة ابنه سعود عام 1788 , واسفرت عن مقتل العديد من افراد العشائر في جنوب غرب العراق ونهب ممتلكاتها , واعتبرت هذه الغزوة اول حادثة تدخل فيها القوات السعودية الاراضي العراقية . وقد تعززت تلك الغارات والهجمات بعد احتلال ابن سعود للاحساء عام 1796 المتاخمة للحدود العراقية , الامر الذي اعتبرته الدولة العثمانية تهديدا مباشرا لها , فجهزت حملة عسكرية لاستعادة الاحساء اسندت قيادتها مرة اخرى الى ثويني السعدون , وتحركت الحملة عام 1797 , واستطاعت الوصول الى ديرة بني خالد واضطرب الوهابيون بسبب ذلك , الا ان مقتل ثويني على يد احد الوهابيين المتطرفين ويدعى (طعيس) ادى الى فشل الحملة العسكرية مرة اخرى والانسحاب من الاحساء .
جهز سليمان باشا الكبير حملة عسكرية اخرى ضد الاراضي السعودية عام 1798 بقيادة الكيخيا علي باشا , وانطلقت من البصرة نحو الاحساء , وانضمت اليها العشائر بدافع الانتقام من ال سعود والحصول على الغنائم , حتى بلغ عددها عشرة الاف مقاتل . لكن تلك الحملة لم تحقق مرادها في السيطرة الكاملة على الاحساء وتحريرها من نفوذ ال سعود , بسبب صمود العديد من القلاع والحصون الموالية لهم , وانتهت بالحصول على هدنة بين الطرفين مدتها ست سنوات , كان من اهم بنودها تامين طريق الحج الى الحجاز , وقد تمت المصادقة على الصلح من قبل سليمان باشا الكبير وعبد العزيز بن محمد بن سعود في بغداد عام 1799 .الا ان ذلك لم يدم اكثر من عام , اذ قامت قبيلة الخزاعل بالتعرض لقافلة نجدية في جنوب غرب العراق , وقتلت منها مايقارب (300) رجل , بعد ان ظنوا انهم قدموا لغزوه , وقام عبد العزيز ال سعود بالكتابة الى سليمان باشا الكبير يحتج فيها على مقتل اتباعه , وطالب بدفع دياتهم وهدد بالغاء الصلح بين الطرفين . وقد ارسل الاخير وفدا الى ال سعود للتفاوض وتخفيف الاحتقان , الا انه فشل في مهمته الامر , الذي جعل الوهابيون يدخلون العراق ويعسكرون قرب (شفاته) , فيما تمركزت القوات العثمانية بقيادة الكيخيا علي باشا قرب كربلاء , وبدات المناوشات بين الطرفين دون نتيجة حاسمة ادت في نهاية الامر الى انسحاب الوهابيون للجزيرة العربية وعودة علي باشا الى بغداد بعد ان ترك حامية صغيرة في المنطقة .
يبدو ان انسحاب عبد العزيز ال سعود من تلك الحملة كان الهدف منه الاستعداد لحملة عسكرية اكبر ضد عشائر ومدن العراق . فقد شن غارات وهجومات على عشيرة الظفير القاطنة في الهضبة الغربية وعلى تخوم منطقة المنتفك , ثم استمر بزحفه نحو كربلاء بهدف تهديم مرقد الامام الحسين . وقد وصلت الحملة في اذار 1802 واحتلوا المدينة وبدوا بقتل اهلها دون تمييز بين كبير وصغير حتى قاربت اعدادهم الالفين , وقاموا بتهديم قبة المرقد وسرقة محتوياته من الذهب والفضة والجواهر والهدايا القيمة , ثم ارادوا في اليوم التالي الهجوم على النجف وتهديم مرقد الامام علي والقيام بنفس تلك الاعمال التي حصلت في كربلاء , الا انهم انسحبوا مباشرة الى الدرعية في الاراضي السعودية . وقد احدث الهجوم على كربلاء وتهديم قبة الامام الحسين والمذبحة التي حصلت فيها ضجة في العالم الاسلامي - وخاصة الشيعي - وتعرضت الدولة العثمانية الى احراج وانتقاد كبير لعدم حمايتها الاماكن المقدسة والتهاون في الدفاع عنها . وقد افرز الهجوم على كربلاء نتائج عدة اهمها :
1 . انتشار الرعب والخوف في العراق من الحركة الوهابية , الامر الذي ادى الى قيام العشائر في غرب العراق بدفع الاتاوة لابن سعود .
