الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشر رسائل إلى الربات 1

السعيد عبدالغني
شاعر

(Elsaied Abdelghani)

2021 / 3 / 6
الادب والفن


(1)

الوقت تعدى الثانية عشر بمدة قليلة والطقس بارد جدا . كل شىء منتهك من الغياب حتى أنا فى حضوري الفجائعي فى العالم .

أبوح لكِ بكل وزن ألمي وحصتي من التلاشي المسبوغة من الشعر،أنا كائن يرقص مثلكِ ولكن بدون تنظيم ، يدور حول قلمه ودفتره فى المنتصف ويصنع دائرة بعد السكر والفناء حتى يفقد الوعي لعل إشارة تأتي من الأعالي تُبطل أرض البشاعة باطني وما فيها .

معرفة الذات مستحيلة ، معرفة أي شىء ربما ، فقط نحن آبار بلانهاية تتمشي على غبار الأمكنة بهياكل هشة ومصير مجهول وتشمم للموات فى كل آن .

أبوح لكِ بما فى وجداني الافل المنغلق على شظايا روحي وأرسل نبضات فى طورها الأخير عسى أن نحلق ونعصي الفيزياء وننبت فى عروش بعضنا .

حروفي مؤسسة على الارتجاج، على وحشية الألم ووحيكِ جمالي رقيق يفضحني أنا صاحب المعاني الدونية البذيئة .

إلى اللغة معادى ، إلى خزانة الأطياف،  إلى كير المأساة،  وريث أنا لكل الظلمة والاضطراب ، تنحى يا حبر عنيّ فهى نور حقيقي يبلل هدمي.

(2)

انى أحيا ما أسميه " ولادة الانتشار اللااكتراثي فى كل انفعالي تجاه العالم وما به " ، لا أعلم هل هذه آخر مراحل الأفول الذاتي ؟ كل شىء يطردني لداخلي والخارج عراء قارس لا يرحب ، أردت الكتابة لكِ لأن طيفكِ الأزرق فى غفوة عانقني بعد أن دفق خفة على صدرى المختنق. هذه الأيام لا أنتظر الشروق ولا الغروب ولا حبات الندى على يدي في الفجر لتسقط لأن هذا العالم سجن لولبي ، أخرج من سجن أدخل فى سجن والسجون فلوات بلا قوت وبلا تشوف مظلمة كريهة ولا أعرف متى سُجِنت في كل هذه السجون ولكنها حشر من السجون المجانية التى خلقتها الأبعاد البيئية والأبعاد الانسانية، لم لا نطير ؟ ونحن وهيج لانهائي. لا تسجني أطيافكِ حولي وكوني دوما زرقاء .

(3)

انا رحيق الجنائزية الحاضر بعد غياب كل شىء .




ماذا نفعل فى هذا الخراب ؟ أظنه حلم طويل نهايته مأساوية، حلم جئنا منه يعقبه أكوانا فى رأسنا يعقبه حلم آخر،أنا وأنتِ فقط بحثنا عن الزهور فى العالم وهذا ما جنيناه، جروح لا نفقهها ولا نفقه مداواتها، نقنع انفسنا بالبقاء بمقطوعة موسيقية أو لوحة أو قصيدة وفي النهاية نعود لعرشنا فى رأسنا لننام فى ظلمته الخانقة ، إلى متى نخلق الأكوان ونتركها بعد خلقها ؟ إلى متى نبقى فى حرائق الارض وبورها وخرابها ؟ الحقيقة كيميائها الكآبة والجنائزية. النهاية لكل شىء مأدبة للانعدام والزوال .

(3)

أشعر بالافول بشكل عميق

فى هذه الأيام الشتوية المخمورة برائحة المطر

مغموسا هو فى دم قلبي

ومترعا بثبات لا يتحرك .

أشعر به فى كل ما أراه حتى فى وجه الشمس الابله وجدائل أمى المتبقية

وسرج النفخة الصوفية فى فم التهامي.

روحي ترتعش في المحراب

وعظمي يرقص ويكسر نفسه

ماذا تبقى لنا ؟ الحياة تالفة من اول النشوء لآخر الزوال

نحن أطياف استعارية لا تعرف نسبها لأي ضوء كسير أو أي عتمة غضبانة

الحلم تكسرت اغصانه وجذوره وثماره فى غياهب اللاادرية

نحن سجون مليئة بجيفة فادحة النتانة

لا اعلم من سيشربنا بعد أن عتقنا الألم كل هذه السنوات

بعد أن مزقتنا عتبات السجون التي خرجنا منها وعدنا أو لم نعود.

كيميائكِ أنيسة وحدتي يا بعيدة

ووحيكِ فى ضمير لغتي يشكو الابتلاء بالافتراق المكاني

أهرع حولكِ بعد قحط الظاهر والباطن والدروب والجسور

واتساع فم الموات .

(4)

أشم الموت من أي حين ومن أي حيث هذه الأيام بشكل مفرط للغاية ،إن كل شىء حولي يبثه ويشعه ويبوح به ويسرده ولا شىء يمحوه، أصبح أقرب إليّ من السجن بشكل مفزع ، صدري مسحول مسحوق فى دخانه، أنفي ذاتي حتى وصلت إلى حد الغياب المطلق والزوال

تواعدنا على البوح بالموعد المحتوم وها أنا أقول لكِ أنه اقترب ، سأُحني كل الجدران بدمي ، سأُحني كف الأول، والقدم الأخيرة المغادرة وأرسم عدما ببياض جلدي وليحرقوني أو يدفنوني، سيان ، ستأكلني النار أو الدود ، إنه رزقها المقرف بجسدي الملىء بالمواد المخدرة.

إلى مهدنا سيلفيا ، المرآة المطلقة ، التى من كثرة انعكاسنا فيها نتحد بها ، بعد حياة خيلنا فيها عوالم لانهائية ولم يشهدنا أحدا ولم يشهدها أحدا سوانا ، نُفينا بسبب نزع الموت فينا وطاقته التى لا تنتهى .

أوحينا إلى كل شىء بالبشاعة وأوحى لنا بالبشاعة .

(5)

اليوم أنا مختلط المشاعر تجاه داخلى وخارجى ، أنظر للاشياء كأنى أراها لأول مرة أو كأنى لم أراها من قبل بالمرة .

ما محتوياتى فى الحلم المبلل بتدوين الغرابة؟

ما محتوياتى فى الاتجاه الفاشل الذى أصارعه لأحيا ؟

ما محتويات الذى أستعيده منيّ من الكون فى الفجر ؟

ما محتويات لغتى من الاكوان الخفيفة

ومن محارات الموارد الاولى والاخيرة ومنكِ  ؟

أنظر لجرانيت محاجركِ

وأستل حداثة ومبادىء المعنى الجديد فيّ

أرتفع فى مصاهر الربة

مطيحا بخوفى المعلَل

وأثاث الالم العظيم فى العالم .

العتمة تهبط على جلدى المرجاني

وعلى الاشياء التى تتشربها

كما  يتشرب البحر سفينة كليمة .

ألتحم مع طيفكِ وأفترق وألتحم

مشعا بانتزاعى واستلابي من قفص الوحدة العميقة

غير مستمتع بأى شىء

سوى بجعل مصبغة الباطن تعمل لتخريجكِ على مرئييّ الرمادي  كله .

أشعر برعب شديد من هذا الذى يتكون فيّ تجاهكِ

إنه يعذب شيطنتى المملحة بالالوهة

يعذب إرادة الهرب من رنين ضحكتكِ ووحيكِ المذروف عليّ بلا ثمن .

كل شىء فيكِ يبطش بحبري

يبطش بجداولى المسافرة فى الأعماق

كل شيء يختلط برسمكِ اللامرئي فى روحي

التى هي اوركسترا الانفجار

ولكن كل شىء يحتك بالاستحالة.

أخذتي منيّ ما لا يٌعطى

ما يتقوس تحت اللسان

ما هو ممزق محمي فى جداول الخفة والثقل

أخذتى حظوة قعري اللاسعة

مفاتيح عصياني وعصيي

وما نكحت من الصدف والأقدار

وما عثرت عليه داخلى وخارجى بعد رعب الخطوات

أخذتي كريستال حبسي وحريتي .

قشّر حضوركِ أغلفة الغياب عليّ

نفذ من حجارة الوحدة

تسلل إلى سبيكة مطلقي

وختم لونه وكيمياءه وغاب فى الواقعي

تاركا تأويلات جديدة لكل شىء .

انزلق المحفوظ فى جسم الفيزياء لى

انزلق طيفكِ من الغيوم ، من بين غربان الموت

تكسّر التناهى بين أرجلى وأنا قادم إليكِ

تكسّر الوداع الأكيد والفقد الأكيد

وأردف الممكن بعلو صوته : مستحيل ! .

انتى حبكة السدر كلها

وأنا الطواف حول نواتكِ بمدد الهوس والمرض والهستيريا

حبكة المعنى الغويط

حبكة الاتجاه

والعروش البعيدة والاكتناه .




"بحتك بتأرجح عتة الصدف جوايا

وشدة الوقت والمكان

ونكسة القلب بالكمان

وكره لسانى للكلام .

أكحل جفونى وأشوفك

وأحنى إيد المدى واكتبلك

أجس الجرح ألاقى وشك

أجس الصرة المقفولة للبداية والنهاية الاقى اسمك ،

ضاجع القدر الحضرة فى دماغى

والرحمة محجوبة صوان على القلب القش .

مدمن انى احس الالم الشديد فى كل حاجة

مدمن انى اتوق للفضا البعيد

و حرايق الماضي فى عين الغريب

مدمن إنى أبوّر قلبي بالخراب"

بين شفتي وشفتيكِ

بلادا مسعورة للامتداد أكثر

لعنات خبيثة

خواءات وعمرانات

وخطايا ملهمة

انخطافات غير مؤرخة

وفراديس عصية عن التكون

غيب غير مقروء .

(6)

يدفعنا الفقد لنكون مسوخا ، يخلقنا أطيافا بمضمون آخر غريب ، بترهات لاقانونية فى الوحدة ومصير محتوم بالتلاشي والكآبة . الفقد الصارم النهائي الذى لا يجعلنا ننتظر شيئا ثانية لننام فى حضن الصمت والخرس والضجر المتصلب فى أوردة أنفسنا .

بعيون تدمر كل ما ترى وعقل مدمن على النفي وروح تنأى وتنأى وتنأى ، تنطوى مشؤومة محرومة من أين دفء واحد ، مستهجنة كل العالم وهائجة لعض جروحها اللامرئية .

الطفولة هى كل ما نملك ، مشاعرها وافكارها وحكاياها الزاحفة فى الذاكرة ، وصحائف الشفق فى المدى البعيد ، معانقة الضوء للزهرة ومشهد الاطفال وهى تلعب فى حارة أمام البيت .

إننا حشد كبير ، وشساعات خربة لم يبقى فيها أى أحد سوى الدراويش الوحيدة الصادقة فى وجدها للكون .

إن ما يُوهن فى كل هذا الخراب هو نأى المحبين المكاني ، نأى الأرواح المرهفة الطليقة المشابهة ، نقص الادلة على جمال هذا الخراب وتناسق الالام لتكوين الحبس الابدي فى الوحدة ، إن ما يُوهن هو عدم احترام الالهه ولا العبث لوجدانيتنا .

(7)

في البدء اصطك القلم بالورقة وتكونت الكلمة على عرائش وانهارت هي والعرائش على أيادي الشعراء . فى بدئكِ كان هناك محارة زرقاء خرجتِ منها كفينوس بروايتي الشاعرية المكسورة .اعتدت الكتابة وفي العادة تقل الجمالية عن أول مرة ولكنى أجلت كثيرا الكتابة لكِ ربما لقرب رحيلي فى مخططات رأسي الداكنة من الداخل، المليئة الساجنة لوحوش كثيرة ترتطم وتريد الخروج للعالم ونسيمه. وجهكِ يدلف فى حُمى نشوتي بتراب الافول الأبيض الاكسيري، يدلف عند عزف الربابة فى الحضرة ، من كل الأبواب المسعورة للانفتاح لشهود ضوء وجودكِ فيّ .لم نتحدث بلغة ولكنى حدثتكِ كثيرا وتقدمت إلى طيفك ولمسته مرة قبل أن ألمس الطفل الذى كان ياتيني كلما فكرت فى الانتحار مع مشهدتين ، الأولى طاحونة تعصر وردا ودم الورد المعصور يملأ العالم والأخرى جرافة تدهس أيائل بريئة إلى ما لانهاية .أى طلسم أنا لا يفك إبهامه بأدوات الاستطلاع والهتك ؟ .لست طالبا للغتكِ أو لقربكِ فقط أردت أن أنهي هذا بيني وبين ذاتي بأن أبعث وأنا مخمور بخمر الميثولوجيا كلها والميثولوجيين وحولى اجنحتهم المودعة لى وهذه العيون الكلية المتراقبة معى فى ابوكاليبسي الذاتي .

شهية دلالتكِ فى الرائي المخزوم بأحلام طويلة أو قصيرة المدد

واسفار عيونكِ التى اقرأها غرائز جديدة للبقاء وايواء معاني مطلقة .

(8)

إلام كرست حياتى ؟ لا شىء فى الحقيقة ، ربما للمتاهة ، اليوم أنا اودين ، البارحة كنت لا احد مطلقا ، غدا سأكون طائر ميت فى خراية . أشكر العالم على الألم الذى سببه لى فلولاه لم أكن ادركت حقيقته وحقيقة وجودى المجرد ، كل شىء أحبه سحقته ، كل وعد ، وأنا الان من وأين ؟ خالد فى النفي والرفض ، تحاصرنى آلامى السابقة وذاكرتي الصراخية ولا أجد أحدا أقص عليه سوى الفراغ المتمدد الأخضر أو المدى اللامملوك ، تحوطني دوائر كثيرة وحشية مخيفة ، فى الليل تقضمني وترغمنى على الجنون .

آذيت أناس وأذيتنى ومحوت هويتى المزعومة وخرجت من شطرنج الواقع . لا حنين لى ولا أحد أستأذنه أن أودعه من فرط وداعاتى لكل أحد . الالم دمر مضمون ومحتوى كل شىء وكرهنى فى غزوى للافكار والمشاعر والمعانى .سأعود إلى مرآتى وأتوقف عن الكتابة ، سأعود إلى مرآتى ...

البنفسج غير خالد( الذى كان تحت حلمتكِ اليمني كوشم ) .. الضوء غير خالد .. وحدها الظلمة أزلية وسرمدية .




(9)

أفعل كل شىء وحيدا ، اللغة جعلتنى هكذا ، لأنى منفصل عن المعاني العلائقية تماما ، معانى الاخر ، حتى النشوات أشعر بها وحدى ، من المخدرات والسكر والرقص والتخييل ، لا أعرف ما هذا البؤس الشديد فى كل شىء أفعله ، إن كل شىء يهيل عليّ بؤس شديد لهذا انتهيت عن فعل كل شىء سوى الشعر ، هذا الوتر الموسيقى الهارب من وراء السر .

هل سأبقى وحيدا هكذا طيلة وجودى هنا ؟ هل سأبقى وحيدا واهنا ؟مرثيا من كل جمال أعيه ، مخمورا بفجر لا يأتى ، ويح الشعر وويح الوحدة وويح الانغماس فى السواد وويح الاندساس بالكلية فى التصوير ،إنها أرجوحة قاسية لا تتوقف تذويني فى هذه الوحدة ، لا أعرف ما الذى فى خلاياي ولا ما فى أعصابي ، هل أنجبتنى أمى من اللعنة الكونية ، أريد فسحة واحدة أرتاح فيها خارجى ولكن كل الامكنة خائنة ، كيف أحطم هذا الخواء العاتي ، إنى أزول فعلا وأذوب فى الزوال .

(10)

ان الوحدة هى كل ما يتضاد مع وجدى الجذري لكِ، وحدتي ووحدتكِ ولكنى الان وجداني لا يوخزني أبدا على فناء كل شيء فيّ فيكِ، بل يستزيد من كليتي الشعرية طواعية إليكِ ، الرغبة فى تجربة كل شىء هى ما خلقتني هكذا سوداويا لأني جربت اللهب والثلج وأثر ذلك على عقلي كثيرا فأصبحت بوسوسة خوف شديد مني، نحن لسنا متشابهين المخالب ولا الوحدات ولا الخلق ولكننا متشابهين الوعي ، متشابهين التجريد والحقيقة ، إلى متى أكتم وحيكِ فى سوادي؟، إلى متى لا أؤمن بمعراجكِ على أرضى وإسراءنا المشترك فى السماوي اللامعقولي؟ دقي عنق عدمي وليسيل أمامنا يا عطشة التصاوير، المهاجرة دوما من الحدود المصنوعة من العالم ، اصعدي فى طبقات حجبي إلى أعلى حجاب وارقصي عليه وانفذي فى ضوئي كما نفذت في ضوئكِ وسقطت فى هاويتكِ وأعاليكِ.

للاطلاع على قناة الكاتب يرجى زيارة :

https://www.youtube.com/channel/UCSi7fO-4-gEPIsrZP50acqQ/videos








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة


.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با




.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية