الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات ( 260) تحديات استخبارات الميدان

بشير الوندي

2021 / 3 / 7
الارهاب, الحرب والسلام


مدخل
-----------
من اصعب ما يواجه عنصر الاستخبارات العامل في الاستخبارات العسكرية هو العمل الميداني في بيئة العدو , فهو في تلك المهمة لايحتاج الى الذكاء فقط وانما يحتاج الى مَلَكات لاتتوافر الا لدى عدد قليل من رجال الاستخبارات , وسنلقي الضوء في هذا المبحث على بعض المصاعب والمخاطر التي تواجه رجل الاستخبارات حين يكون وحيداً خلف خطوط العدو .
----------------------------
عدو مامن صداقته بَدُّ
----------------------------
استخبارات الميدان هي في صراع مع الطبيعة , فغالباً ما تتم عمليات التجسس الميداني في او عبر اماكن لايعيشها رجال المكاتب في مبنى الاستخبارات كالمناطق الحدودية والجبال والوديان والبحار والمستنقعات والأهوار وفي الصحراء والتلال والمناطق غير الماهولة الا من الوحوش والعقارب والحشرات السامة .
وغالباً ما يصارع رجل الاستخبارات الميداني الأمرّين , جيوش وكمائن العدو من جهة والطبيعة الصعبة التي يجب ان يتعايش معها ويتاقلم للعمل فيها , فالطبيعة في تلك المناطق تكون قاسية وصعبة جداً , فلاماء ولا كهرباء ولا وسائط نقل ولا طبابة , وتكثر فيها الحيوانات كالذئاب والكلاب والافاعي والتماسيح والزواحف السامة وغيرها من الحيوانات المفترسة, وكل تلك الظروف تتم في ظل بيئة معادية للعدو وعلى ارضه .
ان الجيوش والقطعات العسكرية تتحرك في تلك المناطق الصعبة الا ان الفرق بينها وبين رجال الاستخبارات هو فرق كبير , فبينما تعمل القطعات العسكرية ضمن مجاميع بشرية يساند كل منها الآخر مما يوفر لها استعدادات لوجستية وعجلات وآليات , فإنّ رجل الاستخبارات يعمل بمفرده - في الغالب - بلا مناصر ولا دعم او مساندة , وقد يهبط بمظلة او يصل عبر البحر بملابس غوص او بزورق صغير او دراجة نارية اومروحية , وقد يُترك هناك مع دليل من اهل المنطقة .
----------------------
التأقلم او الموت
----------------------
تصور الحال وانت تُترك لوحدك بعد ايصالك الى نقطة خلف خطوط العدو من خلال مروحية او زورق او عبر منفذ حدودي , وتبقى لوحدك لتواجه المخاطر كافة بكل اشكالها سواء الامنية منها او البيئية (انظر مباحث في الاستخبارات (47) استخبارات الميدان , ومباحث في الاستخبارات ( 237) الأدِلّاء) .
لايمكن وصف حالة الخوف والقلق والترصد والانتباه والاجهاد , فتجد اكتاف الأنهر الممتلئة بالوحل لاسيما في الصيف حيث يكون منسوب المياه منخفضاً مما يجعل الوحل يمتد من ثلاثة الى عشرة امتار ولابد من اجتيازه .
كذلك مشكلة الكلاب في القرى الحدودية ومناطق البدو واطراف القرى , فكل بيت يمتلك على الاقل خمسة او عشرة كلاب , وهي ليست كلاب زينة , انها شرسة وكلها تطاردك ونباحها يتصاعد وعضتها مؤلمة وخطرة.
ولا يستطيع رجل الاستخبارات استخدام النار احياناً تجنبا للخطر والانكشاف في وقت انت بأمسِّ الحاجة اليها للتدفئة او الطبخ او لتنشيف ملابسك المبللة من المطر او من اجتياز النهر او لغلي الماء لتنظيف نفسك .
كما ان عليك ان تحمل كل مالديك بنفسك دون الاستعانة بأحد حيث لاأحد , وعليك ان تتزيّا بزي أهل المنطقة التي تتواجد فيها وان تحتفظ بملابس اخرى تلائم مقصدك , وتحتاج الى حذاء رياضي للسير وآخر لتلبية مهمة مقصدك , بالاضافة الى الضمادات وادوية بسيطة من قبيل الادوية المضادة لسموم الافاعي والعقارب وجهاز GPS وهاتف ثريا وسكين وناظور صغير وخارطة وسلاح وعتاد والى مستمسكات مزورة وقد تحتاج الى اقراص سامة للإنتحار واموال من عملة البلد اضافة الى عملة مغرية متداولة كالدولار بالاضافة الى اغراض اخرى متنوعة تصل احياناً تزن من 25 الى 30 كيلوغرام.
من المصاعب الجسيمة التي تواجه ضابط الاستخبارات الميداني هي الامراض التي يسببها التلوث والحشرات لاسيما في الغابات والمستنقعات , فكثيراً ماتطول مهمة رجل الاستخبارات ويصبح الحصول على مياه نظيفة امر صعب فيضطر الى الشرب من مياه الجداول والآبار التي قد تتواجد فيها حيوانات نافقة او من مياه آسنة مما يتسبب له بآلام معوية والتهابات جلدية وقد يواجه خطر الموت بسبب ذلك .
ومن الصعوبات التقنية هي اللغة واللهجة التي يجب ان تكون متطابقة مع لهجة المكان الذي يقصده رجل الاستخبارات , وان يكون متقناً للأجوبة ولايثير الشكوك في قصته من قبيل من اين جاء والى اين يقصد , وبالعموم فإن وصول رجل الاستخبارات الى منطقة هدفه او مقصده تكون محفوفة بالمخاطر الامنية فيما تتراجع المخاطر البيئية , بينما في طريقه الى الهدف تتقدم المخاطر البيئية ومخاطر الطبيعة لتأخذ حيزاً كبيراً من الخطر المحدق بالمهمة (انظر مبحث(117) معالجة القتال المتحرك).
----------
الأدِلّاء
-----------
ان استخبارات الميدان تستعين كثيرا بالأدِلّاء , الذين يسهلون عملية العبور من الحدود , وحتى في عمليات الانزال والمظليين خلف خطوط العدو , لابد من وجود من ينتظرهم كدليل او متعاون محلي , فالحوار مع اجهزة الامن , والتملص من اجوبة السيطرات العسكرية المعادية , وكيفية التخفي , والزي المحلي , والعادات والتقاليد , ومهارات العيش , واسلوب التعامل , والدلالة في الطرق الوعرة والنيسمية والفرعية , والتخلص من السيطرات , والالتفاف من حواجز الامن , كلها مخاطر مميتة من الممكن تجاوزها عبر الدليل المرافق لرجل الاستخبارات فهو إبن المنطقة وابن البيئة , ويعرف التهديدات , وبدونه قد يودي الطريق الى كمين لنقاط عسكرية معادية , ولا يمكن عبور اية قوة سراً من منطقة حدودية بدون تعاون ابن المنطقة , واحياناً تحبط عملية بالكامل بسبب مقتل الدليل اوعدم حضوره, وغالباً ما يكون تجنيد الأدِلّاء عائلياً من الاب الى الابن وهكذا (مباحث في الاستخبارات ( 237) الأدِلّاء)
وهنالك كلمتان مزعجتان يسمعهما ضابط الاستخبارات من الدليل عندما يساله عن الوقت المتبقي للوصول للنقطة المطلوبة فتأتيه الاجابة المطاطة الغامضة : خمسة دقائق ..اقتربنا .. شمرة عصا (كما يقال بالعراقي) , واذا بشمرة العصا تتحول الى مسيرة يومين سيرا على الاقدام !!!!!.
كما ان رجل الاستخبارات معرض في بعض الظروف الى خيانة الدليل الذي لاتملك شخصاً تضع روحك بين يديه سواه , وحينها يواجه رجل الاستخبارات العدو والخيانة والطبيعة القاسية كلها معاً في وقت تتطلب منه المهمة التركيز والوصول الى الهدف .
-------------------
محاكاة الواقع
-------------------
يخضع عناصر الاستخبارات لتمارين قاسية للتدريب عن كيفية التعايش والتأقلم كي ينجحوا في المهمات الميدانية الصعبة , فتجري التمارين بشكل يوفر نفس المخاطر التي قد تواجه المتدرب على ارض الواقع , بالاضافة الى التدريب على المهارات التي تعين رجل الاستخبارات في مواجهة الطبيعة ومكائد العدو من قبيل طرق الغش والاختفاء واقتفاء الاثر واكتشاف الاتجاهات والطرق وتأمين الاتصال والتحمل والتنقل واستخدام ال GBS والاقتصاد بالماء والمؤنة وغير ذلك.
ولايكفي ان يتلقى رجل الاستخبارات تدريبات القوات الخاصة وقوات الانزال التي تكون مهيئة في جميع الجيوش على هذه النوع العنيف من التدريب لرفع القدرة على الصبر والتحمل والتاقلم والقتال في اصعب الظروف , فعليه فوق ذلك ان يتعلم كيف يتعامل مع كافة المخاطر وحيداً , فالقوات الخاصه تذهب لتقاتل وضمن مجموعات لكن ضابط الاستخبارات يذهب ويعود بصمت.
ان احد اهم صفة يجب ان يتحلى بها عنصر الاستخبارات في العراء لصراع الطبيعة هي رباطة الجاش فهي الضمانة للاستمرار وعدم التراجع , كما يجب عليه ان يتدرب على التأقلم مع اقسى الظروف , فرجل الاستخبارات سيجد على ارض الواقع انتقالات قسرية من المكتب والمدنية المستقرة الآمنة الى الطبيعة المستفزة والخطيرة بكل جوانبها ثم يعود بعد كل مهمة الى الحياة المدنية وهكذا دواليك مع كل مهمة , وهو امر يشبه تقلبات الجو العنيفة .
ان الدورات التدريبية التي تقام لهكذا انواع من المهمات تكون قاسية وتحاكي اعنف واقسى التجارب وأسوأ السيناريوهات المحتملة , فيخضع عناصر الاستخبارات المختصون بعمليات التسلل الى تدريبات عسكرية عنيفة جداً , من قبيل
ان يطلب من المتدرب ان يقيس طول المعسكر الذي يبلغ قرابة 10 كم باستخدام وحدة قياس هي عود ثقاب !!! وبعد ان يتم هذا القياس المرهق والممل يقال له ان القياس غير دقيق وعليه ان يعيد الكرّة , وتتم هذه العملية التي تستغرق يوماً كاملاً تحت المطر, فترى اصابع المتدرب ترتعش من شدة العصبية والغيض وعليه ان يكتم غيضه .
او ان يملأ مدرب الدورة كلتا يديه بحصى ناعم ويقذف بالحصى باتجاه السماء فيتناثر على الارض , ثم يطلب من المتدرب جمع الحصى في ظلام الليل , فعلى المتدرب ان يتلمس الارض شبراً شبراً ليجمع الحصى ويأتي به الى المدرب الذي يسأله عن عدد الحصى , ومهما قال له سيكون جواب المدرب لا هنالك حصاة ناقصة , ثم يأخذ الحصى ويرميه مرة اخرى ليطلب من المتدرب ان يجمع الحصى مرة اخرى بشكل ادق , ولكم يود المتدرب ان يجهش بالبكاء من شدة القهر او ان يوسع مدربه ضرباً , لاسيما وان العملية قد تتكرر لستة او سبعة مرات , ولكن النجاح هنا بضبط الاعصاب والصبر بلا تشنج .
من التمارين الاخرى , ان يخرجونك فجراً بالشورت فقط وتجلس بمسافة عن زملائك وانت ترتجف من البرد وتجلس القرفصاء ويطلب منك المدرب ان تعدَّ الى المليون بقلبك , وبعد ساعة يعود اليك ويقول لك بكل برود انك اخطأت وعليك اعادة العد , وتبقى على هذا المنوال الى ان تشرق الشمس.
وعدا عن تدريبات الصبر التي ذكرناها , فإنّ هنالك تمارين لتقوية الحواس منها ان يغلق عينيك وعليك ان تركز على الاصوات او ان تشم روائح وان تكتشفها , او ان يمرر من امامك لقطات على التلفاز وعليك ان تصفها.
ومن اهم تدريبات عنصر التسلل هو الاهتداء الى الاتجاهات عبر النجوم او الارض , كما انه قد يدخل الى بلد العدو بشكل رسمي من خلال المطار اوالميناء اوالمنافذ الحدودية تحت غطاء بحسب المهمة كشخصية تاجر او صحفي او سائح او غير ذلك , وعليه ان يحفظ اسمه الجديد بشكل جيد وان يخالف بصبر حديدي الطبيعة البشرية التي تجعل الشخص يلتفت او يجفل حين ينادى بإسمه الصريح وفي ذات الوقت ان يعود نفسه على ردة الفعل الطبيعية حين ينادى بإسمه المزيف وهو امر صعب يحتاج الى المران .
ان المغزى من تلك التمارين هو تنمية القدرات والصبر وترويض النفس على تحمل المشاق كالعطش والجوع وسوء الاحوال الجوية وتوقع المخاطر وعدم الجزع والتركيز, فمهمة رجل الاستخبارات هي مهمة غير مسلحة لذا من الافضل ان لايستخدم السلاح فهو خلاف رجل القوات الخاصة الذي تكون مهمته الاولى كآلة قتل.
-----------
خلاصة
-----------
رجل استخبارات الميدان هو مزيج من ذكاء المحلل وقوة تحمل رجل القوات الخاصة , ورباطة جأش الحكماء , وعليه ان يتعود على بدائية الحياة بكل تفاصيلها ووحشيتها , فهو وحيد ومحاط بالمخاطر وفوق كل هذا وذاك هو لديه مهمة يجب ان يؤديها بهدوء , ولاشك من انها من المهام الشاقة المعقدة التي لاينفذها الا الاشداء من رجال الاستخبارات , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توترات متصاعدة في جامعات أمريكية مرموقة | الأخبار


.. !الرئيس الألماني يزور تركيا حاملا 60 كيلوغرام من الشاورما




.. مئات الإسرائيليين ينتقدون سياسة نتنياهو ويطالبون بتحرير الره


.. ماذا تتضمن حزمة دعم أوكرانيا التي يصوت عليها مجلس الشيوخ الأ




.. اتهام أميركي لحماس بالسعي لحرب إقليمية ونتنياهو يعلن تكثيف ا