2 . اعتبار الدولة العثمانية الحركة الوهابية خطرا حقيقيا يهدد مصالحها نفوذها وسيطرتها على شمال الجزيرة العربية - وخاصة في بلاد الشام والعراق - الامر الذي ادى بها في المحصلة النهائية الى تكليف حاكم مصر محمد علي باشا بالقضاء عليها .
3 . مقتل عبد العزيز بن محمد ال سعود عام 1803 على يد رجل عراقي شيعي وهو يصلي في جامع الطريف في الدرعية , انتقاما لمقتل عائلته في مذبحة كربلاء , وتولي ابنه الاكبر سعود بن عبد العزيز الاماره من بعده .
ادت حادثة اغتيال عبد العزيز ال سعود الى عمليات انتقام كبيرة من قبل الحركة الوهابية ضد العراقيين , فحصلت غارات كبيرة وخطيرة على اطراف الزبير والبصرة ادت الى مقتل العديد من ابناء العشائر المجاورة ونهب ممتلكاتها . كما حاولوا في سنة 1805 الهجوم على مدينة النجف وتهديم مرقد الامام علي , الا ان السور الكبير والخندق العريض الذي يحيط بالمدينة قد افشل تلك المحاولة . واثناء انسحابهم من تلك الحملة العسكرية تعرضت لهم قبائل المنتفك بالهجوم مكبدة اياهم بعض الخسائر . واستمرت الغارات الوهابية حتى عام 1807 عندما حصلت اكبر عملية هجوم قادها الامير سعود بن عبد العزيز مستهدفا هذه المره مدينة كربلاء ايضا , الا ان جهوده في السيطره عليها واحتلالها باءت بالفشل , بسبب السور الكبير الذي اقيم بعد الحملة العسكرية الاولى عام 1802 , مما اضطره الى احتلال مدينة شفاتة الواقعه الى الغرب من كربلاء . ثم اتجه نحو المنتفك واصطدم مع اميرها سلطان بن حمود الثامر السعدون , وهاجم اطراف البصرة والزبير ونهب وقتل جمعا من سكانها , ثم قفل عائدا الى الدرعية . وقد استمرت الهجمات الوهابية بعد ذلك سنويا الامر الذي زاد من رعب العراقيين وخوفهم وعدم ثقتهم بالدولة العثمانية حتى سنة 1812 عندما بدات الحملات العسكرية المصرية ضد الحركة الوهابية , توجت عام 1818 بسيطرة ابراهيم باشا (1789 – 1848)على مدينة الدرعية وتدميرها واسر اغلب افراد العائلة السعودية الحاكمة , وعلى راسهم الامير عبد الله بن سعود الذي خلف اباه عام 1814 ونقلهم الى الاستانة واعدامهم هناك واسقاط الدولة السعودية الاولى . ومن ثم اسدل الستار بعدها على اهم فصل من فصول الرعب والخوف والقتل في تاريخ العراق الحديث من الحركة الوهابية ابان الحكم المملوكي .
لم تبادر الحركة الوهابية والدولة السعودية الثانية (1818 – 1891) القيام باي غارات او هجومات على العراق , والسبب هو ضعفها وانشغالها بالصراعات الداخلية بين البيت السعودي على الزعامة اولا , والانشغال بالتهديدات والاحتلالات المصرية لنجد والحجاز المستمرة حتى عام 1838 ثانيا , والخشية من الدولة العثمانية التي اصبحت لها سطوة كبيرة على العراق بعد سقوط المماليك عام 1831 على يد علي رضا باشا اللاز الذي عين واليا جديدا على بغداد ثالثا . وقد انتقل العراق خلال هذه المرحلة من الدفاع الى الهجوم على الوهابيون في السعودية , فقد استطاع داود باشا والي بغداد (1817 – 1831) من السيطرة على الاحساء , واستحصل مرسوما من السلطان العثماني ببقائها تحت سيطرته والحاقها بايالة العراق , الا ان السعوديين نجحوا في استعادتها عام 1830 . ثم بادر مدحت باشا (1822 – 1884) الذي حكم العراق بين عامي(1869-1872) بالهجوم على الاحساء والسيطرة على القطيف والحاقها بولاية البصرة واسماها لواء نجد , وقد طالب مدحت باشا من عبد الله بن سعود ان يكون متصرفا على اللواء , الا انه رفض ذلك . وقد عانى ال سعود من تحديات خطيرة اخرى بسبب انقسامهم السياسي وصرعاتهم الشخصية , كان اهمها سيطرة ال رشيد امراء شمر او حائل على الرياض عام 1884 وطرد العائلة السعودية منها , التي تنقلت مع عميدها واخر زعمائها في الدولة الثانية عبد الرحمن بن فيصل ال سعود (1852-1928) بين قطر والبحرين , ثم استقر بها المقام في الكويت التي ظل فيها مايقارب العشر سنوات , حتى استطاع ابنه عبد العزيز ال سعود (1875 - 1953) من استعادة الرياض عام 1902 وتاسيس الدولة السعودية الثالثة التي مازالت قائمة حتى اليوم .
قبل عملية الهجوم على الرياض واستعادتها من ال رشيد وصل عبد العزيز ال سعود الى المنتفك في جنوب العراق من اجل طلب المساعدة من شيوخها ال سعدون . وقد ذكر القصة الشيخ علي الشرقي (1890 – 1964) في الواحه التاريخية التي نشرها في المجلات العراقية في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين , وجمعها الكاتب موسى الكرباسي (1931 – 2000) في (موسوعة الشيخ علي الشرقي النثرية – القسم الاول) نقلا عن الشيخ والوزير ضاري الفهد السعدون (1869 – 1939) قائلا(كانت مضارب الشيخ فالح الناصر السعدون منشرة في (الكار) (منطقة زراعية تقع في غرب مدينة النصر (شمال الناصرية) سميت بهذا الاسم نسبة لنهر الكار المندرس في نهاية القرن التاسع عشر) . وفي احد الايام جاءت خمس ركائب لعبد العزيز ال سعود واستقبل استقبالا حسنا بما يليق ... وبعد ثلاث ايام حدس الشيخ فالح السعدون ان عبد العزيز ال سعود يريد استنفار عشائر المنتفك للمساعدة في الهجوم على الرياض ... فارسل له بيد ضاري السعودن خمسة اكياس في كل كيس الف ليرة ذهبية وكسوة فاخرة وخمسة بنادق (مارتيني) مع الاعتذار عن تقديم المساعدة العسكرية له ... رفض عبد العزيز اخذ الاكياس والبنادق وقال بزعل (بلغ العم اني جئته ليوم من ايام العرب لا للاسمال والبدر!!) وترك المكان وقفل راجعا الى الكويت ....ويبدو ان عدم حصوله على تلك المساعدة قد جعله يعقد العزم على الهجوم على الرياض بمفرده والاتكال على نفسه . وفعلا استطاع عام 1902 السيطرة على قصر الامارة بالرياض من ال رشيد واسترجاع الدرعية بعد ذلك وقتل عاملهم هناك , ومن ثم احتلال الاحساء من الدولة العثمانية عام 1913 والحجاز من الشريف حسين بن علي عام 1922 , واعلان تاسيس مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها عام 1926 والمملكة العربية السعودية الثالثة او الحالية عام 1932 .
ثانيا : غارات الاخوان : وهى الغارات والهجومات التي قام بها الاخوان الوهابية على العراق بين عامي 1920 وحتى حلهم من قبل عبد العزيز ال سعود والقضاء عليهم بعد التمرد عليه عام 1930 . وانحصرت هذه الهجومات ابان مرحلة الدولة السعودية الثالثة التي تاسست عام 1902 . وتميزت بالشدة والقسوة والشمولية وغلبة الدافع الديني والتكفيري . وكما ذكرنا سابقا ان الاخوان هم الجيش غير النظامي للحركة الوهابية وابن سعود قبل تاسيس المملكة العربية السعودية عام 1932 , واطلقوا على انفسهم تسمية (الاخوان) لانهم تاخوا فيما بينهم للجهاد في سبيل الوهابية وتوسع مملكة ال سعود في الجزيرة العربية . والاسم هو استحضار للموروث الاسلامي لنظام المؤاخاة بين المهاجرين والانصار الذي حصل بعد هجرة المسلمين الاوائل لمدينة يثرب .
وقع اول هجوم للاخوان على العراق في كانون الاول عام 1920 وكان المستهدف هذه المرة قبيلة الظفير التي تقع مضاربها في جنوب غرب البلاد . واما دعوى الهجوم فهو الانتقام منها لحمايتها قبيلة شمر الهاربة من نجد , واستمرت غارات الاخوان في الاشهر التالية من عام 1921 على العشائر المستوطنة او المتنقلة في السماوة مثل الاعاجيب والظفير والزياد والجوابر , وقتلوا المئات من الابرياء ونهبوا الاف من الماشية والممتلكات الاخرى . ورغم ان العراق كان خلال هذه الفترة تحت الانتداب البريطاني , المسؤول القانوني والسياسي على حماية العراق وتطويره وبناء مؤسسته , الا ان ان الاخوان استغلوا الارتباك والفوضى والفراغ السياسي في اعقاب ثورة العشرين التي اندلعت في حزيران 1920 ضد الانكليز . وقد طلب الامير فيصل بن الحسين (1883 – 1933) قبل اعلان تتويجه ملكا على العراق في اب 1921 من المندوب السامي السير برسي كوكس (1864 – 1937) اتخاذ التدابير العاجلة لوقف تلك الهجمات التي لامسوغ لها غير السلب والتهب والقتل . وقد ادت هذه الغارات الوهابية الى حالة من الفوضى في البادية الغربية العراقية , ومن ثم انتشار مظاهر فرض الزكاة والخاوات والهجمات المتبادلة بين العشائر العراقية والنجدية , الامر الذي شكل فرصة ذهبية لعبد العزيز ال سعود لاستغلالها وتبرير الهجمات على العراق مرة اخرى , خاصة اذا علمنا ان اطماعه ورغبته كانت ان تكون الحدود بين السعودية والعراق هو نهر الفرات , ومن ثم الاستحواذ على المنطقة الغربية برمتها وضمها لنفوذه وسيطرته . فيما كان السير برسي كوكس ومن وراءه الملك فيصل يرفضون هذا الطموح السعودي ويعدونه خطرا على العراق باجمعه وقنبلة موقوته من الاحتراب الطائفي والانقسام الاثني في البلاد .
بدا الهجوم من الكبير على العراق من قبل من الاخوان الوهابيون في اذار 1922 بقيادة فيصل الدويش . وكان السبب المعلن هو وجود عشائر شمر على الحدود وقيامها بالهجوم والغارات على بعض قبائل نجد , فيما كان السبب الخفي هو اعتقاد الاخوان ورغبتهم بالسيطرة على البادية الغربية وضمها لابن سعود . كما ان تولي فيصل بن الشريف حسين ملك الحجاز عرش العراق يعد اهم العوامل التي زادت من حدة الغارات الوهابية , بسبب الخلاف والتنافس المرير بين العائلتين السعودية والشريفية . وقد اسفر الهجوم على المنتفك عن مقتل (694) من العراقيين ونهب مايقارب الخمسين الف من الخيول والجمال والماشية , الا ان الانكليز وقفوا حائلا امام تطور الازمات والغارات في المنطقة , فقد احتج السير برسي كوكس عند ابن سعود على هذا الهجوم الكبير , وهدده بان الحكومة البريطانية ستتخذ بعض الاجراءات العسكرية والسياسية ضده , الامر الذي جعله يعتذر بدعوى عدم علمه بالهجوم او معرفته به . وقد توصل الانكليز بعدها الى حقيقة محددة وهى ان السبب الجوهري والخلاف بين الطرفين هو عدم ترسيم الحدود بين الجانبين ورغبة ابن سعود بالتوسع على حساب الاراضي العراقية .
امام هذه التحديات الوجودية الخطيرة عقد العراقيون اجتماعا شعبيا وروحيا وعشائريا كبيرا في كربلاء في نيسان 1922 تراسه المرجع مهدي الخالصي (1862 – 1924)وحضره مايقارب المائتي الف شخص , اكد في مضبطة رفعت الى الملك فيصل على ضرورة احقاق حق العراقيين في غزوة اذار 1922 الوهابية وتعويض المتضررين , والعمل على حماية البلاد من هجمات الاخوان الغزاة . وقد حضر المؤتمر وزير الداخلية توفيق الخالدي (1878 – 1924) الذي كان يرفع التقارير اليومية للملك فيصل . واما الحكومة البريطانية فقد كانت متوجسة من هذا الاجتماع الشعبي الكبير , خاصة وان اغلب العشائر والمراجع والشخصيات التي كان لها موقفا سلبيا من الانتداب قد شاركت في المؤتمر , وعلمت ان الخطر الوهابي يشكل خطرا حقيقيا على نفوذها ومصداقيتها , ويعطي الحجة للوطنيين والثوريين في النيل منها , باعتبارها قد فشلت في حماية البلاد . وقرر السير برسي كوكس عقد مؤتمر بين العراق ونجد تحت رعاية الحكومة البريطانية في مدينة المحمرة على ضفة شط العرب من اجل حل الازمات العالقة بين الطرفين . وقد اقترح كوكس خطا حدوديا خاصا يكون المحور فيه مكان استسقاء العشائر العراقية والنجدية , ومن خالفه يكون عرضة لتاديب القوات البريطانية . وقد وافق الملك فيصل وابن سعود عليه مبدئيا , وادرجت تلك البنود وغيرها في معاهدة وقعها ممثلو العراق ونجد وبريطانيا في المحمرة في ايار 1922 وصادق عليها مجلس الوزراء العراقي والملك فيصل , الا ان ابن سعود لم يصادق عليها بحجة ان مندوبه وقع عليها دون استشارته , متذرعا بانه ربما تعرض الى ضغطا من بريطانيا للتوقيع عليها وبقيت دون تنفيذ .
عادت الغارات الوهابية والهجمات العشائرية المتبادلة في البادية الغربية من جديد اثر فشل معاهدة المحمرة وعدم تصديق ابن سعود عليها والذي طالب باعادة التفاوض من جديد , وعقد العزم على عقد مؤتمر في ميناء (العقير) على ساحل الخليج قرب القطيف في اواخر عام 1922 . وقد حضر المؤتمر برسي كوكس وابن سعود وممثل الملك فيصل وزير الاشغال والمواصلات صبيح نشات . واستطاع كوكس اقناع ابن سعود على تصديق معاهدة المحمرة يوم 29 تشرين الثاني 1922 , الا ان مشكلة تحديد الحدود بين نجد والعراق قد شكل نقطة خلاف مركزية للمؤتمر , خاصة وان ابن سعود طالب بان يكون نهر الفرات هو الحد الفاصل بينهما , ولكن برسي كوكس رفض ذلك . وبعد مناقشات حادة كادت تؤدي الى ازمة قبل ابن سعود بالخط المقترح من قبل بريطانيا والحكومة العراقية , وهو الخط الحدودي الحالي والفاصل بين العراق والسعودية , على ان تبقى منطقة جغرافية محايدة بين الطرفين لهم فيها حرية التنقل والاستيطان - اطلق عليها الوزير صبيح نشات تسمية (البقلاوة) - تبلغ مساحتها مايقارب السبعة الاف كيلو متر مربع . والسبب هو رغبة اغلب القبائل الرعي فيها لوفرة مياهها وافضلية موقعها . وقد رسمت الحدود وفق مااراده السير برسي كوكس الذي كان متشددا في الحقوق التاريخية العراقية ومتساهلا في حدود شرق الاردن والحجاز وسوريا لصالح ابن سعود . وقد انتهى مؤتمر العقير وفق الشعار الانكليزي (ناخذ من ابن سعود لنعطي العراق , وناخذ من شرق الاردن لنعطي ابن سعود , وناخذ من الحجاز لنعطي شرق الاردن , ولكن ممن ناخذ لنعطي الحجاز ؟) . وقد عاد كوكس لبغداد وهو يحمل بيده معاهدة المحمرة وهى مصدقة من ابن سعود , وكذلك الملحقين الاول والثاني الموقعين في العقير اللذين ارسلا الى مجلس الوزراء الذي وافق عليهما في 23 كانون الاول 1922 وصادق عليهما الملك فيصل . وتقرر ارسال نسخ من المعاهدة والملحقين الى عصبة الامم بناء على طلب وزير المستعمرات ونستون تشرشل باعتبار العراق خاضعا للانتداب البريطاني .
عاد التوتر والتازم بين العراق ونجد مرة اخرى بسبب التطورات التي حصلت في الحجاز اثر رغبة ابن سعود بالسيطرة عليها وطرد العائلة الشريفية منها , الامر الذي شكل ازعاجا وغضبا من قبل الملك فيصل على مصير والده الشريف حسين بن علي . كما ان مشكلة قبيلة شمر قد القت بضلالها القاتمة على العلاقات بين الطرفين , حيث طالب ابن سعود بارجاعها لنجد , فيما ان الحكومة العراقية تؤكد عدم اشارة مؤتمر المحمرة لارجاعها عنوة , وانما تشجيعها على ذلك . فعادت غارات الاخوان المتطرفين من جديد على العراق , فيما استانفت قبيلة شمر هجماتها ايضا على نجد . فقررت سلطات الانتداب البريطاني برئاسة هنري دوبس (1871 – 1934) المندوب السامي الجديد بعد السير برسي كوكس على عقد مؤتمر جديد في الكويت لحل الاشكالات المعلقة بين العراق ونجد من جانب وبين نجد وشرق الاردن والحجاز من جانب اخر . وقد بدا المؤتمر في اوائل شهر كانون الاول 1923 وتاجل عدة مرات بسبب الخلافات المستحكمة بين الاطراف الاربعة , الا ان التاجيل الاخير الى اذار 1924 قد ولد اشكالية تمثلت بقيام الاخوان بقيادة فيصل الدويش بش غارات خطيرة على قبائل الاعاجيب والظفير والغزالات وبني سلامة في بادية الشامية , وقتلوا المئات من الافراد واسروا مايقارب المائتين من النساء وسرقوا الاف من الابل والخيل والماشية . وكالعادة اعلن السلطان ابن سعود عدم معرفته بالغزو وقدم اعتذاره للانكليز بهذا الشان , الا ان التقارير تؤكد معرفته وتشجيعه له من اجل الضغط على العراق في مؤتمر الكويت , الذي في الاصل ولد ميتا بسبب تملص ابن سعود ورغبته بالاستفادة من الوقت في السيطرة على الحجاز , من اجل تقوية موقفه في المفاوضات القادمة . وفعلا استطاع احتلال مكة في تشرين الاول عام 1924 الامر الذي ازداد من حدة التوتر بين العراق وابن سعود , تبلور بقيام الاخوان الوهابيون بقيادة ضيدان بن حثلين رئيس قبيلة العجمان النجدية بغزو قبائل الديوانية , وقتل العشرات من الاشخاص ونهب الاف من الاغنام . كما حصل غزو اخر يقوده ابن شقير وابن منديل على عشيرة الظفير العراقية , الا انها استطاعت من ردهم وقتل مايقارب المائتين منهم . ويبدو ان ان الاخوان قد احسوا بالعار بسبب هذه الهزيمة فنظموا غزوة اخرى في كانون الاول 1924 بقيادة فيصل الدويش نفسه ضمت مايقارب الالفين من المقاتلين , وكانت الوجهة هذه المرة عشائر المنتفك والديوانية التي قتلوا منها مايقارب الخمسين شخصا .كما شن الاخوان غارة اخرى في نفس الشهر على العشائر العراقية الساكنة قرب (نكرة السلمان) في جنوب السماوة فقتلوا مائة شخص ونهبوا الكثير من الاموال . وبسبب تعدد الغزوات وتهاون الحكومة العراقية بالرد عليها , ارسل المندوب السامي البريطاني هنري دوبس رسائل احتجاج الى ابن سعود يحذره من مغبة الاستمرار بتلك السلوكيات المشينة . وكالعادة انكر الاخير علمه بتلك الغزوات والهجمات التي قام بها الاخوان .
شهد عام 1925 العديد من الغارات والهجمات من قبل الاخوان الوهابيون على العراق . ففي شهر حزيران اغاروا على عشائر الظفير في البادية الغربية ادت الى مقتل العشرات ونهب الالاف من الجمال , مما استرعى قيام سلطات الانتداب البريطاني برفع تقرير الى عصبة الامم عن تلك الاعمال والمنهوبات , وطالبت بارجاعها . ويبدو ان هذه الغزوات ومعرفة الانكليز بعدم قدرة الحكومة العراقية بردها جعلتهم يفكرون بعقد مؤتمر اخر لحل الاشكالات المعلقة وترسيخ سلطة القانون في البادية . وفعلا عقد المؤتمر برعاية بريطانية في قرية (بحرة) بين مكة ومدينة جدة في الحجاز , كان من اهم نتائجها عقد اتفاقية بين نجد والعراق في تشرين الثاني 1925 , اعتبرت الغزو جريمة يعاقب عليها القانون , وشكلت محكمة للنظر في اعادة المنهوبات , واباحت انتقال العشائر من العراق الى نجد والعكس لغرض الرعي . وقد صادقت الحكومة العراقية والبرلمان والملك فيصل هذه الاتفاقية. والمفارقة ان الحكومة العراقية طالبت العشائر بوقف عمليات الغزو ضد العشائر في نجد , وعندما اعترضت العشائر على ذلك بدعوى ان ذلك يمنعها من الرزق , طلبت الحكومة منها القيام بغزو بعضها للاخر بدل ذلك !! وهو اغرب اجراء اتخذته الحكومة العراقية لانهاء تلك الاشكالات .
قام الوهابيون خلال تلك الفترة بعمل استفز العالم الاسلامي بعامة والجماعة الشيعية في العراق بخاصة , وهو تهديم قبور ائمة البقيع في المدينة بعد سيطرته على الحجاز عام 1926 . فقد بادر عبد العزيز ال سعود في نيسان من هذا العام بتهديم قبور الائمة : الحسن بن علي وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد . وقد عم الحزن والغضب والاحتجاج في العراق على هذا العمل , وحصلت اجتماعات في النجف وكربلاء والكاظمية للتنديد به والدعوة لاصلاحه , ورفعت البرقيات الى ملوك وزعماء العالم الاسلامي للتدخل وحماية المراقد والمقدسات في الحجاز من التجاوزات التي يقوم بها الوهابيون .
لم يدم الهدوء في البادية الغربية طويلا فقد قررت الحكومة العراقية بالتعاون مع الحكومة البريطانية من اقامة مخافر للشرطة قرب الحدود العراقية النجدية مجهزة باللاسلكي والسيارات المصفحة والاسلحة من اجل تامين الحدود والاشراف على تنقلات العشائر وحركتها . وقد بدا العمل باول مخفر او قلعة في موضع يدعى (بصية) في السلمان جنوب البادية , وعندما بلغ ابن سعود ذلك رفض اقامة المخافر بدعوى انها ستكون نقطة تجمع للهجوم عليه , الامر الذي ادى الى قيام الاخوان يوم الخامس من شهر تشرين الثاني من عام 1927 بشن غارة على مخفر (بصية) وقتل عددا من العمال والشرطة . وقد اثارت الحادثة غضب سلطات الانتداب البريطاني والحكومة العراقية , الا ان ابن سعود لم يهتم بذلك الاحتجاج واصر على عدم اكمال بناء المخفر . وازاء تلك التطورات عقدت الحكومة العراقية العزم على فرض الامن وحماية منطقة البادية الجنوبية - الغربية بنفسها , ووقع اختيارها على الكابتن الانكليزي جون باجوت غلوب (1897 – 1986) المعروف لاحقا بكلوب باشا او (ابو حنيك) ليكون مفتشا عاما ومسؤولا عن الامن في البداية الجنوبية , الا ان هذا لايمنع من قيام الاخوان بهجمات متقطعة استمرت حتى اذار 1929 . عندها عرفت بريطانيا بان هذه الاشكالات لانهاية لها اذا لم يتم حلها بين الطرفين في مؤتمر جديد يكون شاملا وحاسما , فحثت الحكومة البريطانية جميع الاطراف المتنازعة على المشاركه فيه , وانتدب الوفد العراقي برئاسة مستشار وزارة الداخلية كيناهان كورنواليس (1883 – 1959) , يصطحبه الكابتن غلوب باشا مفتش البادية الجنوبية نظرا لخبرته باحوال المنطقة والعشائر العراقية . وقد انتقدت الصحف العراقية تعيين كورنواليس والكابتن غلوب لتمثيل العراق في مؤتمر جدة المقبل , وعدته اهانة لسيادة البلد وسمعته الدولية . ورغم تلك الاعتراضات عقد المؤتمر في ايار 1928 وراس الوفد النجدي السلطان ابن سعود نفسه , وناقش فيه الطرفين الكثير من القضايا العالقة , الا ان الاشكالات لم تحسم , وخاصة قضية بناء المخافر التي رفضها ابن سعود . وانتهى المؤتمر بدورته الاولى دون نتائج ملموسة . وعقد مؤتمر جدة بدورته الثانية في اب 1928 وابدت الحكومة العراقية - وباقتراح من بريطانيا - الاعتراف بسيطرة ابن سعود على الحجاز كوسيلة للموافقة على بناء المخافر , الا ان ابن سعود لم يرضخ لذالك , واصر على موقفه . وعاد الوفد العراقي الى بغداد دون نتيجة , الا ان امرا اخر في الداخل السعودي ادى لاحقا الى قبول التفاوض والمعاهدة وانهاء الغارات الوهابية على العراق , وهو تمرد الاخوان بزعامة فيصل الدويش على ابن سعود عام 1929 الذي ذكرناه سابقا . ويبدو ان قوة تمرد الاخوان وخطورته جعلت ابن سعود يفكر جديا بالقضاء عليهم وحلهم وتشكيل جيش نظامي يليق بلقبه الحديد وهو ملك الحجاز ونجد وملحقاتها .
بعد القضاء على حركة الاخوان الوهابية المتشددة , اصبحت الامور مواتية للطرفين بحل خلافتهما الحدودية والعشائرية . واقترح الانكليز عقد لقاء بين العاهلين فيصل بن الحسين وعبد العزيز ال سعود على ظهر البارجة الانكليزية في الخليج (لوبين) بعد ان رفض ابن سعود عقد اللقاء في المنطقة المحايدة . وعقد المؤتمر في شباط 1930 وحضره العاهلان اللذان ناقشا القضايا المعلقة , وخاصة قضية المخافر وتسليم المجرمين وتعويض المتضررين من عمليات الغزو الوهابية السابقة . واستانفت المفاوضات في بغداد وتوصل الطرفان في اذار 1939 الى معاهدة الصداقة وحسن جوار مع بروتوكول للتحكيم . ووقع عليه بالاحرف الاولى بعد ان تم اخبار العاهلين والحصول على موافقتهما , وتم تاكيد الاتفاق لاحقا في مكة في شهر نيسان 1931 . وقد صادق مجلس الوزراء العراقي ومجلس النواب ومجلس الاعيان عليها , واعتبرت الاساس القانوني للعلاقة بين الدولتين طوال القرن العشرين . وهكذا اسدل الستار عن واحدة من اهم التحديات الوجودية الخطيرة التي انتابت المجتمع العراقي ,والتي تمثلت بغارات الاخوان الوهابية وهجماتها المستمرة من جانب وتجاوزات الحكومة السعودية على الارض العراقية من جانب اخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي